السياسية:

يبدو أن رحيل الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، عن البيت الأبيض لن يصل تأثيره فقط إلى الدول العربية؛ بل سيصل إلى تل أبيب أيضاً، في ظل مرحلة الاضطراب السياسي التي يعانيها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، خاصةً مع وجود 3 قضايا خلافية مع الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن: الملف النووي الإيراني، وبناء المستوطنات، وعلاقة إسرائيل الواسعة مع الصين.

فعادةً ما يدمج نتنياهو “التهديد النووي الإيراني” بحملاته السياسية وآفاقه الشخصية. ويمكننا استعارة مقولة همفري بوغارت الشهيرة لإنغريد برغمان، من أجل التعبير عما يجول في ذهن نتنياهو: “ستكون لدينا دوماً بلاد فارس”، كما يقول تقرير لصحيفة Haaretz الإسرائيلية.

إن كانت النفعية السياسية هي ما يُحرِّك نتنياهو، وهي عادةً ما يُحرِّكه، فما كان بإمكان نتنياهو أن يرغب في أجندة أفضل من تلك التي يُتوقَّع أن تهيمن على السياسة الخارجية الأمريكية والسياسة الإسرائيلية على مدار الشهرين المقبلين. فبالنسبة لنتنياهو، هناك تزامن مثالي بين إدارة بايدن الجديدة -التي ستُجري في الأسابيع القليلة المقبلة مداولات داخلية، وتصوغ خيارات السياسة، وتتفاوض مع الأطراف الأخرى المُوقِّعة، وتُقرِّر ما إذا كانت ستعاود الرجوع إلى الاتفاق النووي الإيراني أم لا- وانتخابات إسرائيلية أخرى في 23 مارس/آذار المقبل، على الضفة الأخرى من المحيط الأطلسي.

3 قضايا محل خلاف

تُعَد القضية الإيرانية واحدة من بين ثلاثة مجالات محتملة للتوتر في علاقة بايدن-نتنياهو على مدار الأشهر المقبلة. ويتمثل المجالان الآخران في علاقات إسرائيل التجارية المتوسعة مع الصين، و”الصراع الإسرائيلي الفلسطيني” المستمر ومشتقاته وقضاياه الفرعية. كانت لإسرائيل أيضاً مواجهات مع إدارة ترامب في ما يتعلَّق بمسألة الصين، أمَّا على الصعيد الفلسطيني، فستُقدِّم الإدارة الجديدة نهجاً مختلفاً عن الإدارة الراحلة.

جدعون ساعر انقلب على نتنياهو وينوي الإطاحة به من رئاسة الحكومة/ Ynet

وهناك افتراضان شائعان يحكمان بدايةً علاقة بايدن – نتنياهو. الأول هو أنَّ السياسة الخارجية بصفة عامة والشرق الأوسط على وجه الخصوص، لن يكونا على قمة أجندة الرئيس الأمريكي، في ظل استنزاف أزمة فيروس كورونا المستجد (كوفيد 19) وتداعياتها الاقتصادية الوخيمة للولايات المتحدة.

أمَّا الافتراض الثاني فهو أنَّ نتنياهو، على حافة الانتخابات الإسرائيلية وفيما يواجه محاكمة جنائية في ثلاث قضايا فساد، سيسعى بنشاط إلى مواجهة منضبطة مع إدارة بايدن بخصوص السياسة تجاه إيران. علاوة على ذلك، يقول المنطق إنَّ مثل هذه المواجهة حتمية بعد سنوات من استعداء الديمقراطيين والاصطفاف بنفسه إلى جانب الحزب الجمهوري وإقامة صداقة متينة مع دونالد ترامب.

تعددية الأطراف والتحالفات وغيرها

من الواضح بجلاءٍ أنَّ جو بايدن سيشرع في عكس مسار السياسة الخارجية الأمريكية التي انتُهِجَت في عهد ترامب. ومن غير الواقعي افتراض أنَّ الرئيس السابق للجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي سينأى عن السياسة الخارجية.

وبالإمكان توقُّع أن يستثمر بايدن ووزير خارجيته، أنتوني بلينكن، الوقت والطاقة ورأس المال السياسي لاستعادة مصداقية أمريكا وقيادتها على الساحة الدولية. وستعود كلمات “التحالفات” و”تعددية الأطراف” و”التعاون الدولي” كلها إلى القاموس.

في هذا السياق –المتعلق بإعادة تأكيد وإبراز القوة الأمريكية على الساحة الدولية- سيتحقق التوتر المحتمل مع إسرائيل.

بالنسبة لقضية إيران، فإنَّ الساحة جاهزة فعلاً؛ إذ تبحث واشنطن كيفية التعامل مع الاتفاق النووي لعام 2015. والعودة إلى الوضع السابق ليست ممكنة ولا مرغوبة. فإيران انتهكت الاتفاق وجددت تخصيب اليورانيوم، ولو أنَّ ذلك على نطاق أصغر مما كان قبل توقيع الاتفاق. وقد تكون العودة إلى نفس الاتفاق الذي وُقِّعَ عام 2015 صعبة، في حين قد يؤدي عدم العودة إلى خلق أزمة نووية خطيرة.

وتعتمد طريقة التعامل مع هذا الوضع الدقيق بصورة كلية على نتنياهو، وليس بايدن. فالحوار الهادئ والودي والعاقل قد يمنحانه دوراً ونفوذاً. في حين أنَّ حملة “إسرائيل قلقة من أن يكون بايدن هو نيفيل تشامبرلين، أن يكون عام 2021 هو عام 1938” الصاخبة التصادمية لن تُكسِبه أي أصدقاء في واشنطن الخاضعة الآن لسيطرة ديمقراطية موحدة. لكنَّها قد تخدمه سياسياً.

سمح نتنياهو في مارس/آذار 2015، قبل أسبوعين من الانتخابات الإسرائيلية في ذلك العام، لنفسه، ومن خلف ظهر الرئيس باراك أوباما، بالحديث أمام الكونغرس ضد الاتفاق مع إيران، الذي لم يكن قد وُقِّع بعد، وهو الأمر الذي أدَّى إلى ارتياع نائب الرئيس آنذاك بايدن كثيراً. وإعادة طرحه عام 2015 مجدداً ليس شيئاً ينبغي أن يتطلَّع إليه أحد.

عقدان مهمان

بعيداً عن إيران، تُعَد الصين هي القضية الأكثر احتمالاً لخلق توترات؛ إذ تعمل إسرائيل على توسيع علاقاتها مع بكين بشكل سريع وواسع. ما يقلق واشنطن هي الاستثمارات الصينية الضخمة في البنية التحتية الاستراتيجية: ميناء حيفا، محطات تحلية المياه، شبكات الجيل الخامس الخلوية، والقطارات، والتعاون الدفاعي الواضح، لكنه صغير.

ضغطت الولايات المتحدة على إسرائيل في عامي 1999 و2000 بصورة قوية -وناجحة- للتراجع عن بيع أنظمة الإنذار المبكر والتحكم المحمول جواً Phalcon للصين. قبلت إسرائيل على مضض طلب بيل كلينتون وألغت الصفقة. لكنَّ صين العام 2021 ليست هي نفسها صين العام 2000، والحال نفسه بالنسبة للولايات المتحدة وإسرائيل. واحتمال التوتر هنا أعلى.

أخيراً، هناك الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني الشامل، وهذا أمر ستود إدارة بايدن حقاً أن تتجنَّبه خلال الأشهر الـ12-18 المقبلة، إن لم يكن أطول من ذلك. ويبقى أن نرى التوجه الذي ستسلكه واشنطن، سواء أكان العودة إلى مفاوضات نموذج الدولتين الذي انتهجه جون كيري، أم عملية تستند بشكل فضفاض إلى اتفاقات أبراهام التي رعاها ترامب، أم شيئاً مختلفاً تماماً.

في الوقت نفسه، سيدفع استمرار السياسة الصريحة اللامبالية لتوسيع المستوطنات ومغازلة الضم، سواء لأغراض انتخابية أو حقيقية، بايدن إلى القيام بتحرك ما. لقد ولَّت أيام مبدأ “دولتين، أو دولة واحدة، أو أياً ما يكون ما تقررون” المدروس والثاقب الذي اتبعه ترامب.

لكنْ هناك أمر واضح تمام الوضوح: كل هذه المزالق ليست حتمية. فكل ما يتطلَّبه الأمر لمنعها من التحول إلى مواجهات شاملة هو الحس السليم، وحسن النية، والصراحة. كل هذا صحيح، ما لم ننظر بالطبع إلى سِجل نتنياهو.

وكالات