إقرار أمريكي بأخطاء و”فشل استراتيجي” جراء الانسحاب من أفغانستان
السياسية :عبدالله المراني
بعد مرور أسابيع من الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، أقر مسؤولو وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) في جلسة أمام مجلس الشيوخ بأخطاء في التقدير أفضت إلى “فشل استراتيجي” في البلاد مع انتصار حركة طالبان دون عناء بعد حرب استمرت 20 عاما في أفغانستان.
ففي هذا الإطار صرّح رئيس هيئة الأركان المشتركة للقوات المسلحة الأمريكية، مارك ميلي، في جلسة استماع بمجلس الشيوخ الأمريكي، بأن الجيش الأمريكي خسر الحرب في أفغانستان، على الرغم من أنه نفذ قسما من المهام الموكلة إليه.
وقال ميلي: إن “هذه الحرب كانت فشلا استراتيجيا بالنسبة لنا.. لكننا لم نخسرها في الـ20 يوما الماضية، أو حتى في الـ20 شهرا الماضية”.. موضحا أن أسباب الفشل بعيدة في الماضي.
وأشار إلى أن الولايات المتحدة تمكنت في أفغانستان من التعامل مع جماعة القاعدة الإرهابية، لكنها لم تتمكن من منع طالبان من الوصول إلى السلطة هناك.
وخلص القائد العسكري الأمريكي إلى أنه “من الجلي لنا جميعا أن الحرب في أفغانستان لم تنته بالطريقة التي أردناها: طالبان في السلطة في كابول”.
ورأى ميلي أن الولايات المتحدة اتخذت سلسلة من القرارات الإستراتيجية الخاطئة، أدت مجتمعة إلى فشل العملية العسكرية بأكملها في أفغانستان.. داعياً الجيش الأمريكي إلى التعلم مما حدث حتى لا تتكرر نفس الأخطاء في المستقبل، ووعد ميلي ورئيس البنتاغون لويد أوستن بفعل ذلك.
وفيما سعى أعضاء الكونغرس الجمهوريون إلى إثبات أن اللوم الرئيس لكون أفغانستان الآن تحت سلطة طالبان، يقع على عاتق إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، قال أعضاء الكونغرس الديمقراطيون: إن جميع الإدارات الأمريكية التي عملت في السنوات الـ20 الماضية مسؤولة عن الفشل، وليس بايدن وحده.
في الوقت ذاته، كشف ميلي ورئيس القيادة المركزية الأمريكية، فرانك ماكنزي، أنهما نصحا البيت الأبيض بالإبقاء على 2500 جندي أمريكي في أفغانستان لبعض الوقت، لكن لم يتم الاستماع إليهما.
فيما صرّحت المتحدثة باسم البيت الأبيض، جين بساكي، في إفادة لها الليلة الماضية بأن بايدن استمع إلى وجهات نظر مختلفة حول الموضوع، وقرر بالنهاية سحب القوات بالكامل.. ولم تحدد على وجه التحديد من قدم هذه النصيحة للرئيس.
ويذكر أن الولايات المتحدة سحبت آخر جنودها من أفغانستان الشهر الماضي، بعد عملية إجلاء ضخمة لأكثر من 120 ألف شخص.. وجاء سحب القوات الأمريكية بقرار من الرئيس الأمريكي جو بايدن، الذي اتخذ هذا القرار لإنهاء حرب استمرت نحو 20 عاما، بدأتها الولايات المتحدة عقب هجمات الـ11 من سبتمبر عام 2001.
واختار الرئيس الأمريكي عدم الأخذ بهذه النصيحة.. مؤكدا في أغسطس أنه لم يتلقها.. وقال بايدن في 19 أغسطس الماضي خلال مقابلة مع محطة “إيه بي سي” التلفزيونية: “لم يقل أحد لي ذلك على حد علمي”.
من جهته قال وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن إن “واقعة انهيار الجيش الأفغاني الذي دربناه مع شركائنا، غالبا من دون إطلاق أي رصاصة، فاجأتنا”.. مضيفا “سيكون مجافيا للحقيقة الادعاء بعكس ذلك”.
وتابع “لم ندرك مدى فساد كبار ضباطهم وانعدام كفاءتهم، لم نقدر الأضرار التي نجمت عن التغييرات الكثيرة وغير المفسرة التي قررها الرئيس أشرف غني على صعيد القيادة، لم نتوقع أن يكون للاتفاقات التي توصلت إليها طالبان مع 4 قادة محليين بعد اتفاق الدوحة تأثير كرة الثلج، ولا أن يكون اتفاق الدوحة قد أحبط الجيش الأفغاني”.
ووقعت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في 29 فبراير 2020 في الدوحة اتفاقا مع طالبان نص على انسحاب كل القوات الأجنبية قبل الأول من مايو 2021 في مقابل الحصول على ضمانات أمنية وإطلاق مفاوضات مباشرة بين المتمردين والسلطات الأفغانية.
وبعدما تولى بايدن سدة الرئاسة الأمريكية ودقق في تفاصيل الاتفاق مدى أشهر، قرر تنفيذه إنما أرجأ الموعد النهائي للانسحاب إلى 31 أغسطس.
من جانبه قال رئيس القيادة المركزية الأمريكية فرانك ماكنزي خلال تقديم شهادته أمام لجنة القوات المسلحة بمجلس النواب الأمريكي: إن انهيار الحكومة الأفغانية وقواتها الأمنية يمكن أن يعزى إلى اتفاق عام 2020 بين حركة طالبان وإدارة الرئيس السابق دونالد ترامب.
وأضاف ماكنزي: إنه “بمجرد أن تم تخفيض وجود القوات الأمريكية إلى أقل من 2500 عنصر كجزء من قرار الرئيس جو بايدن في أبريل لإكمال الانسحاب الكامل بحلول سبتمبر، تسارع انهيار الحكومة الأفغانية المدعومة من الولايات المتحدة”.
وتابع: إن “توقيع اتفاقية الدوحة كان له تأثير ضار على حكومة أفغانستان وعلى جيشها، خصوصا على الصعيد النفسي.. لكننا حددنا موعدا للمغادرة ومتى يتوقع أن يتوقف دعمنا لهم”.
وقال: “كنت أعتقد منذ فترة طويلة أنه إذا خفضت الولايات المتحدة عدد مستشاريها العسكريين في أفغانستان إلى أقل من 2500، فإن حكومة كابل ستنهار حتما ويتبعها الجيش”.
وأشار إلى أنه “بالإضافة إلى الآثار المستنزفة للروح المعنوية لاتفاق الدوحة، فإن تخفيض القوات الذي أمر به بايدن في أبريل كان الضربة الأخيرة في نعش المجهود الحربي الذي استمر 20 عاما، لأنه أعمى الجيش الأمريكي عن الظروف داخل أفغانستان، لأن مستشارينا لم يعودوا متواجدين مع تلك الوحدات”.
وتطورت العملية العسكرية الانتقامية الأمريكية التي بدأت بعد هجمات 11 سبتمبر 2001، إلى مشروع ضخم لإعادة بناء أفغانستان منعا لعودة طالبان إلى السلطة.. لكن هذا الأمر حدث في النهاية في 15 أغسطس إثر هجوم خاطف شنته الحركة المتشددة.
وعجل انهيار الجيش والحكومة الأفغانيين بانسحاب الجيش الأمريكي والمدنيين الأفغان الذين تعاونوا معه، وتخلل عملية الانسحاب في أيامها الأخيرة هجوم انتحاري استهدف محيط مطار كابول وتبناه تنظيم “داعش”.
ونص ذلك الاتفاق على انسحاب جميع الجنود الأجانب من أفغانستان قبل 1 مايو 2021 مقابل ضمانات أمنية وبدء مفاوضات مباشرة غير مسبوقة بين المتمردين وحكومة كابول.
وعلى الرغم من عدم إحراز تقدم في المحادثات الأفغانية-الأفغانية، قرر الرئيس الأمريكي احترام الاتفاق وتأخير الموعد النهائي لإنجاز الانسحاب إلى 31 أغسطس.
الى ذلك أكد ماكينزي، أن حركة “طالبان” اقترحت على واشنطن سيطرة القوات الأمريكية على كابل حتى إتمام عملية الانسحاب.. قائلاً خلال جلسة استماع في الكونغرس الأربعاء: إنه التقى يوم 15 أغسطس رئيس المكتب السياسي لـ”طالبان” عبد الغني برادر في الدوحة.
وأوضح أن مهمته كانت توجيه رسالة إلى “طالبان”، مفادها “إننا ننسحب ونحن سنعاقبهم بشكل قاس إن حاولوا عرقلة الانسحاب”.
وأكد أن “طالبان” اقترحت خلال اللقاء أن تتولى القوات الأمريكية السيطرة على كابل، لكنه رفض ذلك لأنه لم تكن مثل هذه الأمور بين تعليماته.. مضيفاً: “لم تكن لدينا موارد لتولي مثل هذه المهمة”.
وردا على سؤال ما إذا تم نقل مقترح “طالبان” إلى الرئيس جو بايدن، قال ماكينزي إنه ليس على علم بذلك، لكن المبعوث الخاص لشؤون أفغانستان زلماي خليل زاد كان يحضر تلك النقاشات.
وأشار إلى أنه توجه إلى الدوحة آنذاك ليطلب من “طالبان” أن يبقى عناصرها على بعد 30 كلم عن كابل حتى إتمام الانسحاب الأمريكي.. معتبرا ذلك أفضل طريقة لتفادي أي صدام، لكن مسلحي “طالبان” قد دخلوا كابل ووصلوا إلى وسطها بحلول ذلك اليوم، وبالتالي كانت القوات الأمريكية مضطرة للتصرف “انطلاقا من الواقع الجديد”.
وكانت صحيفة “واشنطن بوست” قد نقلت في أواخر أغسطس عن مصادرها، القول: إن المسؤولين الأمريكيين التقوا قادة “طالبان” في الدوحة يوم سقوط كابل، وأن برادر قال لماكينزي إن أمام الولايات المتحدة خيارين، أحدهما تولي مسؤوليات تأمين كابل أو السماح لـ “طالبان” بالقيام بذلك، حسب تقرير الصحيفة.
وأضافت الصحيفة: إن ماكينزي قال لـ”طالبان” آنذاك، إن مهمة الأمريكيين تتمثل في إجلاء الأفغان المعرضين للخطر، وأن القوات الأمريكية تحتاج إلى مطار كابل لذلك، وتم الاتفاق على سيطرة الأمريكيين على المطار حتى 31 أغسطس.