السودان: صراع بين جنرالَين أطاحا بالبشير
411 قتيلا و2023 مصابا منذ بداية الاشتباكات
السياسية ـ وكالات:
في السودان الصراع بين الجنرالين اللذين أطاحا بعمر البشير هو الذي فجّر الوضع. إضاءة على مسيرة الرجلين: الفريق الأول عبد الفتاح البرهان والفريق الأول محمد حمدان دقلو المعروف باسم حميدتي.
البرهان وحميدتي من شركاء في الحكم… الى أعداء
شق كل من الفريق الأول عبد الفتاح البرهان والفريق الأول محمد حمدان دقلو المعروف باسم حميدتي طريقه الى السلطة في عهد عمر البشير قبل ان ينقلبا عليه ويستوليا على الحكم في تشرين الأول/أكتوبر 2021، حين نفّذ البرهان انقلابًا عسكريا أطاح خلاله بالمدنيين الذين كانوا يتقاسمون السلطة مع العسكر لإدارة مرحلة انتقالية تمّ الاتفاق عليها بعد فترة من الإطاحة بالرئيس السابق عمر البشير عام 2019. وتولّى البرهان رئاسة مجلس السيادة الحاكم، وكان دقلو نائبا له. الرجلان مسؤولان عن قمع الاحتجاجات السلمية المطالبة بإنهاء حكم العسكر وللإثنين علاقات قوية في السعودية والإمارات وشاركا في الحرب ضد الحوثيين في اليمن. وقد اندلعت الاشتباكات بينهما يوم السبت 15 نيسان/أبريل، بسبب خلاف حول دمج قوات الدعم السريع التي يقودها حميدتي في الجيش في إطار مرحلة انتقالية يفترض أن تؤدي الى حكم مدني في السودان.
البرهان، عسكري أعاد السودان الى حكم العسكر
الفريق الأول عبد الفتاح البرهان مولود سنة 1960 في قرية قندتو في ولاية نهر النيل الواقعة شمال السودان، لدى اسرة دينية تتبع الطريقة الختمية التي هي إحدى الطرق الصوفية في السودان. عبد الفتاح البرهان خريج الكلية العسكرية، عين قائدا للقوات البرية قبل عام من الإطاحة بالبشير. هو الحاكم الفعلي للسودان بلا منازع منذ قيامه بانقلابه الذي دعمه فيه محمد حمدان دقلو المعروف ب”حميدتي”. وعُيّن هذا الأخير نائبا له بعد الانقلاب. المجموعات المنبثقة عن المتظاهرين الذين استمروا بالاحتجاج على الانقلاب للمطالبة بحكم مدني خالص، يعتبرون البرهان حصان طروادة للإسلاميين ولفلول نظام البشير الذين استعاد بعضهم بالفعل مناصبهم.
البرهان، عراب التطبيع والمقرب من الجار المصري القوي
لعب البرهان، بحسب وسائل إعلام سودانية، دورا رئيسيا بعيدا عن الأضواء في مشاركة السودان في التحالف العسكري الذي قادته السعودية في اليمن عام 2015. في 20 كانون الثاني/يناير 2020، بعد إسقاط عمر البشير بشهور، التقى البرهان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو في أوغندا. ويعتبر عرّاب التطبيع بين إسرائيل والسودان الذي حصل برعاية أميركية. وبحكم دراساته العسكرية في مصر، فالرجل قريب جدا من الجار الشمالي القوي خصوصا أن الرئيس عبد الفتاح السيسي ينتمي هو الآخر الى المؤسسة العسكرية. وقد اقترحت مصر على القوى السياسية السودانية مبادرة لحل الأزمة في البلاد تعطي الفريق أول البرهان اليد العليا في البلاد.
حميدتي الأكثر ثراء في السودان
الفريق الاول محمد حمدان دقلو مولود سنة 1975، ينتمي الى قبيلة الرزقيات المنتشرة في إقليم دارفور. انقطع عن الدراسة وهو في سن ال15 وتوجه لممارسة تجارة الابل بين ليبيا ومالي بشكل خاص وحمل السلاح لأول مرة بعد مقتل نحو ستين شخصا من عائلته في هجوم على قافلته التجارية في دارفور، فأنشأ ميليشيات الجنجويد التي اعتمد عليها الرئيس عمر البشير في قمع المتمرّدين في دارفور وأماكن أخرى من السودان، ما وثق علاقته بدقلو الذي منح رتبة عسكرية والحرية الكاملة في السيطرة على مناجم الذهب في دارفور، فبات من أكثر الناس ثراء في السودان. حميدتي مارس، بأوامر من البشير، سياسة الأرض المحروقة في دارفور حيث قُتل أكثر من 300 ألف شخص ونزح ما يزيد على 2,5 مليون آخرين خلال الحرب.
من دارفور الى أروقة السلطة في الخرطوم
مدّ حميدتي دائرة نفوذه من دارفور، حيث لا يزال يحتفظ بمقرّ قيادته، الى الخرطوم وأروقة السلطة فيها، وباتت لديه صلات بالدوائر الدبلوماسية واستطاع أن يعقد اتفاقات تجارية سرية الى حدّ ما. تحوّلت قوات التدخل السريع التي أنشئت العام 2013، الى قوة رديفة للجيش تضمّ آلاف العناصر الساعين حاليا الى السيطرة على السلطة. ومنذ الثورة التي أطاحت بعمر البشير في 2019، يعمل على تحسين صورته وكسب حلفاء جدد. خلال الثورة، وُجهت اتهامات الى قوات التدخل السريع بتفريق اعتصام سلمي مطالب بالديموقراطية بالقوة في الخرطوم، ما أسفر عن سقوط عشرات القتلى، وفق أرقام رسمية.
حميدتي يتحول من مؤيد للبرهان الى أشد منتقديه
في 25 تشرين الأول/أكتوبر 2021، دعم حميدتي قائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان في انقلابه الذي أطاح بالمدنيين من السلطة. لكن مع مرور الوقت، بدأ ينتقد الجيش والبرهان الذي وصفه ب “المجرم” الذي “دمّر البلاد” و”يتشبّث بالسلطة”. وبات يقدّم نفسه مدافعا عن الدولة المدنية وخصما لدودا للإسلام السياسي الداعم إجمالا للبرهان. وانضمّ الى المدنيين في إدانة الجيش، مشيرا الى أنه يدافع عن “مكتسبات ثورة” العام 2019. ومنذ أشهر، بات حميدتي متواجدا بقوة على شبكات التواصل الاجتماعي عبر حسابات عدة على “فيسبوك” و”تويتر” و”استغرام” و”تيك توك”، يخاطب من خلالها الشباب في بلد ثلثي سكانه تقلّ أعمارهم عن 30 عاما.
صداقات متعددة
اكتسب حميدتي حلفاء سياسيين في السعودية والإمارات بإرساله رجالا للقتال الى جانب التحالف العسكري الذي قادته الرياض في اليمن عام 2015. وتقول الولايات المتحدة إن قوات “فاغنر” الروسية المسلحة الموجودة في دول إفريقية عدة مجاورة للسودان، تعمل مع قوات الدعم السريع في تلك المناجم. لكن علاقات حميدتي الجيدة بروسيا مؤكدة، فلدى وصوله الى موسكو غداة غزو أوكرانيا، نجح في مقابلة كبار المسؤولين في الدولة.
الجيش السوداني: لن نكون رافعة لأي كيان أو حزب أو جماعة للانقضاض على السلطة
أعلن الجيش السوداني أن القوات المسلحة لن تكون “رافعة لأي كيان أو حزب أو جماعة للانقضاض على السلطة”.
وقال الجيش في بيان له على صفحته في موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” اليوم السبت، إن قواته “ملتزمة بالعملية السياسية التي تقود إلى قيام السلطة المدنية”.
شروط للتفاوض وإنهاء الصراع في السودان
تحدث كل من قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان، وقائد قوات الدعم السريع في السودان محمد حمدان دقلو (حميدتي)، عن شروطهما للتفاوض وإنهاء الصراع في البلاد.
وقال البرهان، خلال مقابلة أمس الجمعة مع قناة “الحرة” الأمريكية، إنه لا يمكن الجلوس مع حميدتي لأنه يقود “تمردا ويجب إنهاؤه”.
وتابع: “لا مجال لهذه المليشيا إلا الزوال عبر التفاوض في كيفية استيعابها داخل القوات المسلحة أو قتالها من كافة الشعب السوداني”.
وأضاف البرهان: “المتمردون يتخذون المواطنين دروعا بشرية. لا توجد قوات للمتمردين خارج الأحياء السكنية إطلاقا”.
وذكر أن “الجيش يمكنه حسم المعركة في وقت قصير جدا، ولكنه يعمل للحفاظ على البنية التحتية وحماية المدنيين وهذا من باب المسؤولية الوطنية”.
وأردف البرهان أن “الجيش يسيطر على كل السودان عدا بؤر قليلة في دارفور سيتم حسمها قريبا”.
ولفت إلى أن “محاولات ربط الجيش وقيادته بالنظام السابق أضحت ممجوجة لا تفوت على فطنة الشعب”.
من جهته، صرح حميدتي بأنه يعتبر وقف العمليات القتالية شرطا للمفاوضات مع البرهان.
وقال في حديث لهيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي”: “لا نريد تدمير السودان”، محملا الطرف الآخر مسؤولية العنف في البلاد.
وبشأن احتمال المفاوضات مع البرهان، قال دقلو: “وقف القتال. ثم يمكن أن تكون لدينا مفاوضات”.
وأشار دقلو إلى عدم وجود أي مشاكل شخصية مع البرهان، متهما اياه بجلب مسؤولين موالين للرئيس السابق عمر البشير إلى الحكومة.
وأكد أنه يسعى لتشكيل حكومة مدنية في السودان بأسرع ما يمكن. وقال إن هدفه حماية البلاد من “بقايا الحكومة التي كانت خلال الـ 30 عاما الماضية”.
ومنذ 15 أبريل الجاري، تشهد عدد من ولايات السودان اشتباكات واسعة بين الجيش بقيادة البرهان، و”الدعم السريع” بقيادة حميدتي.
411 قتيلا و2023 مصابا منذ بداية الاشتباكات
أعلنت نقابة أطباء السودان، اليوم السبت، عن سقوط 411 قتيلا من المدنيين و2023 مصابا منذ بداية الاشتباكات بين الجيش وقوات الدعم السريع.
واتهم الجيش السوداني الدعم السريع باغتيال واختطاف عدد من المتقاعدين من ضباط القوات المسلحة والشرطة والأمن، بينما تباينت تصريحات القائد العام للجيش السوداني عبد الفتاح البرهان وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي) بشأن عملية التفاوض.
كما اتهم الجيش السوداني من وصفهم بالمتمردين، بمواصلة خرق الهدنة، مما تطلب التعامل العسكري من طرف الجيش مع تلك الخروقات.
وأضاف أن قوات الدعم السريع واصلت القصف العشوائي في الخرطوم بحري وأم درمان والخرطوم، لإجبار السكان المدنيين على إخلاء هذه المناطق.