الصراع السعودي الإماراتي وكرة الثلج المتدحرجة..
السياسية : نجيب هبة
لم يكن الخلاف بين السعودية والإمارات وليد اللحظة فقد امتد لعقود من الزمن تشتعل ناره تحت رماد التنافس السياسي والاقتصادي ، وإن كان تحت غطاء من العلاقات الودية وتبادل المصالح المشتركة ، إلا إن تبدل الظروف السياسية الاقليمية والدولية خلال العقد الأخير كان سبباً مباشر لظهور ذلك الخلاف إلى العلن ، بينما أصبح الخلاف النفطي الأخير ، داخل أوبك بلس ، القشة التي أدت لتحوله إلى صراع علني وتبادل التصريحات النارية بين البلدين.
ورغم أن الخلاف الحالي بين شريكي العدوان على اليمن يقتصر ظاهريا على النفط، إلا أن مراقبين يرون أن لجذوره أبعادا أخرى ظلت أسبابها تتضخم طوال الأعوام الثلاثة الماضية على الأقل، وفجرها الخلاف النفطي الأخير.. ويرجع هؤلاء المراقبين الخلاف بينهما لأسباب عدة:
أولا، التنافس الاقتصادي بينهما والذي بلغ ذروته عندما سن بن سلمان سياسات انفتاحية، وإصراره على ترسيخ أسس اقتصاد سياحي منافس للإمارات، واتباع سياسة انفتاحية داخلية عنوانها الترفيه، وإقامة مدينة “نيوم” على البحر الأحمر شمالا لتكون منافسة لدبي في كل شيء.
ثانيا، إصدار الرياض مطلع العام الجاري قرارا مفاجئا بضرورة نقل المقرات الإقليمية للشركات الأجنبية العاملة في الخليج والشرق الأوسط، إلى المملكة بحلول عام 2024، وإلا سوف تخسر تعاقداتها مع الحكومة السعودية.. الامر الذي سيلحق بالامارات اضرار وخسائر اقتصادية فادحة..
ثالثا، انزعاج أبوظبي وعدم رضاها عن ظروف المصالحة التي تمت بين الرياض والدوحة في يناير الماضي بعد أكثر من ثلاث سنوات من الخلاف.
رابعا، القرار الصوري للإمارات بالانسحاب من اليمن عام 2019 دون تنسيق أو تشاور مسبق مع السعودية، ما أدى إلى غضب سعودي علما أن البلدين كانا ولا يزالان يشكلان العمود الفقري لتحالف إقليمي عسكري قاد العدوان على اليمن واستعرض عضلاته في أماكن أخرى.
صراع النفوذ والزعامة
على هذا الصعيد علقت مجلة “إيكونوميست” البريطانية على الخلاف بين السعودية والإمارات بشأن كميات إنتاج النفط باعتباره أمرا نادرا، ذلك أن مواقف البلدين كانت على الأقل ظاهرياً، تبدو وكأنها متوافقة دائماً.
وتحت عنوان «خلاف على الغنائم: الصدع السعودي- الإماراتي داخل أوبك هو إشارة عن الأشياء القادمة» قالت إن “تراجع الطلب على النفط يدفع بعض منتجي النفط إلى تحويل احتياطاته إلى مال.. مضيفة أن “تجار ومحللي النفط دائماً ما اعتبروا السعودية والإمارات مع الكويت جوهر منظمة الدول المنتجة والمصدرة للنفط (أوبك) “.
خط مقفل بين الرياض وأبوظبي
صحيفة القدس العربي ذكرت في مقال لها أن “التباين بين «الحليفين» بدأ قبل الخلاف النفطي، وبينما يرى مراقبون إن القطيعة الكاملة أمر مستبعد بين الدولتين، فإن الروح التنافسية الجديدة ستزداد حدة على وقع التغيير الكبير الذي تشهده السعودية”.
وأضافت أن “الاعتراض الإماراتي العلني على موقف السعودية، يعزز من تأكيدات مصادر متابعة لعلاقات البلدين، من أن الخط مقفل بين الرياض وأبو ظبي، والعتب السعودي تحديداً من ولي العهد محمد بن سلمان ، لحليفه السابق محمد بن زايد، بلغ مرحلة متقدمة”.
ضربة قوية
وقالت الصحيفة أن “الرياض لم تتأخر في تلقين أبو ظبي ضربة قوية، بعد أن عدلت السعودية قواعد الاستيراد من الدول الأخرى الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي، لتستبعد السلع المنتجة في المناطق الحرة من الامتيازات الجمركية التفضيلية.
وتعتبر الخطوة تحدياً للإمارات، التي تروج لنفسها على انها مركز التجارة والأعمال الحرة في المنطقة، وتزامنت معها دعوات شعبية أطلقها سعوديون لمقاطعة البضائع القادمة من جبل علي في إمارة دبي”. ويُتوقع أن تتكبد الإمارات خسائر كبيرة بسبب القرارات السعودية الأخيرة..
بدورها كشفت صحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية في أحدث تحليل نشرته، أن “أبو ظبي تشعر بالقلق من سرعة المصالحة السعودية مع قطر وإنهاء الحصار والحظر التجاري والسفر الذي فرض على الدوحة منتصف 2017”.
وقالت كارين يونغ، الزميلة الأولى في معهد الشرق الأوسط، إن “المنافسة المتزايدة داخل دول الخليج مرتبطة بعدد من قضايا السياسة الاقتصادية”.
وتنظر أبو ظبي إلى الكيمياء الإيجابية بين الرياض والدوحة بعين الريبة، وهي لا ترغب بحسب المحللين أن تكون في دكة الاحتياط، ومسلوبة الإرادة من اتخاذ قرارات وفق حساباتها.
ومضت الرياض في سلسلة قراراتها التأديبية للحليف السابق، حيث أعلنت وزارة الداخلية السعودية، منع سفر المواطنين المباشر أو غير المباشر، دون الحصول على إذن مسبق من الجهات المعنية، إلى كل من إثيوبيا والإمارات وفيتنام، بسبب ما اعتبرته استمرار تفشي جائحة كورونا، وهو قرار أخرج أبو ظبي عن صمتها.
واستفز قرار الرياض تصنيف أبو ظبي ودبي في نفس الخانة مع دول تعتبر أن قطاعها الصحي متدنياً، ولم تستسغ أن توضع في نفس الخانة معها، واعتبرها إهانة لم تهضمها بسرعة. وسريعاً ردت الإمارات بقرارات مشابهة، في محاولة للرد على الموقف السعودي.
حرب نفطية تهدد العالم
وفي السياق الاقتصادي، أشارت وكالة بلومبيرغ الأمريكية إلى أن “منظمة الأوبك معتادة منذ إنشاءها على هذه المعارك الكبيرة، وأنه ليس من المستحيل أن تحاول الإمارات في لعبة البوكر هذه ذات المصالح العالمية الخداع, لتأكيد موقفها المستقبلي على طاولة المفاوضات”.
ومع ذلك، تسلط بلومبيرغ الضوء على خصومات جيوسياسية أخرى ظهرت في السنوات الأخيرة بين الإمارات والسعودية، ولاسيما فيما يتعلق بالوضع الحاصل في اليمن..
ووفقاً لبلومبيرغ فأن اي “انهيار بسيط لمنظمتي أوبك و أوبك بلس سوف يتسبب بحرب فوضوية في الأسعار، يخسرها الجميع سواء داخل المنظمة أو على الصعيد العالمي”.
انتهاء شهر العسل
من ناحيته، كتب أندرياس كريغ مقالا في موقع “ميدل إيست آي” البريطاني تناول فيه الخلافات الأخيرة بين السعودية والإمارات ، وقال إنه”كان هناك رجلان قويان في الخليج في حقبة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، فرضا إرادتيهما على جيرانهم هما ولي العهد السعودي وولي عهد أبو ظبي”.
وأضاف أنه “منذ أن وضع محمد بن زايد محمد بن سلمان تحت جناحه في عام 2015، لم يبدُ أن هذا الأخير منزعج من أن يتم تصويره على أنه تحت رعاية الأول. كانت الفكرة السائدة في الرياض هي أن نموذج أبو ظبي لليبرالية الاستبدادية يمكن أن يكون نموذجاً يحتذى به، حيث نقل المملكة من العصور الوسطى إلى القرن الحادي والعشرين ، ونظراً لأن محمد بن سلمان يجلس الآن بقوة أكبر في مقعد السائق في الرياض، فإن فترة شهر العسل بين الرجلين قد انتهت بالتأكيد”.
واعتبر أن “صعود الإمارات على مدى العقد الماضي ، كان ممكناً فقط لأن أبو ظبي كانت تسعى بلا رحمة إلى تحقيق مصالحها الخاصة، مع القليل من الاهتمام من قبلها لصراع الرياض على تحسين سمعتها في واشنطن، والمخاوف الأمنية في اليمن، والحاجة الملحة للتنويع الاقتصادي والاعتماد الوجودي على أسعار النفط المستقرة”.
وقال الكاتب إنه “منذ عام 2019، أدى الاختلاف المتزايد في المصالح بين الجارتين، السعودية والإمارات، إلى حدوث تصدعات خطيرة في “الوفاق الاستراتيجي” الهش بينهما”.. موضحاً أنه “في حين أن أوجه التآزر تلك بين الدولتين لا تزال قائمة، فإن العامل الآخر الذي حافظ تقليدياً على هذه العلاقة الثنائية – العلاقات الشخصية بين بن زايد وبن سلمان – قد عانى، حيث تراجعت العلاقات بين الزعيمين بشكل ملحوظ منذ انتخاب الرئيس الأميركي جو بايدن”.
واعتبر كريغ أنه “بدلاً من الظهور كبلطجيين في المنطقة، احتاج كل من بن سلمان و بن زايد إلى إعادة صياغة صورتهما كلاعبَين بناءًين، حريصين على دعم سياسة إدارة بايدن الإقليمية الناعمة المتمثلة في القيادة من الخلف. فعندما تم انتخاب ترامب في عام 2016، قام محمد بن زايد شخصياً بزيارة فريق ترامب في نيويورك، وقام بالضغط من أجل محمد بن سلمان ليكون الملك المقبل. بعد أربع سنوات، مع رئيس منتخب ديمقراطياً، تحاول الإمارات بشكل ملحوظ خلق مسافة بينها وبين القيادة السعودية إذ أضحى يُنظر إلى أي ارتباط بمحمد بن سلمان على أنه من المحتمل أن يشوّه الجهود الإماراتية لتغيير صورة البلاد”.
وقال الكاتب إنه “تحت ضغط من أجل مشاريعها المشتركة مع موسكو في ليبيا، ومغامراتها المرتزقة في اليمن، أظهرت أبو ظبي أن عقلية المحصل الصفري تعني أنها مستعدة للتخلص من “حليف استراتيجي”.
وشدد على أن “الحرب في اليمن، التي ساعدت الإمارات في تأطيرها على أنها “بقيادة السعودية”، كانت هي الساحة الأولى التي علمت فيها القيادة السعودية أن السياسة الإماراتية كانت قاسية عندما يتعلق الأمر بالحفاظ على مصالح الإمارات، حتى على حساب السعودية”.
وقد أثار البعض في دوائر بن سلمان، وفقاً لمصادر قريبة من القصر، مخاوف من أن بن زايد ربما دفع السعودية إلى مغامرات محفوفة بالمخاطر من أجل إنشاء درع يمكن للإمارات من خلفه تعزيز مكاسبها في جنوب اليمن. ففي حين اضطرت السعودية لتحمل الأعباء التشغيلية والسمعة للعدوان المكلف على اليمن ، فقد ضمنت أبو ظبي موطئ قدم لها على طول الساحل اليمني المهم استراتيجياً عبر بديلها، المجلس الانتقالي الجنوبي”.
أما بشأن حصار قطر الذي قاده محمد بن زايد وتبعه محمد بن سلمان عن طيب خاطر، فقد أبدت الإمارات استعداداً قليلاً جداً لتقديم تنازلات. وعلى الرغم من أن التكاليف السياسية والسمعة الناتجة عن الحصار المستمر استمرت في الارتفاع وخاصة في واشنطن، إلا أن أبو ظبي كانت على استعداد لدعم هذا الحصار لصالح حملتها المستميتة المضادة للثورة.
في النهاية، انشقت السعودية وتركت البراغماتية تسود. كان إنهاء الحصار على قطر علامة أولى على القيادة السعودية في الخليج تحت حكم محمد بن سلمان، والتي اعتبرتها الرياض فرصة مربحة للجانبين للدول الأربعة المحاصرة وقطر. من ناحية أخرى، كانت أبو ظبي قلقة للغاية بشأن وتيرة وعمق التطبيع مع قطر، الأمر الذي لم يضغط على الإماراتيين للانصياع فحسب، بل سمح لمحمد بن سلمان بجني الرسائل الإيجابية.
هذه كانت البداية فقط. بعد أن تركتها الإمارات في الصقيع مجدداً، شرعت السعودية منذ ذلك الحين في استراتيجيتها الأكثر حزماً للتنويع. إذ تستهدف السياسات الاقتصادية الجديدة للمملكة، والتي تهدف إلى جذب الاستثمارات من الشركات متعددة الجنسيات الموجودة في الإمارات، قصة نجاح دبي التي كانت في مأزق اقتصادي منذ بداية جائحة كورونا.
ورأى الكاتب أن “الطبيعة غير الصحية لهذه المنافسة بين الرياض وأبو ظبي معناها أنه أصبح من الصعب أكثر من أي وقت مضى خلق مواقف مربحة للجانبين. وبما أن بن سلمان يجلس الآن بقوة أكبر في مقعد السائق في الرياض، فإن فترة شهر العسل مع محمد بن زايد قد انتهت. فمع خلع القفازات، يتوق بن سلمان لإظهار أن أبو ظبي كانت تتجاوز حجمها، وأن هناك حدوداً للقوة الذكية في تعويض نقص الحجم”.
ومع تصاعد الصراع بين حليفي العدوان على اليمن ، فلايبدو أن حدثاً مهماً مثل الانفجار الذي هز قبل أيام ميناء جبل علي بدبي ، سيمر مروراً عادياً ، بل على العكس ليس مستبعدا أن يقف النظام السعودي خلف ذلك الانفجار ، في دلالة على استمرار تصاعد الصراع الذي لن يقف عند حدود معينة في محاولة لكسب النفوذ السياسي وإيصال رسالة إلى أبوظبي أن عليها أن تعود إلى حجمها الذي بالغت كثيرا في محاولة تجاوزه..
ولابد أن نؤكد هنا أن لعنة عدوانهما على اليمن بدأت ترتد وبالاً عليهما وهو ما أضحى أشبه بكرة جليد لن تقف في تدحرجها عند حدود معينة حتى تلتهم معها الانظمة الاستبدادية في السعودية والإمارات.