السياسية:

مر عام على توقيع ما يُعرف باتفاقات أبراهام بين إسرائيل والإمارات والبحرين، لكن على خلاف الحماسة التي كانت تبديها الإدارة الأمريكية السابقة بقيادة ترامب لهذه الاتفاقات، أهملتها الإدارة الحالية واكتفى بايدن ببعض الثناء الخافت بين الحين والآخر لعلاقات إسرائيل الجديدة مع الدول العربية التي وقعت تلك الاتفاقات، ويبدو أن الإدارة الديمقراطية تركت للجمهوريين إحياء هذه المناسبة.

لا شك في أن بايدن لديه الآن أزمات أكثر إلحاحاً في جدول أعماله، وعلى رأسها أزمة الانسحاب المتعجل من أفغانستان، وعودة جائحة كورونا بسلالات جديدة، والدمار الناجم عن الأعاصير وحرائق الغابات الأخيرة، بحسب تقرير لمجلة The Foreign Policy الأمريكية

سماسرة السلطة

وقد خلق ذلك فرصة لصهر ترامب، جاريد كوشنر، الذي توسط في الاتفاقات بصفته مستشاراً للبيت الأبيض وقتها، لإثارة بعض القيل والقال وتذكير سماسرة السلطة في واشنطن بما يعتبره إنجازاً للسياسة الخارجية حققته الإدارة السابقة.

في هذا السياق، يعقد “معهد اتفاقات أبراهام للسلام” الذي أُنشئ حديثاً بمشاركةٍ من كوشنر في تأسيسه، مأدبةَ غداء بمناسبة الذكرى السنوية الأولى للاتفاقات بفندق “فورسيزنز” القائم في دائرة جورج تاون بالعاصمة الأمريكية واشنطن في 14 سبتمبر/أيلول، ومن المقرر أن تشهد المأدبة حلقة نقاش تضم سفراء الدول الثلاث الموقعة على الاتفاقيات.

كما سيشارك المغرب والسودان اللذان وقعا أيضاً اتفاقيات تطبيع مع إسرائيل. ومع أن معهد السلام المشار إليه قد أسَّسه حاييم صبان، الملياردير اليهودي والمانح البارز للحزب الديمقراطي، بهدفٍ ظاهري معلن هو دعم الحزبين الديمقراطي والجمهوري للسلام مع إسرائيل في الشرق الأوسط، فإن تأثير ترامب وحضوره يهيمنان بوضوح على المشهد.

تعاون منذ زمن

بالعودة إلى الاتفاقات، ربما ينبغي الإشارة إلى أن التعاون بين إسرائيل ودول الخليج قائم بالفعل منذ زمن طويل في مجالات مثل الدفاع والاستخبارات، لكن القائمة التي حشدتها الإمارات مؤخراً جاءت كاشفة عن أكثر من 63 سبيلاً مطروحاً للتعاون الشامل مع إسرائيل، وهذا في العام الأول فقط من الاتفاقات. ويشمل ذلك افتتاح سفارة إماراتية جديدة في تل أبيب، ومجهودات بحثية مشتركة حول فيروس كورونا، واتفاقاً مع صندوق الثروة السيادية الإماراتي “مبادلة” لشراء حصة بقيمة مليار دولار في منصة غاز متوسطية مملوكة لشركة شيفرون الأمريكية، وعدد من شركات الطاقة الإسرائيلية.

السياحة بين البلدين زادت أيضاً، حتى مع القيود المرتبطة بمكافحة انتشار فيروس كورونا. فقد شهد العام الماضي زيارة أكثر من 200 ألف إسرائيلي للإمارات، خاصةً إمارة دبي. وعندما يُفتتح معرض “دبي إكسبو” في أكتوبر/تشرين الأول، ستكون إسرائيل، لأول مرة في أي فعالية بهذا الحجم في العالم العربي، ممثلة بين 191 دولة بجناح رسمي.

أيضاً صمد الاتفاق أمام الاختبار الأول شديد الصعوبة. فعلى الرغم من الاعتداءات الإسرائيلية التي أفضت إلى اشتعال المواجهات في القدس ثم القصف الإسرائيلي لقطاع غزة، والذي أسفر عن مقتل 260 شخصاً في غزة و13 في إسرائيل، لم تقطع أي من دول التطبيع علاقاتها مع إسرائيل.

فتور في حماسة بايدن

فور تولي بايدن منصبه، وعد ببذل الدعم لتعزيز اتفاقات التطبيع العربية الإسرائيلية ودفعها قدماً. لكن هذا الدعم كان فاتراً في أقصى أحواله حتى الآن. فقد اكتفى بايدن بتلميحات غامضة إلى الاتفاقات دون إعلان عن أي قناعة واضحة بشأنها في اجتماعه الذي عُقد بالمكتب البيضاوي في 29 أغسطس/آب، مع رئيس الوزراء الإسرائيلي الجديد نفتالي بينيت.

ينبع افتقار إدارة بايدن إلى الحماسة العلنية من عدة عوامل، منها مساعي الإدارة لإصلاح العلاقات مع الفلسطينيين، إذ كان تدهور العلاقات محل قلقٍ حقيقي لدى الإدارة الأمريكية الجديدة وقضية سياسية متزايدة الأهمية بين الناشطين الديمقراطيين. كما أن الإدارة تعمل على انتهاج رؤية أشمل لتقليص الانشغال الأمريكي بشؤون الشرق الأوسط مع توسيع نطاق تركيزها ليتمحور حول المنافسة الجيوسياسية القائمة في آسيا. وفي الوقت نفسه، من الواضح أن بايدن لا ينظر بارتياح كبير لاتفاق يعتبره البعض إنجازاً دبلوماسياً وثيق الصلة بترامب، وقد تجلى ذلك في انصراف الإدارة الجديدة عن الاسم الذي اختاره ترامب للاتفاقات، وما يُزعم أن وزارة الخارجية الأمريكية تفضل تسميتها بـ”اتفاقيات التطبيع”.

الإمارات.. العلاقة القديمة مع إسرائيل

من الجهة الأخرى، وقبل أن تنتهك الإمارات المحظورات السياسية طويلة الأمد لإقامة علاقات علنية مع إسرائيل، كانت الدولة الخليجية زرعت بالفعل بذور الاتفاقات عن طريق إزالة الحواجز مع مجتمع الاحتلال الإسرائيلي وإحضار بابا الفاتيكان فرانسيس إلى أبوظبي لإقامة أكبر وأول قداس مسيحي في شبه الجزيرة العربية. كما كشفت الدولة الخليجية في عام 2019 عن عزمها على بناء مجمع عبادة ضخم بعاصمتها يُدعى “بيت العائلة الإبراهيمية”، ويضم مسجداً وكنيسة وكنيساً يهودياً عند افتتاحه المقرر العام المقبل.

الإمارات وإسرائيل تمضيان قدماً نحو إقامة خط أنابيب جديد، ماذا يعني ذلك بالنسبة لعلاقة الطرفين مع مصر؟/ عربي بوست

في الختام، وما إذا كان إرث الاتفاقات يُساعد الجمهوريين على النحو الذي يتمنونه يظل أمراً محل شك. ففي النهاية، لا يمكن لأي نصر دبلوماسي، حتى لو روَّج له على أنه ملحمي، أن ينقذ ترامب أو رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق نتنياهو من مصير الخسارة لمنصبيهما في الانتخابات. لكن عدم الاكتراث الذي تتعامل به إدارة بايدن مع الذكرى السنوية القادمة لاتفاقات أبراهام قد يعتبره بعض المؤيدين الديمقراطيين للتطبيع العربي الإسرائيلي تفريطاً سيؤدي إلى ارتباط دائم بين الاتفاقات وترامب، وهو ما قد يستفيد منه الجمهوريون، لاسيما وهم يخططون لعودتهم إلى البيت الأبيض في غضون ثلاث سنوات.

عربي بوست