رغم تطمينات طالبان، الهند تخشى انتفاض الكشميريين، ومودي هو المسؤول الأول عن هذا السيناريو
السياسية:
ما زالت الهند قلقة من التطورات في أفغانستان رغم تطمينات حركة طالبان، إذ تخشى نيودلهي أن يمتد تأثير تولي الحركة إلى كشمير وخاصة أن سياسات رئيس الوزراء الهندي ناريندا مودي قد أزمت الوضع أصلاً في الإقليم المتنازع عليه مع باكستان.
ومع إعلان حركة طالبان الأسبوع الماضي عن الحكومة الجديدة المفترض بها حكم أفغانستان، عكّرت الكآبة صفو المزاج العام على بعد نحو 965 كيلومتراً في نيودلهي. حيث إنّ غالبية الـ33 منصباً رئيسياً يشغلها الآن رجالٌ كانوا من أتباع طالبان منذ ظهورها في التسعينيات، وقد قضوا جميعاً آخر 20 عاماً مختبئين في أفغانستان- باستثناء خمسةٍ كانوا معتقلين في غوانتانامو حتى العام الماضي، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية.
وينظر إلى الهند كأكبر الخاسرين من الانسحاب الأمريكي ومن صعود طالبان، وهي من أبرز الداعمين السابقين لتحالف الشمال وشاه مسعود، كما كانت ثاني أهم داعم للحكومة السابقة، لدرجة أن الأخيرة طلبت تدخلاً هندياً عسكرياً مع بدء الانسحاب الأمريكي، حسبما ورد في تقرير لمجلة Foreign Policy الأمريكية.
ولكن الهند رفضت الفكرة، ولكن على عكس دول جوار أفغانستان، مثل الصين وروسيا، وإيران، التي بدأت تتواصل مع طالبان بشكل رسمي، فإن الهند ظلت تراهن على الحكومة السابقة إلى فترة قريبة.
انتصار استراتيجي لباكستان
وبالنسبة للعديدين في الهند، فإنّ ذلك الإعلان يقضي على أي أملٍ في أنّ طالبان الحالية ستكون أكثر اختلافاً وتقدماً وأقل تشدداً من طالبان التي حكمت البلاد في التسعينيات- والتي كانت متأثرةً بنفوذ باكستان (ألد أعداء الهند) على مستقبل أفغانستان.
إذ قال كبير تانيجا، زميل مؤسسة Observer Research Foundation البحثية في نيودلهي: “إنّه انتصارٌ استراتيجيٌ كبير لباكستان أنّ تكون لديها إدارةٌ من طالبان تحت سيطرتها شبه الكاملة”، حسب زعمه.
وأضاف: “لقد صارت لدى باكستان الآن منصةٌ لتبني عليها ما تريد. وهذا سيُمثّل تحدياً كبيراً للغاية بالنسبة للهند خلال السنوات القليلة المقبلة”.
وقد مثّلت سيطرة طالبان السريعة على أفغانستان وسقوط حكومة أشرف غني، المدعومة من الولايات المتحدة والحليفة لنيودلهي، الكثير من المشكلات بالنسبة للهند. وأولاها وأهمها أنّ الهند لطالما نظرت إلى طالبان باعتبارها مجرد وكيلٍ لمنافستها باكستان. إذ ترعرعت طالبان ووصلت إلى السلطة في التسعينيات بمساعدة وكالة الاستخبارات الباكستانية القوية. وبعد سقوط الحكومة عام 2001 عقب الغزو الأمريكي، وجد زعماء طالبان ملاذهم عبر الحدود.
لكن باكستان أنكرت صلاتها المباشرة بطالبان، كما أنه من المعروف أن الملا عبد الغني برادر رئيس المكتب السياسي لطالبان والقيادي المعتدل بالحركة معروف عنه دعمه للاستقلال عن تأثير الاستخبارات الباكستانية.
ومع ذلك، وقبل إعلان الحكومة يوم الثلاثاء الماضي السابع من سبتمبر/أيلول، حطّت طائرة المدير العام للمخابرات الباكستانية فايز حميد في كابول وسط تكهنات بأنّه زار البلاد لتهدئة الانقسامات بين أعضاء الحركة والتأكد من قدرتهم على تشكيل الحكومة.
إذ يزعم راجيف دوغرا، السفير الهندي والقنصل العام السابق في باكستان: “إنّ تدخل باكستان في أفغانستان ومشاركتها في تشكيل نظام طالبان الجديد هي أمورٌ شديدة الوضوح- وهم لا يُحاولون إخفاء تدخلهم هذه المرة. ومن الطبيعي أنّه في حال كانت العملية برمتها تُحرّكها وتُسيطر عليها المخابرات الباكستانية؛ فسيكون هذا من أهم دواعي القلق بالنسبة للهند”.
كشمير وأفغانستان توأمان
أما مصدر القلق الثاني للهند، والمرتبط بالأول، فهو يتعلّق بالخطر الأمني المحلي والإقليمي الذي يُمثله نظام طالبان. فطيلة عقود، ظلّت منطقة كشمير ذات الأغلبية المسلمة تحت سيطرة حركات التمرد الانفصالية القريبة لباكستان. ونجد أنّ أهم اثنتين من الميليشيات الإسلامية العاملة في كشمير هما جيش محمد وعسكر طيبة، ولهما علاقاتٌ تاريخية مع طالبان. فوفقاً لتقرير صدر عن الأمم المتحدة مؤخراً، سنجد أنّ قرابة الستة آلاف من أعضاء عسكر طيبة وجيش محمد يُشاركون بشكلٍ نشط في ساحات المعارك الأفغانية.
يقول دبلوماسيون ومحللون إن الهند تخشى أن يقوم مسلحون من جارتها وخصمها اللدود، باكستان، بتوسيع قواعد التدريب في أفغانستان.
وفي الماضي، لم يكن الكثير من المسلحين الأفغان يسافرون إلى كشمير للجهاد، بل من المستبعد الآن أن يبدو اجتياح المنطقة بأعدادٍ كبيرة، ويرجع ذلك جزئياً إلى العملية العسكرية الوحشية التي ينفذها الجيش الهندي في المنطقة.
ما تتحسب له القيادة الهندية هو إسقاطات مشهد انهيار حلفائها في كابول على الوضع في كشمير، الإقليم ذي الغالبية المسلمة الساحقة، والمتنازع عليه مع باكستان، وتكرار انتفاضة كشمير بعد انسحاب القوات السوفييتية من أفغانستان.
إذ حاول الكشميريون تقمص تجربتي الجهاد الأفغاني الذي أشعلت شرارته عام 1979، ومن بعده الانتفاضة الفلسطينية الأولى التي اندلعت عام 1987، حسبما ورد في تقرير للجزيرة.نت.
مما يعزز القلق الهندي من تطورات أفغانستان تلازم قضيتي أفغانستان وكشمير منذ استقلال الهند وباكستان عن التاج البريطاني، حيث كانت أفغانستان الدولة الوحيدة التي رفضت اعتراف الأمم المتحدة بباكستان عام 1947؛ احتجاجاً على ادعاء كابول اقتطاع باكستان قسماً من أراضيها في إقليمي بلوشستان والحدود الشمالية الغربية، والذي غُيّر اسمه لاحقاً إلى خيبر بختونخواه، حسب تقرير لموقع الجزيرة.نت.
لكن ما إن اندلعت الحرب الباكستانية الهندية الأولى عام 1948 حتى هبّ رجال قبائل البشتون (البتان) لنصرة الكشميريين الرافضين لضمّ الإقليم للهند، ولم يتوقف تقدم الكشميريين والبتان على حساب القوات الهندية إلا بصدور قرار من مجلس الأمن الدولي يقضي بإجراء استفتاء يحدد مصير الإقليم.
وقد حذّر القنصل العام الهندي السابق في كراتشي، راجيف دوغرا، من انتقال دومينو طالبان إلى كشمير، وقال في كتاب سماه “الطريق الدامي”، إن الأوضاع في كشمير يمكن أن تتدهور إلى حد لا يمكن تصوره، واستشهد بردّ رئيس حكومة طالبان السابقة، الملا محمد رباني، على طلب رئيس المخابرات العسكرية الباكستانية تزويده بـ10 آلاف إلى 15 ألف مقاتل من طالبان؛ لدعم الفصائل الكشميرية، فكان ردّ رباني باستعداده لتقديم 100 ألف مقاتل.
ولكن بالنسبة للهند، فإن أكثر ما تخشاه هو أن يُشجع انتصار طالبان غيرها من الجماعات الإسلامية والأفراد في المنطقة. فضلاً عن المخاوف من أنّ أفغانستان ستوفر مركزاً إقليمياً للمتشددين الذين ربما ينقلون جهادهم إلى الأراضي الهندية، مع توفير إمدادات لا تتوقف من الأسلحة والمواد المتفجرة عبر الحدود.
كيف ردت طالبان على مخاوف الهند؟ رسالة شكر للمجاهدين
كانت رسائل طالبان متداخلة منذ استيلائهم على السلطة. إذ تعهدوا بشكلٍ قاطع، بأنّهم لن يسمحوا باستغلال أي جماعات إرهابية أجنبية للتراب الأفغاني، وصرّحوا بأنّهم يريدون “علاقات قوية وصحية مع جيرانهم”، كما وصفوا كشمير بأنّها “قضيةٌ ثنائية” بين باكستان والهند.
لكن قادة طالبان قالوا حينها أيضاً إنّهم “سيرفعون أصواتهم” لصالح مسلمي كشمير، وكذلك أشار تصريحٌ حديث للمرشد الأعلى، هبة الله آخوند زاده، إلى كافة المسلمين والمجاهدين الذين ساعدوا حركة طالبان في تحقيق النصر، وهو التصريح الذي اعتبر كثيرون أنّه يشمل جماعات التحرر الكشميرية مثل عسكر طيبة وجيش محمد.
سياسات مودي هي السبب في تدهور أوضاع كشمير
في حين قال دوغلاس لندن، الذي عمل رئيساً لمكافحة الإرهاب بجنوب وجنوب غربي آسيا بوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية حتى عام 2019: “يُساعد رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، في تجنيد تلك الجماعات الجهادية بشكلٍ أساسي، نتيجة الموقف المتشدد القمعي الذي انتهجه للتعامل مع المجتمع المسلم في الهند، الذي صار الآن مجبراً على العيش في ظل القمع. وهذا النهج من شأنه أن يُوسّع المد الجهادي داخل الهند إلى ما هو أبعد من كشمير”.
وبعد أن ألغت نيودلهي الوضع الخاص بولاية جامو وكشمير بتعديلات دستورية أجرتها في 5 أغسطس/آب 2019، سعياً وراء حسم النزاع المزمن حول الإقليم، عادت في يونيو/حزيران الماضي، لتبدأ حواراً مفاجئاً وعلى أعلى مستوى مع قادة كشميريين؛ للبحث عن سبل إنهاء الاحتقان في كشمير، واستقبل خلاله رئيس الوزراء، ناريندرا مودي، قادة 14 فصيلاً كشميرياً، منها 4 ترفض الاعتراف بتبعية الإقليم للهند وتطالب بالانفصال.
حاول المحاورون الهنود مقايضة التخلي عن الحكم المركزي المباشر التي تفرضه الحكومة الهندية على الإقليم منذ عامين، وإجراء انتخابات للمجلس التشريعي الكشميري، وإعادة الحياة السياسية للولاية، مقابل تعاون القيادات الكشميرية في استتباب الأوضاع، ومنع خروجها عن السيطرة، وهو ما اعتبر تراجعاً كبيراً لسياسة مودي المتشددة وقبضته الحديدية في كشمير.
علاقة باكستان بطالبان لم تكن جيدة على الدوام وقد تكون في صالح الهند
ولكن على غرار العديد من المحللين، فقد أكّد لندن أنّ علاقة طالبان بباكستان لم تكُن طيبةً طوال الوقت، كما أن باكستان أبعد ما يكون عن اعتبارها المتحكمة الأولى والأخيرة في شؤون طالبان كما يظهر لنا عادةً، حيث يتوقع كثيرون الآن أنّه مع سيطرة الحركة على دولتها، فسوف تبذل جهوداً حثيثة لتنأى بنفسها عن رعاتها في المخابرات الباكستانية.
وهذا الأمر يمثل خطراً أكبر على الهند من وجهة نظر لندن. إذ يرى أنّ باكستان كانت تحافظ لحركة طالبان على قدرٍ من ضبط النفس، لتمنعها من التحرك بشكلٍ يُهدد استقرار منطقةٍ تشهد امتلاك الهند وباكستان لأسلحةٍ نووية. لكن أفيناش باليوال، نائب مدير كلية الدراسات الشرقية والإفريقية بجامعة لندن، يرى أنّ ذلك يمثل فرصةً للهند.
ومع ذلك، فقد أكّد باليوال أنّ طالبان تريد إقامة علاقات مع الهند منذ عام 1996، حين سيطروا على أفغانستان للمرة الأولى. كما أنّ قنوات التواصل الخلفية كانت قائمةً بشكلٍ متقطع منذ عام 2005، لكنها لم تخرج إلى العلن، بسبب اعتماد طالبان على باكستان.
ولكننا نشهد الآن تحولاً ظاهرياً؛ لضمان أن يعرف العالم بالمحادثات الجارية بين الهند وطالبان، حيث سرّبت الحكومة الهندية قبل بضعة أشهر، معلومات تُفيد بأنّها كانت تُجري محادثات مع طالبان عبر القنوات الخلفية، كما التقى دبلوماسيٌ هندي علناً أحد ممثلي طالبان في قطر الأسبوع الماضي.
وقالت وزارة الخارجية الهندية، الثلاثاء 31 أغسطس/آب 2021، إن سفير الهند في قطر، السفير ديباك ميتال، أجرى محادثات مع شير محمد عباس ستانيكزاي رئيس المكتب السياسي لطالبان في الدوحة، بناء على طلب الحركة، وذلك في أول تواصل رسمي منذ سيطرة الحركة على أفغانستان.
وأضافت الخارجية الهندية أن ميتال نقل أيضاً مخاوف نيودلهي من أن مسلحين مناهضين للهند قد يستخدمون الأراضي الأفغانية لشن هجمات، كما ناقش الجانبان سلامة الهنود الذين مازالوا في أفغانستان.
ويرى باليوال أنّ “العلاقة بين باكستان وطالبان تُعتبر قسريةً أكثر من كونها علاقةً توافقية. لذا فهناك مساحةٌ كبيرة أمام الهند لاستغلال الفرصة”.
وتمتلك الهند بالطبع الكثير لتقدمه، وأكثر حتى مما كانت تقدمه باكستان اقتصادياً، حيث كونت سمعتها الطيبة على مدار عقدين باعتبارها أحد أكبر المستثمرين في التنمية، إذ أنفقت أكثر من ثلاثة مليارات دولار على بناء المدارس والجامعات والمستشفيات وشبكات الكهرباء والسدود ومبنى البرلمان، وهي أشياء لا تمتلك باكستان الموارد الكافية لتوفيرها. وقد أوضحت طالبان -بما لا يدع مجالاً للشك- رغبتها في استمرار المشاريع الهندية.
الهند تراهن على دول الخليج لكسر عزلتها وسط المسلمين
ورغم اعتبار مودي قمعياً في تعامله مع المسلمين محلياً، فإن الهند تتمتع الآن بعلاقات دولية قوية مع دول الخليج المسلمة، لتضمن بذلك ألا تتحول لدولةٍ منبوذة من العالم الإسلامي. كما من المرجح أن تُفضّل حركة طالبان إقامة علاقات اقتصادية مع القوى الإقليمية مثل الهند والصين بدلاً من الغرب، لأنّ القوى الإقليمية من المستبعد أنّ تفرض عقوبات على نظام طالبان بسبب حقوق الإنسان.
وفي هذا الإطار، يقول أشلي تيليس، الزميل البارز بمؤسسة كارنيغي: “أعتقد أنّ المصالح الشخصية البسيطة سوف تؤثر على مشاعرهم إزاء الاستمرار في مجال الجهاد الدولي. وقد أدركت طالبان أنّها لا تستطيع العودة إلى النموذج القديم من تصدير الجهاد، إذا كانت تُريد لنظامها في كابول أن ينجح. ولا شكّ في أن ارتداء وجه الاعتدال هو الشيء الوحيد الذي سيمنحهم ما يريدونه، في الوقت الحالي على الأقل”.
عربي بوست