السياسية – وكالات :

مع استمرار العدو الصهيوني اللعب بالنار، وارتكابه أبشع الانتهاكات بحق الشعب الفلسطيني وأهل القدس والمقدسات والمسجد الأقصى المبارك، ومواصلته تطبيق خطته للسيطرة على المسجد الأقصى زمانيا ومكانياً بكل ما أوتي من قوة، جاءت الذكرى الـ21 لاندلاع الانتفاضة الثانية “انتفاضة الأقصى” لتؤكد أن المقاومة فرضت نفسها بعد معركة سيف القدس لتقول للعدو “إن القدس خط أحمر لا يمكن تجاوزه”.

وتأتي هذا العام ذكرى انتفاضة الأقصى التي ارتقى خلالها ما يقارب من 4500 شهيد، وأصيب أكثر من 50 ألفاً، لتعيد فتح صفحة جرح غائر لم يندمل منذ سنوات، في وقت تنتهك فيه قوات الاحتلال المسجد الأقصى دون أي مراعاة للمشاعر الدينية والاسلامية، وسط تحذيرات مقدسية أن المسجد الأقصى المبارك دخل مرحلة مفصلية من تصفية هويته بِفرض الطقوس التوراتية فيه.

وكان من بين الشهداء في ذلك اليوم الطفل محمد جمال الدرة بعد أن حاصرته النيران “الإسرائيلية” بين يدي أبيه وأمام كاميرات التلفاز فهزت صورته ضمائر البشر في كل أرجاء العالم وصار بذلك رمزًا للانتفاضة الفلسطينية في كل مكان.

ويستغل العدو الصهيوني حالة تمسك البعض بالرهانات والخيارات الفاشلة والبناء على أوهام ما يسمى بعملية السلام ومشاريع التسوية العقيمة والوساطة الأمريكية والدولية، وفي ظل محاولات التطبيع ودمج الكيان الصهيوني في المنطقة.

وكان شهر رمضان المبارك حاسماً بالنسبة للمسجد الأقصى المبارك خاصة بعد أن فرضت المقاومة الفلسطينية معادلة جديدة، لتكون جزءا من معادلة الردع في الأقصى والقدس بعد أن هددت بشن عدوان واسع حال نفذ الاحتلال لتهديداته بقصف المستوطنات لتكون معركة “سيف القدس” معركة الردع التي فرضتها المقاومة في القدس.

إلا أن محاولات الاحتلال متواصلة حتى اليوم لانتهاك المسجد الأقصى بين الفينة والأخرى وسط دعوات مقدسية للتصدي لكافة الانتهاكات وحماية المسجد الأقصى، وشد الرحال إليه والرباط فيه، في ظل سبات عربي وإسلامي لم يسبق له مثيل.

هذا وكان نحو 778 مستوطنًا اقتحموا الأقصى أمس وأدوا طقوسا تلمودية علنية ورفعوا العلم “الإسرائيلي” في باحاته وقدموا شروحات عن “الهيكل” المزعوم.. فيما بلغت أعداد المستوطنين المقتحمين للأقصى خلال الأيام القليلة الماضية، حدًا غير مسبوق بحجة الاحتفال بالأعياد اليهودية.

وفي خلفية اندلاع الانتفاضة، بعد أسبوعين من المفاوضات التي عقدت في منتجع “كامب ديفيد” بدعوة من الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون، ومشاركة الرئيس الفلسطيني الشهيد الراحل ياسر عرفات، ورئيس وزراء الاحتلال الأسبق إيهود باراك، وفي يوليو من العام 2000، وبعد عدم التوصل إلى حل سلمي للصراع مع الاحتلال الإسرائيلي، اندلعت “انتفاضة الأقصى”.

آنذاك، رفض الشهيد عرفات تقديم تنازلات من شأنها التوقيع على الاتفاقية التي كانت ترسم شكل الدولة الفلسطينية المستقبلية، وشهد عصر الخميس 28 سبتمبر 2000 مواجهات بين مصلين وشبان غاضبين وشرطة الاحتلال وحرس حدوده وقواته الخاصة، التي اقتحمت باحات الأقصى لتأمين تدنيسه من قبل زعيم حزب الليكود المتطرف أرئيل شارون، وعدد من أعضاء حزبه اليمينيين، فكانت تلك الساعات الشرارة الأولى لانطلاق الانتفاضة الثانية، والتي عُرفت فيما بعد باسم “انتفاضة الأقصى”.

ولعل من أبرز أحداث الانتفاضة اجتياح العام 2002، التي أطلق عليه جيش الاحتلال عملية “السور الواقي”، حيث بدأت دبابات الاحتلال بدخول مدينة رام الله في 29-3-2002، وحاصرت مقر الشهيد الراحل عرفات، وكنيسة المهد، وإبعاد المقاتلين الذين تحصنوا داخلها إلى غزة والأردن ودول أوروبية، وأعادت فيها “إسرائيل” اجتياح جميع مدن الضفة الغربية المحتلة.

وأكدت المؤسسة الدولية أمس الإثنين، أن مسؤولية الدفاع عن الأقصى تفرض واجباتٍ عاجلة على جماهير القدس والأرض المحتلة وعلى المقاومة وعلى الشعوب العربية والإسلامية.

وأشارت إلى أن المسجد الأقصى المبارك شهد على مدى موسم الأعياد التوراتية الحالي عدواناً لم يشهد مثيله منذ احتلاله عام 1967، إذ عملت “جماعات المعبد” المتطرفة وحكومة الاحتلال على المضي قدماً في أجندة “التأسيس المعنوي للمعبد” عبر فرض كامل الطقوس التوراتية في الأقصى.

وأضافت: “الواجب يملي علينا اليوم أن ننقل صرختنا للأمة العربية والإسلامية وقواها الحية بأن الأقصى قد دخل مرحلة مفصلية من تصفية هويته، وبأن المعركة على الأقصى باتت معركة وجود إما أن نكون فيها أو لا نكون، وهو ما يحتم توجيه الاهتمام والطاقات نحو الدفاع عن الأقصى ودعم الرباط فيه، وتحمل المسؤوليات تجاهه بشكلٍ عملي يتجاوز البيانات والمواقف اللفظية”.

من جهته أكد مسئول المكتب الإعلامي لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين داود شهاب، اليوم، أن ذكرى انتفاضة الأقصى من المناسبات الهامة التي تستعيد معها الذاكرة الفلسطينية سنوات من الكفاح والجهاد والمقاومة، وأوضح أن أهم ما ميز هذه الانتفاضة “الوحدة بين الشعب الفلسطيني وفصائله”.

شهاب

ونقلت وكالة “فلسطين اليوم” عن شهاب، في تصريح صحفي بمناسبة ذكرى اشتعال انتفاضة الأقصى عام 2000م قوله: هي محطة ملهمة لهذا الجيل الشاب الذي بدأ اليوم بقيادة المقاومة خاصة في الضفة الغربية التي يتقدم فيها الشباب كل الصفوف في مواجهة الاحتلال، ويقدمون التضحيات الكبيرة”.

وأوضح أن الأسرى الذين قادوا العمل الفدائي وقادوا الاشتباك في انتفاضة الأقصى هم اليوم من يشعلون فتيل انتفاضة الحرية بصمودهم وثباتهم.. لافتاً إلى أهمية ما أحدثته عملية انتزاع الحرية، التي قادها محمود العارضة، في الوعي الفلسطيني.

وأكد شهاب أن الشبان الذين استشهدوا قبل يومين في القدس وجنين هم من الجيل الذي ربما ولد في بداية انتفاضة الأقصى، واليوم يستلم الراية.

وتابع قائلاً: “هكذا هو الشعب الفلسطيني، جيل يسلم الراية لجيل، في تأكيد يدلل على حيوية الشعب وعلى تجذر ثقافة المقاومة والمواجهة في عقول ووجدان أبنائه”.

وشدد شهاب على أن نهج المقاومة هو بمثابة جدول عمل يومي للأم والأسرة الفلسطينية تعلمه وتلقنه لأبنائها، بما يعزز الإيمان بعدالة هذه القضية وبمشروعية كل وسائل وأدوات الثورة والدفاع عن قداسة أرض فلسطين، وأن القضية الفلسطينية ستبقى حية و”إسرائيل” الى زوال بعون الله تعالى”.

بدورها حذرت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) اليوم، العدو الصهيوني من الاستمرار في سياسة محاولة تدنيس الأقصى، وانتهاك حرمة المقدسات التي سيكون مآلها انفجارًا جديدًا ومدويًا في وجهه.

وفي بيان صحفي لها في الذكرى الـ21 لانتفاضة الأقصى نقلته وكالة “فلسطين اليوم”، دعت حركة “حماس” أبناء الشعب الفلسطيني إلى النفير العام لحماية المسجد الأقصى والمقدسات من قطعان المستوطنين الذين يحاولون تدنيسها.

وطالبت باعتماد استراتيجية عمل وطني، ترتكز على خيار الوحدة والمقاومة بأدواتها وأشكالها كافة، وفي مقدمتها المقاومة المسلحة.. داعية إلى إطلاق يد المقاومة في الضفة المحتلة للدفاع عن الشعب الفلسطيني.

وشددت الحركة على أن الرهان الأقوى يجب أن يكون على وحدة الشعب الفلسطيني وصموده ومقاومته، وتفجير ساحات الصراع مع العدو في كل مدن فلسطين المحتلة وبلداتها، وعلى خطوط التماس، وعلى بوابات الأقصى، وأماكن المستوطنات.

كما دعت إلى وقف كل الرهانات على مشاريع التسوية والإدارات الأمريكية المتعاقبة باعتبارها رهانات خاسرة، ضيعت القضية الفلسطينية ومزقت شعبنا الفلسطيني، وأطالت عمر الاحتلال، وأفسحت له المجال في الهيمنة والتمدد.

إلى ذلك أكد خطيب المسجد الأقصى، عكرمة صبري، اليوم، أن كل شيء محتمل نحو تفجير الأوضاع واندلاع مواجهات شاملة ضد قوات الاحتلال ومستوطنيه دفاعًا عن المسجدين الأقصى والقدس في مدينة القدس المحتلة.. محذرًا من أن “كثرة الضغط يولد الانفجار، وأن الذين ينتفضون لا ينتظرون ولا يستشرون أحدًا”.

وقال الشيخ صبري، لوكالة “فلسطين الإخبارية”، إنه “لا يمكن أن نستطيع أن نحكم متى سيحصل هذا الانفجار، في باحات الأقصى والقدس”، اللذان يشهدان تصاعدًا في اقتحامات المستوطنين بحماية من قوات الاحتلال، لا سيما مع الأعياد “اليهودية”.

وأضاف: إن ما حدث، أمس، هو أنه المستوطنين رفعوا علم “إسرائيل” في باحات الأقصى، وخلال الأسبوعين الماضيين أدوا صلوات تلمودية ولبسوا لباس “الكهانوت” ونفخ بالبوق.. معتبرًا ذلك تجاوزات “خطيرة”، لأنها لم تحصل في السابق.

وأشار إلى أن حكومة الاحتلال تستغل الأعياد “اليهودية” المتعددة لاقتحام الأقصى والقدس، لأنهم يحسدون الفلسطينيين والمسلمين على هذا المكان، ويريدون أن ينغصون علينا.

وأوضح صبري، أن العدو لديه مطامع ومحاولات نحو فرض السيادة والسيطرة على المسجدين، وذلك انتقامًا من هزيمتهم في عام 2017 ضد البوابات الإلكترونية.

وتابع قائلاً: إن “حكومة نفتالي بينت تريد أن تظهر أنها هي القوية والتي تلبي حاجة اطماع المستوطنين المتطرفين أكثر من الحكومة السابقة فهم يتنافسون علينا وعلى حسابها”.. محملاً الاحتلال مسؤوليته على هذه الاقتحامات التي تضم أعضاء كنيست ومسؤولين “إسرائيليين” كبار.

وشدّد على ضرورة الرباط والتواجد وشد الرحال في باحات الأقصى والقدس، وعلى المسلمين في العالم ضرورة الدفاع عن تلك المقدسات الشريفة بكل ما أوتوا من قوة.

وعن الحالة العربية، أكد خطيب المسجد الأقصى، أن الصف العربي مريب وغريب تجاه الدفاع عن القدس والأقصى المبارك.

الجدير ذكره أن “حماس” ومعها فصائل المقاومة استطاعت أن توصل رسالة الشعب الفلسطيني إلى العالم من خلال مئات التظاهرات والمسيرات التي دعت إليها، أو شاركت فيها خلال سنوات الانتفاضة، وكذلك أسست دعائم الإعلام المقاوم بإنشاء عدة وسائل إعلامية مقروءة ومسموعة ومرئية، رفعت من خلالها شعار المقاومة وعززت قيمها، وحافظت على الجبهة الداخلية، ورفعت صوت الانتفاضة داخليًا وخارجيًا.

وعلى الرغم من محاولات الاحتلال استئصال المقاومة خلال انتفاضة الأقصى باغتيال أبرز قادتها السياسيين والعسكريين، وعشرات القادة الميدانيين، وتدمير بنيتها التحتية، إلا أن المقاومة ظلت شوكة في حلقه، واستطاعت أن تراكم قوتها حتى باتت اليوم قوة يُحسب لها ألف حساب من قبل العدو الصهيوني المحتل.