السياسية:

نشرت وكالة Bloomberg الأمريكية تقريراً حول التغير الجذري لدور المملكة العربية السعودية، حول مختلف قضايا المسلمين حول العالم، مستشهدة بموقف المملكة التي كانت تعتبر “قائدة للعالم الإسلامي”، من قضية اضطهاد الصين لأقلية الإيغور المسلمة، وغيرها من القضايا الإسلامية.

وتحدثت بلومبيرغ عن منح الرياض مساحة إعلامية للقنصل الصيني في جدة تان بانغلين -في واحدةٍ من أكثر الصحف قراءةً في المملكة- كي يدافع فيها عن معاملة بلاده للمسلمين الإيغور في مواجهة الانتقادات الدولية، حيث تحدَّثَ تان عن “اتِّحاد الحزب الشيوعي مع الناس في مقاطعة شينجيانغ”، ذلك الاتِّحاد الذي أدَّى إلى تغييراتٍ “كبيرة”. حيث يأتي ذلك في الوقت الذي اتَّهَمَت فيه دولٌ، من بينها الولايات المتحدة، الصين بالزجِّ بأقلية الإيغور في معسكرات الاعتقال. 

حسابات السعودية تجاه العالم الإسلامي تغيرت على يد ولي عهدها

تقول الوكالة الأمريكية إن هذا الصوت الممنوح للقنصل الصيني في جدة، على بُعدِ أقل من 70 كيلومتراً من مكة أقدس مدينةٍ في الإسلام، يعكس بوضوح الحسابات السياسية الجديدة في عهد ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، لأنه يعطي الأولوية لمزيدٍ من المصالح الوطنية العلمانية، في منعطفٍ حاسمٍ بالنسبة للمملكة. وقد يخدمه هذا المنعطف جيِّداً، بينما تتغيَّر الإدارة في واشنطن، على الرغم من معارضة الولايات المتحدة لما تفعله بكين في شينجيانغ. 

وتتبلور وجهة النظر السعودية إزاء العالم بشكلٍ أكبر من خلال حسابات الأعمال الصارمة، وتحوُّل الحقائق الجيوسياسية، وظهور الطاقة النظيفة كمنافسٍ للنفط، بينما تواجه تحدياً من تركيا في قيادة العالم الإسلامي السني. 

كانت المملكة أقل صراحةً بشأن القضية الفلسطينية، والتي كانت لعقودٍ من الزمن سبب صيتها الواسع. وكان من الجلي غياب الدعم السعودي للسكَّان المسلمين في منطقة كشمير، حيث تحوَّلَت الحكومة الباكستانية إلى تركيا، بينما عزَّزَ وليّ العهد التجارة مع الهند. 

“التغيير الجديد في السعودية تجاه العالم الإسلامي مطلوب وموضع ترحيب”

من جهته، يقول الأكاديمي السعودي الأمير عبدالله بن خالد، لبلومبيرغ: “عانت المملكة السعودية من الإسلام السياسي العابر للحدود، إذ كان بعض مواطنيها مِن بين أول مَن سافروا لمساعدة إخوانهم المسلمين، لكنهم لم ينتموا كثيراً لقضاياهم الوطنية”. وأضاف: “لذا كان تغيير المسار مطلوباً، بل كان موضع ترحيبٍ كبير”. 

وتعهَّد الرئيس الأمريكي جو بايدن بمعاملة المملكة السعودية بسياسة النبذ، بعد أربع سنواتٍ من العلاقات الوثيقة مع سلفه دونالد ترامب. ومن المُحتَمَل أن تكون المحادثات حول قضايا حقوق الإنسان، وحرب المملكة المدمِّرة على اليمن، والتنافس مع إيران، محادثاتٍ غير مريحة في النهاية. 

قد يكون هناك أيضاً المزيد من التوتُّر بشأن مقتل الناقد والكاتب الصحفي جمال خاشقجي في 2018، في القنصلية السعودية في إسطنبول، بعد أن تعهَّدت مُرشَّحة بايدن لمنصب مديرة المخابرات الوطنية بنشر تقرير عن المسؤول عن القتل. 

“تراجع الدور السعودي قد يكون مفيداً للغرب”

لكن التراجع عن التدخُّل في الخارج “تحت غطاء دعم المسلمين” قد يحرز بعض “النقاط الإيجابية” مع إدارة بايدن، وفقاً لإميلي هوثورن، المُحلِّلة في تكساس لدى مركز ستراتفور للدراسات الأمنية والاستراتيجية، التي تقدِّم المشورة للعملاء بشأن المخاطر الجيوسياسية. 

تقول هوثورن: “قد يرى السعوديون أن التحوُّل إلى دولةٍ حديثة تركِّز على الاقتصاد أهم من الاستمرار في رعاية هذا الدور القيادي في العالم الإسلامي الأوسع”. وأضافت: “إنها مقامرة، لكنها قد تكون جيِّدة بالنسبة لهم فيما يتعلَّق بكسب بعض النفوذ للمملكة”. 

وحتى سنواتٍ قليلة مضت، كان من النادر أن نرى ثناءً حاراً على حزبٍ شيوعي في صحيفةٍ سعودية داخل المملكة، ناهيكم عن مدحٍ من مُمَثِّلٍ لدولةٍ كانت تحت المجهر بسبب اضطهادها للمسلمين. في حين أنه، في ثمانينيات القرن الماضي، أرسل السعوديون الأموال إلى أفغانستان للانضمام إلى الحرب ضد الاحتلال السوفييتي لذلك البلد. 

الانفتاح والاقتصاد أولاً وأخيراً بالنسبة لمحمد بن سلمان

وتعزَّزَت العلاقات السعودية مع الصين إلى ما يتجاوز توريد النفط. قام الملك سلمان، الذي تولَّى العرش في 2015، ووليّ العهد كذلك، بزياراتٍ منفصلةٍ إلى بكين. وفي رحلته عام 2019، بدا أن الأمير يدافع عن قمع الصين للمسلمين، ووقَّع صفقةً لبناء مجمَّع تكرير وبتروكيماويات بقيمة 10 مليارات دولار. 

وهذا الشهر، يناير/كانون الثاني، أطلقت شركة هواوي الصينية أكبر متجرٍ لها خارج الصين في العاصمة السعودية، الرياض. وغرَّدَ وزير الاستثمار السعودي، خالد الفالح، بالنبأ على منصة تويتر، قائلاً إنه “مسرور” لهذا الإعلان. 

تقول بلومبيرغ: كانت تلك رحلةً بدأت ببطءٍ بعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001 الإرهابية التي نفَّذَها 19 خاطفاً، 15 منهم سعوديون. وتحت ضغط كبح جماح المتطرِّفين، شنَّت المملكة السعودية حملةً ناجحةً ضدهم في العقد الأول من الألفية. وبشكلٍ ملحوظ، جعل الملك الراحل، عبدالله بن عبدالعزيز، العيد الوطني السعودي في 23 سبتمبر/أيلول علطةً، مِمَّا أثار غضب الأصوليين الذين لا يعتقدون أنه ينبغي تقسيم المسلمين حسب الحدود. 

ومع صعوده إلى السلطة قبل أربع سنوات، كَبَحَ الأمير محمد بن سلمان نفوذ المؤسَّسة الدينية القوية، ومَنَحَ المرأة المزيد من الحريات، وسَمَحَ بالحفلات الموسيقية ودور السينما، لكن الكحول لا يزال ممنوعاً. وفي المقابل، شدَّدَ السيطرة على توزيع المساعدات المالية في الخارج، مِمَّا جعلها إلى حدٍّ كبير للحكومات، لا للجماعات والمنظمات الإسلامية مباشرةً. 

وقال الأمير محمد، الأكاديمي السعودي، إن التغيير لم يكن تخلياً عن قضايا المسلمين، بل “موازنةً للدعم لهم مع ضرورات وحساسيات وأولويات الدولة، مع العلم أن السياقات المختلفة تملي حقائق مختلفة”، حسب تعبيره.

التخلي عن القضايا المصيرية تاريخياً في العالم الإسلامي 

في الواقع، اعتادت المملكة السعودية أن تكون أول دولة تُلام على تأجيج التطرف خلال العقود الأخيرة. وحالياً، يقول وليّ العهد، من خلال أفعاله وقراراته، أن واجب المملكة هو رعاية الحرمين الشريفين في مكة المكرَّمة والمدينة المُنوَّرة، واستقبالهما المسلمين من جميع أنحاء العالم. ومن أهداف خطته لهيكلة الاقتصاد توسيع الحرمين الشريفين وزيادة عدد الحجَّاج. 

في الوقت نفسه، أشارت القيادة السعودية إلى أن واجب المملكة هو “إصلاح مشكلات المسلمين في جميع أنحاء العالم”. لكن عندما ألغت الهند ما يقرب من سبعة عقود من الحكم الذاتي الذي تمتَّعَت به ولاية جامو وكشمير ذات الأغلبية المسلمة، كانت باكستان، التي تطالب أيضاً بالمنطقة، تأمل في تحفيز المملكة السعودية حول هذه القضية. لكن المملكة، أكبر مُصدِّر للتحويلات إلى باكستان ومن بين أكبر دائنيها، لم تفعل ذلك. 

وفي المقابل، ازدهرت التجارة مع الهند، التي تعتبرها المملكة قوةً اقتصاديةً مهمة، منذ ذلك الحين، إذ تسعى السعودية إلى تعميق موطئ قدمها في هذا البلد. وفي الربع الثالث من 2020، دفعت الهند، إلى جانب مصر، زيادة الاستثمار الأجنبي في المملكة، وهو إحدى الركائز الرئيسية لخطة التنويع الاقتصادي التي وضعها وليّ العهد. 

وكالات