زينب عبدالوهاب الشهاري*


7 أكتوبر 2023، في غمرة الهجوع، وتحت وطأة الخضوع، لم يكن العالم يدرك أنه على موعد مع حدث تأريخي سيغير المقادير ويقلب الموازين، وينقل الأرض نحو مرحلة أخرى تماما تبدأ من هناك، نقطة تحول مفصلية ستحدد ملامح الخارطة من جديد، استفاق العالم على خبر من نوع آخر، كانوا هم من صاغه، ليتلقفه الشيطان وحزبه كالصاعقة، وينزل على قلوب المكلومين بلسما شفى مصاب دهور مضت، ودواء أبرأ سقم آهات متكدسة في جوف أرواح كادت أن تفقد الأمل ويخيم عليها اليأس.

أبابيل حلقت وضراغم انقضت على جحور الأفاعي التي ظنت أنها في معزل ومأمن تام من أن تطالها يد، لكن وهم الحواجز الفولاذية وأنظمة الترصد المتطورة تبدد وتلاشى في غمضة عين، حين داهم الموت من هم أحرص على الحياة، وذاق القتل والتنكيل من هم أراذل البشر وزمرة مجرمي البشرية على أيدي رجال أثبتوا للعالم أن أهل الحق لا يقهرون وأن الأرض تعود لأصحابها مهما طال الزمن، وجع المظلومين وقهر المستضعفين وألم المخذولين استحال طوفانا عظيما جرف غطرسة الجناة السفاحين الى غير رجعة.

كان السابع من أكتوبر 2023 يوما لم تسطع الشمس على مثله من قبل، يوم مشهود أعدت الفصائل الفلسطينية له عدتها وتكاملت في تنفيذ وعد الله، تداعى أهل الشر في محاولة يائسة لاستدراك النازلة والفاجعة التي حلت بهم، ومن هول الفشل الذي منيوا به، جمعوا كل نيران حقدهم وصبوها على نساء وأطفال غزة، ولا يزالون حتى اللحظة يمارسون عربدتهم ويتقيئون قبحهم ويتباهون بوحشيتهم.
الآلاف من أرواح أهل غزة واليوم أضافوا الى القائمة الأبرياء من أهل لبنان لا زالوا يبادون على مسرح الصمت والخيانة العالمي والعربي لانسانية مرقوا منها وتنكروا لها، وساندوا سفاحيها وصفقوا لهم في المحافل والمجالس الدولية، واستمرأوا الظلم وتعاونوا مع الجلاد، وزودوه بأسلحة الدمار ليسحقوا أجساد وجماجم الأطفال.

ورغم كل ذلك الصلف والإجرام الصهيوني والتواطؤ العالمي لم يستطيعوا البتة النيل من مجاهدي المقاومة الذين جرعوا الغاصبين أصناف الهوان، فدباباتهم وآلياتهم أهداف محققة لشراك الكمائن، وجنودهم فرائس لفوهات البنادق وطلقات القذائف، ومنذ يوم الطوفان الأول وحتى ختام عامه وهم يتلقفون الضربات القاسية القاصمة التي من استطاع منها الفرار بأعجوبة ابتلعته صدمة نفسية لا يتعافى منها أبدا.

جبهات الإسناد هي الأخرى كانت عذابا من نوع آخر، وكأنها أبواب جهنم فتحت عليهم من كل صوب ولا مرد لأمر الله، وفي كل يوم يعيشون الرعب ويذوقون الموت ألف مرة، ولأنهم أصبحوا محط سخط ومقت أحرار العالم الذين ملأوا شوارع عواصم احتجاجا وتنديدا بجرائمهم، وحين تيقنوا بأنه لا يمكن أن ينجوا من غرق الطوفان، جن جنونهم وتخبطوا، ولجأوا الى ما تستمرئه نفوسهم الخبيثة دائما وما يعوضون به فداحة هزيمتهم، سياسة الاغتيالات القذرة التي الا يقدم عليها الا الجبناء أمثالهم.

كان طوفان الأقصى السبب في توحد ساحات المقاومة، المقاومة التي أصبحت أمضى عزيمة وأقوى شكيمة وطودا شامخا رادعا وقوة عظمى ولاعبا إقليميا ورقما صعبا وها هو العالم الذي اعتاد على نفوذ قوى الظلام يعيش اليوم عهدا جديدا ستتغير فيه المعادلات وتحسم فيه النتائج لصالح الحق وأهله، ولا يزال الطوفان يجري بعين الله ورعايته...

* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه
* ملتقى الكتاب اليمنيين