هل تكون خيرسون مسرحاً للكارثة؟
تسريبات روسية تتحدّث عن “قنبلة قذرة” تستعد أوكرانيا لتفجيرها..
السياسية:
بعد أن أصبحت مدينة خيرسون أهم جبهات القتال في هذه المرحلة من الحرب، نشرت موسكو تقارير تتهم كييف بالتجهيز لتفجير “قنبلة قذرة” هناك، كي يقع اللوم على روسيا، فماذا يحدث في المدينة الجنوبية؟
وبعد أن نجح الهجوم الخاطف المضاد، الذي بدأته أوكرانيا منذ نهاية أغسطس/آب الماضي، في إجبار القوات الروسية على الانسحاب من مدينة خاركيف في الشمال الشرقي، تسعى كييف الآن إلى تكرار نفس الانتصار في الأقاليم الجنوبية، وبخاصة مدينة خيرسون.
وخيرسون واحدة من 4 مناطق أوكرانية، تشمل أيضاً لوغانسيك ودونيتسك وزابوروجيا، أجرت فيها روسيا “استفتاءات“، ثم وقع الرئيس فلاديمير بوتين قراراً بضمها رسمياً إلى الاتحاد الروسي، وسط تنديد غربي ورفض أممي لتلك الخطوة، معتبرين أنها تمثل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي.
ماذا يجري على الأرض في خيرسون؟
تقع خيرسون في جنوب أوكرانيا، وحالياً ينصب التركيز الرئيسي للهجوم الأوكراني على استعادتها، إذ إنها تمثل الأهمية الاستراتيجية الأكبر، من بين المناطق الأخرى التي تسيطر عليها القوات الروسية، كما أنها المدينة الوحيدة التي سيطرت عليها روسيا بشكل كامل بعد أيام قليلة من بداية الحرب في 24 فبراير/شباط الماضي.
وتشرف مدينة خيرسون على الطريق البري الوحيد المؤدي إلى شبه جزيرة القرم، التي ضمتها روسيا عام 2014، ومصب نهر دنيبرو الذي يقسم أوكرانيا إلى شقين شرقي وغربي.
ومنذ مطلع أكتوبر/تشرين الأول، بدأت القوات الأوكرانية اقتحام خطوط المواجهة في المنطقة في أكبر تقدم لها في الجنوب منذ بداية الحرب، بهدف قطع الإمدادات وطرق الهروب عبر النهر عن القوات الروسية.
وكانت أوكرانيا قد أعلنت، الجمعة، 14 أكتوبر/تشرين الأول، أن قواتها المسلحة استعادت السيطرة على 600 تجمع سكني في الشهر المنصرم، بينها 75 في خيرسون و43 في دونيتسك في الشرق، حيث تقع أوبتين وإيفانجراد. وذكرت وزارة إعادة دمج الأراضي المحتلة مؤقتاً عبر موقعها الإلكتروني “لقد زادت مساحة الأراضي الأوكرانية المحررة بشكل كبير”. لكن لم يتسنّ لرويترز التأكد على الفور من التقارير المتعلقة بالتطورات في ساحات المعارك.
جاء الهجوم الأوكراني المضاد بعد أكثر من 6 أشهر من بداية الحرب، التي تصفها روسيا بأنها “عملية عسكرية خاصة”، بينما يصفها الغرب بأنها “غزو”، وتقول موسكو إن ما حققته كييف من تقدم ميداني، هو الأول من نوعه، يمثل “ضربة مباشرة من الغرب ضد روسيا“.
وكان المسؤولون الأمريكيون والأوكرانيون قد أعلنوا منذ بداية الشهر الماضي أن “تحرير” خيرسون من القوات الروسية يمثل هدفاً استراتيجياً “يأملون في إنجازه قبل نهاية العام”، بحسب تقرير لشبكة CNN الأمريكية.
السكرتير الإعلامي للبنتاغون، الجنرال بات رايدن، كان قد قال للصحفيين إن “ما رأيناه في منطقة خيرسون أولاً هو عمليات هجومية متقدمة تقوم بها القوات الأوكرانية. إنهم يواصلون التقدم، ونحن على دراية بأنهم استعادوا السيطرة على بعض القرى”.
وقال مسؤولون أوكرانيون للشبكة الأمريكية أيضاً إن الهدف هو استعادة جميع المناطق شمال وغرب نهر دنيبرو على الأقل قبل نهاية العام الجاري ودخول فصل الشتاء، وهذا لا يشمل فقط مدينة خيرسون، وإنما أيضاً مدينة نوفا كاخوفكا، مقر محطة مهمة لإنتاج الطاقة الكهربائية من خلال السدود الهيدروليكية، إضافة إلى القناة التي تزود شبه جزيرة القرم بأغلب احتياجاتها من المياه العذبة.
وبحسب بيانات كييف، يواصل الجيش الأوكراني تحقيق مكاسب على الأرض مع تحرك قواته جنوباً عبر منطقة خيرسون، إذ سيطر على قريتين على الأقل انسحبت منهما القوات الروسية، الجمعة، 21 أكتوبر/تشرين الأول.
إخلاء خيرسون من السكان
وتزامناً مع تقدم القوات الأوكرانية، تواصل سلطات خيرسون الموالية لروسيا خطط إخلاء المدينة من السكان، وقالت إدارة المدينة في بيان على تيلغرام “نظراً للوضع المتوتر على الجبهة وزيادة خطر القصف المكثف للمدينة وخطر الهجمات الإرهابية، يجب على جميع المدنيين مغادرة المدينة على الفور، والعبور إلى الضفة الشرقية لنهر دنيبرو”.
وغادر آلاف المدنيين المدينة بالفعل بعد تحذيرات روسية من هجوم أوكراني وشيك لاستعادة المدينة. وفي أوليشكي، الواقعة على الضفة المقابلة لنهر دنيبرو شاهد مراسلون لرويترز أشخاصاً يصلون على متن قارب من خيرسون.
وقال أحد السكان لرويترز: “لم أرغب حقاً في (المغادرة)… أردنا البقاء هنا في المنطقة، لكننا أصبحنا الآن لا نعرف (ما الذي سيحدث)”.
وكان فلاديمير سالدو، حاكم خيرسون الذي عينته روسيا، قد قال للتليفزيون الرسمي قبل 4 أيام إنه سيتم إجلاء ما بين 50 و60 ألف شخص في الأيام الستة المقبلة: “الجانب الأوكراني يحشد قواته لشن هجوم واسع النطاق… لا مكان للمدنيين في مكان يشهد عمليات عسكرية”.
وقال سالدو إنه تم نقل العاملين في إدارة خيرسون المدعومة من روسيا أيضاً إلى الجانب الشرقي من دنيبرو، رغم أنه أشار إلى أن روسيا لديها الموارد اللازمة للاحتفاظ بالمدينة، وحتى شن هجوم مضاد إذا لزم الأمر. وتراجعت القوات الروسية في المنطقة بمقدار 20-30 كيلومتراً في الأسابيع القليلة الماضية.
جاءت تلك التطورات تزامناً مع إعلان بوتين “حالة الطوارئ” في المناطق الأوكرانية الأربع، ومنها خيرسون بطبيعة الحال، وإصداره أوامر بتعزيز سلطات حكام الأقاليم الروسية وتشكيل مجلس تنسيق خاص برئاسة رئيس الوزراء ميخائيل ميشوستين لدعم “العملية العسكرية الخاصة”، وقال بوتين إن “نظام إدارة الدولة بأكمله” يجب أن يكون موجهاً لدعم المجهود الحربي في أوكرانيا.
لكن أوكرانيا، التي لا تعترف بضم موسكو للمناطق الأربع، سخرت من هذه الخطوة، وكتب ميخايلو بودولياك مستشار الرئيس الأوكراني على تويتر “لا يمكن النظر لتطبيق الأحكام العرفية على أراض تحتلها روسيا، إلا على أنه تشريع عبثي لنهب ممتلكات الأوكرانيين”. وأضاف “هذا لن يغير شيئاً بالنسبة لأوكرانيا: فنحن ماضون في تحرير أراضينا وتخليصها من الاحتلال”.
روسيا وأوكرانيا.. اتهامات “القنبلة القذرة”
في ظل هذه الأجواء المتوترة، التي تمثل مفترق طرق بالنسبة للحرب، تثار تساؤلات كثيرة بشأن خطوة إخلاء خيرسون من السكان، وما تريد موسكو تحقيقه من ورائها، وسط اتهامات من كييف وداعميها من القوى الغربية، خاصة إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، بأن موسكو تسعى لاستبدال سكان خيرسون الأوكرانيين بآخرين روس، وهو ما يمثل بحسب وجهة النظر تلك “جريمة حرب”، إذ يحظر القانون الدولي على “المحتل” إحداث تغييرات ديموغرافية في المناطق الواقعة تحت الاحتلال.
لكن من وجهة نظر روسيا، لا تنطبق تلك القاعدة على خيرسون والمناطق الثلاث الأخرى التي ضمتها، حيث أصبحت “أراضي تابعة للاتحاد الروسي”، وليست مناطق “محتلة”.
على أية حال، ربما لا يكون سيناريو “استبدال السكان” هو الهاجس الأكبر حالياً، لكن القلق يتركز على الرعب النووي الذي يطل برأسه منذ بدأت الحرب، لكنه أصبح أكثر قرباً بكثير منذ بدأت أوكرانيا، بدعم من الناتو، في قلب الموازين العسكرية في ساحة الحرب.
فالعالم يعيش الآن على أطراف أصابعه حرفياً، في ظل وصول الحرب إلى مرحلة تهدد بتخطيها حدود أوكرانيا وتحولها إلى حرب عالمية ثالثة، أو كما وصفها الرئيس الأمريكي جو بايدن بأنها حرب نهاية العالم، رغم محاولته التخفيف من الفزع بقوله لاحقاً إن “الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عاقل”.
لكن الرئيس الأمريكي لم يوضح كيف يمكن تفادي هذا الخيار النووي المدمّر، في ظل استمرار إرسال الدعم العسكري إلى أوكرانيا، التي تحقق انتصارات ميدانية مهمة منذ مطلع سبتمبر/أيلول، بفضل ذلك الدعم الغربي، وفي الوقت نفسه إقرار بايدن وباقي الزعماء الغربيين بأن بوتين لن يقبل الهزيمة بأي صورة من الصور.
وفي هذا السياق، ترفع التسريبات بشأن احتمال تحول خيرسون إلى موقع لتفجير “قنبلة قذرة” من حدة القلق بصورة كبيرة. وهذه التسريبات مصدرها وسائل إعلام روسية، حيث نقلت وكالة “نوفوستي” الروسية، الأحد، 23 أكتوبر/تشرين الأول، عن مصادر وصفتها بأنها “موثوقة” وجود مؤشرات على “أن نظام كييف يحضر لاستخدام قنبلة قذرة” أو أسلحة نووية منخفضة القوة، في مسرح العمليات الحربية، بهدف تأليب الرأي العام العالمي على موسكو.
تلك المصادر أكدت للوكالة الروسية أن كييف بدأت بالفعل في التنفيذ العملي لهذه الخطة، تحت إشراف ودعم رعاتها الغربيين، حيث تم تكليف إدارة “المصنع الشرقي للتعدين والمعالجة” الواقع في مدينة جولتيه فودي بمقاطعة دنيبروبيتروفسك، وكذلك معهد كييف للأبحاث النووية، بصنع “قنبلة قذرة”، ووصل العمل على المشروع إلى مرحلته النهائية.
ويُجري موظفون بمكتب الرئاسة الأوكرانية من الدائرة المقربة للرئيس فلاديمير زيلينسكي وبتوجيه منه، اتصالات سرية مع ممثلين من بريطانيا بشأن إمكانية نقل مكونات أسلحة نووية إلى سلطات كييف.
وعلى الرغم من صعوبة تأكيد مصداقية تلك التسريبات، شأنها شأن كل ما يتعلق بالحرب في أوكرانيا، فإن هذه التقارير تعتبر مؤشراً آخر على أن تفجيراً نووياً، لم يشهده العالم منذ حدوثه في نجازاكي وهيروشيما عام 1945، ربما يكون قد أصبح وشيكاً، في ظل تمسك طرفي الصراع الرئيسيين بموقفهما، والمقصود هنا بوتين وبايدن بالأساس.
ولاشك أن إلقاء كل طرف بالمسؤولية على الطرف الآخر، بداية من المتسبب في انفجار الأزمة الأوكرانية أصلا ومرورا بأزمة الحبوب العالمية وتخريب خط أنابيب نقل الغاز الروسي إلى أوروبا واستهداف المدنيين وارتكاب جرائم حرب، أصبح واحداً من السمات الرئيسية لهذه الحرب الكارثية.
والآن يجري تبادل الاتهامات أيضاً بشأن سد نوفا كاخوفكا على نهر دنيبرو، وهو سد رئيسي يُستخدم في توليد الكهرباء، وتسيطر عليه روسيا، حيث ناشد زيلينسكي الغرب، الجمعة، 21 أكتوبر/تشرين الأول، تحذير موسكو من مغبة تفجير السد، بينما تتهم روسيا كييف بقصف السد بالصواريخ والتخطيط لتدميره، دون أن يقدم أي من الجانبين أدلة تدعم اتهامه.
وقياساً على هذا النمط المتكرر، تزداد احتمالات أن يفاجأ العالم بوقوع تفجير “نووي” في أي من المناطق الأوكرانية، على الأرجح قد تكون خيرسون في ظل التطورات الميدانية، وتتبادل روسيا وأوكرانيا الاتهامات بشأن المسؤولية، وهو سيناريو مرعب بكل المقاييس، لكن لا أحد يمكنه استبعاده بطبيعة الحال.
المصدر : عربي بوست
المادة الصحفية : تم نقلها حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع