السياسية || محمد محسن الجوهري*

إن انتماءنا للإسلام العظيم وللرسالة المحمدية الغراء، يفرض علينا أن نحتفي بقائدنا الأول بمؤسس أمتنا الأول، إن كنا فعلاً ننتمي لهذا الدين وهذه الأمة، وهكذا تفعل كل الأمم الأخرى، وكذلك الطوائف والجماعات السياسية المختلفة وفي ذلك تجديد لانتمائها وعقائدها، وتأكيد على هويتها وما تنتمي إليه من الثوابت.

وبما أننا أمة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) فإن انتماءنا للأمة التي وصفها الله سبحانه وتعالى بخير أمة أُخرجت للناس يوجب علينا أن نحتفل بمؤسس الأمة وقائدها خاصة إذا كان هو خير قائد أخرج للناس وأعظم خلق الله قاطبة، وذلك تأكيد على صدق الانتماء له ولدينه، وتذكير بهويتنا وثوابتنا التي ننتمي لها وننتصر بها في ميادين العزة والكرامة.

وما دون رسول الله فهي مناسبات فرعية لا قيمة لها إلا بالقدر الذي تُقربنا إلى رسول الله وإلى الإسلام، وقد تكون مناسبات هامشية لا قيمة لها دينياً ولا حتى قومياً، كما هو حال الأحزاب السياسية في بلدنا والتي تحتفل كل عام بذكرى تأسيسها، رغم أنها لم تقدم للبلاد إلا العمالة والخيانة، كحال حزب الإصلاح الذي يرى في 13 سبتمبر 1990 مناسبةً أعظم من الاحتفال برسول الله ومولده المبارك، وهذا يؤكد أن دينهم ابتدأ بذلك التاريخ، وليس بمقدم خير البرية.

وعلى ذلك درجت سائر الجماعات الضالة، ولأن أهل الحق سكتوا ظنوا حزب الإصلاح وغيره بأنهم على حق، فيما الحقيقة أن البدعة المضلة هي دخول تلك الجماعة وعقائدها المغلوطة إلى اليمن، وهي كما يعرف الجميع محاربة حتى في مناطق تأسيسها وليس لها أي إنجازات سوى محاربة المسلمين والتشكيك في عقائدهم الصحيحة، كالجهاد والاعتصام بحبل الله.

وعلى نفس السياق، تحتفي السعودية كل عام في 23 سبتمبر بالذكرى التي أقدم فيها المدعو عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود على اغتيال زوج أخته نوره والسيطرة على حكم نجد بدعمٍ وتمويلٍ إنجليزي واضح، ضمن مخطط واسع مهَّد لقيام الكيان الصهيوني المؤقت.

وحتى اليوم، لا يرى آل سعود أنهم امتداد للتاريخ الإٍسلامي العظيم، بل يقدمون انفسهم امتداداً لتاريخ نجد الذي بدأ بتمرد مسيلمة الكذاب في القرن الأول الهجري، حيث اتخذ آل سعود الدرعية مقراً رسمياً لحكمهم وهو المكان الذي ادعى فيه مسيلمة النبوة، وأعلن منه الحرب على الرسول والمسلمين.

ومؤخراً، أعلن محمد بن سلمان عن مناسبة جديدة للسعودية أسماها بـ"يوم التأسيس"، واختار لها تاريخ 22 فبراير من كل عام لتكون يوماً وطنياً بديلاً للمملكة.

وبالنظر إلى ذلك التاريخ، سنجد أنه يؤسس لدولة سعودية علمانية قائمة على العصبية القبلية، وعلى الولاء لآل سعود بعيداً عن الكتاب والسنة، ويدعون أن تاريخهم يبدأ من قبل الإسلام وأن رسالة جدهم الأول أقدم من رسالة النبي.

ويقول الموقع الإلكتروني ليوم التأسيس السعودي نصاً:" قصة آل سعود تتجذر لزمنِ ما قبل الإسلام، حيث قَدِم بنو حنيفة إلى اليمامة في مطلع القرن الخامس الميلادي، واستقروا في وسط الجزيرة العربية ليأسسوا اليمامة في نجد؛ على ضفاف وادي حنيفة، حيث نجح الأمير مانع بن ربيعة المريدي الحنفي، ليكمل مسيرة عشيرته "بني حنيفة"، وذلك في منتصف القرن التاسع الهجري، وتحديداً في عام 1446م، حيث تمكّن الأمير من العودة إلى وسط الجزيرة العربية حيث كان أسلافه، وكان قدومه اللبنة الأولى في مراحل تأسيس الدولة السعودية الأولى."

ومن هنا يؤكد آل سعود أن دولتهم دولة غير دينية، ولا علاقة لها بالإسلام، وأنها قائمة على علاقة غير متزنة بينهم وبين الناس الذين قبلوا بوصاية آل سعود دونما عقيدة أو دين، وهذا في حد ذاته يتناقض مع ماكان يروج له شيوخ السلفية من أن دولة آل سعود هي دولة التوحيد والإسلام، وهو ما أثبت آل سعود نفسهم أنه باطل، وأن حكمهم قائم على السلالية العصبوية بعيداً عن الدين، ولا غرابة عندها أن تكون مناسبة المولد النبوي بدعة في عرفهم، فهي مناسبة تخص رجل لا علاقة لهم به وبالكتاب الذي جاء به، كما أن الإيمان به قد يقوض عرش مملكتهم ويقودها إلى الهاوية.

* المقال يعبر عن رأي الكاتب