قصة مشروع الشام الجديد الذي دشنته القمة بين مصر والعراق والأردن..
السياسية:
“مشروع الشام الجديد” كان محور القمة الثلاثية المصرية العراقية الأردنية التي عُقدت ببغداد، فما هي أهداف هذا المشروع؟ وهل يقتصر على التعاون الاقتصادي أم يشمل التعاون في المجالات العسكرية والأمنية؟ وهل تقبل إيران انخراط العراق في محور بعيد عنها؟
ورغم أن هذه ليست القمة الأولى لآلية التعاون الثلاثية بين البلدان الثلاثة، إلا أن زيارة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي هي أول زيارة لرئيس مصري للعراق، منذ الغزو العراقي للكويت عام 1990، والذي تلاه حصار العراق، ثم غزوه من قبل أمريكا عام 2003، وما تبعه من حروب وفوضى من بينها مقتل ممثل مصر الدبلوماسي في العراق السفير إيهاب الشريف عام 2005.
واللافت أنه قبل الغزو العراقي للكويت كانت مصر والعراق والأردن واليمن تشترك في مجلس التعاون العربي، الذي انتهى وجوده بوقوع الغزو.
ما هو مشروع الشام الكبير؟ وكيف بدأ؟
أشارت وسائل إعلام عدة إلى أن القمة الثلاثية ناقشت مشروع الشام الجديد الذي يهدف للتعاون بين البلدان الثلاثة في مجالات عدة، ولكن أبرزها تزويد العراق لمصر والأردن بالنفط، مقابل مشاركة الشركات المصرية والأردنية في عملية إعادة إعمار العراق، وتزويد العراق بالكهرباء، فيما يعرف بالنفط مقابل الإعمار، إضافة إلى استفادة مصر من فائض قدرات التكرير لديها، لتكرير النفط العراقي وتصديره لأوروبا، فيما ستلعب الأردن دور الممر في أغلب هذه المشروعات.
وتعود جذور مشروع الشام الجديد لدراسة أعدّها البنك الدولي في مارس/آذار 2014، لكن بخريطة جغرافية أوسع، واشتملت على دول بلاد الشام، سوريا ولبنان والأردن والأراضي الفلسطينيّة، بالإضافة إلى تركيا والعراق ومصر. كما أُعيد طرح المشروع مرة أخرى في زمن رئيس الحكومة العراقيّة السابق حيدر العبادي، ولاحقاً أطلقت الدول الثلاث آليّة للتعاون بدأت من العاصمة المصريّة القاهرة في مارس/آذار 2019، تلتها قمة ثانية في نيويورك في سبتمبر/أيلول 2019.
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال وصوله للعراق وفي استقباله نظيره العراقي برهم صالح/رويترز
أخذ مشروع الشام الجديد زخماً كبيراً بعد تبنّيه من قبل رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي في زيارته لواشنطن في سبتمبر/أيلول 2020، ثم خلال الاجتماع الثالث بين قادة الأطراف الثلاثة، والذي جمعه بالعاهل الأردني عبدالله الثاني والرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في العاصمة الأردنيّة عمّان بنفس الشهر.
وكان الكاظمي أطلق تعبير “الشام الجديد”، لأول مرة خلال زيارته للولايات المتحدة أغسطس/آب الماضي، وقال حينها لصحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية إنه يعتزم الدخول في مشروع استراتيجي يحمل هذا الاسم، موضحاً أنه مشروع اقتصادي على النسق الأوروبي، يجمع القاهرة ببغداد، وانضمت إليه عمّان، لتكوين تكتل إقليمي قادر على مواجهة التحديات.
أبرز المشروعات المتفق عليها
لم يشر البيان الختامي للقمة إلى لفظ مشروع الشام الجديد، ولكن أبرز المشروعات المتفق عليها وفقاً للبيان، كانت كالتالي:
– اتفق قادة الدولة الثلاث على ضرورة تعزيز مشروع الربط الكهربائي وتبادل الطاقة الكهربائية بين الدول الثلاث وربط شبكات نقل الغاز بين العراق ومصر عبر الأردن وإتاحة منفذ لتصدير النفط العراقي عبر الأردن ومصر من خلال المضي باستكمال خط الغاز العربي وإنشاء خط نقل النفط الخام (البصرة-العقبة)، والتعاون في مختلف مجالات مشروعات الطاقة الكهربائية والطاقة المتجددة والبتروكيماويات وبناء القدرات وتبادل الخبرات، والعمل على تهيئة مناخ الاستثمار لدعم شركات القطاع الخاص لتنفيذ المشروعات في الدول الثلاث.
– التعاون في المجال الصناعي عبر مذكرة تفاهم اقترحها الأردن، وفي المجال الزارعي عبر استكمال مشروع إنشاء شركة إقليمية لتسويق المنتجات الزراعية وتوقيع بروتوكول التعاون في المجالات الزراعية.
– اتفق القادة على التعاون في مجال النقل من خلال ما تم الاتفاق عليه مسبقاً حول نقل المسافرين بين الدول الثلاث بتذكرة شاملة موحدة وتسهيل إجراءات منح تأشيرة الدخول فيما بينها. كما اتفقوا على توأمة الأكاديميات البحرية بين الدول الثلاث.
– اتساقاً مع قرار قادة الدول الثلاث في قمة عمّان 2020 حول آلية التناوب للسكرتارية التنفيذية لآلية التعاون الثلاثي، أقر القادة بتسليم مهام السكرتارية إلى وزارة الخارجية في جمهورية العراق من شهر أغسطس/آب المقبل ولمدة عام واحد، خلفاً لوزارة الخارجية وشؤون المغتربين في المملكة الاردنية الهاشمية، وهذا البند يشير إلى شكل من أشكال المؤسسية في آلية العمل بين الدول الثلاث.
وأورد الإعلام بعض التفاصيل التي لم تذكر في القمة، ولا يعلم هل مجرد استنتاجات أم تسريات من قبل المسؤولين المعنيين، فيدور الحديث عن إقامة شبكة نقل بري من ضمن المشروعات المقرر تنفيذها بين الدول الثلاث، حسبما صرح المحلل السياسي الأردني الدكتور خالد شنيكات لموقع صدى البلد المصري.
وقال: “سيكون هناك مردود اقتصادي يتمثل في خفض سعر برميل النفط على المستهلك خاصة أن الحكومة العراقية تعهدت للجانب المصري والأردني ببيع برميل النفط بـ16 دولاراً”، حسب قوله.
ولفت إلى”بالنسبة للعراق هناك فائدة تعود عليه من خلال شبكات الربط الكهربائي، لأن مصر لديها فائض كهربائي وبالتالي سيتم تصديره من خلال الأردن إلى العراق”.
وتحدث عن المشروعات العملاقة التي يتضمنها مشروع الشام الجديد منها: مد خط أنبوب البصرة الذي يمتد من البصرة مروراً بالأراضي الأردنية وصولاً إلى قناة السويس ثم التصدير إلى أوروبا. مردفاً: “هذا المشروع كبير ويشبه إلى حد كبير مشروعات سيل الشمال 1 وغيرها من مشروعات الغاز الروسية التي تتجه إلى أوروبا؛ فالمشروع يتجه أيضاً إلى أوروبا ولكن بتكلفة أقل على الأوروبيين وتنافسهم، ويجعل مصر في مركز متقدم في سوق الغاز والنفط”.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، زار رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، بغداد، والتقى بنظيره العراقي وخلال تلك الزيارة وقع كل من مدبولى والكاظمي على 15 اتفاقية ومذكرة تفاهم لإعادة إعمار العراق، لتزيد مصر حصتها من استثماراتها في العراق.
مصدر حكومي عراقي تحدث لـ”عربي بوست” في ذلك الوقت، قال: “الشركات المصرية تتولى إعادة إعمار وبناء مدن بالكامل دون منافسة من أي شركات اخرى، حيث ستتولى مصر إعادة إعمار محافظات نينوى، وصلاح الدين، والأنبار، وسامراء (محافظات ذات أغلبية عربية سنية)”.
وبحسب المصدر ذاته، فإن شركات البناء الإيرانية كانت تطمع في تولي هذه المهمة منذ سنوات، فيقول: “بعد الإعلان عن الشراكة المصرية في إعادة إعمار العراق، وصل على وجه السرعة وفد من مسؤولي الغرف التجارية الإيرانية إلى بغداد، لمناقشة هذه التطورات، لكن الأمور لم تسِر بشكل جيد”.
الجدير بالذكر أن إيران ظلت لسنوات محتكرة تصدير مواد البناء وحديد التسليح إلى العراق، خاصة بعد استيلاء تنظيم داعش على الموصل في العراق، فقد استبدل التجار والمقاولون العراقيون البضائع السعودية بأخرى إيرانية.
ويُعتقد على نطاق واسع أن مشروع الشام الجديد يشبه المقايضة، فالعراق يعاني من أزمة مالية ولكن لديه نفط، وبالتالي فهو يقدم النفط لمصر والأردن مقابل الكهرباء والإعمار.
بينما الدولتان تعانيان من نقص النفط والعبء الذي يمثله على موازنتيهما (لا سيما الأردن) في المقابل تمتلكان مؤسسات على مستوى جيد بالمعيار العربي في العديد من المجالات.
هل يقتصر المشروع على التعاون الاقتصادي؟ التعاون العسكري قد يكون النقطة الخفية
أعرب البيان الختامي للقمة عن أهمية التنسيق الأمني والاستخباري بين الدول الثلاث لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة والمخدرات، وتبادل الخبرات في مجال الأدلة الجنائية ومكافحة الجريمة الإلكترونية والتسلل، ومواجهة كل من يدعم الإرهاب بالتمويل أو التسليح أو توفير الملاذات الآمنة والمنابر الإعلامية، مشددين على أهمية استكمال المعركة الشاملة على الإرهاب.
بينما لم يشر بيان القمة إلى التعاون العسكري بشكل مباشر، فإن تقارير تتحدث عن أن التعاون العسكري قد يكون إحدى النقاط الأساسية في العلاقة بين البلدان الثلاثة، علماً بأنه كانت هناك توافقات عدة من قبل بين العراق من ناحية والأردن ومصر من ناحية أخرى على توفير تدريب للجيش العراقي، إلا أنها من الواضح لم تنفذ كثيراً على الأرض.
فالعراق أحد أعرق حضارات العالم، والدولة العربية التي كان لديها جيش عربي هو الأقوى حتى عام 1990، تحولت لدولة شبه مفككة بعد حروب صدام والغزو الأمريكي للعراق وحل الجيش العراقي، والتدخل الإيراني، وازداد الأمر سوءاً بعد إنشاء الحشد الشعبي الذي تحول إلى دولة داخل دولة، ولم يعد فقط لا يخضع لسلطة رئيس الوزراء بل يتحداه.
ومن هنا فإن العراق، يحتاج إلى تدريب قوات جيشه وشرطته بطريقة احترافية، والأردن لديه جيش صغير ولكنه واحد من أكفاً الجيوش العربية ومن أكثرها انضباطاً، ومصر لديها أكبر جيش عربي.
وكلاهما بلد عربي وفي الوقت ذاته، على عكس السعودية، فإن علاقتها ليست شديدة التوتر بالشيعة الذين يمثلون غالبية سكان العراق، مما يسمح لعملية التدريب بأن تتم بسلاسة نسبية.
وفي هذا الإطار، شدد وزير الخارجية المصرية الأسبق محمد العرابي، على أن هناك جهوداً مصرية لدعم الجيش العراقي لرفع مستوى كفاءته، موضحاً أن دعم الجيش العراقي كي يتمكن من مواصلة حربه ضد فلول داعش يعد مطلباً عراقياً.
ترحيب أمريكي وصمت إيراني مريب
يبدو أن تعزيز التعاون بين العراق ومصر والأردن، يتم في ظل ترحاب أمريكي، إن لم يكن تشجيعاً.
إذ قال المتحدث باسم الخارجية الأمريكية نيد برايس في بيان إن واشنطن ترحب بالزيارة “التاريخية” ووصفها بأنها “خطوة مهمة في تعزيز العلاقات الاقتصادية والأمنية الإقليمية بين مصر والعراق والأردن ودفع الاستقرار الإقليمي”.
بالنسبة للولايات المتحدة يمثل تعاون حليفتيها مصر والأردن وسيلة لتقوية مؤسسات الدولة العراقية، في مواجهة اتباع إيران، وتشجيع الكاظمي الذي تقوم سياسته على التقارب مع الدول العربية.
ولم يعرف موقف إيران من القمة، ولا آلية التعاون الثلاثي أو مشروع الشام الكبير، ولكن طهران التي تعتبر نفسها وصية على العراق، لديها علاقة معقدة مع القاهرة، فهي علاقة أشبه باللاحرب واللاسلم، لا يكاد البلدان يتبادلان أي انتقادات أو إشارات إيجابية.
تفضل القاهرة عدم الانخراط في العداء الخليجي لإيران، كما تفضل عدم إقامة علاقة معها تغضب الخليجيين أو أمريكا، ونفس الشيء تفعله القاهرة مع الحوثيين.
إيران بدورها لا تشير لمصر إلا قليلاً، ولم تعلق حتى إلا بشكل محدود على التطورات الداخلية فيها منذ الإطاحة بالرئيس المنتخب محمد مرسي عام 2013، وهي مرتاحة لإنهاء حكم الإخوان المسلمين بسبب تأييدهم للثورة السورية.
وبصفة عامة تتقارب مواقف البلدين في الأزمة السورية ولكن على الأرجح يتم هذا دون اتصالات.
كل هذا قد يجعل رد الفعل الإيراني على الدور المصري في العراق، حذراً، ولكن هذا لا يمنع أن طهران وحلفاءها لديهم تحفظ على أي دور ينافسهم ولو قليلاً على العراق، خاصة لو جاء، من دولة عربية، مهما بدت سياستها باهتة تجاه إيران وتتجنب مواجهتها.
لماذا تم تأجيل القمة من قبل؟
وفي شهر مارس/آذار 2021، عندما ألغى رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي القمة الثلاثية بسبب حادث القطار، في مصر، ظهرت تكهنات بأن ذلك كان بسبب ضغوط إيران وحلفائها في العراق.
إذ تزامن تأجيل القمة في ذلك الوقت مع ردود فعل من أطراف قريبة من إيران وعرض قوة جرى في الشارع من قبل مجموعة مسلحة، حسبما ورد في تقرير لجريدة الشرق الأوسط السعودية.
ففي ذلك الوقت نفذت ميليشيات “ربع الله” الموالية لإيران استعراضاً وسط بغداد، قبل انعقاد القمة بيومين، وتزامناً مع زيارة وزير خارجية قطر إلى بغداد، وكذلك الاجتماع الافتراضي بين الكاظمي مع الملك السعودي سلمان بن عبدالعزيز.
وكان لافتاً أيضاً في ذلك الوقت، انتقاد قوى سياسية حليفة للحشد الشعبي لهذه القمة، وحديثها عن أن دول الخليج قد ساعدت الإرهاب في العراق، علماً بأنه من المعروف أن القاهرة ليس لها علاقة بهذا الملف إطلاقاً.
آنذاك دافع الكاظمي عن القمة فيما اعتبر رداً على استعراض القوة، حسب “الشرق الأوسط”.
موقف السعودية
قد تكون السعودية سعيدة أيضاً بمحاولة القاهرة تعزيز التعاون مع العراق لتقليل النفوذ الإيراني، أو مزاحمته ولو قليلاً، وهو ما بدا من احتفاء إعلامها بالقمة.
ولكن لا يعرف مدى نظرتها إلى آلية التعاون الثلاثي بين مصر والعراق والأردن، وهل تعتبرها شكلاً ولو محدوداً من التمرد من قبل هذه الدول الثلاث غير الخليجية على الهيمنة الخليجية ولا سيما السعودية والإماراتية خلال السنوات الماضية على السياسة العربية، خاصة أن القاهرة وبصورة أقل الأردن بدأت تحركات فاعلة في ملفات عدة وبشكل مستقل عن السعودية والإمارات تمثل في الحالة المصرية في المصالحة مع قطر، والتهدئة مع تركيا والوساطة في غزة، والحراك في الملفين الليبي والإثيوبي.
لن تكون إيران أو غيرها من جيران العراق فقط هي العائق الوحيد أمام مشروع الشام الجديد، لكن البيروقراطية في الدول الثلاث، والفساد لا سيما في العراق، هو عائق كبير، أمام التطور الاقتصادي للبلاد، ويزيد الطين بلة أن معظم المشروعات التي يتوجه إليها العراق في عملية إعادة الإعمار تزيد الطبيعة الاستهلاكية للاقتصاد، الذي أصبح محملاً بأعباء عجز كبير في الموازنة.
ونتيجة هذه السياسات، تحول العراق الذي كان سلة غذاء المنطقة يوماً إلى المستورد الأبرز فيها.
عربي بوست