يضبط ساعته على الموعد الذي حددته له طالبان.. لماذا سينهي بايدن المهمة الأخيرة بأفغانستان في 7 أيام فقط؟
السياسية:
كُشِفَت الدوافع التي وقفت وراء قرار الرئيس الأمريكي جو بايدن بإنهاء الوجود الأمريكي في أفغانستان بحلول 31 أغسطس/آب، عندما تحدَّثَ عنها قبل إعلانه الانسحاب أمام الشعب الأمريكي.
في بيانٍ مُتلفَز نُقِلَ فيه تحديث الجسر الجوي الذي نقل حتى الآن أكثر من 70 ألف شخص، احتفل بايدن بأحدث تصويتات مجلس النواب على ميزانيةٍ بقيمة 3.5 تريليون دولار على الوظائف والإنفاق الاجتماعي والإجازات العائلية ومُخطَّط الرعاية الصحية. وقال بايدن: “نحن نقترب خطوةً من الاستثمار الحقيقي في الشعب الأمريكي وتهيئة اقتصادنا لتحقيق نمو طويل الأجل، وبناء أمريكا التي تتفوَّق على بقية العالم”.
تقول شبكة CNN الأمريكية، كانت تلك بدايةً متناقضةً لخطابٍ حول عمليته التي سادتها الفوضى في البداية لإنهاء حربٍ كانت في السابق مثالاً على “بناء الأمة” في الخارج، وليس في الداخل، وهي عمليةٌ من المُرجَّح أن تخلِّف موجةً من المآسي الإنسانية.
صبر بايدن للخروج من أفغانستان نفد
لكن بايدن أوضح أنه على الرغم من أن الخروج من المُحتَمَل أن يحجز آلاف الأفغان المؤهَّلين للعبور إلى الولايات المتحدة في ظلِّ حكم طالبان، ربما إلى جانب بعض الأمريكيين، فإنه يعتقد أن أولويات الولايات المتحدة وآفاقها السياسية هي في نهاية المطاف في اتجاهٍ آخر.
سيثير ذلك غضب وإحباط المعارضين السياسيين والمحاربين القدامى والمتخصِّصين في الاستخبارات، وغيرهم مِمَّن يعتقدون أن الولايات المتحدة تخلِف وعداً مُقدَّساً بتوفير ملاذ آمن للعديد من المتعاونين الأفغان وغيرهم مِمَّن ساعدوا الأمريكيين على مدار 20 عاماً من الحرب، والذين يبدو أنهم غير قادرين على المغادرة قبل أن تغادر القوات الأمريكية.
لكن هذا يتماشى مع حسابات بايدن للمصالح الوطنية الأمريكية التي تدعم سياسته الخارجية وقراءته للمزاج الوطني، وسط جائحةٍ شرسة وأزمة اقتصادية مستمرة، وعقدين من المغامرات الأمريكية في العالم.
وهو مرتبطٌ ارتباطاً وثيقاً بمبدأ رئيسي آخر، وهو أنه لن يرسل أبناء الأمريكيين إلى أفغانستان أو إلى أيِّ مكانٍ آخر، ليموتوا فيما يُعتَقَد أنه مسعى بلا طائل من ورائه ولا يعزِّز الأمن الأساسي للولايات المتحدة.
ولا يزال الرئيس يواجه أسبوعاً عصيباً بينما ينتظر ليرى ما إذا كانت استراتيجيته ستنجح، وربما تسمح له بالتملُّص من الضرر السياسي طويل الأجل في الداخل، مِمَّا لا يزال يمثِّل كارثةً في الخارج من جوانب عدة. وأيُّ قتلى أمريكيين أو هجماتٍ خطيرة على مطار كابول، حيث تجري عمليات الإخلاء، من شأنه أن يحوِّل أزمة السياسة الخارجية إلى إعصاءٍ سياسي محتدم في الداخل.
مع وضع ذلك في الاعتبار، ليس من المُستغرَب أن ينفد صبر بايدن للخروج من أفغانستان.
النفوذ المحدود والتهديدات “الإرهابية” والضرورات السياسية
نظراً إلى أن القوات الأمريكية هي فعلياً رهينة بيئة أمنية معادية، من غير المُرجَّح دائماً أن يوافق بايدن على طلبات الحلفاء، مثل بريطانيا وفرنسا، لتمديد العمليات إلى ما بعد الموعد النهائي الذي حدَّدَته طالبان بـ31 أغسطس/آب.
أضف إلى ذلك القيود السياسية التي فرضها بايدن على نفسه، والنفوذ الساحق لطالبان، وأنه لم تكن لديه خيارات أخرى حقاً.
رغم المطالبة بخطط طوارئ في حال قرَّرَ بايدن تمديداً قصير الأمد، فإن البقاء لفترةٍ أطول سيجبر بايدن على المخاطرة بمواجهةٍ مفتوحة مع طالبان، وبالتالي سيكون هناك خطرٌ حقيقي بوقوع خسائر أمريكية. ولإخراج جميع الأفغان الذين يحملون تأشيراتٍ أمريكية سيكون عليه بالتأكيد زيادة القوات من أجل توسيع محيط المطار، وربما حتى السعي لاستعادة كابول. وفي الواقع سيتعيَّن عليه أن يختار زيادة المخاطر على الأرواح الأمريكية بشكلٍ كبير لإنقاذ حياة الأفغان بعد 31 أغسطس/آب.
لم يكن بايدن ينوي ذلك، وليس من الواضح أن الجمهور سوف يدعمه إذا فعل ذلك. في شرح سبب تمسُّكه بموعده، شدَّدَ بايدن على “التهديد الإرهابي الخطير والمتنامي على الولايات المتحدة والقوات المتحالفة معها”.
وقال بايدن: “كلّ يومٍ نعيش فيه على الأرض هو يومٌ آخر نعرف فيه أن تنظيم داعش يسعى لاستهداف المطار ومهاجمة القوات الأمريكية والقوات المتحالفة معها والمدنيين الأبرياء”، حسب تعبيره.
طالبان بيدها جميع الأوراق
لن يؤدِّي تحدي طالبان فيما بعد 31 أغسطس/آب إلا إلى تفاقم الخطر، خاصةً بعد فشل مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، ويليام بيرنز، الواضح في تأمين تمديد تسامح الجماعة مع العملية الأمريكية في محادثاتٍ سرية مع قياداتها.
ووفقاً لروبرت باير، الضابط السابق في وكالة الاستخبارات المركزية والمُحلِّل الاستخباراتي بشبكة CNN الأمريكية، فإن طالبان كان بيدها جميع الأوراق.
وأضاف باير: “علينا أن نفهم أنه بإمكانهم إغلاق مطار كابول. كلُّ ما يحتاجونه هو وضع بضع قذائف هاون في منتصف المطار. ستسدير طائرات سي-17 (طائرات بوينغ العسكرية للنقل) وتضطر إلى المغادرة. هذا هو بروتوكولهم”.
وتابع: “لذا، فإن طالبان هي صاحبة القرار، ولا يوجد شيءٌ يمكننا القيام به، إذا قالوا إنه يتعيَّن علينا الخروج بحلول 31 أغسطس/آب، فهذا ما يتعيَّن علينا فعله، إلا إذا أردنا غزو أفغانستان مرةً أخرى، وهو ما لا أراه قادماً”.
“طالبان تهين بايدن وأمريكا”
والآن، بعد أن قالت طالبان إنها تسمح للمدنيين الأفغان بمغادرة البلاد، ليس لدى بايدن القدرة على الإجبار على تسليم اللاجئين وحاملي التأشيرات، باستثناء إصدار أوامر للجنود الأمريكيين بالقتال، وهي خطوةٌ يكره اتِّخاذها، كما تقول CNN.
وتضيف الشبكة الأمريكية: من خلال تصوير قراره بوضع حدٍّ للجسر الجوي بحلول 31 أغسطس/آب باعتباره خياراً، يخفي بايدن أيضاً الحقيقة المهينة بأنه رئيسٌ أمريكي تملي عليه طالبان رغباتها، في حين أن قوات طالبان أدنى بكثيرٍ من نظرائها، ولكنها تتمتَّع بموقعٍ استراتيجي متفوِّق.
هذا هو السبب في أن بايدن شدَّدَ على النقطة الشاملة المتمثِّلة في أنه ينهي حرباً يقول إنها طال أمدها وتسبَّبَت في قتل عدد كبير جداً من الأمريكيين بعد تحقيق أهدافها المتمثِّلة في إضعاف تنظيم القاعدة منذ فترةٍ طويلة.
من المُرجَّح أن ينتهي الجسر الجوي المتسارع، الذي يستخدم العشرات من طائرات النقل الأمريكية، كأحد أكثر العمليات اللوجيستية المُلفَّقة على عجل. وكان الضغط السياسي الذي مورِسَ على بايدن بسبب أخطاء فريقه هو الذي خفَّف نجاح الجسر الجوي.
لكن الأمر كذلك مع بدء العمليات في التقلُّص في الأيام القليلة المقبلة حتى تتمكَّن القوات العسكرية من تأمين خروجها، من المُرجَّح أن تخلف الولايات المتحدة وعدها بالاعتناء بأولئك الذين “دعموا وجودها” خلال 20 عاماً في البلاد.
في 7 أيام فقط
يقول البيت الأبيض إن بايدن تمسَّكَ بتاريخ 31 أغسطس/آب، “لأننا لا نزال على الطريق الصحيح لإنجاز مهمتنا”. ولكن إذا كانت المهمة هي استخراج كل طالب تأشيرة هجرة خاصة، إلى جانب عائلاتهم، الذين قد يواجهون انتقام طالبان، فهناك الكثير من الأدلة على عكس ذلك. لا يزال العديد من المحاربين القدامى والمُشرِّعين والمجموعات المتخصِّصة وغيرهم يعلمون بجهدٍ لإنقاذ رفاقهم السابقين.
هناك تقارير عدة تفيد بمنع الأفغان من الوصول إلى المطار. ونقلت شبكة CNN عن دبلوماسي مُطّلِع على الوضع في كابول قوله إن هناك “انفصالاً بين الواقع والسياسة”. وأضاف الدبلوماسي أن عشرات الآلاف من الأشخاص سيُترَكون بسبب الموعد النهائي المُحدَّد بـ31 أغسطس/آب.
وضع النائب آدم شيف، من كاليفورنيا، وهو حليفٌ ديمقراطي للبيت الأبيض، مساء الإثنين 23 أغسطس/آب، بعد إحاطةٍ مع مسؤولي الاستخبارات، ثغرةً في مزاعم الإدارة.
وقال لشبكة CNN: “أعتقد أن الأمر غير مُحتَمَل للغاية، بالنظر إلى عدد الأمريكيين الذين لا يزالون بحاجةٍ إلى الإجلاء، وعدد الأفراد الذين هم في الصحافة الأفغانية، وقادة المجتمع المدني، والقيادات النسائية”. وأضاف: “من الصعب بالنسبة لي أن أتخيَّل أنه يمكن تحقيق كل ذلك من الآن وحتى نهاية الشهر”.
عربي بوست