يحيى القحطاني

على قدر ارتباط الإنسان بالأجهزة الإلكترونية من هواتف نقالة وحواسيب وصولاً إلى السيارات الكهربائية ومشاريع توليد الكهرباء من الطاقة المتجددة والمستدامة، فإن كل هذه التطبيقات تربط بقطعة مختلفة الأشكال والأحجام تسمّى البطارية.

وتعرّف البطارية على أنها جهاز لتحويل الطاقة الكيميائية إلى كهربائية، ووظيفتها الأساسية هي استدامة الطاقة الكهربائية من أجل استمرار عمل الأجهزة في حال عدم وجود الكهرباء المباشرة.

أنواع البطاريات

وتنقسم البطاريات إلى قسمين رئيسين: البطارية الأولية “غير قابلة الشحن” والثانوية “قابلة للشحن”. وتقسم البطاريات القابلة للشحن إلى قسمين بحسب استخداماتها. الأول: البطاريات ذات السعة الصغيرة، مثل تلك الموجودة في أجهزة الهاتف النقال، والثاني: البطاريات ذات السعة الكبيرة كتلك المستخدمة في السيارات الكهربائية.

وتعتبر البطاريات الثانوية أهم أجزاء تطبيقات الطاقة المتجددة ومشاريعها، إذ تكمن هذه الأهمية في تخزين الطاقة الكهربائية، فيما يسمى بأنظمة تخزين الطاقة Energy Storage System ESS.

والبطاريات تشبه خزانات الوقود التي تملأ بالبترول الذي يجري حرقه لتحويل طاقته الكامنة إلى طاقة كهربائية أو إلى طاقة حركية في وسائل المواصلات، إلا أن البطاريات ذات كفاءة عالية في تخزين الكهرباء، وذلك عن طريق تحويل الطاقة الكيميائية الموجودة بها إلى طاقة كهربائية.

تاريخ البطاريات

ويعود اكتشاف البطارية إلى العالم جلفاني عام 1780 بُعيد اكتشاف التيار الكهربائي، حين حدثت قصة طريفة بالصدفة في مختبر جلفاني، عندما لامست ساق ضفدع شريحتين معدنيتين وظهر فيها أثر كهربائي. ظن جلفاني أن هذه الكهرباء أتت من جسم الضفدع، وسمّيت هذه الظاهرة بالكهرباء الحيوانية. إلا أن العالم الفيزيائي أليسندرو فولتا فسَّر هذه الظاهرة بأن الكهرباء جاءت من شرائح المعدن.

وفي عام 1800 اخترع فولتا أول بطارية تستطيع تخزين الكهرباء بسعة كبيرة نسبياً سميت بالمركم. وكان عام 1836 نقطة تحول في عالم البطاريات، وذلك عندما طوَّر العالم الإنجليزي فريدريك دانيال بطارية سميت خلية دانيال أو بطارية الجاذبية.

ومنذ ذلك الحين، يعمل الباحثون والعلماء بشكلٍ دائم على تطوير البطاريات من خلال زيادة عمرها الافتراضي أو سعة شحنها. وقد شكل عام 1991 نقطة تحول في عالم البطاريات وتخزين الطاقة، وذلك عندما طرحت شركة “سوني” أول بطارية من نوع أيون الليثيوم للأسواق. وهذا النوع من البطاريات يمتاز بسعة كبيرة وعمر افتراضي كبير، إضافة إلى قلة وزنها مما جعلها خياراً أمثل لتطبيقات الفضاء والتطبيقات العسكرية.

ولأن بطاريات أيون الليثيوم أصبحت أهم البطاريات وأكثرها استعمالاً، يتفانى العلماء والباحثون في تطويرها من خلال إضافة وتعديل بعض المركبات الكيميائية المضافة إلى عنصر الليثيوم، ولعل أهمها على الإطلاق مادة الكوبالت.

وعند اتساع استخدام السيارات الكهربائية، التي تشغّل ببطاريات أيون الليثيوم، أصبح هناك تحديان إضافيان، وهما سرعة شحن البطاريات وتقليل تأثير درجة الحرارة فيها. والجدير بالذكر أن الفريق البحثي بمختبرات بطاريات أيون الليثيوم في جامعة هاورد بالعاصمة واشنطن استطاع تطوير بطاريات يمكن شحنها بنسبة 50 في المئة من سعتها التخزينية في مدة لا تزيد على خمس دقائق فقط، وذلك بإضافة نوع محدد من جزيئات “النانو”.

تعاون دولي

وما يشهده العالم اليوم من تعاون دولي غير مسبوق في مجال التحول إلى الطاقة النظيفة لمكافحة الاحتباس الحراري أعطى أولوية واهتماماً كبيرين لصناعة وتطوير البطاريات من قبل الشركات والمستثمرين.

ويصف الباحثون في مجالات الطاقة البطاريات بأنها الوقود الجديد كونها تمثل العنصر الرئيس في كل ما يتعلق باستخدامات الطاقة المتجددة والمستدامة. وتكمن أهمية البطاريات في تخزين الطاقة بعد تحويلها، فعلى سبيل المثال يُعد توليد الطاقة الكهربائية من الطاقة الشمسية سهلاً نسبياً من الناحية العملية والعلمية، لكن الصعوبة تكمن في استدامة الطاقة الكهربائية، مما يتطلب وجود تقنية لتخزينها. تقنية تخزين الكهرباء هذه تضمن استدامة الطاقة الكهربائية بعد غروب الشمس أو في حال الغيوم والأمطار وغيرها من المؤثرات الطبيعية الأخرى.

ويعترف الغرب بأنه يتخلف كثيراً عن الشرق في مجال تقنية البطاريات وتخزين الطاقة. فقد بدأ الشرق الآسيوي متمثلاً في اليابان وكوريا الجنوبية والصين منذ زمن بعيد في أبحاث تطوير البطاريات وإنتاجها، حتى سيطر بشكل كامل على أسواق تخزين الطاقة والبطاريات.

وعلى سبيل المثال تزود “سامسونغ” الكورية أكثر من 26 شركة سيارات ومشروع طاقة متجددة على مستوى العالم بالبطاريات، معظمها من بطاريات الليثيوم نيكل كوبالت مغنيسيوم NCM، بينما تزود شركة “باناسونيك” اليابانية شركة السيارات الكهربائية العملاقة “تيسلا” ببطاريات أيون الليثيوم من نوع ليثيوم نيكل كوبالت ألومنيوم NCA لسيارات المسافات الطويلة، ومن نوع ليثيوم فوسفات الحديد LFP لسيارات المسافات المتوسطة والقصيرة.

وعند تولي الرئيس بايدن السلطة في بلاده طرحت منظمة “بايدن للطاقة النظيفة”، التي غيرت اسمها إلى “منظمة الطاقة النظيفة من أجل أميركا” (CE4A)  مشروعاً ضخماً بميزانية غير مسبوقة لتحفيز ودعم مشاريع الطاقة المتجددة.

طرح هذا المشروع بميزانية 1.6 تريليون دولار، وكان للبطاريات جزء كبير من هذه الميزانية، تشمل مراكز الأبحاث والتطوير R&D ودعم تحفيز الشركات الكبيرة والصغيرة لتطوير وصناعة البطاريات.

وفي العالم العربي، لا يوجد هناك مصانع قائمة لصناعة بطاريات أيون الليثيوم ولا حتى مراكز أبحاث كبيرة تبحث وتطور في هذا المجال الحيوي والمهم جداً.

ويُذكر أن صندوق الاستثمارات العامة السعودي بالتعاون مع مركز الملك عبد الله للدراسات والبحوث البترولية وبعض الوزارات يدرس مشروعاً لتوطين صناعة بطاريات أيون الليثيوم. وترتكز هذه الدراسة على تحفيز الشركات الرائدة في صناعة البطاريات، لنقل التقنية والاستثمار في السعودية.

ويجب على العالم العربي، خصوصاً دول مجلس التعاون الخليجي، أن تستثمر في هذا القطاع الحيوي، لضمان الحفاظ على مكانتها السياسية والاقتصادية لاعباً رئيساً في مجال الطاقة، التي اكتسبتها من البترول، لا سيما أن الدراسات تشير إلى أنه سيحدث انخفاض كبير في الطلب على البترول خلال العقدين المقبلين، وذلك بسبب الإقبال العالمي على تنويع مصادر الطاقة والتقليص من استعمال البترول لأسباب سياسية وبيئية.