هل يمكن للسعوديين والأمريكيين استخدام أزمة المياه لإخضاع اليمنيين؟
في الأزمة الإنسانية المعقدة في اليمن، هناك ترابط بين ندرة المياه وتأثيرات تغير المناخ والقصف السعودي لمنشآت المياه.
بقلم: أحمد عبدالكريم
( موقع “مينتبرس نيوز” الإنجليزي- ترجمة: نجاة نور, الإدارة العامة للترجمة والتحرير الأجنبي “سبأ”)
صنعاء، اليمن- عندما جف البئر، لم يتلق أبو يحيى الهمداني، الذي يوفر المياه للعديد من سكان حي صرف شمال شرق صنعاء، أي تحذيرات مسبقة.
في الأسبوع الماضي، انخفض منسوب المياه الجوفية في بئر الماء وبدأت المضخة امتصاص الهواء.
بالنسبة للعائلات في الحي، التي أصبح خطر نقص المياه واضحاً لها فجأة، أصبح شبح الموت من العطش أقرب إليها من أي وقت مضى, فجأة لم يعد الحصول على الماء ممكناً.
قال جبران وهو أب لستة أطفال، “حقاً، الخوف من الموت عطشاً كان أول ما خطر ببالي”.
وعلى الرغم من ارتفاع الأسعار، اعتاد جبران على شراء المياه من محطة مياه الهمداني التي كانت توزع المياه بواسطة الشاحنات المخصصة له.
الآن، يكافح من أجل العثور على المياه من محطة مياه أخرى، حيث أن محطة الهمداني من بين العديد من المحطات التي جفت مؤخراً في حوض صنعاء.
هذا العام جفت عشرات آبار المياه في حوض صنعاء بالفعل، مما جعل الآلاف من الناس يتجهون للشرب والاغتسال من مصادر المياه الملوثة مثل البرك والسدود أو يكافحون لشراء المياه بأسعار باهظة.
العديد من العائلات ليس لديها خيار سوى إرسال أطفالها إلى أماكن بعيدة محملون بأوعية بلاستيكية، تحت أشعة الشمس الحارقة، لجلب المياه النظيفة التي بالكاد تغطي احتياجاتهم لمدة يوم واحد فقط.
يعتبر حوض صنعاء المصدر الرئيسي للمياه لأكثر من 4 ملايين شخص يعيشون في العاصمة والمناطق المحيطة بها.
يقع حوض صنعاء في المرتفعات وسط اليمن ويغطي حوالي 3200 كيلومتر مربع, ويضم مناطق مأهولة بالسكان منها بني حشيش، همدان، سنحان، بني بهلول، أرحب، نعمة، بني الحارث، وبعض أجزاء خولان الطيال وبني مطر، وكذلك صنعاء نفسها.
منذ الثمانينيات، كان أقل من 8000 بئر من أصل 13.425 بئر تم حفرها في الحوض منتجة، وفقاً لتقرير لوزارة المياه والبيئة اليمنية.
نشاط حفر الآبار مستمر وفي العديد من الأماكن يتم إعادة حفر الآبار عدة مرات على عمق 100 متر.
يصل الاستهلاك السنوي من مياه الحوض إلى 400 مليون متر مكعب، مقارنة بكمية صغيرة يتم تجديدها سنوياً في الحوض، والتي تبلغ 20 إلى 45 مليون متر مكعب فقط, أي أن جفاف حوض صنعاء سيحدث في وقت قريب.
بشكل عام، يبلغ إجمالي موارد المياه المتجددة في اليمن 2.5 مليار متر مكعب سنوياً، بينما يقدر إجمالي الطلب بـ 4 مليارات متر مكعب سنوياً، ويتم توفير 1.5 مليار متر مكعب سنوياً من طبقات المياه الجوفية العميقة.
تنخفض طبقات المياه الجوفية من سبعة إلى ثمانية أمتار كل عام، حيث ان إعادة التغذية لها نادر جداً.
الوقت ينفذ:
يقع اليمن الذي مزقته الحرب في منطقة جافة وشبه قاحلة مع أعلى معدل لاستنفاد مصادر المياه في الشرق الأوسط.
وهي تواجه بالفعل أزمة مياه حادة حيث تقوم كل من الطبيعة والتحالف الذي تقوده السعودية بالضغط على الناس.
يكافح أكثر من 90٪ من السكان يومياً لإيجاد أو شراء ما يكفي من المياه النظيفة للشرب أو لتجهيز الطعام في صنعاء، حيث يعيش أكثر من 4 ملايين شخص ويستضيفون مئات الآلاف من النازحين المحليين، لذا فإن الوضع أسوأ مما يبدو عليه.
صنعاء هي العاصمة الوحيدة في العالم التي قد تنفد فيها المياه في غضون عقد من الزمان كحد أقصى، وفقاً لكل من وزارة المياه اليمنية وتقارير الولايات المتحدة.
يخشى الدكتور فهمي علي سعيد عالم المياه اليمني الذي درس في جامعة صنعاء أن يستنفد حوض صنعاء مياهه الجوفية في المستقبل المنظور, “بعد خمس سنوات من الآن، سوف تجف المياه في حوض صنعاء إذا استمرت الحرب والحصار والممارسات الحالية في الحوض”.
يتفق عالم البيئة رشاد الحباري على أن الوقت ينفد :”احتياطيات المياه الجوفية المتاحة في جميع الأحواض تقارب [20] مليار متر مكعب. ووفقاً لمعدل الاستهلاك الحالي، فإن اليمن ستستنزف حوالي 12.02 مليار متر مكعب [سنوياً] حتى عام 2025، مما يعني أن المخزون سيكون كافياً لبضع سنوات فقط”.
على الرغم من هطول أمطار غزيرة في حوض صنعاء منذ عامين، إلا أنه لا توجد سعة كافية للصرف والخزان لمواجهة هذه الأمطار الغزيرة.
تم التخلي عن المشاريع الدولية التي تهدف إلى التخفيف من بعض مشاكل المياه في البلد، مثل المشروع الهولندي لتشغيل حوض صنعاء، وبناء محطات تحلية المياه غير وارد بسبب التكلفة العالية وإفلاس البلد نتيجة لسنوات من الحرب.
لا ماء يعني عدم وجود طعام :
في منطقة الحصبة – بصنعاء بالقرب من الممر الشهير المعروف بالسائلة- تجلس أم هاني، تحمل جركن ماء، بجوار نقطة المياه حيث يتجمع الناس لانتظار الشاحنات تحت أشعة الشمس الحارقة.
“نحن عطشى, ليس لدي ماء لأشربه أو أحضر به الطعام لأولادي, تُركنا وحدنا في مواجهة هذا المصير، الحمد لله”.
أم هاني والدة لسبعة أطفال كانت أحد المستفيدين من خزان مياه ممول من اليونيسف، أو ما يعرف محلياً باسم مياه السبيل، والذي يخدم العديد من الأحياء داخل صنعاء.
تؤثر أزمة المياه في اليمن على ملايين الأشخاص يومياً في واحدة من أكثر البلدان التي تعاني من ندرة المياه في العالم.
ويعاني الآن الشعب من الجوع والعطش, حيث جفت معظم الأراضي والفقر في كل مكان وسط حصار مميت تدعمه إدارة بايدن.
بدون الماء، لا يشعر الناس بالعطش فحسب، بل لا يمكنهم ري محاصيلهم الزراعية وبدون المحاصيل، لا يوجد غذاء، مما يجعل من الصعب على اليمنيين تحمل كلتا الكارثتين في وقت واحد.
فقط عدد قليل من العائلات التي تعيش في المدن الكبرى مثل صنعاء مرتبطة بإمدادات المياه التي تديرها الدولة.
حتى في هذه المدن 30٪ -40٪ فقط من المنازل متصلة، وسيكونون محظوظين إذا خرجت المياه من صنابيرهم مرة واحدة فقط في 10 أيام ولمدة ساعتين فقط.
علاوة على ذلك، فإن شبكة الأنابيب قديمة ويقدر أن 40٪ من المياه التي تحملها تُفقد بسبب التسربات.
والأسوأ من ذلك، يعيش أكثر من 70٪ من اليمنيين في المناطق الريفية ويعتمدون على المياه الراكدة أو التجارية، وفي معظم الأحيان يكون مصدرهم الوحيد للشرب والطهي هي السدود المكشوفة.
في الواقع، تصل شبكة أنابيب المياه في البلد إلى 30٪ فقط من السكان، وهي متضررة من القصف السعودي والقتال على الأرض بين المرتزقة السعوديين وقوات المقاومة، مما جعلها بحاجة إلى تحديث وصيانة في كثير من الأماكن.
ومع منع السعودية من الوصول إلى صهاريج التخزين والأنابيب والصمامات والصنابير، يلجأ أكثر من 15 مليون شخص إلى طرق باهظة الثمن تستغرق وقتاً طويلاً للعثور على ما يكفي من المياه كل يوم.
تم الضغط على منظمات الإغاثة للانسحاب :
اليوم، لم تصل الشاحنة, عادت الأم إلى المنزل مع جركن فارغ، ليس لأنه لم يكن هناك وقود للشاحنة كالعادة، ولكن هذه المرة لأن شركة الشاحنات أوقفت تمويلها من قبل المنظمة الدولية التي أبقتها تعمل هذه الفترة، بحسب ما قاله السائق.
إن تغير المناخ وضعف إنفاذ القانون والنمو السريع في عدد السكان ليست المشاكل الوحيدة التي تضغط على السكان اليمنيين في بلد به موارد مائية محدودة.
فرض التحالف الذي تقوده السعودية حصاراً على البلد ومنع دخول الوقود، وبالتالي توقف عدد من المضخات وزادت تكاليف نقل المياه.
بشكل أساسي، يعاني اليمن من ندرة المياه ويعتمد على المياه الجوفية، والتي بدورها تحتاج إلى معدات لا تتوفر دائماً في اليمن وتحتاج إلى استيرادها من الخارج.
كما توقفت معظم المشاريع التي تدعمها المنظمات الدولية استجابة للضغوط الشديدة التي مارستها كل من واشنطن والرياض لإجبار السكان المحليين على قبول النسخة السعودية للسلام.
حذرت وزارة المياه والبيئة في صنعاء من أن الحصار قد يؤدي لشلل كامل لخدمات المياه الحكومية.
وأوضح نائب وزير المياه، حسين الضريب، أن “نقص الوقود يؤدي إلى انخفاض حاد في مستوى خدمات المياه”، وأضاف أن “إمدادات المياه مصنفة حالياً ضمن فئة “الحاجة الماسة” مع نسبة المستفيدين بعد أن انخفضت إلى 30٪.”
الجغرافيا والمناخ والجغرافيا السياسية والحرب تجتمع معاً
في الأزمة الإنسانية المعقدة في اليمن، هناك ترابط بين ندرة المياه وتأثيرات تغير المناخ والقصف السعودي لمنشآت المياه.
تستخدم القوات السعودية، تحت أعين الإدارات الأمريكية المتعاقبة، الماء كسلاح لكي يجبروا المدنيين على الخضوع.
لا تمنع المملكة الغنية بالنفط وصول المساعدات التي تنقل إمدادات المياه النظيفة فحسب، بل تستهدف أيضاً السدود والآبار والخزانات والمنشآت المائية والبنية التحتية بما في ذلك الشبكات وسدود التحويل وأنظمة الري, وقد أدى ذلك إلى نقص حاد في المياه لأغراض الشرب والري.
لا توجد أنهار في اليمن، كما هو الحال في بعض البلدان الأخرى، لذا فإن الشكل الرئيسي لاحتياطيات المياه كان تاريخياً من مياه الأمطار وبناء الحواجز والسدود.
لكن العديد من السدود تضررت أو تحتاج إلى إصلاح, حيث دمرت الهجمات السعودية 1488 منشأة مائية (سدود، وحواجز وخزانات) بالكامل، و 488 منشأة مائية بشكل جزئي، بحسب تقرير عن المسطحات المائية اليمنية.
دمُرت خزانات المياه المركزية في صنعاء، والتي كلف بناؤها 4 ملايين دولار وتقع في منطقة النهدين جنوب صنعاء، بقنابل أمريكية ألقتها طائرات حربية سعودية, كما دمر القصف السعودي محطة تحلية مياه البحر في جزيرة كمران.
وفقاً لممثل إقليمي لمنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو)، تركت الحرب حوالي 20 مليون يمني بدون مياه الشرب.
قال عبد السلام ولد أحمد، الذي يمثل منطقة الشرق الأدنى وشمال إفريقيا في منظمة الفاو: “في ظل الصراع الحالي، يُعتقد أن عدد الأشخاص الذين لا يحصلون على المياه النظيفة أكثر من 80٪ من إجمالي السكان”.
وأشار إلى أن اليمن يعاني من أعلى معدلات ندرة المياه في العالم، حيث يفتقر أكثر من نصف السكان إلى إمدادات منتظمة من مياه الشرب حتى قبل بدء القتال”.
تشتهر قلة الحصول على المياه النظيفة بكونها أكبر سبب لسوء التغذية و الاعتلال والوفيات في اليمن.
ظهرت العديد من الأمراض الفتاكة المرتبطة بنقص المياه، مثل الكوليرا، في العديد من المناطق في جميع أنحاء البلد، بما في ذلك صنعاء.
واليوم، بحسب مراقبون، هناك بعض الأمراض المنتشرة بين سكان حوض صنعاء – كالسرطان والتيفوئيد والدوسنتاريا – بسبب الأسلحة المحرمة التي استخدمها السعوديون، بالإضافة إلى أمراض الكبد والكلى والمسالك البولية الناتجة عن ارتفاع تركيز الأملاح في المياه المستخدمة.
* المادة الصحفية تم ترجمتها حرفياً من المصدر وبالضرورة لا تعبر عن رأي الموقع