السياسية || محمد محسن الجوهري*

لم نكن نتوقع أن نرى بيننا من يغضب لحرمة اليهود، ويتعصب لهم بل ويقاتل في سبيلهم، ويقدم الغالي والرخيص للدفاع عن المشروع الصهيوني، لكن الصرخة التي أطلقها السيد حسين -رضوان الله علي- كشفت لنا الكثير من الحقائق التي كنا نجهلها عن واقع الأمة، وبأن في أوساطنا الكثير من الموالين لليهود بلباس الإسلام، وهاهم اليوم يساندون الكيان بالمال والسلاح كحال الأنظمة الخليجية، والجماعات الدينية والسياسية المرتبطة بها.

ولو تأملنا الواقع، فإن من المعيب والمخجل أن نتعصب لليهود، فالمسلم يرده كتابه ودينه، وغير المسلم ترده أخلاقه وقيمه وقد رأينا الكثير من الأحرار حول العالم ممن يمقتون اليهود، ويعلمون خطورة التسامح معهم، والقبول بمشاريعهم وإفسادهم.

وبالعودة إلى قصة الصرخة، فسنجد أنها جزء من فطرة كل مسلم حر وشريف، ولا يتنكر لها إلا مَن بقلبه مرض، فمعاداة اليهود فريضة دينية وواجب أخلاقي، وليس بمسلمٍ من قاده هواه إلى الصهينة، ولذلك حرص اليهود -عبر الأجيال- على نشر الفساد بكل أشكاله، فكل فاسد يتعصب اليوم ضد غزة وحزب الله، ويفرح بمقتل السيد حسن نصر الله -رضوان الله عليه- والذي يمثل بدوره خلاصة الكمال البشري في هذا العصر.

ومن إيجابيات الصرخة أنها كشفت لنا الكثير من أبعاد الواقع وطبيعة المنافقين وكيفية تحركاتهم، خاصة إثارة النعرات المذهبية والطائفية، بهدف تفريق وحدة الأمة الإسلامية، وإبعادها عن مواجهة العدو الأول لها، وهم اليهود والكيان الشيطاني الخاص بهم.

ومما لاحظناه عن طبيعة النفاق في هذه في اليمن، أن المنافق إذا وجد تجمعاً جهادياً من أبناء المحافظات الشمالية رفع شعار "أنا شافعي"، فإذا ما وجد تجمعاً مماثلاً من أبناء المناطق الوسطى، رفع شعار "أنا زيدي"، ويقف حجر عثرة أمام أي وحدة إسلامية معادية لليهود، فالمذهبية ليست إلا ذريعة لضرب الوحدة المجتمعية، وكذلك أخواتها كالمناطقية والحزبية وغيرها.

وهنا نتذَكَّر مثال عاشرناه عن قرب في المحافظات الشمالية، فالتيارات المدعومة من السعودية كانت تتذرع بالدفاع عن الصحابة للتحريض ضد الزيدية وعلمائها، خاصة في صعدة، وكان لها في دماج تجمعات كبيرة ممولة سعودياً، ومخصصة لتكفير أبناء المحافظة، وإثارة النعرات الطائفية في المجتمع وكان لها ذلك في أحيان كثيرة.

ولكن وبعد فشل الرهان على الوهابية في صعدة، انتقلت التيارات المرتبطة بالسعودية إلى رفع راية أخرى مناقضة لها وهي راية الزيدية، وتحولت معها كل الأسماء التي ارتبطت من قبل بالمد الوهابي، وصرنا نسمع بأن الصرخة والمشروع القرآني دخيل على ثقافتنا، وأن الأصل أن نتفرغ للخلافات الفقهية مع الأنصار ومع سائر المذاهب، كالشافعية والإسماعيلية، وأن نترك الحديث عن معاداة اليهود و"إسرائيل".

وفي ذلك تأكيد أن المنافق على استعداد أن يتغير حسب الزمان والمكان، لتحقيق أهدافه الفتنوية، حيث لا مقدس عندهم سوى تفريق الأمة، وتشتيتها عن مواجهة عدوها الفعلي، وعلى ذلك جرب أغلب الدعوات المذهبية عبر التاريخ، حيث لا أصل لها، والثابت هو الإسلام الأصيل المعادي لليهود والمنادي بالوحدة والاعتصام بحبل الله، وعنوانه الولاء لله ورسوله وآل البيت، فالإمام علي ليس رمزاً مذهبياً بل هو الشخصية الثانية في الإسلام، ولا بد أن نمر من بوابته حتى نصل إلى الدين الصحيح، ومن يختلف معنا في علي فسيختلف معنا في الدين كله، وقد رأينا أعداء علي اليوم يقفون صفاً إلى جانب اليهود ويساندونهم في إبادة أهلنا في غزة، ولم يقف إلى جانبها إلا علي وأنصار علي، والواقع خير شاهد.


* المقال يعبر عن رأي الكاتب