لنكن دقيقين.. من هو العدو وأين؟
السياسية:
منذ الساعات الأولى لعملية طوفان الأقصى الأسطورية التي نفّذها شباب المقاومة الفلسطينية بفصائلها كافة، لم تخفِ الأنظمة العربية المعروفة ووسائل إعلامها وأبواقها المسعورة انزعاجها من هذا الانتصار التاريخي، لأنها تعي جيداً أن ذلك سينعكس بشكل أو بآخر عاجلاً كان أم آجلاً على مجريات الأحداث وقضيتها الرئيسية فلسطين، ولكلّ له فيها حساباته الدينية والتاريخية والنفسية.
ويذكّرنا هذا بمواقف هذه الأنظمة ووسائل إعلامها وأبواقها الكبيرة خلال حرب تموز/يوليو 2006 عندما حمّلت معاً حزب الله مسؤولية هذه الحرب التي ألحقت المقاومة الإسلامية خلالها بالكيان الصهيوني الهزيمة التي ما زال يعاني من تبعاتها العسكرية والنفسية. ولا سيما بعد الانتصار الكبير لهذه المقاومة في إفشال وإسقاط ما يسمّى بمشروع الشرق الأوسط الكبير، وما نتج عنه من “ربيع عربي” دموي مدعوم من الأنظمة العربية والإسلامية المعروفة.
وكان هدف هذا “الربيع” الذي تبنّاه الإعلام “العربي والإسلامي” المأجور خدمة الكيان الصهيوني، الذي كاد أن يحقّق انتصاره العقائدي والديني باتفاقيات الاستسلام والخنوع والركوع والعبودية الإبراهيمية لولا صمود سوريا بدعم من حزب الله وإيران ومن معها من شرفاء العرب والمسلمين والعالم.
ومن دون أن يغيّر العدوان الصهيوني على الشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية، والذي اكتسب طابع الإبادة الجماعية والتطهير العرقي من مواقف وسلوكيات الأنظمة ووسائل إعلامها وأبواقها القذرة، التي تتسابق فيما بينها لإثبات تبعيّتها بل ولائها غير المشروط للعواصم الإمبريالية و “تل أبيب”.
وترى معاً في طهران وحلفائها في المنطقة العدو الأكبر والأخطر على حساباتها ومشاريعها ومخططاتها الإقليمية والدولية الملطّخة تاريخياً بدماء أبناء هذه الجغرافيا.
واكتسب هذا الولاء والتبعية طابعاً مثيراً بمساعي هذه الأنظمة، ليس فقط بالتغطية على هذا العدوان وتبريره، بل أيضاً للدعاية له عبر الإعلام الموالي وأبواقه القذرة، والآلاف من الحسابات على شبكات التواصل الاجتماعي التي تسوّق يومياً لمقولات وأكاذيب العدو. وتتسابق هذه الحسابات والمحطات التلفزيونية العربية “العبرية” فيما بينها لنشر بيانات وأكاذيب العدو الصهيوني فيما يتعلق بالحرب في غزة، وهي تتجاهل المجازر الوحشية التي يقوم بها هذا العدو ضد الشعب الفلسطيني.
وتستضيف هذا المحطات التلفزيونية المموّلة سعودياً وإماراتياً وقطرياً، ومعها تلك الناطقة بالعربية والمموّلة من بريطانيا وفرنسيا وألمانيا وأميركيا، في نشراتها الإخبارية وبرامجها المختلفة متحدّثين صهاينة من “تل أبيب” أو عواصم غربية، ليدافعوا عن وجهة النظر الصهيونية الإجرامية.
كما هي لا تخفي سعادتها من “الخسائر التي يلحقها “جيش” الدفاع الإسرائيلي بحماس والجهاد الإسلامي وحزب الله، وفق البيانات العسكرية الرسمية للعدو الصهيوني.
وهذا هو موقف معظم حسابات وإعلام “الإسلام السياسي الإخواني” الذي لا يخفي فرحته بعد كل عدوان صهيوني على سوريا وجنوب لبنان، واستهداف المستشارين الإيرانيين والقيادات الفلسطينية في سوريا ولبنان، بل وحتى استهداف الخبراء الإيرانيين في طهران. وكأنّ سوريا وإيران ولبنان هي سبب الاحتلال الصهيوني لفلسطين، والغزو الأميركي للعراق والصومال وأفغانستان، وإلقاء القنابل النووية على هيروشيما وناغازاكي!
وكأنّ سوريا ولبنان وإيران ومعها العراق هي التي تقصف اليمن منذ آذار/مارس 2015، وقسّمت السودان إلى شمال وجنوب، ثم قالت للشعب السوداني أن يتقاتل فيما بينه، كما هو الحال في ليبيا، وكل أبناء شعبه سنة وليس فيه أي علوي أو شيعي أو درزي أو أزيدي أو مسيحي أو أرمني أو كرديّ.
ويودون أن يتذكّر هؤلاء أنّ من يدعم ويؤجج هذا الاقتتال هي الأنظمة العربية والإسلامية “السنية”، التي تحمّلت أدوارها المعروفة في ما يسمّى بـ “الربيع العربي”، الذي دمّر المنطقة ليس فقط سياسياً واجتماعياً بل عقائدياً ودينياً وثقافياً وأخلاقياً، حيث زاد عدد الذين باعوا ضمائرهم للشيطان الأكبر وللشيطان الأصغر وعددهم كثر في المنطقة.
وإلا لماذا فرحت الأبواق المأجورة تارة بشكل مباشر ومكشوف، وتارة أخرى بشكل “ذكي”، بعد القصف الأميركي والبريطاني الأخير على مواقع سورية وعراقية وقبلها يمنية. وذكّرني ذلك بأقوال بولنت يلدرم رئيس هيئة الإغاثة الإنسانية التركية التي تبنّت سفينة مرمرة، عندما علّق على القصف الأميركي البريطاني الفرنسي على مواقع سورية في 13 و14 نيسان/أبريل عام 2018 حيث قال “إن هذا القصف لم يشفِ غليلنا، وكنت أتمنّى لهذا القصف أن يستمرّ بشكل أوسع وأكثر لإلحاق المزيد من الخسائر وإسقاط النظام”.
ومن دون أن يتذكّر يلدرم ذو الميول الإخوانية/الداعشية أنّ من هاجم سفينة مرمرة عندما كانت في طريقها إلى غزة نهاية أيار/مايو عام 2010 وقتل عشرة مواطنين أتراك هو “الجيش” الإسرائيلي، وأن الذين قصفوا سوريا هم حلفاء هذا “الجيش” عدو الإسلام والمسلمين، باستثناء المتواطئين معه بمن فيهم البعض من الفلسطينيين.
ومن دون أن تكون الوقاحة والدناءة هذه كافية بالنسبة لهذه الأبواق والأقلام المأجورة، التي يبدو واضحاً أنها تتمنّى للعدو الصهيوني أن ينتصر على كل من عرقل ويعرقل مشاريع واشنطن و”تل أبيب” في المنطقة، حتى لو أدى ذلك إلى تدمير كلّ دولها، ومقتل الملايين من شعوبها وتهجير أضعاف ذلك شريطة أن يبقوا هم على قيد الحياة، ويعيشوا على فتات الدولارات الملطّخة بدماء المخلصين والشرفاء.
وحتى إن تجاهلنا مفاهيم الوطن والقومية والدين والإيمان، فقد أثبت هؤلاء أنهم بعيدون كل البعد عن معاني الشرف والكرامة والأخلاق، بل والإنسانية التي تتطلّب منهم ومن الجميع أن يتضامن ولو عاطفياً مع المظلوم ضد الظالم، وهو الكيان الصهيوني وكل من يدعمه وباعتراف كل الشرفاء في العالم. وكان عليهم أن يتذكّروا حديث النبي محمد صلى الله عليه وسلم عندما قال “من رأى منكم منكراً فليغيّره بيده، وإن لم يستطع فبلسانه، وإن لم يستطع فبقلبه، وهو أضعف الإيمان”.
وأثبتت الأقلام المأجورة وأسيادها أنها تفتقر لها جميعاً، والسبب في ذلك بسيط ألا وهو أنها هي “المنكر”!
* المصدر: موقع الميادين نت
* المادة نقلت حرفيا من المصدر