الطاقة الشمسية والحرب في اليمن
بقلم: أوستن بوديتي
(صحيفة “در فرايتاج” الألمانية، نقلاً عن موقع “لوبلوج” الأميركي التابع لمعهد الدراسات السياسية بواشنطن، ترجمة: نشوى الرازحي-سبأ)-
بعد فترة قصيرة ، من المتوقع أن تصبح اليمن تُمثل اليمن الدولة الثانية الرائدة في مجال استخدام الطاقة المتجددة. منذ العام 2015، تقود الحكومة اليمنية والمملكة العربية والإمارات العربية المتحدة حرباً ضد جماعة الحوثيين المدعومة من إيران من أجل السيطرة على البلد في الوقت الذي يتهم الناشطون في حقوق الإنسان كلا الجانبين باقتراف جرائم حرب.
إن تفشي وباء الكوليرا في الوقت الحالي والمجاعة وغيرها من الأزمات الإنسانية لم توفر لليمن أي وقت لابتكار استجابة شاملة لتغير المناخ وتدهور البيئة. ولكن على الرغم من هذه الظروف الصعبة ، بل وبسببها ، اكتسح استخدام الطاقة الشمسية الطاقة الكهربائية باليمن في السنوات الأخيرة.
أدت الحرب الأهلية اليمنية تدمير عدد لا يحصى من أنظمة الطاقة الكهربائية ، وانخفضت إمكانية توفير الطاقة الكهربائية في جميع أنحاء البلاد إلى النصف. كما أن نقص الوقود ، الذي كان يُستخدم في توليد الطاقة الكهربائية بنسبة 70 بالمائة في العام 2010. وفي ظل هذه التحديات ، توفر الألواح الشمسية المصنعة في الصين أفضل بديل.
قالت صفية مهدي ، الصحفية في صنعاء التي حصلت على شهادة تقدير لتوثيق هذه الظاهرة لـ “لوبلوج”: “بالنسبة لمعظم اليمنيين ، لم يكن هناك خيار سوى شراء الألواح الشمسية لتوفير الإضاءة واحتياجاتهم الكهربائية الأساسية ، وقد بات يعتمد غالبية اليمنيين على الألواح الشمسية طوال فترة الحرب”.
تحول سكان صنعاء ، التي كان انقطاع التيار الكهربائي شائعا فيها قبل الحرب الأهلية اليمنية ، إلى الطاقة الشمسية بعد الغارات الجوية الإماراتية والسعودية التي أضرت بالشبكات الكهربائية في العاصمة التي يسيطر عليها الحوثيون في العام 2015. وسرعان ما انتشر استخدام الطاقة الشمسية في مدن الحديدة وإب و تعز بالإضافة إلى المناطق الريفية كلها سواء التي تقع تحت سيطرة الحوثيين أو التي تقع تحت سيطرة الحكومة اليمنية. من جانبه، سهّل المجتمع المدني انتشار الطاقة الشمسية في اليمن من خلال مشاريع مثل جرين بيجيس Green Pages، وهي مبادرة لمساعدة اليمنيين المتأثرين بأزمة الطاقة في تحديد كيفية ومكان شراء الألواح الشمسية.
قال إبراهيم اليوسفي ، مهندس الكهرباء في صنعاء الذي عمل لدى العديد من وكالات الإغاثة: “استخدام الطاقة الشمسية في المنازل يقتصر في الغالب على تشغيل الأجهزة المنزلية والإضاءة ، وتشغيل أجهزة التلفزيون ، وغسل الملابس ، وشحن الهواتف. أما الذين يملكون الكثير من المال فيستخدمون أنظمة الطاقة الشمسية الكبرى بحيث تمكنهم من تشغيل أجهزة تكييف الهواء والمراوح والمضخات”.
بحلول يناير 2016، أصبح أكثر من 40 في المائة من اليمنيين يعتمدون على الطاقة الشمسية لتلبية احتياجاتهم الأساسية. وبدأت الألواح الشمسية في الظهور على عربات الآيس كريم والكراسي المتحركة المزودة بمحركات في صنعاء، الأمر الذي يحكي لنا عن سهولة الوصول إلى الطاقة الشمسية في بلد ما زال الملايين يكافحون فيه من أجل العثور على ما يكفي من الغذاء والماء.
قام اليمنيون بنشر الألواح الشمسية لمواجهة هذه النواقص أيضاً. من أجل الاستفادة من البنية التحتية المصممة من قبل المنظمة الدولية للهجرة، تستخدم الحكومة اليمنية 940 لوحاً شمسية لتوصيل المياه لعشرات الآلاف من اليمنيين يومياً. كما مكنت الطاقة الشمسية المزارعين اليمنيين من مواصلة تشغيل المضخات اللازمة لرفع مياه الري.
وقالت هيلين لاكنر، وهي باحثة مشاركة في معهد لندن للشرق الأوسط ومؤلفة كتاب اليمن في أزمة: استبداد وليبرالية جديدة ودولة مفككة: “في الماضي ، لم يكن في الكثير من المناطق الريفية وحتى أجزاء من بعض المدن كهرباء. ولكن اليوم بات اليمنيون يعتمدون بشكل أكبر على الطاقة الشمسية ، أقل من التيار الكهربائي العمومي. معظم الأسر اليمنية لديها ألواح شمسية. لقد أنقذت الطاقة الشمسية حياة الشعب اليمني بالإضافة إلى تحسين الظروف المعيشية في اليمن بشكل كبير “.
يتحرك المجتمع الدولي لدعم هذه الجهود اليمنية. أطلق الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة برنامج تعزيز قدرة الريف على التكيف في اليمن في العام 2016 لتعزيز استخدام الطاقة الشمسية في محافظات أبين وحجة والحديدة ولحج. كما أشارت الأمم المتحدة على موقع تويتر إلى أنها منحت الصيادين اليمنيين أجهزة الملاحة في البحر الأحمر التي تعمل بالطاقة الشمسية والمدعومة بألواح شمسية ، والتي يمكن أن تساعد سفن الصيد على الهروب من الأعيرة النارية التي يتم إطلاقها من السفن الحربية السعودية. وفي غضون ذلك، أعلن البنك الدولي في العام 2018 أنه سيموّل نشر الألواح الشمسية في المناطق الريفية في اليمن.
قال موسى العلايا ، وهو باحث علمي بارز في مركز قضايا التنمية الدولية في نيميجن الهولندي، لموقع “لوبلوغ”: “يمكن للمجتمع الدولي تقديم المزيد من المساعدة من خلال بناء مصانع للألواح الشمسية في عدن أو في أي مكان آخر وتعليم اليمنيين حول كيفية استخدام التكنولوجيا بفعالية. ينبغي لوكالات الإغاثة الأجنبية إطلاق البرامج المتعلقة بهذا التكنولوجيا وتوسيع جهود المنظمات غير الحكومية اليمنية”.
يمكن للنجاح غير المسبوق الذي حققته اليمن في مجال الطاقة الشمسية أن يكون مثالاً يحتذى به في البلدان الأخرى التي واجهت أزمات الطاقة الناجمة عن الحروب الأهلية. من أفغانستان والعراق إلى ليبيا ونيجيريا، يمكن لبقية دول جنوب العالم تقليد اليمن من خلال تبني فوائد الطاقة المستدامة.
قالت لاكنر : “من الناحية السياسية ، من المنطقي للدول الأخرى تبني الطاقة الشمسية. يمكن لليمن أن يكون مثالاً. وتأتي هذه الحلول من الناس كمبادرات شعبية “.
كما أن تبني اليمنيين للطاقة الشمسية في ظل الانقسامات الجغرافية والسياسية والطائفية في البلاد يشير إلى أن اليمن يستطيع حشد استجابة وطنية للتحدي الأوسع المتمثل في الاحترار العالمي حتى لو استمرت الحرب الأهلية اليمنية. في الواقع ، قد يعتمد مستقبل أفقر بلدان الشرق الأوسط على اتخاذ إجراءات في اليمن لاستباق حدوث كارثة بيئية.
بالنسبة لكثير من اليمنيين ، يمثل تغير المناخ مسألة حياة أو موت. وقد أدى الاحترار العالمي إلى تسارع التصحر ، وهو تهديد لصلاحية الزراعة في المناطق الداخلية اليمنية كما ازداد تواتر الأعاصير التي تتسبب في حدوث فيضانات مدمرة على طول السواحل. وتمثل ندرة المياه تحدياً أكبر، حيث قد يستنفد اليمن قريباً إمدادات المياه بأكملها. وشن الهجمات على شبكات إمدادات المياه اليمنية التي تعمل بالطاقة من خلال الألواح الشمسية لم تؤد إلا إلى تفاقم هذه المشكلة الحرجة.
قال عبد الرزاق صالح ، وزير المياه والبيئة اليمني السابق: “تشير جميع التقارير والدراسات إلى أن اليمن واحدة من أكثر الدول الفقيرة بالمياه في العالم”.
تمكن اليمنيون من الطيف السياسي من التغلب على أزمة الطاقة الخاصة بهم والتوحد خلف الطاقة الشمسية بدعم من المجتمع الدولي. يمكن لهذا الإنجاز أن يكون مصدر إلهام لنوع من التعبئة الجماهيرية التي يحتاج إليها اليمن لمواجهة تغير المناخ ككل.
وقال العلايا: “يمكن للمجتمع الدولي مساعدة اليمنيين على التغلب على ندرة المياه وتغير المناخ من خلال نشر الطاقة الشمسية على نطاق واسع بما فيه الكفاية، فاليمن بلد غني بالشمس”.