السياسية:

عندما دعا أحد كبار الأئمة في السعودية هذا الشهر المسلمين إلى تحاشي “الركون للعواطف المشبوبة والحماسات الملهوبة” تجاه اليهود، كان ذلك تحولا ملحوظا في لهجة الخطاب من جانبه إذ سبق أن ذرف الدموع خلال خطبه عن فلسطين في الماضي.
بث التلفزيون السعودي خطبة عبد الرحمن السديس إمام الحرم المكي في الخامس من سبتمبر أيلول الجاري بعد ثلاثة أسابيع من الإعلان عن موافقة الإمارات في خطوة تاريخية على تطبيع العلاقات مع إسرائيل وقبل أيام فحسب من إعلان البحرين اقتداءها بالإمارات.

وروى الإمام السديس كيف أحسن الرسول محمد إلى جاره اليهودي وقال إنه “لا يتنافى مع عدم موالاة غير المسلم معاملته معاملة حسنة تأليفا لقلبه واستمالة لنفسه للدخول في هذا الدين”.

وفي الماضي ألقى الإمام خطبا دعا فيها الله أن ينصر الفلسطينيين على الغازي المعتدي، قاصدا اليهود.

ورغم أنه ليس من المتوقع أن تقتدي السعودية بحليفتيها الخليجيتين قريبا فمن الممكن أن تكون تعليقات السديس مدخلا للأسلوب الذي ستتناول به المملكة مسألة العلاقات مع إسرائيل وهي قضية حساسة لم يكن من الممكن تصورها من قبل.

ويعد إمام الحرم المكي الذي يعينه العاهل السعودي من أبرز الشخصيات في البلاد إذ يعكس آراء المؤسسة الدينية المحافظة وآراء الديوان الملكي.

تمثل الاتفاقات التي وافقت الإمارات والبحرين على إبرامها تحولا جذريا لإسرائيل وللرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي يصور نفسه على أنه صانع سلام قبل انتخابات الرئاسة في نوفمبر تشرين الثاني المقبل.

غير أن الجائزة الدبلوماسية الكبرى لإسرائيل ستكون هي العلاقات مع السعودية التي يحمل عاهلها لقب خادم الحرمين الشريفين ويحكم أكبر دول العالم تصديرا للنفط.

وقال مارك أوين جونز الأكاديمي بمعهد الدراسات العربية والإسلامية بجامعة إكستر إن تطبيع الإمارات والبحرين العلاقات مع إسرائيل سمح للسعودية باختبار الرأي العام غير أن إبرام اتفاق رسمي مع إسرائيل سيكون “مهمة كبرى” للمملكة.

وأضاف جونز “من الواضح أن تلك الوكزة من جانب السعوديين عن طريق الإمام صاحب النفوذ خطوة واحدة في محاولة لاختبار رد الفعل الشعبي والتشجيع على فكرة التطبيع”.

وفي واشنطن قال مسؤول بوزارة الخارجية الأمريكية إن الولايات المتحدة تشعر بالتفاؤل لتحسن العلاقات بين إسرائيل والدول الخليجية وترى في هذا الاتجاه تطورا إيجابيا و”نحن نتواصل للبناء على ذلك”.

ولم يصدر رد على الفور على طلب وجهته رويترز إلى مركز التواصل الحكومي السعودي للتعليق.

وتتناقض دعوة السديس لتحاشي المشاعر الملتهبة مع خطبه السابقة التي بكى فيها عشرات المرات وهو يدعو لنصرة المسجد الأقصى ثالث الحرمين الشريفين.

وتباينت ردود الفعل على خطبة السديس في الخامس من سبتمبر أيلول ودافع عنه بعض السعوديين قائلين إنه ينقل ببساطة المبادئ التي يقوم عليها الإسلام. غير أن آخرين نشروا تغريدات على تويتر وصفوا حديث السديس بأنه “خطبة التطبيع” وكان أغلبهم إما سعوديين يعيشون في الخارج أو من منتقدي الحكومة فيما يبدو.

واستطلع تلفزيون رويترز آراء عدد من السعوديين في الشارع فقال أحدهم ويدعى علي السليمان تعليقا على موافقة البحرين على تطبيع العلاقات مع إسرائيل إن من الصعب التكيف مع فكرة إقامة علاقات طبيعية بين إسرائيل ودول خليجية أخرى.

وقال “صعب إنه في يومين بيصير اعتياد على موضوع التطبيع هذا سواء من الشعب البحريني نفسه أو من الخليج والشرق الأوسط عموما … إسرائيل أصلا دولة محتلة وبتطلع الفلسطينيين من بيوتهم، فصعب الواحد يعتاد على هذا الشيء في وقت قصير. يمكن في المستقبل، ما أدري مع إني استبعد الشيء هذا”.

* الخوف المشترك من إيران

تعهد ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، الحاكم الفعلي للمملكة، بتعزيز الحوار بين الأديان في إطار إصلاحاته الداخلية. وسبق أن قال الأمير الشاب إن من حق الإسرائيليين العيش في سلام على أرضهم شريطة إبرام اتفاق سلام يضمن الاستقرار لجميع الأطراف.

وظهرت مؤشرات أخرى على أن السعودية، التي تعد من أكثر دول الشرق الأوسط نفوذا، تعد شعبها لتقبل فكرة إقامة العلاقات مع إسرائيل.

ودارت أحداث مسلسل اسمه “أم هارون” بثته قناة إم.بي.سي التلفزيونية خلال شهر رمضان، الذي تتجمع فيه الأسر حول شاشات التلفزيون، عن التحديات التي واجهت قابلة يهودية.

وتدور أحداث المسلسل حول مجتمع متعدد الأديان في بلد عربي خليجي في الفترة من الثلاثينيات إلى الخمسينيات. وأثار المسلسل انتقادات من حركة حماس الفلسطينية التي قالت إنه يثير التعاطف مع اليهود.

وفي ذلك الوقت قالت قناة إم.بي.سي إن المسلسل هو أكثر المسلسلات الرمضانية مشاهدة في السعودية. وقال مؤلفا المسلسل، وهما من البحرين، لرويترز إنه لا ينطوي على رسالة سياسية.

غير أن خبراء ودبلوماسيين قالوا إنه مؤشر آخر على تحول الخطاب العام فيما يتعلق بإسرائيل.

وفي وقت سابق من العام الجاري زار محمد العيسى، وهو وزير سعودي سابق يشغل منصب الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي، مدينة أوشفيتز. وشارك في يونيو حزيران في مؤتمر نظمته اللجنة الأمريكية اليهودية حيث دعا إلى عالم يخلو من “الخوف من الإسلام ومعاداة السامية”.

وقال نيل كويليام الباحث الزميل في تشاتام هاوس “من المؤكد أن محمد بن سلمان عازم على تجديد الرسائل التي تحظى بموافقة الدولة والمتبادلة مع المؤسسة الدينية ومن المرجح أن يوجه جزء من ذلك لتبرير أي اتفاق مستقبلي مع إسرائيل وهو ما لم يكن متصورا من قبل”.

* عزلة الفلسطينيين

عملت اتفاقات التطبيع بين الإمارات والبحرين وإسرائيل، المقرر توقيعها في البيت الأبيض يوم الثلاثاء، على زيادة عزلة الفلسطينيين.

ولم تتطرق السعودية مباشرة إلى الاتفاقات التي ستوقعها إسرائيل مع الإمارات والبحرين لكنها قالت إنها ما زالت ملتزمة بالسلام على أساس مبادرة السلام العربية.

وتدعو المبادرة إلى إقامة علاقات طبيعية مع إسرائيل مقابل إقامة دولة للفلسطينيين وانسحاب إسرائيل الكامل من الأراضي التي احتلتها في حرب الشرق الأوسط عام 1967.

إلا أنه في خطوة لافتة على حسن النوايا سمحت المملكة للرحلات الجوية بين إسرائيل والإمارات بالعبور في أجوائها. وأشاد جاريد كوشنر صهر ترامب ومستشاره الذي تربطه علاقة وثيقة بالأمير محمد بن سلمان بهذه الخطوة في الأسبوع الماضي.

وقال دبلوماسي في الخليج إن المسألة بالنسبة للسعودية مرتبطة أكثر بما وصفه بوضعها الديني القيادي في العالم الإسلامي وإن إبرام اتفاق رسمي مع إسرائيل سيستغرق وقتا من المستبعد أن يحدث أثناء وجود الملك سلمان على رأس الدولة.

وفي إشارة إلى دعوات يطلقها خصوم الرياض من آن لآخر لوضع مكة والمدينة المنورة تحت الإشراف الدولي “أي تطبيع من جانب السعودية سيفتح الأبواب أمام إيران وقطر وتركيا للدعوة إلى تدويل الحرمين الشريفين”.

وكالات