لماذا الماء قد يكون “لعنة” العرب الجديدة؟
تعاني الدول العربية أزمة متصاعدة في تأمين حاجاتها المائية، وهو ما يضع أمن الغذاء في هذه البلاد ضمن دائرة الخطر، ويضاعف مخاطر الانجرار إلى حروب.
السياسية- رصد:
تبلغ الأزمة البيئية في العالم اليوم حدودها مع تهديدها حياةَ الملايين من البشر حول العالم. هذا التهديد ليس مباشِراً فحسب، كما في حالات الأعاصير والفيضانات والحرائق، بل قد يكون أيضاً في أشكالٍ أبعد آثاراً وأشد دماراً، مثلما هي الحال في النقص الحاد في مياه الشَّفَة، والتصحّر في الأراضي الزراعية، والانقطاع في سلاسل الغذاء، وصولاً إلى تأجيج الحروب الخارجية أو الأهلية، على حد سواء.
وبينما يسير العالم في طريقه إلى ارتفاع “جنوني” في درجة الحرارة، ليبلغ 2,7 درجة مئوية (أي بزيادة نحو 1.5 درجة)، بحسب الأمم المتحدة، تُظهر التقارير البيئية تشاؤماً مما هو عليه الوضع البيئي اليوم، وخصوصاً في الدول الفقيرة، والتي، للمفارقة، هي الأقل مساهمةً في زيادة الاحترار العالمي.
وإن كانت الثورة الصناعية في أوروبا، وما سبقها وتلاها، من نهضة اقتصادية، مؤسَّسة على قاعدة اللاعدالة والاستغلال الجامح لثروات الطبيعة أو الإنسان في المستعمرات المنهوبة، فإنّ المبدأ لا يزال نفسه قائماً في تحمّل أعباء الاحتباس الحراري، الاقتصادية والبشرية، وهو الأمر الذي شغل حيّزاً واسعاً من النقاش بين ممثلي الدول الغنية والفقيرة في مؤتمر المناخ العالمي الأخير في غلاسكو.
نقص مائي حادّ وعواقب وخيمة
يمكن ملاحظة اتساع الهامش بين فاتورتي التلوّث والتضرّر في حالة دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. فهذه الدول، التي لا تساهم إلا في نحو 4.5% من الانبعاثات التي تسبب الاحتباس الحراري، تدفع ضريبة بيئية كبيرة تضع أمنها على المحك، غذائياً ومجتمعياً.
فمن الفقر المائي المدقع في الأردن، وتراجع محصول الزيتون هذا العام بنسبة تتراوح بين 60 و80% في مصر، وحتى انخفاض مستوى الأمطار في سوريا، وجفاف مياه سد الدويسات في شمالي غربي البلاد، وليس انتهاءً بجفاف أحد أكبر أنهار المغرب “لأول مرة في تاريخه”، يمكن تلمّس تضخّم الأزمة البيئية، والتي بدأت منذ نحو عقدين، ولن تنتهي قريباً في ظلّ تهرّب الدول الكبرى من الوفاء بالتزاماتها البيئية.
يعيش نحو 9 من كل 10 أطفال في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مناطق تعاني نقصاً مائياً حادّاً، مع عواقب وخيمة على صحتهم وتغذيتهم وتطورهم المعرفي وسبل عيشهم في المستقبل. وفي هذه المنطقة، التي تعاني ندرةً في المياه، تقع 11 دولة بين 17 دولة تعاني الإجهاد المائي في العالم، وفق تقرير صادر مؤخراً عن “اليونسيف”.
وبلغ نصيب الفرد من المياه العذبة في المنطقة العربية 800 متر مكعب في عام 2019، إلاّ أنّ هذه الحصّة ستتناقص حتى تصل إلى 667 متراً مكعباً في عام 2025، الأمر الذي يعني أن حصّة المواطن العربي انخفضت نحو 80% عمّا كانت عليه عام 1955.
أزمة المياه تهدد الأمن العربي
كما يُظهر التقرير الاقتصادي العربي الموحد لعام 2020، فإنّ انخفاض الحصص المائية والجفاف لن يحرما المواطنين من حقهم في الوصول إلى المياه النظيفة فحسب، بل سيساهمان أيضاً في تقليص مسـاحة الأراضـي القابلة للزراعة، والتي تشكّل حالياً 14% من المســــاحة الإجمالية للدول العربية، بينما لا تتجاوز المساحة المستغَلة منها زراعيا 33%، بسبب وقوع نحو 80% من الأراضـي الزراعية العربية في المناطق الجافّة وشـبة الجافة، وهي المناطق المؤهَّلة للاتساع في ظل موجات الجفاف التي تضرب الأقطار العربية.
جفاف الأنهار، وتبخّرُ مياه السدود، وانخفاضُ منسوب المتساقطات، تعني اتساع رقعة الأراضي المتصحرة، وازدياد العزوف عن الزراعة والرعي في المنطقة العربية، والتي بلغت فاتورة استيرادها الغذائي نحو 100 مليار دولار في العام الماضي، والتي يُتوقع ألا تكون قادرة على استيراد سوى 24% من حاجاتها من الغذاء، وهو الأمر الذي سيعني مزيداً من الخسائر المالية في هذه الدول التي تعاني أوضاعاً مزرية.
وفضلاً عن ذلك، تساهم أزمة المياه في المنطقة العربية في التسبب بواحدة من أكبر مآسي العالم الحديث، أي اللجوء، بحيث أدى الجفاف الشديد، في عام 2017، إلى تشتيت 20 مليون شخص في أفريقيا والشرق الأوسط، واضطرهم إلى مغادرة منازلهم بسبب ما صاحب ذلك من نقص في الغذاء وصراعات دموية.
أبعاد أزمة المياه في الشرق الأوسط وأفريقيا لا تقتصر على الجانب الإنساني، فمخاطر النزوح من الأرياف بسبب الجفاف أو التحولات في القطاعات الاقتصادية، وخصوصاً القطاع الزراعي، والتنازع على موارد المياه بين دول هذه المنطقة (مثلما هي الحال بين تركيا والعراق وسوريا، والسودان ومصر وإثيوبيا، والأردن ولبنان و”إسرائيل”… إلخ) تؤشّر على مدى أهمية الماء في تحديد المستقبل العربي.
تقودنا إحدى المطالعات لمشهد الانقلاب الأخير في السودان إلى نهر النيل. صحيفة “وول ستريت جورنال” كشفت، في وقت سابق، أنّ رئيس المجلس العسكري في السودان، عبد الفتاح البرهان، زار مصر سراً عشية استيلائه على السلطة، والتقى الرئيس عبد الفتاح السيسي، بحيث جرى الإقرار بضرورة رحيل رئيس الوزراء عبد الله حمدوك بسبب “انفتاحه على إثيوبيا في قضية سد النهضة”.
قد لا تكون رواية الصحيفة، المبنية على مصادر، موثوقة تماماً، لكنها تؤشر بوضوح على تبعات اختلال ميزان الشراكات المائية بين هذه الدول. وهي شراكات – مبنية على الحاجة الملحّة إلى الموارد المائية – قد تتفجّر إن لم يتم تحويلها إلى مواثيق واتفاقيات واضحة وعادلة، أو ربما تكون مدخلاً لتحوّلٍ “من المقاومة إلى المرونة”، بفعل الشعور بنقص في المياه “يَحُول دونَ المحافظة على أي نوع من الحياة”، وفق قراءة توماس فريدمان المتفائلة.
- المصدر: الميادين نت
- المادة الصحفية تم نقلها حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع