دعم غربي عسكري حذر لأوكرانيا.. ما هي حدود المواجهة؟
السياسية – رصد :شارل أبي نادر*
صحيح أن الرئيس الأميركي جو بايدن لا يترك فرصة إلا ويبرهن من خلالها التزامَ إدارته في دعم أوكرانيا بالسلاح والسياسة والديبلوماسية، ومن خلال استراتيجية الضغوط الاقتصادية الضخمة والعقوبات غير المسبوقة على روسيا، لكنه أيضًا، أثبت حتى الآن وبشكل واضح، أنه لم يترك أي ثغرة ممكن أن يُستنتج منها بأنه ينوي أو يريد أو يقبل بحصول مواجهة مباشرة بين الولايات المتحدة الأميركية وبين وروسيا، أو بين الناتو وبين روسيا. السبب في ذلك طبعًا هو معرفة وفهم بايدن ـ الديبلوماسي الديمقراطي المخضرم الذي عاش فترة غير بسيطة من الحرب الباردة بين القطبين ـ لخطورة وحساسية أية مواجهة مباشرة بين القوتين النوويتين الأكبر في العالم، وتداعيات ذلك على الطرفين وعلى العالم برمته، بمعزل عن من سوف يتخذ أولًا قرار الضغط على الزر النووي، والذي يتحكم به هو شخصيًا، مقابل تحكُم الرئيس فلاديمير بوتين بالزر النووي الروسي.
قد يكون بايدن اليوم (خلال الحرب في أوكرانيا)، قد ترك مشاكل الداخل الأميركي جانبًا ـ من ضغوط نقص الغاز والنفط وارتفاع أسعارها، وارتفاع أسعارالمواد الغذائية أو مشاكل البيئة وفقدان حليب الأطفال وغيرها الكثيرـ والتزم بتركيز جهوده وجهود إدارته على موضوع مواجهة روسيا في أوكرانيا، والسعي بكل الطرق لهزيمتها هناك. ومن الواضح أنه يعتبر أن معيار اثبات روسيا لنفسها على الصعيد الدولي كقطب رئيسي أو كدولة قوية يحدده مدى نجاحها أو فشلها اليوم في أوكرانيا.
فهل يمكن لبايدن أن ينجح في فرض هزيمة روسيا في أوكرانيا دون الاشتباك المباشر معها؟ وبالتالي، هل ينجح في إبعادها عن فرض نفسها قطبًا عالميًا أساسيًا تنافس دولته مع البقاء بعيدًا عن مواجهتها المدمرة للجميع؟ أم أنه سوف يفشل في ذلك ويستسلم، أولًا لاستراتيجية روسيا في أوكرانيا، وثانيًا أمام اثباتها موسكو لنفسها قطبًا ثانيًا رئيسيًا على المسرح الدولي؟
حدود المناورة الأميركية الفعلية بدأت وما زالت مستمرة وبوتيرة مرتفعة، بقيام واشنطن وحلفائها الأوروبيين بتسليم أوكرانيا أسلحة فتاكة ساهمت بنسبة كبيرة في رفع مستوى قدرة الوحدات الأوكرانية على مواجهة العملية الروسية حتى الآن، واليوم، يتابع الأميركيون هذه المناورة بشكل متصاعد، حيث ظهرت هذه الإستراتيجية وبشكل ملخص في مقال نشرته صحيفة “نيويورك تايمز” للرئيس الأميركي، تطرق فيه إلى النقاط الحساسة في هذه الاستراتيجية.
أشار بايدن في هذا المقال إلى أنّ إدارته لا تسعى لوقوع حرب بين حلف الناتو وروسيا، مشيرًا إلى أنّ واشنطن لن تشارك مباشرة في مواجهة القوات الروسية، مضيفًا: “ما دمنا وحلفاءنا لم نتعرّض لأي هجوم، فإننا لن نشارك مباشرة في هذا الصراع، سواء بإرسال قوات أميركية للقتال في أوكرانيا، أو بمهاجمة القوات الروسية”. والأهم أنه فسّر وبوضوح أن بلاده “لا تشجّع أوكرانيا على الضرب خارج حدودها، ولا تريد إطالة أمد الحرب لمجرد إلحاق الألم بروسيا”، مؤكّدًا أنّ “الولايات المتحدة لن تحاول التسبّب بإطاحة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في موسكو”، وكأنه في هذا الكلام يتراجع عن هفوة سابقة له كانت أثارت الكثير من الاستغراب الدولي والأميركي، عن أن الرئيس بوتين لا يمكن له أن يبقى في السلطة.
هنا يمكن اكتشاف بعض التناقض لدى بايدن في موضوع عدم تشجيع بلاده لأوكرانيا الضرب داخل العمق الروسي، في الوقت الذي ينوي فيه تسليم الجيش الأوكراني أنظمة صاروخية من الأكثر تطورًا، في التوجيه أو في المدى أو في تآلفها مع إطلاق أكثر من نموذج للصورايخ، وهذه ميزة مهمة تنفرد فيها هذه المنظومة الأميركية، وهنا نتكلم عن راجمات الصورايخ البعيدة المدى (MLRS). اذ كيف يعقل أن تلتزم الوحدات الاوكرانية بعدم استهداف الداخل الروسي من مناطق سومي وشمال خاركوف الحدودية مع روسيا، في الوقت الذي تتعرض مدنها ومنشآتها العسكرية ومواقعها وقطعها العسكرية والمحاصرة باغلبها في الدونباس وغيرها لقصف روسي مركز وواسع؟
في الواقع، ومن خلال متابعة تفصيلية لمسار العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا بشكل عام، وبمعزل عن تفاصيل ووقائع استراتيجية الناتو والأميركيين، يمكن استنتاج تقدم المسار الروسي نحو تحقيق أهداف العملية بشكل متدرج ومؤكد، مع بعض الحذر في التقدم في مناطق الدونباس الآهلة، وها هم الروس قد أكملوا تقريبًا السيطرة على مقاطعة خيرسون الجنوبية بشكل شبه كامل، مع تحقيق تقدم واضح في تجمع المدن الاستراتيجية شرقًا، بين سفيروندتسيك وليشهانتسك، أو على محور(سلوفينتسك ـ كراماتورسك) جنوب غرب خاركيف أو على محور (زاباروجيا ـ كريفي ري) شمال شرق خيرسون، بالاضافة لفرضهم سيطرة واسعة ومركزة على كامل الواجهة البحرية لأوكرانيا على البحر الأسود حتى جنوب غرب اوديسا والحدود مع رومانيا، وما لذلك من نفوذ وتأثير وأهمية استراتيجية في موضوع تصدير الحبوب الأوكرانية إلى الدول المحتاجة لها عبر العالم، وايجاد الحل لأزمة الغذاء العالمية التي بدأت تظهر يومًا بعد يوم.
من هنا، يمكن القول إن الروس استطاعوا تجاوز المناورة الأميركية، والبدء بفرض شروطهم وتحقيق أهدافهم، وذلك من خلال ابقاء الناتو والاميركيين بعيدين عن الانخراط المباشر في الحرب، وفرض تغيير ميداني في شرق وجنوب أوكرانيا، سيكون مستحيلًا بعد اليوم تخليهم عنه، ومن خلال تجاوزهم للضغوط الاقتصادية عبر فرضهم استراتيجية مركبة بين الطاقة والغذاء والعملة، وضعت الغرب (الناتو والاميركيين) في موقع لا يحسدون عليه وأجبرتهم على البحث بأنفسهم عن الحل والتسوية الدولية لهذه الأزمة التاريخية.
* المصدر :موقع العهد الإخباري
* المادة تم نقلها حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع