الخلاف على تأليف حكومة لبنان: القرار لمن بعد الفراغ؟
عون وباسيل يريدان وزراء أكثر "جرأة" يشاكسونه وميقاتي "باق" ولن يسلمهما الحكم بعد 31 أكتوبر
السياسية: وليد شقير *
ما زالت أحجية تأليف الحكومة اللبنانية برئاسة نجيب ميقاتي تدور في حلقة مفرغة على رغم مطالبة القوى الخارجية والقوى السياسية المحلية بحسم هذا الأمر، وإنهاء الخلافات بشأن الحصص فيها بخفض الشروط والمطالب التي يرفعها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون للموافقة على توقيع مرسوم تشكيلها مع ميقاتي وفقاً لما ينص عليه الدستور. وهي شروط أكثر من يلح عليها صهر الرئيس عون، رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل.
وعلى رغم تسليم كل القوى السياسية المحلية وممثلي الدول المعنية بأن انتخاب رئيس جديد للجمهورية هو الخطوة الجوهرية المطلوبة والتي تغني عن تأليف الحكومة وتنقل الوضع اللبناني المتأزم إلى مرحلة جديدة، فإن استمرار الخشية من الفراغ الرئاسي في حال لم ينتخب الرئيس الجديد قبل انتقال الرئيس عون من القصر الرئاسي إلى منزله في 31 أكتوبر (تشرين الأول) هي التي تدفع بعض القيادات السياسية التي تلح على تشكيل الحكومة، ولا سيما “حزب الله”، تداركاً لنزاع دستوري حول حق حكومة تصريف الأعمال المستقيلة التي يرأسها ميقاتي في تولي سلطات الرئاسة في حالة الشغور.
الفوضى والدستور
فالرئيس عون رأى أن لا صلاحية لحكومة مستقيلة أن تحل مكان الرئاسة، ملوحاً بأنه قد يقدم على خطوات ضد هذا الخيار، والنائب باسيل سبق أن حذر بأن تسلم حكومة تصريف الأعمال صلاحيات الرئيس غير قانوني في حال عدم انتخاب رئيس للجمهورية وسيعتبرها مغتصبة للسلطة، معتبراً أن ذلك سيتسبب في فوضى دستورية وسيكون مقابلها فوضى دستورية أيضاً.
زوار الرئيس ميقاتي نقلوا عنه لـ”اندبندنت عربية” قوله في المقابل إن الحديث عن فوضى دستورية يتضمن كلمتين متناقضتين. فالدستور وضع من أجل تنظيم الأمور ومنع الفوضى. كل هذا الذي يحصل هو لتبرير مواقف لا طائل منها. وفي وقت ما زال ميقاتي يصر على أن لديه اجتهادات دستورية من عدد من الخبراء الدستوريين بأن لا شائبة على أن تولي حكومة تصريف الأعمال التي يرأسها قادرة على تولي صلاحيات الرئاسة، فإن عون كان قد قال قبل ثلاثة أسابيع إنه لن يسمح لميقاتي “ومن معه بوضع أيديهم على البلد”، رافضاً تسلم حكومة تصريف الأعمال صلاحياته عند انتهاء ولايته.
وساطة “حزب الله” ولائحة مطالب باسيل
الأسبوع الأخير من شهر سبتمبر (أيلول) الماضي شهد تنشيطاً للجهود والوساطات من أجل تأليف الحكومة بناء على اتصالات أجراها قادة “حزب الله” مع كل من ميقاتي والحليف العوني، أي مع الرئيس عون والنائب باسيل، لتشجيع الفريقين على تذليل العقبات أمام ولادة الحكومة.
فبعدما كان قادة “الحزب” توصلوا إلى اتفاق مع باسيل على التخلي عن مطلب رفع عدد أعضاء الحكومة إلى 30 وزيراً بإضافة ستة وزراء سياسيين إليها، مقابل الصيغة التي قدمها ميقاتي بتعويم الحكومة الحالية (24 وزيراً) مع تغيير أربعة وزراء، كلف المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم بالعمل على تقريب وجهات النظر بين الرئاسة عون (ومعه باسيل) وميقاتي، لكن الأخير فوجئ بأن اللواء إبراهيم حمل إليه من عون لائحة مطالب تقضي أولاً بتغيير عدد من الوزراء بمن فيهم ثلاثة من المحسوبين على الفريق الرئاسي، هم وزير الخارجية عبدالله بوحبيب، ووزير العدل هنري خوري، ووزير الشؤون الاجتماعية هيكتور حجار، إضافة إلى المطالبة بحق تسمية الوزير السني البديل من وزير الاقتصاد أمين سلام، والدرزي بدلاً من وزير المهجرين عصام شرف الدين، اللذين يقترح رئيس الحكومة الاستغناء عن خدماتهما.
لكن اللائحة تضمنت أيضاً جملة التزامات وتعهدات تردد أن عون وباسيل طلباها من ميقاتي، بدءاً من إقالة الحكومة الجديدة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وتعيين بديلاً عنه، مروراً بإنجاز جملة تعيينات في الإدارة العامة، وتغيير رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود وكذلك عدد آخر من القضاة الذين يتولون مناصب حساسة، واستبدال قائد الجيش العماد جوزيف عون وإحداث تغييرات في قيادة قوى الأمن الداخلي، وصولاً إلى توقيع مرسوم منح الجنسية لأربعة آلاف شخص (يرفض وزير الداخلية بسام مولوي وميقاتي توقيعه لوجود شوائب فيه).
سبق ورافق موقف عون وباسيل سلسلة تصريحات من نواب “التيار الوطني الحر” تتهم ميقاتي بتأخير ولادة الحكومة، مطالبين باحترام حق رئيس الجمهورية بالشراكة في تركيب الحكومة.
ماذا يريد عون من وزرائه في مواجهة ميقاتي؟
كان من الطبيعي، حسب مصادر ميقاتي، أن يرفض لائحة المطالب هذه. والأوساط المواكبة للوساطة التي قام بها اللواء إبراهيم اعتبرت أن الفريق الرئاسي يريد من وراء الحكومة التي يتصرف على أنها ستحل حكماً مكان رئيس الجمهورية، بما يعني أن البلد ذاهب إلى الفراغ، الإمساك بالسلطة السياسية بعد مغادرة عون الرئاسة في 31 أكتوبر، عبر مفاصل أساسية في الأمن والقضاء والإدارة، لسنوات مقبلة.
وتشير الأوساط المواكبة للوساطات بين عون وميقاتي إلى أنه من غير الوارد عند الأخير أن يقبل بمطالب الفريق الرئاسي التوزيرية. وتنقل هذه الأوساط معطيات قالت إن ميقاتي تبلغ بها، عن أن رغبة عون بتغيير الوزراء الثلاثة المحسوبين عليه (بوحبيب، وخوري، وحجار) تعود إلى أنه (وباسيل) يعتبر أنهم “يسايرون” رئيس الحكومة أكثر من اللزوم. وأفادت الأوساط هذه أن باسيل يريد من الوزراء الذين يمثلون فريقه في الحكومة أن يكونوا “أكثر جرأة” في مواجهة ميقاتي وفي الإصرار على طلب قرارات حكومية يصر عليها عون وباسيل. كما أنه يريدهم أن يشاكسوا ميقاتي بقوة ومن دون أي مهادنة.
وكشفت الأوساط المواكبة للوساطات من أجل تأليف الحكومة عن أن بعض الوزراء المحسوبين على الفريق الرئاسي كان سأل عون وباسيل عن سبب طرح الشروط التعجيزية على ميقاتي، وأبلغاه أن رئيس الحكومة يبدي كل تعاون معهما، والتشاور الدائم معه أعطى نتيجة إيجابية خلال المرحلة الماضية من عمر الحكومة، لكن باسيل انتقد أداء هؤلاء ورفض ما اعتبره “تعاطيهم بطريقة هادئة” مع رئيس الحكومة.
ميقاتي “باق”
وأوضحت الأوساط المواكبة للوساطات بين رئيسي الجمهورية والحكومة أن معرفتها بموقف ميقاتي تشير إلى أنه باق في موقعه وعلى موقفه بصفته رئيساً مكلفاً بتأليف الحكومة من قبل البرلمان منذ شهر يونيو (حزيران) الماضي، وبصفته رئيساً لحكومة تصريف الأعمال، ولن يسلم بمطالب الفريق الرئاسي كي يحكم البلد بعد مغادرة عون الرئاسة. فميقاتي مرتاح لتركيبة الحكومة الحالية وللتعاون مع وزرائها في تسيير الأمور على الصعوبات التي تواجهه.
وعلمت “اندبندنت عربية” أن التعديلات التي يمكن أن يقبل بها ميقاتي على حكومته تدور حول تغيير ثلاثة إلى أربعة وزراء فقط. وهو إذا كان اقترح استبدال وزيري الاقتصاد والمهجرين ووافق على أن يسمي عون من يحل مكانهما، فإن طلب وزير المال يوسف الخليل ووزير الاتصالات جوني القرم إعفاءهما من المشاركة في الحكومة الجديدة ليحل مكان الأول الوزير السابق ياسين جابر، والثاني من يسميه تيار “المردة”، وارد بحسب المقربين منه.
اقتراب الاتفاق على الترسيم ينعكس على الحكومة
على رغم هذه العقبات والصراع على مرحلة ما بعد رئاسة عون فإن المحاولات لتأليف الحكومة الجديدة لم تتوقف، بسبب الحرص على تجنب أي نزاع دستوري حول أحقية الحكومة المستقيلة في تولي صلاحيات الرئاسة إذا تعذر انتخاب خليفة عون. وتردد أن اجتماع عون ورئيس البرلمان نبيه بري وميقاتي في 3 سبتمبر من أجل الاتفاق على صيغة الرد على مسودة الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين بشأن ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل كان مناسبة للبحث في تسريع تأليف الحكومة، وأن العلاقة بين عون وميقاتي أقل تشنجاً بحيث يمكن التفاؤل بولادة الحكومة الجديدة.
وفي اعتقاد أوساط سياسية مختلفة أن اقتراب اتفاق الترسيم من الإنجاز حسب التصريحات اللبنانية والإسرائيلية قد يسهل قيام الحكومة الجديدة. فعون يعتبره إنجازاً مهماً في نهاية عهده. وقد يحتاج الأمر إلى إقراره من قبل حكومة مكتملة الصلاحيات، لإبلاغ الأمم المتحدة به رسمياً.
المصدر: اندبندنت عربية
المادة الصحفية تم نقلها من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع