إسرائيل ودول خليجية يكثفون الضغوط لمنع عودة بايدن للاتفاق مع إيران
السياسية:
في 15 يناير/كانون الثاني 2021 أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية أنها بصدد إحداث تغيير في هيكلها القيادي يتضمن نقل إسرائيل من منطقة عمليات القيادة الأوروبية التابعة للقوات الأمريكية “يوكوم” EUCOM، إلى منطقة عمليات القيادة المركزية الأمريكية “سينتكوم” CENTCOM، المعنية بمنطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى وأجزاء من جنوب آسيا.
ولطالما كان تحفّظ العديد من الدول العربية ودول وسط آسيا ذات الأغلبية المسلمة، فيما يتعلق بالعمل مع إسرائيل تكليفاً محرجاً لهذه الدول، وهو ما كان يدفع الولايات المتحدة إلى ضم إسرائيل تحت القيادة الأوروبية التي تعمل خارج موقعها الجغرافي، غير أن التقارب الأخير بين إسرائيل وبعض الدول العربية والإسلامية غيّر هذه الحسابات.
قرار لن يستطيع بايدن نقضه وله تبعات
وحظي هذا التغيير بأهمية بارزة، كما هو توقيته، إذ أتى قبل أيام فقط من رحيل إدارة ترامب، لكن الأرجح أن بايدن لن ينقض هذا التغيير، لكنه سيضيف إليه بعض التفاصيل المهمة، كما يقول موقع Responsible Statecraft الأمريكي.
في غضون ذلك، بدأت إسرائيل في عملٍ وثيق مع السعودية والدول العربية الأخرى القلقة من تنفيذ بايدن لتعهده بالعودة إلى الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015، “خطة العمل الشاملة المشتركة”.
فالتحالف المناهض لإيران بقيادة إسرائيل والسعودية عازم على إقناع بايدن باستخدام العقوبات التي فرضتها إدارة ترامب للضغط على إيران من أجل تقديم مزيدٍ من التنازلات، والتي تشمل، وفقاً لتقارير، تمديد القيود وعمليات التفتيش الأشد صرامة لمدة 25 عاماً بدلاً من 15 عاماً المتفق عليها حالياً، علاوة على التوصل إلى اتفاقيات جديدة بشأن برنامج إيران للصواريخ الباليستية، وفيما يتعلق بدعمها لمجموعات وميليشيات أخرى عديدة في جميع أنحاء المنطقة.
ضغوط خليجية – إسرائيلية على إدارة بايدن لإفشال الاتفاق مع طهران
ومع ذلك، يذهب عديد من المراقبين إلى أنه من غير المرجح أن تنجح محاولة توسيع نطاق خطة العمل المشتركة بدرجةٍ كبيرة. فمن وجهة النظر الإيرانية، تبدو أي تغييرات يجري الموافقة عليها بمثابة مكافأة للولايات المتحدة على خرقها الاتفاقية في المقام الأول. وينحو الشركاء الأوروبيون في الصفقة إلى الرأي نفسه، حتى لو دعموا فكرة محاولة توسيع نطاق الصفقة بمجرد عودة الولايات المتحدة إليها.
على الجانب الآخر، فإن هذا لن يزعج القادة في تل أبيب والرياض، فهم سعداء برؤية الاتفاقية تنهار وتتبدد بنودها بالكامل. ومع ذلك، فهم يدركون أن بايدن، نائب الرئيس السابق الذي قاد مهمة الضغط في الكونغرس الأمريكي من أجل دعم إنجاز السياسة الخارجية الأكبر لباراك أوباما، عازمٌ على إعادة الهدوء إلى الخليج وحملِ إيران على الامتثال للاتفاقية التي بذل ورفاقه الجهود لإتمامها وعملوا على تفاصيلها خطوة بخطوة. ومن ثَم، فإن الأطراف السعودية والإسرائيلية تأمل، بدلاً من ذلك، في إقناع بايدن بتوسيع نطاقها.
هناك دعم كبير لهذا النهج، ويمتد ذلك الدعم إلى دائرة المستشارين الخاصة بالرئيس الأمريكي بايدن نفسها. وكشف عن ذلك تصريحات أدلى بها السيناتور الديمقراطي المقرب من بايدن، كريس كونز، حيث قال إنه لن يدعم عودة الولايات إلى الاتفاقية النووية “دون مسارٍ واضح بطريقة ما فيما يتعلق ببرنامج الصواريخ الباليستية الإيراني ودعمها للوكلاء” في المنطقة. كما عبّر السيناتور الديمقراطي، كوري بوكر، عن وجهة نظر مماثلة قبل انسحابه من المنافسة على ترشيح الحزب الديمقراطي للرئاسة العام الماضي.
ومع ذلك، إذا قدم بايدن حجةً قوية، كما فعل قبلاً، تفيد بأن السبيل الوحيد للمضي قدماً هو إعادة الدخول في الاتفاقية كما هي، ثم التفكير في كيفية التوسع فيها، فمن المحتمل أن يتحد الديمقراطيون خلفه، خاصةً إذا اختار فعل ذلك في أيامه المبكرة في المنصب. وحينها سيكون السبب الأبرز لذلك هو الرغبة القوية في إصلاح الضرر الهائل الذي ألحقته رئاسة ترامب بمكانة الولايات المتحدة ومصداقيتها عالمياً.
“لا يزال لديهم نفوذ راسخ بواشنطن”
وفي حين أن إسرائيل والسعوديين لا يزال لديهم نفوذ راسخ في واشنطن، فإن تأثيرهم في إدارة بايدن ونفوذهم على سياسات الإدارة الجديدة ربما يكون قد تقلص بالفعل إلى حد كبير. فالدعم للشراكة الأمريكية الوثيقة مع السعودية في أدنى مستوى له على الإطلاق.
ويقول موقع Responsible Statecraft الأمريكي إن “الصورة الساحرة” التي قدمها ولي العهد محمد بن سلمان عن نفسه في البداية ما انفكت تتبدد على نحو مذهل منذ اغتيال الصحفي جمال خاشقجي. وعلى هذا النحو جاءت تصريحات بايدن في مناظرة أولية للحزب الديمقراطي في عام 2019، بالقول: “أود أن أشدد على أننا [لو كنا في مكان إدارة ترامب حين اغتيال خاشقجي] لم نكن لنبيع لهم مزيداً من الأسلحة. في الواقع، كنا سنجعلهم يدفعون الثمن، وكنا سنجعلهم يعيشون واقع كونِهم منبوذين كما هم”.
وبطبيعة الحال، ليست هذه طريقة قد يشير بها رئيس قادم إلى حليفٍ قد يقنعه بتغيير سياسته التي استندت حملته على المضي قدماً فيها. لكن من ناحية أخرى، سيواجه بايدن كثيراً من الضغوط لتجاوز نفوره حيال محمد بن سلمان والحفاظ على العلاقة الوثيقة بين الولايات المتحدة والسعوديين منذ عقود. ومع ذلك، يبدو من غير المستبعد أن تكون السعودية قادرة على دفع بايدن إلى اتخاذ مواقف عدوانية تجاه إيران.
الإمارات تعرف كيف تحرك لوبياتها في واشنطن أيضاً
أما الإمارات، فتبدو في وضع أفضل؛ إذ ريما يكون سفير الإمارات في الولايات المتحدة، يوسف العتيبة، أكثر ممثلي الشرق الأوسط نفوذاً وعلاقات في واشنطن. فقد أقام ارتباطات قوية مع شخصيات في كلا الحزبين، الديمقراطي والجمهوري، وبات يعرف من أين تؤكل الكتف فيما يتعلق بتحريك الأمور وحشد الدعم في الكونغرس الأمريكي.
علاوة على أن اتفاقية التطبيع الإماراتية الأخيرة مع إسرائيل ستكون مفيدة له أيضاً، فهي ستمدُّه بمزيد من المساعدة من جانب الأطراف الموالية لإسرائيل ولوبياتها فيما يتعلق بتمثيل التحالف المناهض لإيران أمام إدارة بايدن.
والواقع أن العتيبة سيكون في حاجة إلى هذه المساعدة؛ لأن رئيس الوزراء الإسرائيلي سيكون مقيّداً إلى حدٍ ما فيما يتعلق بالتأثير مباشرة على سياسة بايدن تجاه إيران، بحسب الموقع الأمريكي.
وهنا، ينبغي أن نلفت الانتباه إلى أن إدارة بايدن، وإن كانت ستولي اهتماماً كبيراً لمخاوف إسرائيل، فإن ثمة حقيقة لا تنفك تبرز، وهي المتعلقة بالضرر الفادح الذي تسبب فيه نتنياهو لعلاقته هو شخصياً مع الحزب الديمقراطي ومكانته في الولايات المتحدة بوجه عام، وذلك بتأييده الصريح لدونالد ترامب وتجاهله الصارخ لتقليد إسرائيل التاريخي المتعلق بالحفاظ على توازن في العلاقة مع كلا الحزبين الأمريكيين وعدم التدخل في السياسات الأمريكية الداخلية.
برغم التوترات.. بايدن لن يتجاهل السعوديين والإسرائيليين
وفي هذا السياق، من المؤكد أن بايدن لم ينسَ إحراج نتنياهو له في عام 2010 بإعلانه عن خطط لتوسيع مستوطنة رمات شلومو الواقعة في أراضي القدس الشرقية أثناء زيارة بايدن لإسرائيل. وحتى إن نزع بايدن إلى تجاوز تلك الإهانة، فقد حرص نتنياهو على ألا يفعل ذلك بإعلانه عن توسع آخر في مستوطنة رمات شلومو، بعد أيام فقط من فوز بايدن بالرئاسة في انتخابات 2020.
ولا شك في أن بايدن لم ينسَ أيضاً كيف انتقص نتنياهو من شأن أوباما، من خلال التحرك من ورائه والتآمر مع رئيس مجلس النواب الجمهوري آنذاك، جون بينر، لترتيب جلسة مشتركة للكونغرس، والتي وجه فيها نتنياهو انتقادات حادة لأوباما واتفاقه مع إيران.
مع ذلك، وفي حين أن العلاقات مع إدارة بايدن وأقرب حليفين للولايات المتحدة في الشرق الأوسط قد تكون متوترة، إلا أنها لا تزال وثيقة. وبايدن لن يتجاهل السعوديين والإسرائيليين، ولن يستطيع إذا أراد ذلك، لما لهم من نفوذ واسع النطاق في واشنطن. كما أن القرار الأخير بإدراج إسرائيل في القيادة المركزية الأمريكية سيُسهل التعاون العسكري المباشر بين الولايات المتحدة وحلفائها العرب وإسرائيل، وهو التعاون الذي قد يعزز قدرتهم على دفع بايدن نحو مواقف أشد عدوانية حيال طهران.
وخلص موقع Responsible Statecraft الأمريكي إلى أنه من الأهمية بمكان لإدارة بايدن أن تستمع إلى الأمريكيين الذين يدعمون العودة إلى “خطة العمل الشاملة المشتركة” دون تغييرات؛ إذ سيكون هذا الدعم ضرورياً لمواجهة النفوذ الإسرائيلي وضغط الدول الخليجية كالسعودية والإمارات، وسيُساعد في تحديد المسار الأوليّ لسياسة بايدن في المنطقة على مدى السنوات الأربع المقبلة.
وكالات