لماذا اختارت طالبان حكومتها من الحرس القديم؟
مركز البحوث والمعلومات :
بعد 3 أسابيع من سيطرتها على السلطة في أفغانستان، أعلن المتحدث الرسمي باسم حركة طالبان، “ذبيح الله مجاهد” في 7 سبتمبر 2021، عن بعض أسماء أعضاء الحكومة لدولة طالبان الثانية، وقال أن جماعته لا زالت تُجري مفاوضات حول بعض الوزارات، دون أن يوضح الجهة التي يتم التفاوض معها، واعداً بدعوة باقي الأطراف الأفغانية للانضمام اليها، كي تكون ممثلة لكافة الأطياف السياسية.
وأكد أن حكومته “مؤقتة” وليست دائمة، ستباشر مهامها عاجلاً، وستبذل قصارى جهودها في تطبيق الأحكام الشرعية، والقوانين الوضعية في البلاد.
التوليفة المُعلنة جميع أعضائها من طالبان، وينتمون إلى إثنية “البشتون”، مع استثناءات نادرة جداً، وهو ما يجعلها ذات لون واحد، غالبيتهم من الحرس القديم للحركة، وبعضهم مُدرج على لوائح عقوبات الأمم المتحدة، وقائمة واشنطن السوداء، ومنهم 4 وزراء كانوا معتقلين في سجن “غوانتانامو” سيئ الصيت.
ويأتي تشكيلها قبل أيام من الذكرى السنوية لهجمات الثلاثاء الأسود 11 سبتمبر 2001 على أميركا، والتي اتخذتها واشنطن ذريعة لاحتلال أفغانستان، والإطاحة بدولة طالبان الأولى 1996 – 2001، وفي توقيت الإعلان رسالة تذكيرية للشعب والنظام الأميركي باكذوبة مسوغات الاحتلال، ومآلاته المخزية بعد 20 عاماً من تمزيق أفغانستان، ونهب خيراتها وقتل أبنائها.
وبغض النظر عن هوية حركة طالبان وأعمالها اللاإنسانية خلال فترة حكمها الأولى، فقد أثارت التوليفة الحكومية رعب الكثير من أفغان الداخل والشتات، خصوصاً فيما يتعلق بحقوق الإنسان والمرأة، والحريات العامة، وتناقض التوليفة المُعلنة كلياً مع وعود الحركة بالانفتاح على بقية الطيف السياسي والإثنى الأفغاني، في بلدٍ متعدد الأعراق والقوميات والأديان والمذاهب، وإقامة نظام يستوعب الجميع ويتعايش مع الجميع.
ولا يزال من المبكر الحكم على الحكومة الجديدة، وقابلية دولة طالبان الثانية للحياة، في بلد مزقته الحروب والصراعات الأهلية، وكان على الدوام هدفاً لأطماع الغزاة والمحتلين، بسبب موقعه الجيوإستراتيجي الرابط بين شرق وغرب وجنوب ووسط آسيا، وما تحتويه أرضه من معادن وثروات نفيسة ونادرة.
وتمتلك أفغانستان بالمتوسط 1.6 مليار برميل من النفط الخام، و440 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي، وبها ثاني أكبر احتياطي في العالم من النحاس بقيمة تقدر بنحو 88 مليار دولار، ونحو 2.2 مليار طن من خام الحديد، و1.4 مليون طن من العناصر الأرضية النادرة، و5 مناجم للذهب، و400 نوع من الرخام، واحتياطيات من البريليوم تقدر بقيمة 88 مليار دولار، وتجني 160 مليون دولار من بيع الأحجار الكريمة وشبه الكريمة سنوياً، وبها كميات وفيرة من الفحم والليثيوم واليورانيوم والكروميت والزنك والتلك والباريت والرصاص، والكبريت.
ولهذا كانت لعنة الجغرافي ولعنة الثروات على دوام سبباً في شقاء وتعاسة أبنائه، بدلاً من أن تكون مبعث أمل وسعادة ورخاء.
أعضاء الحكومة:
1 – الملا “محمد حسن أخوند”، رئيساً للوزراء.
أحد أكثر قادة طالبان فاعلية، متعاون وثيق ومستشار سياسي لمؤسس الحركة الملا “محمد عمر” المتوفي عام 2013، أدرجته الأمم المتحدة في قائمة العقوبات.
تولى في عهد حكومة طالبان الأولى 1996 – 2001، منصب نائب وزير الخارجية، ومحافظ ولاية “قندهار”، مهد ومنبع الحركة.
وافق في العام 2001 على تدمير تمثالي “بوذا” العملاقين في “باميان”، العائد تاريخهما إلى القرن السادس الميلادي، بحسب “بيل روغيو”، رئيس تحرير موقع “لونغ وور جورنال”.
2 – الملا “عبدالغني برادار”، نائب أول لرئيس الوزراء.
مؤسس مشارك لحركة طالبان، وقائدها العسكري.
واللافت في سجله إبدائه الاستعداد بعد التدخل الأميركي وسقوط نظام طالبان الأول عام 2001، مع مجموعة صغيرة من قادة الحركة لعقد اتفاق، يعترفون فيه بالإدارة الجديدة التي نصّبتها واشنطن، لكن واشنطن رفضت تلك المبادرة، وفتحت فصلاً جديداً من الحرب في أفغانستان.
تم إلقاء القبض عليه في كراتشي الباكستانية عام 2010، وأُطلق سراحه عام 2018 بضغط من واشنطن.
بعد استماع مختلف فصائل طالبان إليه، تم تعيينه رئيساً لمكتبهم السياسي، واستقر في قطر.
قاد مفاوضات الدوحة مع الأميركيين، والتي انطلقت في العام 2018، وأفضت إلى انسحاب القوات الأجنبية من أفغانستان، وإعلان هذا البلد في 31 أغسطس 2021 خالياً من القوات الأجنبية، بانسحاب أخر جندي أميركي.
عاد إثر ذلك إلى ولاية “قندهار” بعد يومين من تولي طالبان السلطة، ثم ذهب إلى “كابل”.
3 – عبد السلام حنفي، نائب ثاني لرئيس الوزراء:
شغل منصب نائب وزير التعليم في حكومة طالبان الأولى، ومنع حينها الفتيات من ارتياد المدارس، وبعد الإطاحة بنظام طالبان الأول عام 2001، تولى ولاية “جوزجان”.
مُدرج على القائمة السوداء للأمم المتحدة، واتهمه مجلس الأمن الدولي بالتورط في تجارة المخدرات.
رفعت الأمم المتحدة عنه حظر السفر، وسمحت له بالمشاركة في محادثات السلام في الدوحة.
4 – “أمير خان متقي”، وزيراً للخارجية.
5 – “عباس ستاكينزاي”، نائباً لوزير الخارجية.
6 – “سراج الدين حقاني”، وزيراً للداخلية.
وهو نجل المقاتل الشهير المناهض للسوفييت، “جلال الدين حقاني”، وأحد نواب زعيم طالبان الثلاثة، ورئيس شبكة “حقاني”، المُدرجة على قائمة واشنطن السوداء، كما أدرجته على قائمتها، ورصد مكتب التحقيقات الفدرالي الأميركي 5 ملايين دولار مقابل أي معلومات قد تؤدي إلى اعتقاله.
ويعود فضل تأسيس الشبكة الى والده، وهي من أخطر الفصائل التي قاتلت القوات الأفغانية، وقوات حلف شمال الأطلسي “ناتو”، في العشرين عاماً الأخيرة، واشتهرت باستخدام الانتحاريين، ويُنسب إليها بعض أكثر الهجمات عنفاً في أفغانستان في السنوات الأخيرة، واُتهمت باغتيال بعض كبار المسؤولين الأفغان، واحتجاز غربيين كرهائن والإفراج عنهم مقابل فدية أو سجناء، كالجندي الأميركي “بو بيرغدال”، الذي أطلق سراحه عام 2014 مقابل خمسة معتقلين أفغان في سجن “غوانتانامو”.
7 – الملا “محمد يعقوب مجاهد” – نجل مؤسس حركة “طالبان”، الملا “محمد عمر”، وزيراً للدفاع.
يترأس اللجنة العسكرية لطالبان منذ عام 2020، ولا يزال دوره الدقيق في الحركة موضع جدل، وتجعله علاقاته بوالده، شخصية جامعة في حركة كبيرة ومتنوعة.
8 – الملا “عبدالحق وثيق”، رئيساً للاستخبارات.
9 – “محمد إدريس”، رئيساً للبنك المركزي.
10 – “هداية الله بدري”، وزيراً للمالية.
11 – “شيخ الله منير”، وزيراً للتربية.
ودعت الحركة عدة دول لحضور مراسم تنصيب الحكومة، منها: روسيا والصين وقطر وتركيا وباكستان وإيران، دون تحديد توقيت معين لإقامة المراسم.
وتوقعت رئيسة مجلس الاتحاد الروسي، “فالنتينا ماتفيينكو”، مشاركة سفير بلادها لدى كابل، “دميتري جيرنوف” في مراسم التنصيب، ولا يُستبعد مشاركة الدول المدعوة على مستوى السفراء.
كما أبدى وزير الخارجية الروسية استعداد بلاده لدعم هذه الحكومة، إذا كانت حكومة شاملة لكل العرقيات الأفغانية.
ردود الفعل:
أحدث الكشف عن أعضاء حكومة دولة طالبان الثانية ردود فعل متفاوتة محلياً وإقليمياً ودولياً، في ظل التساؤل عن مدى قدرة الحركة في تطمين الداخل قبل الخارج، حول توجهاتها، وهوية نظامها، ومدى استيعابها للمتغيرات المحيطة بها، وقابليتها للتعايش، ومدى قدرتها على اكتساب الشرعية والاعتراف من المجتمع الدولي، لاسيما وأن حكومتها الأولى 1996 – 2001، اقتصر الاعتراف بها على دول محددة هي باكستان وتركمانستان والسعودية والإمارات فقط، بينما تأمل حالياً الحصول على اعتراف دولي أوسع وأشمل.
المواقف الدولية بدت في طابعها العام حَذِرة، مع إرسال إشارة بإمكانية التعامل مع هذه الحكومة، وربط تحديد حجم ونوع هذا التعامل بما ستقوم به هذه الحكومة بعد مباشرتها مهامها.
غير أن مخالفة طالبان لنصائح القوى العالمية والإقليمية بضرورة تمثيل الحكومة كل أطياف المجتمع الأفغاني، أصاب الدول المعنية بالشأن الأفغاني بخيبة الأمل من إمكانية تغيير حركة طالبان من سلوكها المعتاد.
ردود الفعل المحلية:
أحدث إعلان حركة طالبان عن أسماء حكومتها ردت فعل عنيفة داخل أفغانستان، وشهدت كُبرى المدن الأفغانية سلسلة من المظاهرات، قابلتها الحركة بالقمع، وقال متحدثها الرسمي أن “هذه التظاهرات غير شرعية، ما دامت المكاتب الحكومية لم تُفتح، ولم تُعلن القوانين بعد”، مطالباً وسائل الإعلام “بعدم تغطيتها”.
الناطق الرسمي باسم الجبهة الوطنية للمقاومة المناهضة لحركة طالبان “علي ميسم نظاري” في تصريحٍ له بتاريخ 8 سبتمبر 2021 أكد أن “الرواية حول طالبان الحديثة” انتهت بعد تشكيل هذه الحكومة، ولذا ستصبح “منبوذة” و”غير شرعية” بسرعة.
ردود الفعل الدولية والإقليمية:
أميركا:
عبرت وزارة الخارجية الأميركية عن قلقها من انتماءات بعض أعضاء حكومة طالبان، كونها تشكلت حصراً من أفراد ينتمون للحركة أو مقربين منها، كما أنها تخلو من النساء، وأكد الرئيس الأميركي أن الاعتراف بها لا يزال بعيداً، لكن بلاده ستحكم عليها بناءً على أفعالها.
الصين:
أبدت على لسان المتحدث باسم الخارجية “وانغ ون بين” استعدادها لمواصلة الاتصالات مع قادة حكومة طالبان، ووصفت تشكيلها بأنه “خطوة ضرورية” في إعادة الإعمار، وقالت أنها تحترم سيادة أفغانستان واستقلالها ووحدة أراضيها.
وتُعتبر الصين من الدول القليلة التي أبقت على سفارتها مفتوحة في كابول، ودعت الى تشكيل حكومة منفتحة وممثلة للجميع: “نأمل أن تستمع السلطات الأفغانية الجديدة للناس من جميع الأعراق والفئات، من أجل تلبية تطلعات شعبها وتطلعات المجتمع الدولي”.
ومن المتوقع أن تلعب الى جانب روسيا دور محوري في إعادة إعمار أفغانستان وملئ الفراغ الذي تركته واشنطن في هذا البلد
إيران:
جددت انتقادها لتشكيلة الحكومة، واعتبرتها غير شاملة لكل أطياف المجتمع الأفغاني، واتهم أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني “علي شمخاني”، طالبان بتجاهل الحاجة إلى تشكيل حكومة شاملة، مؤكداً بأن الأولوية الأولى لأفغانستان هي الاستقرار والسلام.
وأعرب عن قلقه إزاء “التدخل الأجنبي، واستخدام الوسائل العسكرية بدلاً عن الحوار في تلبية مطالب الجماعات العرقية المختلفة في أفغانستان”.
وأكد وزير الخارجية الإيراني، “حسين أمير عبد اللهيان”، في اتصال بالرئيس الأفغاني الأسبق، “حامد كرزاي”، أن أفغانستان لن تصل إلى بر الأمان وتحقيق السلام، ما لم تتشكل حكومة “تقوم على الحوار بين جميع الفئات”، وصولاً إلى تشكيل حكومة شاملة “تعكس التركيبة العرقية والديموغرافية”.
الاتحاد الأوربي:
كبقية الأطراف الإقليمية والدولية المعنية بالشأن الأفغاني، أعرب الناطق باسم الاتحاد عن خيبة أمله من عدم شمولية حكومة طالبان، وعدم تمثيلها للتنوع الإتني والديني الغني في أفغانستان، وشدد على ضرورة إرساء “حكومة جامعة وذات صفة تمثيلية” في كابول، وأشار إلى أن ذلك كان “أحد الشروط الخمسة الموضوعة” لإقامة علاقات بين التكتل الأوربي والسلطة الأفغانية الجديدة.
وأكد وزير خارجية ألمانيا، “هايكو ماس”، عدم وجود ما يبعث على التفاؤل حيال الأوضاع في أفغانستان، لكنه أضاف أن بلاده على استعدادٍ لمواصلة الاتصالات مع “طالبان”، بهدف ضمان السّماح لمزيدٍ من الأشخاص بمغادرة البلاد.
وأضاف بأن أفغانستان تشهد أزمة ثلاثية، ففي حين تضرّرت مناطق عديدة في البلاد من نقص الغذاء بسبب الجفاف، فقد توقّفت مدفوعات المساعدات الأجنبية، و”إذا لم تتمكّن الحكومة الجديدة من ضمان استمرار إدارة شؤون الدولة، فهناك خطر حدوث انهيار اقتصادي، بعد الانهيار السياسي، وستكون لذلك عواقب إنسانية أكثر مأساوية”.
وشدّد على الحاجة إلى التّنسيق الوثيق بين بلاده وواشنطن، حول كيفيّة التّعامل مع حركة طالبان.
وأعربت وزارة الخارجية الفرنسية عن أسفها من عدم تطابق أفعال طالبان مع أقوالها.
وقال كبير أمناء مجلس الوزراء الياباني “كاتسونوبو كاتو” أن بلاده تراقب أفعال طالبان، وستُبقي على التعاون مع أميركا ودول أخرى.
المراجع:
١ – الموسوعة الدولية الحرة “ويكيبيديا”.
٢ – وكالة أنباء “نوفوستي” الروسية، 8 – 7 سبتمبر 2021
٣ – فرانس برس، 7 سبتمبر 2021
٤ – رويترز، 8 سبتمبر 2021
٥ – موقع يورونيوز، 7 سبتمبر 2021
٦ – موقع المصري اليوم، 7 سبتمبر 2021
٧ – موقع عربي21، انتقاد دولي لتشكيلة الحكومة الأفغانية .. واحتجاجات داخلية، 8 سبتمبر 2021
٨ – موقع سويس إنفو، الغربيون يشككون بحكومة طالبان الجديدة في افغانستان، 8 سبتمبر 2021