طوال سنوات وُصفت الحشرات القابلة للأكل بأنها الثورة المقبلة في الأغذية المستدامة.

لماذا لم نستسغ طعم يرقة الخنفساء بعد؟ وترجع الأسباب الى……

دايزي دان

“يرقات الخنافس [ديدان تتغذى عليها بعض الطيور والحيوانات] حشرات نافعة من نواحٍ عدة. كذلك تتميَّز بطعم رائع جداً”، تقول تيزيانا دي كوستانزو، واحدة من مؤسسي “هورَيزن”Horizon ، مزرعة صغيرة لتربية الحشرات الصالحة للأكل في العاصمة البريطانية لندن.

منذ سنتين ونصف سنة تقريباً، بدأت دي كوستانزو وعائلتها تربية تلك الديدان في سقيفة مساحتها 30 متراً مربعاً. والآن، تبيع الشركة يرقات الخنافس الحية والصراصير المجفَّفة لزبائن في المملكة المتحدة.

“بالنسبة إلينا، كل ما نقوم به يرمي إلى الحفاظ على البيئة الطبيعية”، تقول دي كوستانزو مضيفةً، “اعتقدنا، من منظور مثاليّ، أن الآخرين سيحذون حذونا، وسيكون لدينا كثير من المزارع الحضرية الصغيرة المتخصصة في تربية الحشرات، على غرار “هورَيزن”. بيد أن ذلك في الحقيقة لم يكن يلقى رواجاً جيداً”.

وفي السنوات القليلة الماضية، كثيراً ما وُصفت تربية الحشرات للاستفادة منها كطعام بأنها الثورة المقبلة في الأغذية المستدامة، في الدول الغربية.

و يتمثل أحد الأسباب وراء ذلك، في أن الحشرات، مقارنةً بالماشية المعتادة كالعجل والخروف، تتطلب موارد أقل بأشواط، وتطلق مستويات أقل من انبعاثات غازات الدفيئة.

“في المستطاع تربية الحشرات على جزء صغير من الماء والأعلاف والمساحة التي تتطلبها الماشية التقليدية”، بحسب ما تشرح ماكنزي ويد، وهي طالبة دكتوراه تدرس التصورات المتعلقة بالحشرات الصالحة للأكل في جامعة كاليفورنيا، بسانتا بارابارا.

في الوقت الحاضر، تربية المواشي هي وراء نحو 14.5 في المئة من انبعاثات غازات الدفيئة العالمية، وفق “منظمة الأغذية والزراعة” (“الفاو” FAO)، التابعة لمنظمة “الأمم المتحدة”.

معلوم أن إنتاج اللحوم الحمراء يترك أثراً ملوِّثاً جداً على البيئة. ويُعزا ذلك بصفة رئيسة إلى أن الأبقار والأغنام حيوانات “مجترة”، لذا تتجشأ كميات كبيرة من غاز الدفيئة “الميثان”، عند هضمها الأعلاف التي تتغذى عليها.

علاوة على ذلك، يتطلب إنتاج المواشي إزالة مساحات كبيرة من الأراضي الحرجية بغية إيجاد مساحة لرعي قطعان الماشية أو لزراعة الأعلاف الحيوانية، ما يتسبب في إطلاق مزيد من انبعاثات غازات الدفيئة.

وعلى سبيل المقارنة، في المستطاع تربية الحشرات في أي مكان تقريباً، بما في ذلك الحدائق الخلفية للمنازل، في المناطق الحضرية. ويمكن أن تؤكل يرقات الخنافس والصراصير كاملةً، فلا يُهدر أيّ جزء من الحشرة. حتى أن في الإمكان الحد من الهدر إلى ما هو أبعد من ذلك أيضاً في المزارع الصغيرة على شاكلة “هورَيزن”، وفق دي كوستانزو.

وتشرح دي كوستانزو وجهة نظرها قائلة، “تعمل شركتنا وفق منهجية الاقتصاد الدائري [القضاء على الهدر والاستخدام المستمر للموارد]. نأخذ الخضراوات الفائضة من بعض متاجر المواد الغذائية المحلية في منطقتنا ونستخدمها علفاً للحشرات. كذلك نجمع “مخلفات” الحشرات، أي برازها، ونبيعها أيضاً”.

تذكيراً، وجد استطلاع رأي أُجري عام 2019 أن نحو ثلث السكان في المملكة المتحدة يعتقدون أن الحشرات القابلة للأكل ستصبح في نهاية المطاف جزءاً من وجباتهم الغذائية.

ولكن ترى ويد أن الحشرات الصالحة للأكل لا تزال بعيدة عن تشكيل جزء أساسي من النظم الغذائية السائدة في الدول الغربية. وفي تحليل حديث نُشر في مجلة “إنفايرومنتل ريسرتش ليترز” Environmental Research Letters، تستكشف ويد وزميل لها بعض الأسباب وراء ذلك.

وتقول في هذا الصدد، “ترتبط الأطعمة التي نعتبرها “ملائمة” للأكل بثقافة الطعام الخاصة بنا. منذ الصغر، نتعلم أي طعام يعد مقبولاً ولذيذاً ومغذياً، وتصبح تلك الأطعمة مألوفة بالنسبة إلينا”.

وتضيف “المعارف الثقافية التي نتلقفها غالباً عن الحشرات منذ سن مبكرة تصوِّرها لنا كآفات وأنواع حية ناقلة للأمراض”.

“وعندما تظهر الحشرات كطعام في الثقافة الشعبية الغربية، يقتصر ذلك عادةً على أفلام الديستوبيا [نقيض اليوتوبيا، عالم المُثل] فحسب”، كما تقول ويد، “أو المسابقات التلفزيونية، والمثال الأشهر في المملكة المتحدة برنامج “أنا من المشاهير… أخرجوني من هنا! I’m a Celebrity… Get Me Out of Here!”.

وعلى النقيض من النفور الذي يبديه الغرب تجاه استهلاك الحشرات كطعام، تشكل (الحشرات) جزءاً أساسياً من النظام الغذائي التقليدي في مناطق كثيرة من العالم، وفق ماكنزي ويد التي تشير إلى “تاريخ طويل من تناول الحشرات في المناطق الاستوائية، ومرد ذلك إلى أنها أكثر وفرة هناك، وأكبر حجماً وقيمتها الغذائية أعلى، مقارنةً بنظيرتها في المناطق الباردة أو ذات الحرارة المعتدلة، ما يجعل منها مصدراً غذائياً أفضل.”

بالعودة إلى مزرعة “هورَيزن”، يقصدها معظم الزوار بحثاً عن تجربة جديدة، كما تقول تيزيانا دي كوستانزو مضيفةً، “من واقع تجربتنا، عليك أن تكون فضولياً بعض الشيء ومستعداً لتحمل المخاطر فيما يتصل ببراعم [خلايا] التذوق لديك كي تحمل نفسك على أكل الحشرات. لكن عموماً، يبدي الناس المفاجأة والسرور بعد تناول الحشرات”.

تظهر بحوث عدة أن التحول العالمي إلى أنظمة غذائية تشتمل على كميات أقل من اللحوم ومزيد من الفاكهة والخضراوات سوف يشكل عاملاً أساسياً في التصدي لانبعاثات الكربون الناتجة من التدجين.

بالنسبة إلى أولئك الذين لجأوا إلى استهلاك كميات أقل من اللحوم لأسباب تتعلق بخير البيئة، يمكن للحشرات أن تقدم طريقة إضافية تتيح الحصول على المغذيات الأساسية، كما تقول ويد، ذلك أن “الحشرات توفر كثيراً من العناصر الغذائية، مثل الحديد والبروتين والفيتامين ب 12، التي يجب الالتزام بها في نظام غذائي نباتي”.

وفق ويد، “إذا أريد لأكل الحشرات أن ينتشر على نطاق واسع في الدول الغربية، فلا بد من أن يتجاوز النظر إليه باعتباره مجرد موضة”.

تقول في هذا الشأن، “إذا كانت الحشرات ستصبح حقاً غذاءً مستداماً، ينبغي أن تُستبدل بمنتجاتنا من اللحوم. ينبغي أيضاً أن تكون أسعارها مقبولة لضمان حصول الجميع على طعام مستدام ومغذٍ، الأمر الذي سيقتضي على الأرجح تقديم إعانات مع تنامي قطاع الحشرات القابلة للأكل.”

ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى أنه بغياب التخطيط الدقيق، يمكن أن يأتي استحداث تربية الحشرات في الدول الغربية مستقبلاً مع بعض المخاوف البيئية نفسها التي يطرحها التدجين الواسع النطاق، بحسب ما تضيف ويد.

“ومدعاة قلق بالغ هو [احتمال] أن ينزلق إنتاج الحشرات الصالحة للأكل ببساطة إلى الشراك عينها كما الأشكال الأخرى من الزراعة على نطاق صناعي، ويعتمد بشكل كبير، مثلاً، على سلاسل توريد تعتمد على الوقود الأحفوري، ومصادر غير مستدامة للأعلاف، ومواد مضافة كثيرة المعالجة”، تقول ويد.

و”نظراً إلى أن قطاع الحشرات القابلة للأكل حديث العهد جداً في أوروبا وأميركا الشمالية، فلا بد من اتخاذ تدابير في هذا الصدد حرصاً على أن يتبع القطاع خلال نموه أهداف الاستدامة”، ختمت ويد.