العدوان الأميركي “المحسوب”.. هل يؤثر على مجريات المعركة الراهنة؟
السياسية :
شكل العدوان الأميركي الأخير على ساحات محور المقاومة في العراق وسورية واليمن، مصداقًا لطبيعة اللحظة الدولية والإقليمية الراهنة والتي تفيد بهذه الحقائق الدامغة الثلاثة:
1 – جبهة المقاومة، والتي تحولت لحقيقة عسكرية مؤلمة للعدو الإسرائيلي وأميركا، في معركة أكبر كثيرًا من العدوان على غزّة ومحاولة تصفية المقاومة الفلسطينية، بل تخطت ذلك لنطاق هيمنة أميركا ووجودها في المنطقة.
2 – وحدة الكيان الإسرائيلي وأميركا وأن أميركا بالفعل هي من تقود العدوان وتضع سياساته وترعاه سياسيًّا وعسكريًّا واقتصاديًّا.
3 – وصول الصراع لمرحلة وجودية حرجة ليس فقط للكيان ولكن للهيمنة الأميركية بالمنطقة، ومصداق حدته هو التورط الأميركي المباشر وأن أميركا بدأت تنزلق وتحارب بنفسها وهو ما يشير إلى أن وضعها ووضع الكيان بات في مرحلة حرج شديد.
ونظرًا للإهانات التي لحقت بأميركا وصورتها وتآكل ردعها بالمنطقة والذي تمثل في عدم خشية جبهات المقاومة في جميع الساحات من التهديدات والبوارج والقاذفات الاستراتيجية الأميركية، فإن أميركا تدرك جيّدًا أن التصعيد ومشاركتها المباشرة به سيجرها لمنزلقات قد تساهم في مزيد من نزيف الردع، وبالتالي فإن ضرباتها جاءت لاستعراض القوّة أكثر منها للاستفزاز وجاءت وفقًا لسياسة أميركية وضعها الخبراء الاستراتيجيون الأميركيون تحت مصطلح “العنف الكامن”، ومفادها إبداء القوّة والاستعداد لاستخدامها مع تجنب التورط في صراع واسع، وذلك بهدف طمأنة حلفاء أميركا وردع خصومها عن التمادي في كسب المزيد من مواطئ القدم الاستراتيجية بهدف نهائي هو تثبيت الهيمنة وصورة القوّة الأميركية المسيطرة.
وربما كشف الرئيس الاميركي جانبًا من هذه الحقائق عندما أعلن عن العدوان الأخير بالقول: “ردنا بدأ اليوم وسيستمر في الأوقات والأماكن التي نحددها.. وأميركا لا تسعى لصراع في الشرق الأوسط أو أي مكان آخر في العالم”.
ولا شك أن أميركا، فضلت، في هذه اللحظة، المغامرة بالتورط المباشر ولكن المحسوب لعدة أسباب:
أولًا: الوضع السياسي الداخلي والذي يشهد مزايدات انتخابية بين الحزبين التقليديين واتهامات الجمهوريين لإدارة بايدن بالضعف، وهو ما يجبر أميركا على رد يقوم بتحييد هذه الاتهامات.
ثانيًا: الدولة العميقة والتي تشكل حزبًا للحرب وقائدًا للهيمنة لا يمكنها إلا الدفع باستخدام صورة للقوة للحفاظ على حد أدنى من الردع وهي من تقود أي إدارة أميركية (جمهورية أو ديمقراطية) لمثل هذه السياسات.
ثالثًا: الحرص على إبقاء شعرة سياسية للتسوية لأن أميركا تدرك أن قوتها الكبرى في الوساطة وإدارة الصراع ويقين دول المنطقة بأن مفتاح التسوية في يد أميركا، وبالتالي لو دخلت طرفًا مباشرًا في الحرب فإن المعركة ستصبح صفرية وهي مجازفة لا تود أميركا حتّى الآن التورط بها.
والمحصلة بعد هذه الضربات الاتجاه لمزيد من التصعيد بالمنطقة وربما بعض المكاسب التكتيكية الصغيرة في الداخل الأميركي والتي سرعان ما ستزول عند الاصطدام بحقيقة عدم تأثر وحدة الساحات وعدم ارتداع محور المقاومة وعدم كسب أي نقاط للعدو الإسرائيلي بالمعركة الدائرة.
والأهم أن هذا العدوان سيزيد محور المقاومة ثباتًا وحماسة وإصرارًا على المواجهة بعد تبلور معسكر العدوان والإعلان الرسمي عن قيادة أميركا له ونفاد محاولات التستر والتخفي وراء الشعارات والمناورات السياسية.
وجميع الساحات مستمرّة، فإن حزب الله مستمرّ في استنزافه للعدو دون فزاعات ويكشف بشكل دوري عن مفاجآته ولا يزال يحتفظ بمفاجآت كبرى تنتظر وقتًا مناسبًا للإعلان عنها، وأنصار الله لا يزيدهم العدوان إلا صمودًا وتطويرًا للسلاح والاستهداف، والمقاومة العراقية ثابتة على الأرض وترد على العدوّ الإسرائيلي وراعيه الأميركي.
وعلى مستوى سورية وإيران فإنهما ثابتتان في خيارهما السياسي الداعم للمقاومة دون أي تأثر ولا انصياع لسياسات العصا والجزرة.
هي معركة صفرية وجودية وعنوانها الإرادة السياسية، وهذه الإرادة يتحلى بها جميع مكونات المحور في فلسطين ولبنان واليمن وسورية والعراق وإيران، وربما تطول المعركة ولكن المنتصر هو من يمتلك الإرادة النابعة من امتلاكه للحق.
إيهاب شوقي
المصدر : موقع العهد الاخباري
المادة الصحفية : تم نقلها حرفيا من المصدر