أعداء أمريكا وشركاؤها على السواء سيكون لهم صوت في الشرق الأوسط
السياسية – رصد :
يرى الكاتب الأمريكي جون بي. ألترمان أن أي شخص يرى أن السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط كانت سياسة راجحة أساسا طوال العشرين عاما الماضية، يعتبر شخصا هادئ الطبع تماما. فهناك توافق في الانتقادات الموجهة لتلك السياسة.
فلا أحد يحبذ ” الحروب التي لا نهاية لها”، ولا أحد يحبذ الالتزامات المبالغ فيها، ولا أحد يختلف على ضرورة أن يصبح حجم القوات الأمريكية مناسبا فقط للمهمة المخولة للقيام بها. فهناك اتفاق على أن السياسة الأمريكية فشلت في كل تلك الاختبارات، ولكن بالنسبة لغير ذلك، هناك اختلاف بالنسبة لتوافق الآراء.
ويقول ألترمان، أحد أبرز نواب رئيس مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية الأمريكي، ومدير برنامج الشرق الأوسط في المركز ، إنه وسط جدل واسع النطاق حول الوضع الأمريكي الملائم في الشرق الأوسط، هناك عنصر لا يتم التركيز عليه، وأحيانا يتم تجاهله تماما. ففي كثير من الأحيان، يفترض الناس أن الولايات المتحدة سوف تقوم أساسا بإعادة توجيه استراتيجيتها تجاه الشرق الأوسط، وأن الدول الأخرى سوف تتعامل أساسا مع التغيرات. وهناك ثقة في أنه لن تقوم أي من هذه الدول بإعادة توجيه استراتيجيتها بطرق تؤثر على الولايات المتحدة، ويرجع ذلك بدرجة كبيرة إلى أن انخفاض الاهتمامات سوف يعزل الولايات المتحدة عن أي تأثير.
ويضيف ألترمان في تقرير نشره مركز الدراسات الاستراتيجية أنه للأسف هذا أمر غير حقيقي. فبينما تزيد مشاركة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، تزداد مشاركة العالم في المنطقة أيضا. فالحلفاء والأعداء على السواء مكبلون بالوضع الراهن في الشرق الأوسط. وعندما يتغير هذا الوضع، سوف يتغيرون، وعندما يشعرون بتأثيرات، سوف تشعر الولايات المتحدة أيضا بتأثيرات، وقد تشعر أن الأمر انتهى بالنسبة لها فيما يتعلق بالشرق الأوسط، ولكن العكس هو الصحيح.
ويرى ألترمان أن حلفاء أمريكا وشركاءها في الشرق الأوسط سوف يكون لهم بالتأكيد رد فعل إزاء أي عملية إعادة تركيز أمريكية في أي نطاق آخر، وذلك بالسعي لاستكشاف تحالفات وشراكات جديدة. وبعض هذه التحالفات والشراكات سوف تكون مع دول صديقة للولايات المتحدة، والبعض الآخر سيكون مع دول أكثر عداء لها. وفي المدى القريب على الأقل، من المحتمل أن ينغمسوا في سلوك أكثر خطورة، من ناحية من خلال صراع مسلح، ومن ناحية أخرى من خلال انتشار الأسلحة النووية. وقد تم رؤية دلالات على حدوث كل ذلك بالفعل- في اليمن، وفي العراق، وفي ليبيا، ومناطق أخرى- ومن المرجح أن يحدث المزيد.
وباستثناء احتمال انتشار الأسلحة النووية، يمكن القول أن لا شيء من تلك الأمور يقلق الأمريكيين كثيرا. ومع ذلك، فإن عدم الاستقرار في الشرق الأوسط يمثل قلقا بالغا بالنسبة لحلفاء أمريكا في أوروبا، الذين يشهدون تشكيل أزمات اللاجئين لسياساتهم، وبالنسبة لحلفائها في شرق آسيا، الذين يستوردون ثلاثة أرباع احتياجاتهم من النفط من الشرق الأوسط.
ويضيف ألترمان أنه يبدو أن الصين التي تفتقر إلى انتاج النفط والغاز الضروري لتحريك اقتصادها ستكون مرتبطة بالشرق الأوسط لسنوات مقبلة. ومن المؤكد تقريبا أنها سوف تسعى لزيادة تواجدها هناك، ومن المرجح أن تستفيد من تمتعها بوضع مهيمن في الشرق الأوسط لممارسة الضغط على الدول الآسيوية المجاورة، التي تعتمد أيضا على المنطقة.
ونظرا لأن دول الشرق الأوسط ترى وتتوقع مستقبلا ينحسر فيه التواجد الأمريكي، بينما يتزايد التواجد الصيني، فإن الولايات المتحدة ستكون مضطرة للغاية للحيلولة دون غرس نفسها في البنية الأساسية المادية والتكنولوجية للمنطقة. والصين تعزف عن أن يكون لها نفس التواجد العسكري الأمريكي في الشرق الأوسط، أو أي منطقة أخرى، ولكنها حريصة على تعزيز أمنها بطرق أخرى.
وقد تجد الولايات المتحدة نفسها قد خرجت من الشرق الأوسط بشكل كامل أو بأسرع مما كانت تخطط- في وقت تواصل فيه أسعار طاقة الشرق الأوسط التحكم في تحديد الأسعار العالمية.
كما أن إيران سوف تستغل أيضا ما تراه تراجعا أمريكيا، حيث تسعى لأن تصبح قوة مهيمنة في الخليج، لكن من المرجح أن هذه لن تكون عملية سلسة في ضوء تعقيدات الإيرانيين فيما يتعلق بالآليات غير المتماثلة وقدرة دول الخليج العربية على الوقوف في وجهها بما تتمتع به من ترسانات أسلحة قوية وامكانيات مالية كبيرة.
وليس من المرجح أن تقوم روسيا التي تتسم بالانتهازية، بدور بناء. فهي تهتم بالدول الضعيفة التي تعاني من عدم الاستقرار. وهي لا تتردد في الدفع بالصراعات إلى درجة الأزمة ثم تقدم نفسها كوسيط لحسمها.
ويختتم ألترمان تقريره بقوله إن هناك ثلاثة عوامل كبيرة محتملة تعتمد عليها كل هذه الأمور. أولها الشكل الذي ستكون عليه عملية انتقال العالم بعيدا عن الطاقة التي تعتمد على النفط والغاز. فأي انتقال سريع سيحد من المزايا التي ستحصل عليها الصين من استثماراتها في الشرق الأوسط. وإذا لم يعد العالم يعتمد على طاقة منطقة الشرق الأوسط، فإن هذا سوف يحرر حلفاء أمريكا في آسيا من أي ضغط صيني آخر، ولكن الاضطراب الناجم عن ذلك في الشرق الأوسط ربما يلحق الضرر بحلفاء أمريكا في أوروبا الذين يخشون من تدفقات الهجرة.
والعامل الثاني هو مدى فعالية قدرة ورغبة الولايات المتحدة في دعم مصالح حلفائها وشركائها في أوروبا وآسيا. فإي إعادة تركيز من جانب أمريكا يتمثل في الابتعاد عن الشرق الأوسط والاتجاه نحوهم لن ينهي مصالحهم في الشرق الأوسط . ومما يدعو للسخرية أن التصرفات الأمريكية ربما تلحق بهم الضرر بدلا من مساعدتهم في نهاية المطاف.
أما العامل الثالث والأخير والذي يربط بين العاملين السابقين فهو مدى الفعالية التي يمكن أن تتعاون بها الولايات المتحدة مع الحلفاء والشركاء ، داخل الشرق الأوسط وخارجه، لتحقيق تحول سلمي وسلس بعيدا عن الاقتصاديات التي تعتمد على النفط. فجميع دول الشرق الأوسط مرتبطة باقتصاد الطاقة- الدول التي تصدر الطاقة، والدول التي تصدر العمالة إليها.
ورغم أن حكومات المنطقة تتحمل المسؤولية الرئيسية عن هذا التحول، فإن الحكومات في أنحاء العالم، وخاصة حلفاء الولايات المتحدة، حريصة تماما على أن ترى تحقيق ذلك بنجاح؛ إذ أن تكاليف الفشل سيتم الشعور بها على نطاق واسع ، بما في ذلك الولايات المتحدة، سواء قررت تركيز اهتمامها على منطقة أخرى أم لا.
* المصدر : رأي اليوم
* المادة تم نقلها حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع