اليمن.. اتفاق الرياض “على كف عفريت”
السياسية – رصد:
عزيز الأحمدي
بعد شهر على تهدئة سياسية بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي، عبر فصل قوات وتشكيل حكومة مناصفة، عادت لغة التصعيد تسود خطاب الجانبين، ما يضع اتفاق الرياض في مهب الريح.
فمنذ أيام، يتبادل الطرفان اتهامات، منها التملص من تنفيذ باقي بنود “اتفاق الرياض” 2019، والخروج عن الاتفاق، ومحاولة استغلاله لجني مزيد من المكاسب السياسية أو المناصب الحكومية غير المشمولة بالاتفاق.
وفي 26 ديسمبر/ كانون أول الماضي، أدت حكومة مناصفة بين الشمال والجنوب تضم 24 وزيرا، اليمين الدستورية، أمام الرئيس عبد ربه منصور هادي في السعودية (حيث يقيم)، بناء على “اتفاق الرياض”.
تلك الخطوة انعشت آمال الشارع اليمني المؤيد للسلطة الشرعية في توحيد الجهود لمواجهة جماعة الحوثي، المدعومة من إيران، ومعالجة الأزمة الاقتصادية الخانقة، جراء انهيار “الريال” اليمني أمام العملات الأجنبية.
ويخشى يمنيون من أن يؤدي التصعيد الراهن إلى انهيار التقدم المحرز في تنفيذ “اتفاق الرياض”، وعودة العلاقة بين الحكومة والمجلس الانتقالي إلى المربع صفر.
والأحد، توعد المجلس، في بيان، بمنع تنفيذ أي “قرارات أحادية” تصدرها الحكومة.
وهو وعيد جاء بعد نحو 10 أيام من صدور قرارات رئاسية بتعيين نائبا عاما للبلاد ورئيسا لمجلس الشورى ونائبين له.
ويزعم المجلس أن مثل تلك القرارات كان يجب أن تصدر بتنسيق مسبق معه، وأنها تخالف الدستور و”اتفاق الرياض”، وطالب هادي مرارا بالتراجع عنها.
فيما يقول مسؤولون حكوميون إن “اتفاق الرياض” لم ينص على التشاور إلا بشأن تشكيل الحكومة، وهو ما حدث بالفعل، ويتهمون المجلس بممارسة “الابتزاز” للحصول على مناصب جديدة خارج الاتفاق، ومن دون تنفيذ الشق العسكري والأمني منه.
ومن بين بنود ذلك الشق، خروج قوات المجلس الانتقالي من عدن إلى معسكرات خارج المدينة، وإعادة تنظيم القوات العسكرية والأمنية كافة في المحافظات الجنوبية تحت قيادة وزارتي الدفاع والداخلية.
لماذا يرفض قرارات هادي؟
خلافا لما يقوله المجلس الانتقالي بأن تعيينات الرئيس عبد ربه منصور هادي الأخيرة مخالفة للدستور و”اتفاق الرياض”، يعتقد مراقبون بوجود حيثيات أخرى خلف ذلك الرفض، أبرزها الخلفية السياسية لبعض المعينين في تلك المناصب.
فرئيس مجلس الشورى، أحمد عبيد بن دغر، هو رئيس الحكومة السابقة بين أبريل/ نيسان 2016 وأكتوبر/ تشرين أول 2018.
وحاولت تلك الحكومة، وفق المراقبين، الحد من نفوذ الإمارات، حليفة المجلس الانتقالي، ومواجهة مساعيها للاستيلاء على موانئ وجزر اليمن، بعيدا عن الهدف المعلن للتحالف العربي، التي دخلت أبوظبي تحت مظلته إلى اليمن.
ومنذ مارس/ آذار 2015، ينفذ التحالف، بقيادة الجارة السعودية، عمليات عسكرية في اليمن، دعما للقوات الموالية للحكومة، في مواجهة الحوثيين، المسيطرين على محافظات بينها العاصمة صنعاء (شمال) منذ سبتمبر/ أيلول من العام السابق.
كما أن “بن دغر”، وهو من محافظة حضرموت (جنوب شرق)، أحد القيادات الجنوبية البارزة، التي تتمسك بالدولة الاتحادية كخيار لمستقبل اليمن، وترفض صراحة أجندة المجلس الانتقالي الداعية إلى انفصال جنوب اليمن عن شماله، بدعوى أن الحكومات المتعاقبة تهمش الجنوب سياسيا واقتصاديا وتنهب ثرواته.
كما أن “بن دغر” أحد القادة البارزين في حزب المؤتمر الشعبي العام، برئاسة هادي، ويمتلك ثقلا في المحافظات الجنوبية، لاسيما حضرموت، ما يقلل من فرص المجلس الانتقالي في استمالة قادة ونشطاء حزب المؤتمر في محافظات الجنوب إلى صفوفه.
وعلى غرار “بن دغر”، فإن النائب العام الجديد، اللواء أحمد الموساي، من الكوادر المعروفة بولائها الراسخ للحكومة الشرعية وهادي.
ويتخوف المجلس الانتقالي، وفق مراقبين، من أن يمهد تعيين “الموساي” لفتح ملف حوادث الاغتيال السياسي التي شهدتها عاصمة البلاد المؤقتة (عدن) بين عامي 2016 و2018.
وطالت هذه الاغتيالات عشرات من قادة المقاومة الشعبية الموالية للحكومة، وضباطا في الجيش والأمن، إضافة إلى دعاة وأئمة مساجد.
وتتهم جهات رسمية وشعبية يمنية المجلس الانتقالي، ومن ورائه الإمارات، بالمسؤولية عن تلك الاغتيالات، وهو ما ينفيه المجلس وأبوظبي.
سخط على “الانتقالي” وانتقادات للرياض
التصعيد الراهن من جانب المجلس الانتقالي أثار ردود أفعال ساخطة عليه، وأخرى منتقدة للسعودية التي يحملها البعض المسؤولية، لفشلها في تطبيق الشق العسكري من “اتفاق الرياض”.
مستشار وزير الإعلام اليمني، مختار الرحبي، قال للأناضول إن المجلس الانتقالي يسعى إلى منازعة الرئيس هادي صلاحياته المنصوص عليها في الدستور، من خلال رفضه القرارات الرئاسية التي صدرت مؤخرا، ومطالبته بالتشاور المسبق معه بشأن أي قرارات.
وأضاف: “بعد حصوله (المجلس الانتقالي) على الشرعية وإشراكه في الحكومة، بدأ يتطلع إلى منازعة الرئيس صلاحياته”.
واعتبر أن “تصعيد الانتقالي ورفضه تنفيذ الشق العسكري من اتفاق الرياض وتمكين الحكومة (مقرها في عدن) من مزاولة مهامها بشكل كامل، يجعل اتفاق الرياض على كف عفريت”.
الناشطة، توكل كرمان، رأت عبر صفحتها بـ”فيسبوك” الإثنين، أن “توعد الانتقالي بمنع تنفيذ قرارات الرئيس على الأرض يعني شيئا واحدا فقط هو أن الشق العسكري والأمني لاتفاق الرياض لم ينفذ”.
ودعت كرمان إلى إخراج السعودية من اليمن كطريق للحل.
ميناء “قنا” النفطي
حدود التصعيد الحالي لم تقف عند أزمة القرارات الرئاسية، فملف ميناء “قنا” النفطي والتجاري في محافظة شبوة (جنوب شرق) فتح بابا آخر لتوتر العلاقة بين المجلس الانتقالي والحكومة الشرعية.
ففي 13 يناير/ كانون ثان الجاري، دشن محافظ شبوة، محمد صالح بن عديو، المرحلة الأولى من العمل في هذا الميناء، وبعدها بثلاثة أيام رست فيه أول باخرة محملة بـ17 ألف طن من مادة الديزل.
وقال مصدر أمني يمني للأناضول، طلب عدم نشر اسمه كونه غير مخول بالتصريح للإعلام، إن “الإمارات سعت إلى عرقلة رسو أول باخرة وقود في ميناء قنا”.
وتابع أن “الإمارات مارست ضغوطا على وزير النقل في الحكومة الشرعية، عبد السلام حميد (موالٍ للمجلس الانتقالي) لمنع إصدار ترخيص دخول لهذه الشحنة”.
وأضاف أن “الرئيس (هادي) تدخل شخصيا لتوجيه الوزير بإصدار الترخيص، إثر تلقيه شكوى من السلطات في شبوه”.
وتحدثت تقارير إعلامية يمنية عن استمرار احتجاج وزراء من المجلس الانتقالي (ممثل بـ5 وزراء) في الحكومة على تدشين العمل بالميناء.
والاثنين وجه هادي حكومته بتسهيل إجراءات العمل في الميناء، مشددا على أنه “يمثل شريانا هاما لشبوة والمحافظات المجاورة”، وفق وكالة الأنباء اليمنية الرسمية.
ويتهم مسؤولون يمنيون الإمارات بالسيطرة على موانئ يمنية، خاصة مينائي عدن (جنوب) وحضرموت (جنوب شرق)، وعدم السماح للحكومة بتشغيلهما، وهو ما تنفيه عادة أبوظبي.
* المصدر: الأناضول
* المادة الصحفية تم نقلها حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع