إسرائيل تتطلع للتطبيع الكامل مع مصر بعد لقاء السيسي وبينيت، ولكن لماذا يبدو ذلك بعيد المنال؟
السياسية:
أخيراً، التطبيع بين مصر وإسرائيل سوف يصبح تطبيعاً كاملاً وشعبياً، هذا ما يراهن عليه المسؤولون الإسرائيليون بعد لقاء الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مع رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت.
فقد أعرب مسؤولون إسرائيليون، بمن فيهم رئيس الوزراء نفتالي بينيت، عن ارتياحٍ وتفاؤلٍ كبيرين بعد لقاء بينيت الأول مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، بأن السلام البارد الذي حقَّقَته إسرائيل منذ عام 1979 على وشك أن يذوب دفئاً، حسبما ورد في تقرير لصحيفة Times of Israel الإسرائيلية.
وقال بينيت بعد زيارة شرم الشيخ في شبه جزيرة سيناء، يوم الإثنين 13 سبتمبر/أيلول، إنه عقد “لقاءً مهماً وجيداً للغاية” مع السيسي، حيث “أرسى الاثنان الأساس لعلاقاتٍ عميقة تمضي قدماً”.
وقبل عودته إلى إسرائيل، قال بينيت إن الزعيمين ناقشا توسيع التجارة والسياحة، وتوافقا على أنه سيكون هناك تحوُّلٌ في العلاقات من كونها علاقة تجرى بالأساس وراء الكواليس إلى احتضانٍ شعبيٍّ أكبر.
تفاؤل في تل أبيب بشأن التطبيع بين مصر وإسرائيل
كانت هناك بالتأكيد أسبابٌ لهذا التفاؤل. كانت خطوة استضافة بينيت، التي بدأها السيسي وأُرسِلَت دعوتها من خلال رئيس المخابرات المصرية عباس كامل خلال زيارته القدس في أغسطس/آب الماضي، مهمةً في حدِّ ذاتها. لقد مرَّ عقدٌ من الزمان منذ أن قام زعيمٌ إسرائيلي بزيارةٍ عامة إلى مصر، وكان بإمكان السيسي الاكتفاء بجلسةٍ هادئة مع بينيت على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة المقبلة في نيويورك.
في المقابل، دُعِيَ بينيت إلى اجتماعٍ علنيٍّ تماماً مع السيسي، واكتمل الاجتماع ببياناتٍ مشتركة للصحافة، ورفرف العلم الإسرائيلي خلفه، علاوةً على أن الاجتماع حظي بتغطيةٍ في الصفحات الأولى بالصحف المصرية.
لكن على إسرائيل، وبينيت، توخي الحذر في عدم المبالغة في التقدُّم المُحرَز. تهيمن المشاعر المعادية لإسرائيل على المجتمع المصري، بما في ذلك النخب، ولا ينوي السيسي إثارة المشكلات لنظامه من خلال تأجيج الاستياء من مقاربته لإسرائيل، حسب التقرير.
وفي هذا السياق، قال موشيه ألبو، الباحث الأول في معهد السياسات والاستراتيجيات بجامعة رايشمان الإسرائيلية، إن “دعوة السيسي لبينيت لا تشير إلى استعداد مصر للتحرُّك نحو التطبيع الكامل، أو لتعميق العلاقات الثنائية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية”.
وقال: “كان الهدف من الاجتماع هو تعزيز دور القاهرة الحيوي في القدس وواشنطن، والاستفادة من هذا الدور لتعزيز المصالح في قلب الأمن القومي المصري”.
بايدن هو الدافع لتحركات مصر
تجد مصر نفسها في مواجهةٍ مع عددٍ من التحديات الكبيرة، وقد تساعد زيارة بينيت في مواجهة أولئك الذين يهيمنون على صناعة القرار في القاهرة. وعلاقات مصر مع الولايات المتحدة تقع على رأس جدول أعمال هؤلاء.
منذ حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973، كانت مصر في المعسكر الموالي للولايات المتحدة. ولطالما كان دعم الحزبين الديمقراطي والجمهوري لمساعدة مصر إحدى ركائز السياسة الأمريكية. تتلقَّى مصر مساعداتٍ أجنبية من واشنطن أكثر من أيِّ دولةٍ أخرى، باستثناء إسرائيل، والعلاقات العسكرية الثنائية عميقةٌ ومتنوِّعة.
ولكن خلال رئاسة باراك أوباما، ألقى كلا الجانبين نظرةً انتقادية طويلةً في العلاقات الثنائية. وفي يناير/كانون الثاني 2011، خرج المصريون إلى الشوارع للاحتجاج ضد حسني مبارك، الرئيس الموالي للغرب الذي استمرَّ حكم ثلاثة عقود. أيَّد أوباما في النهاية مطالب المحتجين بعزل مبارك، في حين أُصيبَ المسؤولون الإسرائيليون والمملكة السعودية بالذهول، حيث رأوا في ذلك خيانةً لحليفٍ مخلصٍ للولايات المتحدة.
ولقد تجاهلت الإدارة الأمريكية الحلفاء الإقليميين عندما تقبلت انتخاب مُرشَّح الإخوان المسلمين في مصر، محمد مرسي، بعد عامٍ من ذلك.
وعندما تولَّى الجيش المصري زمام الأمور في 2013، قرَّرَ أوباما عدم وصف الاستيلاء على السلطة بالانقلاب؛ لأن القانون الأمريكي يلزم بتعليق المساعدات إذا وصف الإطاحة بمرسي بأنه انقلاب.
ومع ذلك، فقد أوقف شحنات المقاتلات النفَّاثة والمروحيات الهجومية، بالإضافة إلى 260 مليون دولار من المساعدات. وألغت واشنطن كذلك مناورات “النجم الساطع” التي تجري كلَّ سنتين بين الدولتين.
في ذلك الوقت، قاد عبد الفتاح السيسي حملة قمعٍ كاسحة ضد المعارضة، وحتى ضد مواطني الحلفاء الغربيين، وبدأ في تقليل اعتماد البلاد على الولايات المتحدة، حسب الصحيفة الإسرائيلية.
ثم جاءت إدارة دونالد ترامب فمنحت الأولوية للأمن الإقليمي، ورغم أنها علَّقَت المساعدات العسكرية وخفضت المساعدة الاقتصادية في 2017 إلى حدٍّ كبير، استجابةً لضغط الكونغرس. أطلق ترامب على نظيره المصري، مازحاً، “ديكتاتوري المُفضَّل”، في مجموعة السبع لعام 2019، لكن السخرية تصف بدقة نهج الولايات المتحدة على مدار السنوات الأربع الماضية، حيث بذل ترامب قصارى جهده لدعم السيسي علناً.
أما إدارة بايدن فمنذ البداية، كانت صريحةً في نيتها الضغط على السيسي فيما يتعلق بالسجل الحقوقي لديه.
وتعهَّد المتحدِّث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، نيد برايس، في مارس/آذار الماضي: “سنجلب قيمنا معنا في كلِّ علاقةٍ لدينا في جميع أنحاء العالم، وهذا يشمل شركاءنا الأمنيين المُقرَّبين، بمن فيهم مصر”.
بدأ ذلك التعهُّد يظهر في سياسة الولايات المتحدة، ففي اليوم نفسه الذي التقى فيه بينيت والسيسي، ظهرت تقارير تفيد بأن الولايات المتحدة كانت تجمِّد 130 مليون دولار من المساعدات ما لم تفِ مصر بالمعايير المتعلِّقة بحقوق الإنسان. وصرَّح مسؤولون، لم يُكشَف عن أسمائهم، لصحيفة Washington Post الأمريكية بأن هذه الشروط تشمل إنهاء ملاحقات الحقوقيين ومجموعات المجتمع المدني، فضلاً عن إسقاط التهم المُوجَّهة إلى 16 شخصاً أثارت الولايات المتحدة قضاياهم مع مصر.
حرب غزة تغير كل شئ
كان اللقاء الدافئ مع بينيت، الذي حظي بترحيبٍ كبيرٍ من بايدن، وسيلةً للقاهرة لتذكير الولايات المتحدة بأنها لاعبٌ لا بديل عنه في الحفاظ على الاستقرار في المنطقة، ولا ينبغي الضغط عليها بشدة في شؤونها الداخلية.
وقد أحرزت مصر تقدُّماً كبيراً في ترسيخ تلك الصورة في عيون الأمريكيين خلال جولة القتال التي استمرَّت 11 يوماً بين إسرائيل وحماس في مايو/أيَّار الماضي.
قال جوناثان شانزر، النائب الأول لرئيس مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات: “في مواجهة هذا الصراع، لم تكن مصر حقاً على رادار إدارة بايدن”، لكنها احتفظت بدورها كوسيطٍ بين إسرائيل وحماس.
وبحلول الوقت الذي انتهى فيه الصراع، كان على إدارة بايدن الاعتراف بالدور الحاسم الذي لعبته مصر في استعادة الهدوء في غزة.
كانت إسرائيل تقوم علناً بالتشديد على دور مصر. إذ أكد وزير الخارجية الإسرائيلي لئير لبيد، خلال خطابه حول غزة الأسبوع الماضي، على “الأهمية الحاسمة لمصر”. وقال: “لن يحدث أيُّ شيءٍ بدون دعم ومشاركة شركائنا المصريين وبدون قدرتهم على التحدُّث إلى جميع الأطراف”.
وأشار مكتب بينيت إلى دور مصر في الحفاظ على الهدوء والاستقرار في غزة في البيان الذي أعقب الاجتماع.
وتريد مصر من إسرائيل أن تواصِل حثَّ إدارة بايدن على الحدِّ من انتقاداتها لسجل مصر في مجال حقوق الإنسان.
وقال أوفير وينتر، الباحث في معهد دراسات الأمن القومي في تل أبيب: “لقد رأوا العلاقات الإيجابية والوثيقة التي نشأت بين بينيت وبايدن في الاجتماع الأخير، وهناك تفاهمٌ على أن إسرائيل يمكن أن تؤثِّر على الإدارة والولايات المتحدة في مجالين مهمين لمصر”.
وقال وينتر إن هذين المجالين هما المساعدات المستمرة، والتوتُّرات مع إثيوبيا بشأن مشروع سدِّ النهضة الكبير على النيل الأزرق.
تقول إثيوبيا إن السدَّ الضخم يوفِّر فرصةً حاسمةً لانتشال الملايين من مواطنيها، البالغ عددهم 110 ملايين، من براثن الفقر، ولتصبح دولةً مُصدِّرةً للطاقة. أما مصر، التي تعتمد على النيل لتزويد مزارعيها وسكَّانها، البالغ عددهم أكثر من 100 مليون نسمة، بالمياه العذبة، فتؤكِّد أن السدَّ يشكِّل تهديداً وجودياً لها.
وتمضي إثيوبيا قدماً في ملء السدِّ، حيث يبدو الحلُّ الدبلوماسي غير مُرجَّحٍ على نحوٍ متزايد في المستقبل المنظور.
وتعتبر مصر هذه القضية أحد التحديات الرئيسية في سياستها الخارجية، وقد فشلت جهودها الدبلوماسية في إثناء إثيوبيا عن المضي قدماً في ملء السد. وتعتقد القاهرة أن إسرائيل لها نفوذٌ في كلٍّ من واشنطن وأديس أبابا، وقد تصبح هي المفتاح لإعادة إثيوبيا إلى طاولة المفاوضات.
لكن موشيه ألبو قال: “يجب أن تحرص إسرائيل على ألَّا تصبح الوسيط بين إثيوبيا ومصر، بسبب ضعف احتمالية النجاح وتداعيات الفشل على العلاقات بين الدولتين”.
وأكَّد أنه مع ذلك، يمكن لإسرائيل دعم موقف مصر في واشنطن، ويمكنها تقديم تقنيات المياه الخاصة بها لمساعدة مصر في التعامل مع النقص المُحتَمَل الذي ينشأ نتيجة السد.
التوسُّع الحذِر في التجارة
تشير تصريحات المسؤولين الإسرائيليين بعد الاجتماع إلى توقُّع أن العلاقات التجارية بين الدولتين ستتوسَّع في أعقاب الاجتماع.
كانت هناك بعض العلامات الإيجابية، ورغم أن حجم التجارة لا يزال غير مرتفعٍ بصورةٍ لافتة، فقد توسَّعَت الصادرات الإسرائيلية إلى مصر بنحو أربعة أضعاف منذ منتصف السبعينيات.
ورافق كبار رجال الأعمال الإسرائيليين وزير المخابرات آنذاك، إيلي كوهين، في رحلته في مارس/آذار إلى شرم الشيخ، مِمَّا يشير إلى رغبة القاهرة في توسيع العلاقات الاقتصادية إلى حدٍّ ما.
في أكتوبر/تشرين الأول المقبل، ستبدأ شركة مصر للطيران في تسيير رحلاتٍ مباشرةٍ بين القاهرة وتل أبيب. أما الرحلات الجوية الوحيدة بين إسرائيل والقاهرة، فتديرها شركة طيران سيناء، وهي شركةٌ تابعةٌ لمصر للطيران، والتي تدير الرحلات في طائراتٍ غير مُمَيَّزةٍ بدون العلم المصري.
وأوضح وينتر أن “القضية الاقتصادية أصبحت محوريةً في السياسة الخارجية لمصر في السنوات الأخيرة. يُنظَر إلى الاقتصاد باعتباره مهماً لاستقرار النظام.. وهناك العديد من الاعتبارات الاقتصادية المهمة لمصر في سياق علاقتها مع إسرائيل”.
ومع ذلك، لفت وينتر إلى أنه كان من الواضح أن التصريحات الإسرائيلية بعد الاجتماع شدَّدَت على العلاقات التجارية أكثر بكثيرٍ من الجانب المصري.
وكما هو الحال مع جميع جوانب العلاقات المصرية مع إسرائيل، تتحرَّك القاهرة بحذرٍ في هذا الجانب من العلاقات أيضاً.
قال ألبو: “إنهم يفهمون أن هناك إمكانيات، وهم يفهمون أيضاً أن هناك الكثير من المال على الطاولة هنا”.
إن أوسع منطقةٍ لتوسيع العلاقات الاقتصادية هي السياحة الإسرائيلية في جنوب سيناء. لا يخلق هذا عداءً مع الشارع المصري، ويمثِّل مصدراً مهماً للعملة الأجنبية لدولةٍ تقلَّصَ قطاعها السياحي بشكلٍ كبير في أعقاب ثورة 2011، ومرةً أخرى بسبب جائحة كوفيد-19.
يُذكَر أنه في يوم اجتماع بينيت والسيسي، رفعت إسرائيل قيود السفر المفروضة على المواطنين الذين يزورون شبه جزيرة سيناء. وأصبح معبر طابا للسيارات بين إسرائيل وسيناء يعمل بكامل طاقته، مع عدم وجود حدٍّ لتصاريح الدخول ومدد ساعات العمل.
وفي الشهر الماضي، أغسطس/آب، قلَّصَت إسرائيل من تحذير السفر الأمني لسيناء لأول مرة منذ سنوات. وجاء القرار بعد زيارة عباس كامل لإسرائيل لإجراء محادثاتٍ رفيعة المستوى بشأن غزة.
إسرائيل تحاول إعادة الاهتمام لاتفاقية الكويز
المنطقة الصناعية المؤهَّلة (الكويز) هي مساحةٌ أخرى يمكن أن تتوسَّع فيها العلاقات التجارية بين الدولتين. تشكَّلت هذه المنطقة في عام 2004 بموجب صفقةٍ بين إسرائيل ومصر والولايات المتحدة. وبموجب الصفقة، يمكن لمصر تصدير البضائع إلى الولايات المتحدة، معفاةً من الرسوم الجمركية، إذا صُنِّعَ 10.5% منها في إسرائيل.
يدرك بينيت جيِّداً قضية المناطق الصناعية المؤهَّلة. وقال خبراء في العلاقات بين مصر وإسرائيل لصحيفة Times of Israel إنهم أطلعوا بينيت على صفقة الكويز خلال فترة توليه منصب وزير الاقتصاد من 2013 إلى 2015.
علاوة على ذلك، فإن الطبيعة العامة للاجتماع مع بينيت هي أيضاً علامةٌ مهمة على نمو العلاقات الاقتصادية. ومن الأمثلة الأبرز صورة بينيت والسيسي على الصفحة الأولى في صحيفة المصري اليوم المصرية.
قال وينتر: “هذا تلميحٌ إلى أن التعامل مع إسرائيل أصبح مشروعاً الآن”.
لكن على الإسرائيليين ألَّا يتوقَّعوا علاقةً تجارية مماثلة للعلاقات سريعة التطوُّر مع الإمارات والبحرين. فهناك الكثير من العداء تجاه إسرائيل في مصر، علاوة على أن البيروقراطية المصرية الشديدة لا تصلح لعلاقاتٍ قوية مع القطاع الخاص دون تدخُّل الحكومة.
عربي بوست