الردّ الإيراني على اغتيال سليماني.. ما هي خيارات بايدن؟
لا تزال إيران تتوعّد بالردّ على اغتيال قائد قوة القدس الفريق الشهيد قاسم سليماني، وتؤكد أنه سيكون رداً طويل الأمد بخروح القوات الأميركية من المنطقة. فيما الرئيس المنتخب جو بايدن يحاول ترميم العلاقة مع طهران، فهل يأتي ذلك في سياق تهدئة الرد الإيراني؟
السياسية- رصد:
“ما من أميركيّ سيحزن لمقتل قاسم سليماني”، قال جو بايدن الرئيس الأميركي المنتخب في 3 كانون الثاني/يناير 2020. جملة بايدن جاءت في سياق رسالة نشرها بتغريدة على “تويتر”، عقب إعلان الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب اغتيال قائد قوة القدس الفريق الشهيد قاسم سليماني.
My statement on the killing of Qassem Soleimani. pic.twitter.com/4Q9tlLAYFB
— Joe Biden (@JoeBiden) January 3, 2020
في سياق الرسالة يعتبر بايدن أن ترامب “رمى إصبع ديناميت في برميل بارود، ويدين للشعب الأميركي بتوضيح استراتيجيته وخطته لإبقاء جنودنا وموظفي سفارتنا ومصالحنا وحلفائنا بأمان.. وقد نكون الآن على شفا صراع كبير عبر الشرق الأوسط”، غير أن التوطئة التي قدمها بايدن في رسالته لا تتضمّن قبولاً ولا رفضاً للاغتيال.
بايدن عبّر حينها عن مخاوف من أن إدارة ترامب ربما لم تفكر مليّاً في تبعات تصرفاتها. فيما لم تخرج هذه المخاوف حصراً من الرئيس الأميركي المنتخب، بل سبقه إليها كل من الرئيسين السابقين جورج بوش الإبن وباراك أوباما، اللذين تجنَّبا الموافقة على اغتيال سليماني، بحسب وكالة الأنباء الفرنسية.
الوكالة نقلت عن مصادر في “البنتاغون” قولها إن “أسلاف ترامب كانوا يخشون أن يتسبب اغتيال قاسم سليماني في حرب جديدة بالمنطقة، في وقت توجد القوات الأميركية فيه على الأرض بكل من أفغانستان والعراق”.
إذاً، المسألة في الأساس يمكن اعتبارها أنها كانت بالتوقيت أكثر منها بالقرار نفسه. مما يفسّر نيّة القرار الأميركي الذي يسبق قرار ترامب باغتيال سليماني، انتظاراً لـ”الوقت المناسب”. الأمر الذي ينسحب على الرد الإيراني على الاغتيال، الممتد إلى ما بعد خروج ترامب من السلطة. هو رد على سياسات أميركية طويلة الأمد في المنطقة، متمثلة بانتشار قواتها عسكرياً وتدخلاتها في قرارات الدول، وممارستها سياسات “الضغط الأقصى” ضد إيران.
“هل تستحق غارة جوية عمليات الردّ عليها واحتمال زجّنا في نزاع؟”، سؤال واحد منع رئيسان أمريكيَّان، أحدهما ديموقراطي والآخر جمهوري، من قتل سليماني، وفق النائبة الديموقراطية إليسا سلوتكين والتي عملت بـ”البنتاغون” في عهدَي بوش الإبن وأوباما. وقالت في هذا الصدد “خلصت الإدارتان اللتان عملتُ لحسابهما، إلى أن الغاية لا تبرر الوسيلة. لكن إدارة ترامب قامت بحسابات أخرى”.
قرار اغتيال سليماني و”التوقيت المناسب”
حسابات ترامب باغتيال سليماني بررها وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو بقوله إن “خطر عدم التحرك إزاء إيران كان هائلاً”، واصفاً العمليّة بـ”القانونية”. الأمر الذي عدّته المحققة الأممية الخاصة بالقتل خارج إطار القانون أنييس كالامار، في مقابلة خاصة مع الميادين، إنه يمثّل “قتلاً تعسفياً تتحمل الولايات المتحدة مسؤوليته”.
لكن حسابات الرئيس الأميركي باتخاذ قرار الاغتيال لم تكن تتعلق حصراً بـ”الوقت المناسب” الذي لم يُتح لأسلافه. فلمن يتابع تصريحات ترامب والقرارات التي اتخذها طوال فترة حكمه، سيخلص إلى أنه رجل ندّي. بعدما ألغى الكثير من من قرارات أوباما وخططه، وقرر استبدالها. وانطلاقاً من السياسة الترامبيّة هذه، حدد “الوقت المناسب” لاغتيال سليماني، إضافة إلى جملة الأسباب التي عرضها في تغريدة على “تويتر”، معتبراً أن الولايات المتحدة قتلت سليماني لاستهدافه الجنود الأميركيين، وأنه شكّل تهديداً على السفارات الأميركية، فجاء اغتياله “لمنع قيام الحرب، وليس لإشعالها”.
General Qassem Soleimani has killed or badly wounded thousands of Americans over an extended period of time, and was plotting to kill many more…but got caught! He was directly and indirectly responsible for the death of millions of people, including the recent large number….
— Donald J. Trump (@realDonaldTrump) January 3, 2020
رئيس لا يحب سلفه باراك أوباما ويراه ضعيفاً على الدوام، أصبح لديه “فرصة” لوضع نفسه في مقارنة مباشرة مع أوباما يمكنه ربحها أمام الرأي العام الأميركي. خصوصاً بعد “الإنجاز” الذي عدّه أوباما بإعلانه اغتيال زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن عام 2011.
عوائق عدّة كانت أمام أوباما لاتخاذ قرار اغتيال سليماني، فبالإضافة إلى “تجنّب حرب في المنطقة”، فإن أوباما وإدارته ومعهم نائبه جو بايدن كانوا يعملون للتوصل للاتفاق النووي مع إيران. وكانت أي خطوة من هذا القبيل ستقلب الطاولة ضد واشنطن. الاتفاق الذي حسم وتم الإعلان عنه بلوزان في تموز/يوليو عام 2015.
غير أن هذه المهادنة بين الطرفين لم تحمل في خلفياتها علاقات ودّية، ففي 16 كانون الأول/ديسمبر الماضي، أكد المرشد الإيراني السيد علي خامنئي أن العداء الأميركي لطهران لم يكن مقتصراً فقط على الرئيس الأميركي المنتهية ولايته دونالد ترامب، لينتهي مع خروجه من السلطة، مشيراً إلى أن “أميركا أوباما أيضاً أساءت إلى الشعب الإيراني”.
هل يمهد بايدن للعودة للاتفاق النووي لتهدئة الردّ الإيراني؟
“التهديد الإيراني” الذي تحدّث عنه بومبيو مبرراً اغتيال سليماني، دفع بالإدارة الأميركية بعد أشهر إلى تحريك عجلة التطبيع بين عدد من الدول العربية و”إسرائيل”. فقامت كل من الإمارات والبحرين والمغرب والسودان بتوقيع اتفاقيات برعاية واشنطن. وكلها كانت تخلص إلى هدف مشترك، وهو “مواجهة الخطر الإيراني”. الأمر الذي ردّ عليه مسؤولون إيرانيون معتبرين إن هذا التبرير ليس إلا حجة واهية لتغطية الأهداف والمشاريع الأميركية الإسرائيلية في المنطقة.
ومنذ لحظة اغتيال سليماني حتى اليوم، لم تخفف إيران من لهجة التهديد والتأكيد على الردّ، مشددة على لسان قادتها على أنه ردّ حتميّ في الوقت المناسب، لافتة إلى أن استهدافها قاعدة عين الأسد في بغداد ليس إلا رداً على استهداف سيارة سليماني.
“الوقت المناسب” الإيراني يختلف عن “الوقت المناسب” لدى الرئيس الأميركي. فترامب خسر وسيخرج بعد أيام من السلطة. غير أن الردّ الإيراني على الاغتيال ممتدّ وممتثل بإخراج القوات الأميركية من المنطقة. الوجود الذي يسبق عهد ترامب، مما يوضح أن الردّ لا يتعلق بشخص ترامب حصراً، إنما هو ردّ على السياسات الأميركية المتعاقبة في المنطقة.
صحيفة “واشنطن بوست” قالت إن الجيش الأميركي لا يزال متورطاً في أفغانستان والعراق والصومال وسوريا واليمن وغيرها من النقاط الساخنة، بعد أربع سنوات من تعهد ترامب بإعادة القوات إلى الوطن. وأضافت أنه من المتوقع أن يواجه الرئيس المنتخب جو بايدن مشهداً مشابهاً – وضغوطاً سياسية – أثناء توليه رئاسة البيت الأبيض. وبطريقة مماثلة لترامب، قال بايدن إن الوقت قد حان “لإنهاء الحروب إلى الأبد”، التي استمرت 19 عاماً منذ 11 أيلول/سبتمبر 2001.
ما يمهد أيضاً لحتمية استمرارية الردّ الإيراني في عهد بايدن عبر عنه مسؤلون كثر في إيران منهم مدير مكتب الرئيس الإيراني محمود واعظي قائلاً “لسنا مبتهجين بانتخاب جو بايدن، ومواقف الحكومة الإيرانية ستكون على غرار سياستنا الخارجية المتبعة”.
وفيما هو بائن أن بايدن يعيد “أمجاد” عهد أوباما، من خلال تعيينه شخصيات كانت تعمل لدى إدارة أوباما، وكذلك من خلال سعيه للعودة لاتفاقيات تمت في عهد أوباما وخرج منها ترامب، مثل اتفاقية باريس للمناخ والاتفاق النووي الإيراني. لذا، يبدو أنه وانطلاقاً من امتناع أوباما من اتخاذ قرار اغتيال سليماني تجنباً للحرب، ها هو بايدن يسعى إلى إيجاد صيغة مستقبلية جديدة مع إيران للتهدئة مع تنفيذ ترامب للاغتيال والتهديد الإيراني.
الإعلام الأميركي رأى أنه “من الخيال الاعتقاد أنه يمكننا العودة إلى الوضع السابق. لكن فريق بايدن سيكون أكثر انفتاحاً على المفاوضات مع إيران، ومن المرجح أيضاً أن يخفف من سياسة الضغط الأقصى (انتهجها ترامب ضد إيران). والسؤال المطروح على فريق بايدن هو ما إذا كانوا سيستخدمون تخفيف العقوبات للفوز بتنازلات، أم أنهم سيوافقون على المطالب الإيرانية بإلغاء العقوبات كشرط مسبق. في كلتا الحالتين، لا شيء سريع وسهل مع الإيرانيين”.
فرضية التنازلات التي طرحها الإعلام الأميركي لم يتحدث بايدن بلغتها، إنما صرح في أكثر من مرة أنّ: “أفضل طريقة لتحقيق بعض الاستقرار في المنطقة هي التعامل مع البرنامج النووي”. في وقت أرسل نحو 150 عضواً في مجلس النواب الأميركي عن الحزب الديموقراطي مذكرة خطية للرئيس المنتخب جو بايدن يحثونه فيها على اعتماد المسار الدبلوماسي مع إيران على الفور، وعودة طهران وواشنطن إلى الالتزام بالاتفاق النووي كنقطة بداية لمفاوضات مقبلة.
كذلك أعلن بايدن مؤخراً عن سياسة “ترشيد” العقوبات، خصوصاً ضد إيران والصين، من دون أن يعني ذلك زوالها نهائياً، وفق تعبيره.
إيران قابلت الطرح الأميركي على لسان مسؤوليها أنها على جهوزية للعودة لكافة التزاماتها بالاتفاق النووي إن عاد الطرف الآخر للعمل بالتزاماته.
إذاً، وانطلاقاً من تجاذبات عودة الاتفاق النووي بين طهران وواشنطن (الإدارة الانتقالية)، كيف سيكون سياق الرد على اغتيال سليماني؟ هل ستشمل الاتفاقيات التهدئة في سياق الردّ، أم ستتجه الأمور بين الطرفين إلى التصعيد العسكري؟
– المصدر: الميادين نت
* المادة الصحفية تم نقلها حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع