حلّ معادلة “ليوبارد” مقابل “ابرامز”.. وروسيا تشبهها بالدبابات النازية
د. علي دربج*
يبدو أن المواجهة الروسية ــ الاطلسية الدائرة في أوكرانيا منذ شباط / فبراير 2022 قد خرجت عن اطارها المعهود، بعدما خرقت الولايات المتحدة الامريكية الخطوط الحمر المرسومة بينها وبين موسكو عبر رفع مستوى تسليحها لكييف إلى مستويات فائقة الخطورة، من خلال مدّها بدبابات أمريكية والمانية قتالية للمرة الأولى في تاريخ هذا الصراع.
الخطوة الأمريكية، التي جاءت بعد ممانعة البيت الأبيض وأوروبا لشهور عدة، وكسرت جميع المحظورات، ستجر معها حتمًا في الفترة المقبلة تصعيدًا كبيرًا ربما يؤدي إلى اندلاع شرارات حرب لا يمكن التنبؤ إن كانت ستبقى مقتصرة على الجغرافيا الأوروبية مثلًا، أو سيمتد لهيبها إلى مناطق أخرى ليست في حسابات أحد، خصوصًا وأن الكرملين لا يمكنه أو ليس بوارد التسليم أو حتى التفكير بخسارته العسكرية أمام الأطلسي، والتي ستترك بلا شك تداعيات كارثية على الاتحاد الروسي برمته.
ما هي العوامل التي ساهمت في حل الخلاف الأمريكي ــ الالماني حول قضية الدبابات لأوكرانيا؟
من المعروف أن ألمانيا كانت رفضت مرارًا وتكرارًا الموافقة على إرسال دبابات “ليوبارد 2” التي طلبتها أوكرانيا، أو السماح للدول الأخرى التي تمتلك هذا الطراز بنقل دباباتها ما لم توافق الولايات المتحدة على إرسال دبابات من طراز M1 Abrams الخاصة بها، حيث لطالما أصرت وزارة الحرب الأمريكية على أن دبابات أبرامز معقدة للغاية، ولا يمكن نقلها واستخدامها من قبل الأوكرانيين.
غير أن التطورات العسكرية المتسارعة على أرض المعركة لا سيما مع تحقيق القوات الروسية تقدمًا لافتًا على الجبهة الأوكرانية واحكام سيطرتها على مدينة سوليدار ساهم في تذليل هذه العقبة، بعدما دب الهلع في صفوف الجبهة الاطلسية التي تداعى جنرالاتها إلى عقد اجتماع في 20 الجاري، في احدى القواعد العسكرية الأمريكية في المانيا، لمناقشة سبل وقف التقدم الروسي والتحضير لهجوم مضاد في الربيع بعد توفير كافة العتاد والأسلحة التي تحتاجها كييف لهذه المرحلة.
بالتزامن مع ذلك كانت واشنطن تكثّف ضغوطها الكبيرة على المستشار الألماني اولاف شلوتس، والتي أثمرت في النهاية عن رضوخ برلين لامريكا، والتوصل الى حل وسط معها لتذليل هذه العقبة.
وفي هذا السياق أعلنت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن أمس الأربعاء أنها سترسل 31 من دباباتها القتالية الرئيسية إلى أوكرانيا بعد اتفاق مع ألمانيا لتسليم عشرات من دباباتها من طراز “ليوبارد 2” من جميع أنحاء أوروبا، منهية بذلك شهورًا من الجدل بين الحلفاء الغربيين، وتمهد بالتالي الطريق لما يعتقده الاطلسيون تحولًا كبيرًا في ميزان القوى في ساحة المعركة الأوكرانية.
أما المفاجئ فهو أن واشنطن مارست ما يشبه الخداع على برلين، إذ ان الدبابات الأمريكية ــ التي سيتم شراؤها من الشركات المصنعة بدلا من نقلها من المخزونات العسكرية الأمريكية الحالية ــ لن تصل قبل أشهر، إن لم يكن سنوات وفقًا لخبراء غربيين، وهو ما أكده مسؤولون في الإدارة بقولهم إن M1s هي جزء من التخطيط بعيد المدى للقوات المسلحة الأوكرانية، بدلًا من الأسلحة التي سيتم استخدامها على الفور.
علاوة على ذلك، تتمثل الخطة في نقل دبابات ليوبارد 2 المنتشرة حاليًا في جميع أنحاء أوروبا في الوقت المناسب لأوكرانيا للدفاع ضد العملية الروسية المتوقعة في الربيع.
ما هو عدد الدبابات الألمانية والأمريكية التي سيرسلها الأطلسي إلى أوكرانيا؟
كشفت دول الأطلسي أن الهدف هو تجميع كتيبتين من دبابات ليوبارد 2 بسرعة (ما يعادل 70 دبابة على الأقل). وكخطوة أولى، ستوفر ألمانيا سريّة من 14 دبابة من طراز “ليوبارد 2 إيه6” من مخزونات جيشها، حسبما ذكرت الحكومة الألمانية في بيان، فيما سيقدم الحلفاء الأوروبيون هذه الدبابات بموافقة ألمانيا.
إلى جانب ذلك، أكدت وزارة الدفاع الألمانية أنها تسعى إلى أن تكون الدبابات في ساحة المعركة بحلول نهاية آذار/ مارس المقبل. لكن هذا الوقت وفقًا للخبراء العسكريين يبدو ضيقًا وغير كاف للخدمات اللوجستية والتدريب التي من المتوقع أن تبدأ في غضون أيام قليلة.
وكونها البلد المصنّع لـ “ليوبارد 2″، احتفظت ألمانيا بمفتاح الحزمة الكاملة من الدبابات التي يتم إعدادها لتسليمها إلى أوكرانيا لأن موافقة برلين مطلوبة لإعادة التصدير.
وانطلاقًا من هذه النقطة، أشارت بولندا وعدد من الأعضاء الأوروبيين الآخرين في الناتو إلى استعدادهم لإرسال ليوبارد 2s. إذ تمتلك كل من فنلندا واليونان وبولندا وإسبانيا والسويد وسويسرا وتركيا ما لا يقل عن 100 قطعة منها.
زد على ذلك أن بولندا ــ التي تخطط أيضًا لإرسال سرية من 14 دبابة ـــ أشارت إلى أنها ستبدأ تدريب جنود أوكرانيين في غضون أيام.
من جهتها صرحت شركة Rheinmetall الألمانية لتصنيع الأسلحة لوسائل الإعلام الألمانية بأنها يمكنها تسليم 29 دبابة من طراز Leopard 2A4 بحلول نيسان/ أبريل أو ايار/مايو المقبلين، و22 دبابة أخرى من نفس الطراز في نهاية عام 2023 أو أوائل عام 2024.
ماذا عن الدبابات الأمريكية؟
لم يتضح على الفور سبب قرار إدارة بايدن متابعة شراء دبابات جديدة لأوكرانيا بدلاً من إرسال بعض الآلاف من الدبابات الموجودة بالفعل في المخزون العسكري الأمريكي، على الرغم من أن المسؤولين نفوا أن يكون لدى الجيش أي أعداد اضافية من الدبابات. من هنا، قال أحد مسؤولي الإدارة إن الخطة الأمريكية، تتضمن إرسال 31 دبابة إلى أوكرانيا، ما يكفي لكتيبة واحدة. كما سترسل الإدارة ثماني مركبات إنقاذ مصفحة من “طراز M88” مصممة لسحب الدبابات وإصلاحها.
ليس هذا فحسب، إذ أعلن مسؤولون في الإدارة أنهم سيحتاجون إلى تدريب إضافي للاوكرانيين من حيث تعليمهم على تشغيل وصيانة “أبرامز” ودمج المركبات في عمليات هجومية بأسلحة أخرى. لكن هذا التدريب سيقام خارج أوكرانيا دون أن يحدد مكانه، ومن المحتمل ان يكون في منطقة تدريب Grafenwoehr في ألمانيا، وهي أكبر منشأة أمريكية من نوعها في أوروبا.
بدأ الجيش الأمريكي هذا الشهر تدريب كتيبة من أكثر من 600 جندي أوكراني في تلك القاعدة على كيفية الجمع بين المدفعية والمركبات القتالية والأسلحة الأخرى. أما بالنسبة للجهة الممولة لهذه الصفقة، فقد أوضح المسؤولون الأمريكيون في واشنطن أن دبابات “أبرامز” سيتم دفع ثمنها من صندوق “مبادرة المساعدة الأمنية الأوكرانية” وهي أموال تستخدم عادة لشراء معدات عسكرية لكييف.
هل ستغير الدبابات الالمانية وجهة الحرب لصالح اوكرانيا؟
يردد القادة الغربيون أن الدبابات الثقيلة يمكن أن تغير ميزان القوى في ساحة المعركة، لكن فرانز ستيفان جادي زميل كبير في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية طرح اشكالية حول ما اذا كانت دبابات “ليوبارد الألمانية” ستشكل ديناميكيات قصيرة المدى بالفعل. وأضاف أنه من غير المرجح أن تلعب “ليوبارد 2” دورًا مهمًا في أي عملية روسية في الربيع، وسأل “هل سيصلون في الوقت المناسب؟ هل سيتم تدريب الأطقم؟”.
وكشف أن هناك سلسلة لوجستية كبيرة مطلوبة لمواكبة هذه الدبابات قبل وصولها إلى ساحة المعركة، مثل النقل، ومركبات الإنقاذ، ومركبات التزود بالوقود، وهذا كله سيستغرق إعداده وقتًا.
كيف جاء الموقف الروسي من هذا التطور التسليحي؟
في الوقت الذي كان شولتس يذكّر المشرعين بقرب ألمانيا الجغرافي من المعارك، كان سفير روسيا في برلين سيرجي نيتشايف يحذر من أن قرار إرسال الدبابات إلى أوكرانيا يتجاوز الخط الأحمر، وشبّهه بالدبابات النازية التي غزت روسيا خلال الحرب العالمية الثانية.
وتبعا لذلك قال نيتشايف في بيان عقب الإعلان عن الاتفاق الامريكي ــ الالماني: “هذا القرار الخطير للغاية ينقل الصراع إلى مستوى جديد من المواجهة”، واضاف “الخطوط الحمراء هي شيء من الماضي”.
في الختام من الواضح أن المواجهة في أوكرانيا انتقلت الى مرحلة كسر العظم بين الغرب وموسكو، خصوصًا وأن الطرفين الروسي والاطلسي ــ الامريكي، يهيئان لما بات يعرف بمعركة الربيع الحاسمة. والى ذلك الحين، فلننتظر ونرَ.
- باحث وأستاذ جامعي
- المصدر: موقع العهد الاخباري
- المادة تم نقلها حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع