السياسية:
تقرير : نجيب هبة

أظهرت عدد من دول العالم اهتماماً متزايداً بمنطقة البحر الأحمر وحرصت على التواجد العسكري في مياهه وإقامة قواعد عسكرية مطلة عليه ماجعله منطقة صراع قادم وتجاذب نفوذ وتنافس دولي شديد.. وقد ظهر التنافس جليا في تعزيز الوجود العسكري في المنطقة من قبل الولايات المتحدة واليابان وفرنسا وروسيا وبريطانيا وإيران والسعودية والإمارات، ومؤخراً الصين وحتى الكيان الصهيوني.

وعلاوة على كونه الممر المائي الأهم عالميا والذي تمر عبره نسبة كبيرة من التجارة العالمية بما فيها تجارة الطاقة فإن البحر الأحمر يربط شرق العالم بغربه ويحظى بأهمية جيوسياسية جعلته محط أنظار عدد من دول العالم.

قواعد أمريكية على طول البحر الأحمر

ويأتي في هذا السياق مانشرته وكالة أنباء أسوشيتد برس الأمريكية عن أن الولايات المتحدة تخطط لإقامة قواعد عسكرية جديدة على البحر الأحمر في السعودية، مع مطارين عسكريين.

وجاء في التقرير الذي أعده جون غامبريل ، أن “استخدام ميناء ينبع وقاعدة عسكرية في تبوك والطائف على طول البحر الأحمر، سيعطي الجيش الأمريكي خيارات على طول المعبر البحري”.

وقال المتحدث باسم القيادة المركزية الكابتن بيل أوربان “هذه خطط عسكرية حكيمة تسمح بالحصول على منافذ مشروطة في حالة الطوارئ، وليست استفزازية بأي حال ولا هي توسيع للحضور الأمريكي بالمنطقة أو السعودية تحديدا” حسب زعمه. وزار قائد القيادة المركزية الوسطى، الجنرال فرانك ماكينزي، ميناء ينبع السعودي الأسبوع الماضي .

وتعد دول الخليج العربية مقراً لقواعد عسكرية أمريكية عدة والتي جاءت نتاجا لحرب الخليج الأولى عام 1991 وغزو أفغانستان عام 2001 وغزو العراق عام 2003.

وأرسل الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب قوات إلى السعودية بعد الهجمات على منشآت النفط في 2019.

وهناك حوالي 2500 جندي أمريكي مع بطاريات باتريوت في قاعدة الأمير سلطان الجوية قرب الرياض. وقالت بيكا واسر، الصحفية في مركز “نيو أمريكان سيكيورتي” ، ومقره في واشنطن ، إن “هذه المواقع التي لن تكون فيها قوات دائمة ستسمح للقوات الأمريكية خفض قواتها من خلال المرونة”.

وحسب أسوشييتد برس فإن “خطط الطوارئ هذه موجودة في الشرق الأوسط، مثل الاتفاق الذي يسمح للقوات الأمريكية باستخدام القواعد العسكرية في عمان في ظروف محددة. لكن الساحل الغربي للسعودية يمنح أمريكا بعدا عن إيران التي استثمرت كثيرا في الصواريخ الباليستية”.

ونقل الصحافيون الذين رافقوا ماكينزي قوله إن “الخليج الفارسي سيكون مياها متنازعا عليها في ظل سيناريو حرب مع إيران، ولهذا فأنت تبحث عن أماكن تستطيع نقل قواتك إليها والدخول في مسرح الحرب بعيدا عن منطقة متنازع عليها”.

ولكن ما لا يفهمه الأعداء الأمريكيون أن قواعد الاشتباك ومعطيات التوازن الذي كان قائما مع قواتهم ودول المنطقة قد تغيرت.

وعلى الرغم من الشكوك حول طبيعة العلاقة الجديدة بين السعودية وإدارة بايدن إلا أن السعودية ودول الخليج تعتبر من اهم حلفاء واشنطن في المنطقة ومن الزبائن المهمين للسلاح الأمريكي وتعتمد عليها واشنطن لتأمين تدفق النفط والبضائع عبر مضيق هرمز.

وقد نقلت دولة الاحتلال الإسرائيلي مؤخرًا بطاريات القبة الحديدية والدفاع الصاروخي باتريوت إلى منتجع إيلات على البحر الأحمر.. وكانت تقارير صحفية أفادت أن غواصة إسرائيلية أبحرت من خلاله الشهر الماضي في خطوة رافقت تطورات متوترة في أنحاء الشرق الأوسط.

وفي نفس الوقت تقريبًا، أبحرت غواصة خاصة بالجيش الأمريكي مع زوج من السفن الحربية عبر مضيق هرمز. وأعلن الأسطول الأمريكي الخامس عن عبور غواصة الصواريخ الموجهة التي تعمل بالطاقة النووية من فئة أوهايو “يو اس اس جورجيا” وتم تمديد مهمة حاملة الطائرات “يو اس اس نيميتز” في الشرق الأوسط.


اهتمام تركي

كما أن تركيا أبدت اهتماماً بالتواجد في المنطقة ، حيث صادق البرلمان التركي على مذكرة رئاسية، حول تمديد فترة مهام القوات البحرية لدى الجيش التركي في خليج عدن ومياه الصومال الإقليمية وسواحله وبحر العرب والمناطق المجاورة لمدة عام.

ونصت المذكرة الرئاسية على أن القوات البحرية التركية العاملة في المناطق المذكورة، تولت بشكل فاعل مهمة ضمان سلامة السفن التجارية التي تحمل العلم التركي أو المرتبطة بتركيا، والمشاركة بنشاط في عمليات المجتمع الدولي المشتركة ضد أعمال القرصنة والسطو المسلح والإرهاب في البحار.

ويمنح البحر الأحمر مزايا لدول المنطقة يأتي في مقدمتها التفوق السياسي واكتساب قوة تجارية ملموسة ، وتشغل الدول المطلة عليه مكانة رئيسية ومؤثرة بشكل مباشر في الحياة التجارية والسياسية في منطقة واسعة تكتسب أهمية جيوسياسية كبيرة.


حلم روسي مؤجل

في الثامن من ديسمبر الماضي، أعلنت روسيا والسودان توصُّلهما إلى اتفاقية تسمح للأولى بتشغيل منشأة بحرية في بورتسودان على البحر الأحمر، لتصبح بذلك أول قاعدة عسكرية بحرية روسية في أفريقيا منذ العهد السوفيتي، مع منح الروس الحق في استخدام المطارات السودانية المجاورة لنقل الأسلحة والذخائر والمعدات اللازمة لبناء القاعدة وتشغيلها.

وحسب موقع الجزيرة نت فإن “الاتفاقية تمنح موسكو امتياز تشغيل القاعدة المُزمع إنشاؤها لمدة 25 عاما قابلة للتمديد التلقائي كل 10 أعوام بموافقة الطرفين، وتنص أيضا على أحقية البحرية الروسية في نشر ما يصل إلى أربع قطع حربية في وقت واحد. وفي المقابل، تتعهّد روسيا بتوفير الأسلحة والتدريب للجيش السوداني انسجاما مع اتفاق التعاون الأمني الذي وقّعه الطرفان في مايو 2019”.

وأضافت الجزيرة نت في تقريرها حول الاهتمام الروسي بمنطقة البحر الأحمر أن “هذه القاعدة السودانية تعد حلقة في سلسلة من المنشآت العسكرية التي تسعى موسكو لنشرها على طول الممرات المائية خارج حدودها ، وعلى الرغم من تواضع مواصفات المنشأة البحرية السودانية ، إلا أن أهميتها الإستراتيجية تفوق حجمها بكثير”.

واعتبر التقرير أن “موقعا بحريا في السودان من شأنه توسيع النفوذ البحري لروسيا في منطقة شرق أفريقيا والقرن الأفريقي، وعلى طول طرق الشحن الحيوية في البحر الأحمر ومضيق باب المندب، ويُلقي بموسكو في قلب معترك بحري تتنافس العديد من القوى الإقليمية والعالمية على السيطرة عليه”.

وأشار تقرير الجزيرة إلى أن “الأهمية الرئيسية ترجع أيضا إلى أن العودة لممارسة النفوذ في البحر الأحمر كان حلما مؤجلا طالما سعى الروس لتحقيقه منذ أُجبروا على مغادرة هذه المنطقة الحيوية أعقاب انهيار الاتحاد السوفيتي قبل قرابة ثلاثة عقود كاملة، وأن ذلك حلما يبدو أن موسكو تنجح في تحقيقه رغم كل شيء”.

وتبقى هناك حزمة من المخاطر السياسية المرتبطة بطموحات موسكو لتعزيز وجودها حول البحر الأحمر، وترتبط معظم هذه المخاطر بالمنافسة المتوقعة مع اللاعبين الآخرين في المنطقة.

وأكدت الجزيرة نت أن “روسيا تخطو إلى ساحة متنازع عليها بشدة بين الولايات المتحدة والصين، حيث يمتلك البلدان قاعدتين عسكريتين في جيبوتي، إلا أنه من غير المرجح أن تسعى موسكو في وقت مبكر لاستفزاز الولايات المتحدة”.

ولا ينفصل تزايد النفوذ العسكري والسياسي والاقتصادي للدول الأجنبية في حوض البحر الأحمر عن موجة التغييرات الجيوسياسية الجذرية في المنطقة وتتابع دول كثيرة عن كثب تحركات الكيان الصهيوني لإقامة تعاون مع العديد من دول المنطقة لزيادة نفوذها على البحر الأحمر.

وما يبدو واضحاً اليوم أن هناك دول وخاصة غربية لا تريد لهذه المنطقة أن تنعم بالسلام والاستقرار.. وقد حولتها إلى ساحة تنافس خاصة من خلال المخططات الرامية إلى زعزعة الاستقرار في بلدان المنطقة التي تقف خلفها دول الاستعمار التي تتغذى على الفوضى والاضطرابات الناشبة في البلدان المحيطة بالبحر الأحمر.


التطبيع والسيطرة على البحر الأحمر..

ويبدو أن اتفاقيات التطبيع مع العدو الصهيوني التي رعتها واشنطن والتواجد الأمريكي في منطقة البحر الأحمر كلها تصب في خانة تهيئة الأرضية المناسبة لتواجد الكيان الصهيوني في المنطقة..

على هذا الصعيد قال الصحفي الأردني إيهاب سلامة أن “الكيان الإسرائيلي وضع نصب عينيه، السيطرة على المنافذ والممرات البحرية في المنطقة، منذ احتلاله لأرض فلسطين وقد ظل البحر الأحمر على رأس الأطماع الصهيونية، نظراً لموقعه الجيواستراتيجي الهام”.

وأضاف أن الكيان الصهيوني “أدرك أن السيطرة على المنافذ والممرات البحرية المؤدية منه وإليه، يُحكم نفوذه على حركة الملاحة البحرية، ولم يكن ليتحقق ذلك دون تطبيع العلاقات مع دول الخليج، وليتمكن من تنفيذ حلمه الأزلي، بشق قناته البحرية الموازية لقناة السويس، التي سبق وأسماها “قناة بن غوريون”، تيمناً برئيس الكيان الأسبق “ديفيد بن غوريون” الذي وضع على رأس الأجندة الصهيونية عقب هزيمة العرب في حرب 48، حتمية السيطرة على البحر الأحمر، وربطه بالمتوسط، تحقيقاً لنبوءات توراتية باقامة “الدولة اليهودية” ما بين النيل والفرات”!

وأكد سلامة في مقال نشره في صحيفة “الرأي الأردنية أن “قناة بن غوريون” التي سبق وأن أعلنت سلطات الإحتلال عن ترصيدها موازنة بلغت 16 مليار دولار لتنفيذها، سيتم اقتراضها من بنوك أمريكية بفائدة واحد بالمئة فقط، بمدة سداد تمتد لثلاثين عاماً، ستغير قواعد اللعبة في المنطقة، وتعيد تشكيل هويتها الجيوسياسية، فهي تشكل تهديداً استراتيجياً لمضيق هرمز الإيراني، وقناة السويس المصرية، وسيتم تجاوزهما حال إنشائها، وتهميشهما، والإلتفاف عنهما”!

وأشار إلى أن “كيان الإحتلال يعي جيداً، أنه يقبع وسط بحيرة من الرمال العربية والإسلامية المتحركة، حتى وإن كان العديد من دولها تطبع معه في السر والعلن. إلا أن العقلية الإستراتيجية الصهيونية لا تعوّل على ضمانات معاهدات الأنظمة، بقدر تطويع البيئة المحيطة للكيان بشكل يضمن تفوقه، ويكفل سيطرته وهيمنته”

وخلص سلامة إلى أن “مجريات الأحداث الدراماتيكية ، تؤكد أن كيان الإحتلال يفرد جناحيه على المنطقة والإقليم، ويسعى لتذويب الصورة النمطية عنه ككيان مغتصب لأرض فلسطين ومقدساتها، بمساعدة عربية إسلامية، وينخرط مع دول المنطقة بتحالفات براغماتية هجينة، لفك عزلته، وترسيخ هيمنته السياسية والإقتصادية والأمنية، على دول وشعوب عربية، مزقتها الخلافات والصراعات الداخلية والبينية”.