غــزَّةُ تعرّي البشرية
محمود المغربي*
لقد كان الفلسطينيون يدركون أن الضميرَ العربيَّ والإسلامي قد مات منذ زمن طويل وأن العربَ والمسلمين قد أدمنوا حياةَ الخضوع والذل والوصاية، وتنازلوا عن الحرية والعزة والكرامة ولا ناصِرَ لهم.
لكن الفلسطينيين اعتقدوا أن سببَ الذل والهوان العربي والإسلامي هو الخوفُ من قوة “إسرائيل” وأُسطورة (الجيش الذي لا يُقهر) بعد أن زرعت الأنظمةُ العربية والإسلامية في وعي الشعوب أن لا مجالَ لهزيمة “إسرائيل” وأصبحوا مؤمنين بذلك أكثرَ من إيمانهم بالله، وقد اعتقد الفلسطينيين أن تغيُّرَ هذا الاعتقاد قد يحيي ضميرَ الأُمَّــة وينعشُ الرغبة والأمل في نفوسهم بالحرية والكرامة والاستقلال وأن الكشفَ عن هشاشة وحقيقة الكيان وضَعفه وسقوطه تحت أحذية مجموعة من المجاهدين الصادقين سَيوقظ الأُمَّــةَ ويشعلُ ثورةً ويدفع بمليار مسلم للخروج وخلع ثياب الذلة والمهانة ويقتل الخوف في نفوسهم.
ولعلَّ هذا الأمل هو ما دفع بحماس وفصائل المقاومة إلى المغامرة والتخطيط وتنفيذ عملية الـ 7 من أُكتوبر، معتقدين أن الأُمَّــة ستكسر حاجز الخوف وتتحَرّك بعد مشاهدة السقوط الكبير والمخزي للكيان على يد مجموعة صغيرة، ولم يكن يخطر ببال أكثر العقول المتشائمة أن تكون الضمائر العربية قد ماتت موتًا يستحيل إيقاظه وأن حالة الإدمان العربي والإسلامي على العبودية والركوع والذل والمهانة من النوع الذي يستحيل شفاؤها، وأن أبناء غزة سيتم خذلهم وتركهم يُذبَحون إلى حَــدّ الإبادة الجماعية وأمام أعين العالم وأن لا ناصرَ لهم إلا اللهُ وقلةٌ من المؤمنين الصادقين في لبنان واليمن ذلك البلد والشعب الذي تعرض للظلم والخِذلان والعدوان العربي والعالمي ويعاني كما يعاني أبناء غزة ولا يزال يخوضُ معركة الدفاع عن نفسه ووطنه ويحاول انتزاعَ حقه وكرامته إلا أنه لن يتخاذل عن نصرة ومؤازرة أخوة مستضعفين في غزة ولن تمنعَه الحاجة وقلة الإمْكَانيات من مشاركة أبناء غزة شرفَ المقاومة والصمود حتى الموت؛ دفاعًا عن شرف وعزة وكرامة أُمَّـة مليار مسلم؛ ولتعرية البشرية والضمير العالمي؛ ولخلع ثياب الإنسانية الزائفة عن الغرب المنافق والشرق الصامت.
* المصدر : صحيفة المسيرة
* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه