السياسية: صادق سريع

 

أعلن “المجلس الوطني لحماية الوطن” في النيجر، في الـ 26 من يوليو 2023، عزل الرئيس محمد بازوم واحتجازه في مقر إقامته وإغلاق الحدود وفرض حظر التجول؛ في خطوة وصفها المجلس بوضع حد للهيمنة الغربية والوصاية الفرنسية على البلاد.

كما أُعلن المجلس بعد يومين، تنصيب الجنرال عبد الرحمن تشياني، لإدارة شئون البلاد التي كانت تحت وصاية قصر الإليزيه في ظل نظام بازوم تحت مسمى الديمقراطية.

وفي أول رد فعل إقليمي، أعلنت المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا “إيكواس” التي تعد النيجر عضوا فيها، رفض قرارات المجلس وتعليق عضويتها وفرض عقوبات اقتصادية ومالية مشددة، كما هدّدت بالتدخل العسكري لإعادة بازوم إلى منصبه.

في حين رد المجلس الوطني النيجيري بالرفض القطعي لقرارات “إيكواس”، محذرا من أن أي تدخل عسكري سيقابل بالرد.
وأكد استعداد قواته المسلحة للدفاع عن البلاد، متهماً فرنسا بالوقوف وراء عقوبات “إيكواس” وتبعية الأخيرة لها ورغبة باريس التدخل عسكرياً لإعادة الرئيس المخلوع إلى السلطة.. مقترحا إقامة فترة انتقالية مدتها ثلاث سنوات.

ووصف رئيس المجلس الوطني العسكري، الجنرال عبد الرحمن تياني، عقوبات “إيكواس”، بغير الإنسانية وقانونية؛ فيما أكد رئيس الوزراء المعين من المجلس، محمد الأمين زين، والذي شكل حكومة انتقالية جديده تضم 21 وزيراً، قدرة بلاده على تجاوز العقوبات.

وكان الرئيس السابق محمدو يوسوفو، عين الجنرال تياني قائداً للحرس الرئاسي خلال ولايتيه الرئاسيتين بين عامي 2011 و2021، وأستمر في عهد بازوم، الذي حاول إقالته قبل فتره لتمدد سلطاته في قيادة الحرس الرئاسي.

وعلى خلفيه قرارات فرض العقوبات على النيجر، أوقفت الأخيرة، بثّ محطتين فرنسيتين إخباريتين رسميتين، هما “فرنسا 24” و”راديو فرنسا الدولي آر.أف.آي”، في خطوة ازعجت ساسة الاليزيه.

ومطلع أغسطس الماضي، ألغى المجلس العسكري الاتفاقيات العسكرية الثنائية مع فرنسا، في حين رفضتها الأخيرة التي تنشر 1500 عسكري في أراضي النيجر، معتبره أنها من صلاحية حكومة بازوم حصراً.

وتتهم النيجر الرئيس المخلوع محمد بازوم، المقرب من قصر الاليزيه و”إكواس”، بانهما أذرع للإمبريالية الغربية في المنطقة.

اقتراح “إيكواس”
وبعد 36 يوماً، على خلع الرئيس بازوم، مروراً بتهديد “إكواس” بالتدخل العسكري، وصولا إلى قرار النيجر مغادرة السفير الفرنسي، لا تزال بوصلة الاحداث تتجه في منحى تصاعدي في ظل المساعي الإقليمية والدولية الهادفة لتخفيف التوتر في النيجر، حيث اقترح رئيس نيجيريا بولا تينوبو الذي يتولى حالياً الرئاسة الدورية لـ ” إيكواس”، أمس الخميس، فتره إنتقالية مدتها 9 أشهر تمهيداً للعودة للحل السلمي على غرار تجربة دولة نيجيريا في تسعينيات القرن الماضي.
وأفاد بيان “إيكواس”، أن رئاستها لا ترى مانعا في تنفيذ الاتفاق المرحلي إذا ما وافق المجلس الوطني.

ووفقاً لبيان “إيكواس”، فلن يتم تخفيف العقوبات المفروضة على النيجر، من دون خطوات إيجابية من نيامي.
وبعد ساعات قليلة، نفت “إكواس” أن يكون قد تم اقتراح فترة انتقالية للمجلس العسكري في النيجر.

إلى ذلك، أعلنت الجزائر القيام بوساطة تقضي بإمهال المجلس الوطني النيجيري 6 أشهر للعودة إلى النظام الدستوري، ورفضت منح فرنسا رخصة عبور أجوائها لتنفيذ أي هجوم محتمل وأي تدخل عسكري في أراضي جارتها الجنوبية.

وأكد الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، أنّ الوضع في النيجر يمثّل تهديداً مباشراً للجزائر، مؤكدا رفض بلاده قطعياً التدخل العسكري.
كما رفض الاتحاد الأفريقي استخدام القوة في النيجر.

في حين، أعلنت دول السنغال وساحل العاج وبينين استعدادها للمشاركة في التدخل العسكري إذا ما قررت “إكواس”.. في المقابل، أرسلت دولتي مالي وبوركينا فاسو مقاتلات ومروحيات هجومية دعماً لجيش النيجر.. وحذرتا من أنّ أي تدخل عسكري ضد النيجر يعني إعلان الحرب ضدهما، وسيؤدي إلى انسحابهما من “إكواس”.

“قرار الطرد لا رجعه عنه”
وتوالت الاحداث وتصاعدت حدة التصريحات، حيث أعلن المجلس الوطني الحاكم في النيجر، أمس الخميس، أنه وجه أجهزة الشرطة بتنفيذ قرار طرد السفير الفرنسي لدى نيامي على خلفيه رفض باريس الاستجابة للمهلة التي حددها المجلس لسحب سفيرها من البلاد.

سبق ذلك، إعلان الخارجية النيجرية، الجمعة الماضي إمهال السفير الفرنسي مده 48 ساعة لمغادرة البلاد.
وجاء في بيان وزارة خارجية النيجر المؤرخة، الثلاثاء الماضي، أن قرار الطرد “لا عودة عنه”، مؤكدا سحب الحصانة الدبلوماسية من السفير الفرنسي سيلفان إيتيه.

وأضاف البيان:” أن تم إلغاء “بطاقات السفير الفرنسي وتأشيراته الدبلوماسية وبطاقات عائلته، وأن أجهزة شرطة النيجر “تلقت تعليمات بتطبيق قرار طرد” إيتيه”.
في المقابل، حذر المتحدث باسم هيئة الأركان الفرنسية الكولونيل بيير غوديير، أمس، من أن “القوات العسكرية الفرنسية جاهزة للرد على أي تصعيد ضد الوجود العسكري والدبلوماسي لبلاده في النيجر”.. مؤكدا أنه تم اتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية هذا الوجود.

في السياق ذاته، اعتبرت “الجبهة الوطنية لسيادة النيجر”، المعارضة للوجود الفرنسي وهي هيئة أنشئت عقب خلع الرئيس بازوم، أن السفير إيتيه هو “مواطن فرنسي في وضع غير نظامي”.
وأشار ناطقها لوسائل الاعلام، إبراهيم بانا، إلى إنه يمكن للسفير أن يبقى طالما شاء في حرم سفارته التابعة للأراضي الفرنسية كمواطن فرنسي، لكن إذا ما خرج فيتم ابلاغ أجهزة الشرطة المكلفة قمع مخالفات الهجرة”.. نافياً أي نوايا للإقدام بحق السفير.

ردود أفعال
وأثارت أحداث النيجر ردود أفعال إقليمية ودولية حيث، دانت اليمن التدخل الأجنبي الغربي في الشئون الداخلية في النيجر، أكد مجلس النواب تضامن الجمهورية اليمنية، برلماناً وحكومة وشعبا، مع شعب النيجر وحقه المشروع في تقرير مصيره والتحرر من الوصاية والهيمنة الخارجية، وإقامة نظام ديمقراطي يحترم إرادة الشعب.
واستنكر مجلس الشورى التدخلات الخارجية سيما الفرنسية وحلفائها من الدول الأوربية والغربية في الشؤون الداخلية للنيجر.

وأكتفت الولايات المتحدة على لسان وزير خارجيتها أنتوني بلينكن، بالتأكيد على أن الدبلوماسية الطريقة المفضلة لحل هذا الوضع واستعادة النظام الدستوري.
ودعت الجزائر والصين وروسيا إلى ضبط النفس والاستمرار في استخدام الحوار لتهدئة التوتر.
واعتبرت وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا، أن ما حصل في النيجر “إنكار للديمقراطية”، مشدده على أن باريس ستواصل دعم “النظام الدستوري حتى وإن تردد آخرون”.

في ذات الصلة، جمّدت الولايات المتحدة وكندا برامج مساعداتها علّق الاتحاد الأوروبي وفرنسا المساعدات في النيجر.

وفي إطار الحراك السياسي والإعلامي التي ترافق أحداث النيجر، علقت صحيفة “لوموند” الفرنسية بالقول: “إنّ “فرنسا أصبحت معزولةً في الاتحاد الأوروبي بعد أحداث النيجر”.
وأوردت “لوموند” أنّ احتمال التدخل العسكري في النيجر، الذي تدعو له “إيكواس”، لا يزال مستبعداً بصورة تامة حتى اللحظة”.
وان فرنسا، التي تدعم هذا الخيار “في حال الضرورة”، بدت معزولةً، وفقاً للصحيفة الفرنسية.

إرث استعماري
وتمضي النيجر على خطى مالي وبوركينا فاسو بقرار طرد السفير الفرنسي، وهن الدولتان اللاتي أبدت استعدادهما للقتال في صف الجيش النيجري في حال تدخلت “إكواس” عسكرياً.
وتمتلك النيجر حوالي 10 ألف جندي لكن ذلك لا يعني أن غزوها سيكون سهلاً.

ويخرج شعب النيجر في تظاهرات شبه يومية تأييدا لموقف المجلس الوطني ومناهضة للموقف الفرنسي والافريقي الموالي للغرب مرددين شعارات معادية لفرنسا و”إكواس”.

يشار إلى ان فرنسا خسرت خلال موجة الربيع الافريقي ثلاث مستعمرات افريقية مهمة والتي ربما تلحق بهما دولة تشاد عاجلاً أم آجلاً، تغذيها باليورانيوم والذهب واحتياطي البنك المركزي.

حيث أجبرت بعض أنظمة القارة السمراء التي تعد مستعمراتها القديمة والمعاصرة على وضع احتياطيات بلدانها المالية في البنك المركزي الفرنسي بدلا من وضعها في بنوكها المركزية الوطنية ما ساهم في استقرار الفرنك الفرنسي، بينما شهدت العملات الوطنية تراجعا خلف سلسله أزمات اقتصاديه وماليه ضاعفت الأعباء المعيشية على مواطني تلك الشعوب الأفريقية.

وبالتالي فإن وقف تصدير اليورانيوم الافريقي سيكون له تأثيراً مباشراً في عملية إنتاج الكهرباء في فرنسا، كما سيساهم منع تصدير الذهب وسحب المال من البنك المركزي الفرنسي في إضعاف الاقتصاد الفرنسي.

وتعد النيجر وهي دولة غير ساحلية في غرب أفريقيا، من أكثر البلدان انعداما للاستقرار وقد شهدت اربعة تغييرات للأنظمة السياسية بالإضافة إلى فشل محاولة خامسة في فبراير 2010 ضد الرئيس مامادو تانجا، منذ الاستقلال عن فرنسا في عام 1960.

خلاصة القول، وفق ما يراه المراقبون فإن المستهدف الفعلي من الربيع الأفريقي هي فرنسا والانظمة الأفريقية الموالية لها.