السياسية:

هجومٌ فتَّاك على ناقلة نفط بواسطة طائرات مسيّرة مُحمَّلة بالمتفجِّرات، إطلاق طائرة مسيَّرة من قطاع غزة على إسرائيل، ضرباتٌ على المصافي وخطوط الأنابيب السعودية، وعلى القواعد التي تؤوي القوات الأمريكية في العراق. 

يقول مسؤولو دفاع أمريكيون وأوروبيون وإسرائيليون إن إيران وحلفاءها في الشرق الأوسط هم من يقفون وراء هذه الموجة من الهجمات. ويقولون أيضاً إن قدرة طهران سريعة التطوُّر على بناء ونشر طائراتها المسيَّرة تغيِّر المعادلة الأمنية في منطقةٍ على حافة الهاوية بالفعل. 

“تصنيع الطائرات المسيّرة يستغرق بضعة أشهر فقط”

يقول المسؤولون لصحيفة Wall Street Journal الأمريكية، إن الطائرات المسيَّرة نفسها تُصنَع غالباً من مُكوِّناتٍ متاحة على نطاقٍ واسع، وتُستخدَم في السوق التجارية المتنامية للطائرات المسيَّرة ومن قِبَلِ الهواة، ويحاكي البعض تصاميم الطائرات المسيَّرة العسكرية الأمريكية والإسرائيلية. 

وقال مسؤولٌ إيراني لصحيفة Wall Street Journal، إن “تطوير سلاح نووي قد يستغرق سنوات، لكن الطائرات المسيرة تستغرق بضعة أشهر فقط”. 

وغيَّرَت الطائرات المسيَّرة ميزان القوى في الشرق الأوسط بالفعل، فيما لم يرد الوفد الإيراني في الأمم المتحدة على طلبٍ للتعليق للصحيفة الأمريكية، على الاتِّهامات بأن طهران تقف وراء موجة هجمات الطائرات المسيَّرة. 

ولعقودٍ من الزمن، كانت الطائرات المسيَّرة المسلَّحة تقريباً حكراً على الجيوش المتقدِّمة، مثل الجيشين الأمريكي والإسرائيلي. وفي الآونة الأخيرة قطعت تركيا، العضو في منظمة حلف شمال الأطلسي، خطواتٍ كبرى في تطوير طائرات مسيَّرة فعَّالة ومنخفضة التكلفة. 

كيف تصنع إيران طائراتها المسيّرة؟

يعتمد مهندسو طهران على المكوِّنات المستوردة لإنشاء مركباتٍ جوية يمكنها ضرب الأهداف بدقةٍ على مسافاتٍ طويلة، وكذلك تغيير الاتجاه بسرعة لتجنُّب الدفاعات الجوية والرادار، على حدِّ قول مسؤولي الأمن الأوروبيين والشرق أوسطيين الذين درسوا حطام الطائرات المسيَّرة. 

ويقول هؤلاء المسؤولون أيضاً إن إيران وحلفاءها يصعِّدون هجماتهم بشكل متزايد، ففي 13 سبتمبر/أيلول، استهدفت القوات المتحالفة مع إيران في اليمن مدينة جازان، جنوبي السعودية، بطائراتٍ مسيَّرة وصواريخ. وقالت السلطات المحلية إن طائرةً مسيَّرة مزوَّدة بمتفجِّرات استهدفت قبل أيامٍ قليلة مطاراً عراقياً تتمركز فيه القوات الأمريكية. 

يمكن تتبُّع برنامج الطائرات المسيَّرة الإيراني وصولاً إلى شركة إيران لصناعة الطائرات، وهي شركة خاضعة للسيطرة العسكرية، وتدير مصنعاً للطائرات في أصفهان، وسط إيران، وفقاً لسجلات الشركات الإيرانية، ووكالة أنباء فارس الإيرانية المحافظة وشبه الرسمية، وكذلك مسؤولي الأمن الأوروبيين. 

وأُنشِئ المصنع في الأصل في السبعينيات من القرن الماضي من قِبَلِ شركة تيكسترون الأمريكية لمقاولات الدفاع، من أجل صنع طائرات مروحية عسكرية في الوقت الذي كان فيه شاه إيران، محمد رضا بهلوي، حليفاً رئيسياً لواشنطن في المنطقة. 

وتُظهِر سجلات الشركات الإيرانية أن شركة إيران لصناعة الطائرات تسيطر على كيانٍ غير معروف، يُدعَى شركة تصميم وتصنيع الطائرات الخفيفة، التي تطوِّر طائراتٍ مسيَّرة عالية التقنية. وحصل المشروع المملوك للدولة مؤخَّراً على ضخٍّ نقدي كبير، ما رفع رأس ماله إلى ما يعادل 271.5 مليون دولار من 1.5 مليون دولار، وفقاً لسجلات الشركة. 

العقوبات الأمريكية عاجزة عن التأثير على برنامج طائرات إيران المسيّرة

ويترأس الشركة الجنرال حجة الله قريشي، وفقاً لمحضر اجتماعات مجلس إدارة الشركة الذي اطَّلَعَت عليه صحيفة Wall Street Journal. وكان قريشي مسؤولاً أيضاً عن الأبحاث العسكرية الإيراني. لم ترد وزارة الدفاع الإيرانية على طلبٍ للتعليق موجَّه للجنرال قريشي. 

وفي مجلس الإدارة يوجد أيضاً حميد رضا شريفي طهراني، المهندس الذي يحضر بانتظام ندواتٍ حول الطائرات المسيَّرة المدنية في بلدانٍ مثل إيطاليا وأستراليا، وفقاً لوثائق الشركة والموقع الإلكتروني لمنظمة العلماء الشباب في إيران. ولم يرد شريفي طهراني على طلبٍ للتعليق عبر البريد الإلكتروني. 

وبعد أن ضربت طائرةٌ مسيَّرة مُحمَّلة بالمتفجِّرات ناقلة Mercer Street المرتبطة بإسرائيل في بحر العرب، في يوليو/تموز، حمَّلَ القادة الإسرائيليون المسؤولية علانيةً للواء سعيد أراجاني، وهو شخصيةٌ معروفة اتَّهموه بتدبير الهجوم. 

وقال مسؤولٌ إسرائيلي: “عندما نحدِّد شخصاً ما علناً، فإن الهدف هو إرسال رسالة إلى المدبِّرين، مفادها أننا نعرف بالضبط ما يفعلونه ونعتزم منعه”. 

وقال المسؤول إن الولايات المتحدة ودولاً غربية أخرى تستهين بمخاطر برنامج الطائرات المسيَّرة، ودعاهم إلى اتِّخاذ خطواتٍ أكثر صرامة. وقال: “قد يكون هناك موقفٌ يصبحون فيه أجرأ وأشجع وأقل هوادة”. 

لكن كيرستن فونتروز، المديرة السابقة لشؤون الخليج في مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض، قالت إن “العقوبات قد تعجز عن التأثير على برنامج إيران”. 

وقالت إن ذلك يرجع إلى أنه على عكس الصناعة الثقيلة لبرنامجٍ نووي، تعتمد الطائرات المسيَّرة غالباً على مكوِّناتٍ تجارية جاهزة يمكن شراؤها عبر الإنترنت لتجميع الأدوات غير الضارة التي يتم التحكُّم فيها عن طريق موجات الراديو ومن الأصعب منع هذه المبيعات بشكلٍ فعَّال. 

500 دولار قيمة محرك الطائرات المسيرة

وتوصَّل تقريرٌ سري أعدَّه للحكومة البريطانية مركز الدراسات الدفاعية المتقدِّمة، وهي مؤسسة فكرية مقرها واشنطن، إلى أن إيران تمكَّنَت من تسليح حلفائها الحوثيين في اليمن باستخدام شبكةٍ من الشركات التجارية في جميع أنحاء العالم لشراء المكوِّنات، بما في ذلك بعض الشركات التي تجنَّبَت العقوبات. 

وخلُص التقرير إلى أن “الثغرات في النظام العالمي للرقابة على الصادرات تمكِّن إيان من شراء هذه المواد، وتفعيل الشبكات المرتبطة بالحوثيين، وشراء المكوِّنات الحيوية دون المرور عبر إيران”. 

وتستخدم الطائرات الإيرانية المسيَّرة في العراق واليمن وغزة ومناطق أخرى نفس نموذج المحرِّك من طراز DLE-111، من شركة Mile Hao Xiang Technology. 

وقالت الشركة للأمم المتحدة إن المكوِّنات المستخدمة في الطائرات الإيرانية المسيَّرة مُقلَّدة، ولم ترد الشركة على طلبٍ للتعليق من الصحيفة الأمريكية. 

وفي السنوات الأخيرة، قامت شركة Mile Hao Xiang Technology، التي تبيع محرِّكات DLE-111 على موقع التجارة الإلكترونية الصيني “علي بابا” مقابل 500 دولار، بتصدير محرِّكاتها أيضاً إلى الشركات الأمريكية المُصنِّعة للطائرات المُصغَّرة، التي يتم التحكُّم فيها عن بُعد عن طريق موجات الراديو، وفقاً لسجلات الجمارك. 

وقال مسؤولٌ أمني غربي سابق حقَّقَ في برنامج الطائرات المسيَّرة الإيراني: “هذه التكنولوجيا مُصمَّمة للمراهقين الأمريكيين للعب ألعابهم”. 

وجرى تعقُّب مكوِّن مصنوع في كوريا الجنوبية، عُثِرَ عليه في طائراتٍ مسيَّرة استُخدِمَت ضد قوات التحالف في اليمن، وصولاً إلى متجر ألعاب في طهران يبيع طائراتٍ يتم التحكُّم فيها عن بُعد، بما في ذلك نسخٌ مُصغَّرة من المقاتلات الأمريكية النفَّاثة، وفقاً لتحقيق الأمم المتحدة. 

ويجمع المكوِّن بين المحرِّك وجهاز الاستشعار الذي يتيح التحكُّم الدقيق في موضع وسرعة الطائرة المسيَّرة. 

ثغرات عديدة تستغلها طهران

ووجدت إيران أيضاً طرقاً أخرى للحصول على التكنولوجيا المتطوِّرة. وتوصَّل تحقيقٌ للأمم المتحدة في الطائرات المسيَّرة ذات الأجنحة المثلثة إلى أن مكوِّناً رئيسياً قد صُنِعَ في السويد. وشُحِنَ المكوِّن إلى طهران عبر شركة تجارة أغذية هندية، قبل تجميعه في طائراتٍ مسيَّرة استُخدِمَت في الضربات ضد منشآت نفط سعودية، في مايو/أيار وسبتمبر/أيلول 2019. وتقول الولايات المتحدة إن طراز الطائرات المسيَّرة استُخدِمَ في الهجوم على ناقلة Mercer Street. 

واستخدمت إيران نسخاً من أكثر القطع التكنولوجية حساسيةً التي طوَّرَتها الشركات الأمريكية والإسرائيلية. واستخدمت الطائرات المسيَّرة التي هاجمت منشآت النفط السعودية نسخةً طبق الأصل من محرِّك عالي الأداء، صنعته وحدةٌ بريطانية تابعة لشركة المقاولات الدفاعية الإسرائيلية Elbit Systems. وكانت تكنولوجيا المحرِّك قد طُوِّرَت في المملكة المتحدة وليس إسرائيل. 

وقال شخصٌ مُطَّلِعٌ على تحقيق الأمم المتحدة لوول ستريت جورنال، إن نسخة المحرِّك نفسها كانت متاحةً للبيع على موقع شركة صينية على الإنترنت، ما يشير إلى أن الصين ربما شاركت في نسخ هذه الهندسة. 

وتعتمد إحدى الطائرات المسيَّرة الإيرانية التي شاركت في الحرب السورية بشكلٍ كبيرٍ على طائرة هيرمس-450 الإسرائيلية. ويشتبه المسؤولون الإسرائيليون في أن إيران تلقَّت نموذج هيرمس من حليف طهران اللبناني، حزب الله، بعد تحطُّم الطائرة في لبنان. 

*المادة الصحفية نقلت حرفيا من موقع عربي بوست ولا تعبر عن راي الموقع