السياسية:

لا يعتبر استهداف سفينة إسرائيلية حدثاً غير عادي، إذا أخذنا في الاعتبار “حرب الظل” القائمة بالفعل بين إيران وإسرائيل، وسط محاولات إدارة بايدن إعادة إحياء الاتفاق النووي، فلماذا التصعيد الأمريكي هذه المرة؟

كانت ناقلة تشغلها شركة إسرائيلية قد تعرضت لهجوم قبالة سواحل عمان الخميس 29 يوليو/تموز أدى إلى مقتل اثنين من البحارة أحدهما بريطاني والثاني روماني. واتهمت إسرائيل إيران بالوقوف وراء الهجوم، الذي تم باستخدام طائرات مسيرة، بحسب الرواية الإسرائيلية.

وعلى الرغم من أن إيران نفت أي دور لها في الهجوم على السفينة، فإن بريطانيا ورومانيا أيضاً وجهتا الاتهام لطهران وتم استدعاء السفير الإيراني لدى لندن وبوخارست للاحتجاج رسمياً على الهجوم.

الهجوم على السفينة الإسرائيلية ليس الأول

وقبل الدخول إلى تفاصيل الموقف الأمريكي تحديداً من هذا الهجوم البحري، من المهم التوقف عند تفاصيل المشهد خلال الأشهر الماضية، وبالتحديد منذ تولى الرئيس الأمريكي جو بايدن منصبه رسمياً في 20 يناير/كانون الثاني الماضي.

خلال الفترة من فبراير/شباط وحتى الخميس الماضي، يوم تعرض السفينة للهجوم، تعرضت ثلاث سفن إسرائيلية أخرى لهجمات بحرية وإن كانت أقل عنفاَ ولم ينتج عنها خسائر بشرية، وفي كل مرة من تلك الهجمات وجهت إسرائيل الاتهامات لإيران، بينما التزمت واشنطن بموقف أقرب إلى الحياد.

النقطة الأخرى هي أن تلك الحرب البحرية ليست فقط من جانب واحد، بمعنى أن سفناً إيرانية تعرضت أيضاً لهجمات وربما كان أكثرها حدة هو تعرض سفينة حربية إيرانية كانت راسية في البحر الأحمر إلى هجوم ضخم في أبريل/نيسان الماضي، ووجهت إيران الاتهام إلى إسرائيل، التي لم تنف ولم تؤكد تورطها، لكن وسائل الإعلام الإسرائيلية نقلت عن مصادر أمنية أن السفينة الإيرانية كانت تمثل موقعاً عائماً لبحرية طهران في البحر الأحمر يهدد سلامة ملاحة البضائع الإسرائيلية.

وبشكل عام تمتد الحرب البحرية السرية بين إسرائيل وإيران إلى سنوات، ولكنها أخذت تتسع مؤخراً بصورة قال خبراء إنها قد تتسبب في خروج الأمور عن نطاق السرية والمحدودية إلى ما هو أوسع وأخطر، بحسب تقرير لمجلة Foreign Policy  الأمريكية.

تصعيد أمريكي وتهديد “برد جماعي” ضد إيران

في ضوء هذه الأحداث المستمرة بين تل أبيب وطهران، كان لافتاً هذه المرة تبني الإدارة الأمريكية لهجة تصعيدية ومتشددة، وسط حديث عن حتمية الرد على “العدوان الإيراني الخطير”، فلماذا أسرعت واشنطن بهذا التصعيد قبل حتى أن يجري تحقيق يؤكد مسؤولية إيران عن الهجوم؟

فقد قالت الولايات المتحدة وبريطانيا الأحد 1 أغسطس/آب إنهما ستعملان مع شركائهما للرد على الهجوم على الناقلة ميرسر ستريت التي ترفع علم ليبيريا وهي مملوكة لشركة يابانية وتديرها شركة زودياك ماريتايم الإسرائيلية.

ووصف رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون الواقعة بأنها “هجوم شائن وغير مقبول على الشحن التجاري بكل وضوح”، وقال: “إيران يجب أن تواجه عواقب ما فعلته”، بحسب رويترز.

والسبت 31 يوليو/تموز قالت البحرية الأمريكية، التي كانت ترافق الناقلة بحاملة الطائرات رونالد ريجان، إن الدلائل الأولية “تشير بوضوح” إلى هجوم بطائرة مسيرة.

والاثنين 2 أغسطس/آب، قال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن إن الولايات المتحدة واثقة من أن إيران شنت هجوماً بطائرة مسيرة على الناقلة التي تديرها إسرائيل وكانت تمر عبر المياه الدولية قرب عُمان، وتوقع “رداً جماعياً” رغم أنه عبر عن اعتقاده بأن الواقعة ليست بالضرورة مؤشراً على أي شيء بخصوص الرئيس الإيراني المنتخب إبراهيم رئيسي.

وقال بلينكن للصحفيين: “شهدنا سلسلة من التحركات التي أقدمت عليها إيران على مدى شهور، بما في ذلك ضد قطاع الشحن. لذا لست متأكداً إن كان هذا التحرك بالذات يمثل أي شيء جديد أو ينذر بشكل أو بآخر (بطبيعة) الحكومة الجديدة”. ويتولى رئيسي منصبه يوم الخميس المقبل.

وأضاف: “لكن ما تنم عنه (الواقعة) هو أن إيران تواصل التصرف بمنتهى عدم المسؤولية عندما يتعلق الأمر، في هذه الحالة، بالتهديد لحركة الملاحة والتجارة وللبحارة الأبرياء الذين يقومون فقط بالعبور التجاري في مياه دولية”، وأردف قائلاً: “نتواصل وننسق عن كثب مع المملكة المتحدة وإسرائيل ورومانيا ودول أخرى وسيكون هناك رد جماعي”.

هل للاتفاق النووي علاقة بهذا التصعيد؟

قبل حتى أن يتولى بايدن منصبه رسمياً، أعلن خلال حملته الانتخابية عن رغبته في العودة للاتفاق النووي مع إيران والذي كان الرئيس السابق دونالد ترامب قد انسحب منه عام 2018 وأعاد فرض العقوبات الأمريكية على طهران، وهو ما أرادته إسرائيل التي كانت رافضة للاتفاق منذ توقيعه عام 2015.

وبعد أخذ ورد بين واشنطن وطهران، توجهت وفودهما، صحبة وفود باقي أطراف الاتفاق (بريطانيا وفرنسا وألمانيا وروسيا والصين) إلى فيينا منذ أبريل/نيسان الماضي لإجراء مفاوضات تهدف إلى إعادة إحياء الاتفاق النووي، وسط تمسك واشنطن بأن تعود طهران إلى التزاماتها النووية أولاً وإصرار طهران على أن ترفع العقوبات أولاً.

وخلال أبريل/نيسان وبينما الوفود تتفاوض في فيينا حول الاتفاق النووي، وقع الهجوم على السفينة الإيرانية في البحر الأحمر، دون أن يؤثر ذلك على مسار المفاوضات وتبنت إدارة بايدن لغة تصالحية، وسط تفهم واسع لحقيقة أن إسرائيل تسعى لإفشال العودة للاتفاق النووي، الذي تجمع الآراء على أنه خيار استراتيجي لكل من إدارة بايدن وحكام إيران.

واستمرت مفاوضات الاتفاق النووي حتى أواخر يونيو/حزيران الماضي، وسط أجواء متفائلة وتقارير أوروبية أشارت إلى أن إعادة إحياء الاتفاق النووي باتت مسألة وقت فقط وعادت الوفود إلى بلادها للتشاور قبل التوقيع على الاتفاق من جديد، وتزامن ذلك مع فوز إبراهيم رئيسي –المحسوب على التيار المتشدد في إيران– بالرئاسة، لتبدأ مرحلة الحرب الكلامية بين طهران وواشنطن.

ويرى كثير من المراقبين أن التصعيد الأمريكي الحالي بشأن استهداف السفينة الإسرائيلية يصب في خانة ممارسة الضغوط على الإدارة الإيرانية الجديدة بغرض الإسراع في العودة لطاولة المفاوضات والتوقيع على الاتفاق النووي من جديد، وليس الانجرار إلى حافة الهاوية أو الدخول في حرب مفتوحة مع طهران.

وعلى الأرجح تأتي تصريحات المسؤولين الأمريكيين مساء الإثنين 2 أغسطس/آب والتي قالت إن واشنطن تترك لتل أبيب حرية اختيار الرد المناسب على استهداف السفينة في هذا السياق، ففي نهاية المطاف لن تغامر إسرائيل بتوجيه ضربة عسكرية مباشرة إلى أحد الأهداف الإيرانية دون تنسيق مع واشنطن.

هل إيران متفوقة على إسرائيل في الحرب البحرية؟

وفي هذا الصدد، تحذر وسائل الإعلام الإسرائيلية من مخاطر الدخول في حرب بحرية مفتوحة ضد إيران، على أساس أن البحرية الإيرانية تبدو الآن في موقف أقوى.

ونشرت صحيفة The Jerusalem Post تقريراً قالت فيه إن إيران محقة في أن ترى لنفسها مزية على إسرائيل أو منحى للتفوق عليها في حروب الظل المستمرة بينهما في البحر.

لكن الصحيفة كشفت عن أنه في اليوم نفسه الذي “استخدمت فيه إيران سرباً من الطائرات المسيَّرة لمهاجمة سفينة مرتبطة بإسرائيل، كانت سفينة “آي إن إس ماغن” INS Magen، وهي سفينة من فئة “كورفيت ساعر 6″ الأكثر تطوراً في البحرية الإسرائيلية، تستعد للعمل بكامل طاقتها في مطلع عام 2022 بعد تسليمها إلى إسرائيل في ديسمبر/كانون الأول 2020”.

ويرى الجيش الإسرائيلي أن امتلاكه للسفينة “ماغن” مجرد خطوة واحدة ضمن سلسلة من التحركات التي قطعها لمنحه نطاقَ دفاع أكبر عما يعتبره مياهه الإقليمية، وبخاصة منشآت الغاز الطبيعي البحرية، ويُتوقع أن تستخدم في أي معركة جديدة مع فصائل المقاومة الفلسطينية أو حزب الله اللبناني.

كما أن البحرية الإسرائيلية حالياً باتت أشد ارتباطاً بوحدات الجيش الإسرائيلي الأخرى عما كانت عليه في الماضي، حيث إنها قادرة على تتبع ونقل المعلومات الاستخباراتية مباشرة (في الوقت الفعلي) لدعم سلاح الجو الإسرائيلي وباقي الوحدات الأخرى.

قد يعتقد المرء أن كل هذه القدرات البحرية الجديدة للجيش الإسرائيلي ستردع الجمهورية الإيرانية عن اختيار الميدان البحري على وجه التحديد لاستهداف إسرائيل، لكن هذا الاعتقاد يجانبه الصواب، فالواقع يشهد على عجز الجيش الإسرائيلي حتى الآن عن ردع الهجمات البحرية الإيرانية، بحسب تقرير الصحيفة.

ويزعم الجيش الإسرائيلي أنه بات الآن أقل اعتماداً على دعم الولايات المتحدة له بالمراقبة عبر الأقمار الصناعية، على الرغم من أنه لا يزال يتعاون معها، وأنه قد طور مزيداً من قدراته الخاصة وأصبح لديه الإمكانات لإظهار مزيد من القوة وقدرات المراقبة والتتبع.

مع ذلك، فإن الجيش الإسرائيلي لا يزال حتى الآن يفتقر إلى أي قدرات بحرية خارج مناطق عملياته الرئيسية الواقعة بالقرب من السواحل الفلسطينية المحتلة وسواحل غزة ولبنان في المناطق التي تحظى فيها إيران بهيمنة أكبر أو حيث يمكنها بسهولة إرسال قوارب سريعة. كما أن السفن الإسرائيلية لا تزال عرضة لاستهداف الطائرات المسيَّرة الإيرانية والألغام البحرية والصواريخ وغيرها من وسائل الهجمات.

وفي الختام يمكن القول إن الهجوم الأخير قد وقع في البحر وواقع أن ملكية السفينة وإدارتها وظروف مهاجمتها قد وصفت بأنها غير واضحة من الجميع ما عدا إسرائيل، فإن المتوقع ألا تكون التداعيات الدبلوماسية ذات مغزى أو بالقدر الذي تريده إسرائيل، كما أن رغبة إدارة بايدن في عدم إغلاق الباب تماماً أمام الهدف الاستراتيجي الأبرز – إعادة إحياء الاتفاق النووي – يعني أن التصعيد الحالي قد يكون “كلامياً” أكثر منه توجهاً نحو الصدام.

عربي بوست