السياسية: متابعات : صادق سريع

كيف أضعف تضارب المصالح تحالف الرياض وأبوظبي ودفع الجارتين إلى البحث عن تحالفات جديدة “أكثر واقعية”؟

هي خلافات لا يتحدث عنها المسؤولون.

ولا تصل إلى وسائل الإعلام الرسمية إلا نادراً.

يتداولها المحللون والأكاديميون والنشطاء، لكنها تبقى في الظل، حتى لا تفسد اللقطات التذكارية للحكام وأولياء العهود.

يحدث أحياناً أن تبرز الخلافات إلى الواجهة، حين يبدو إخفاؤها مستحيلاً، كما حدث في أزمة حصار قطر وحرب اليمن.

وتبقى معظم الخلافات حبيسة الغرف المغلقة، والرسائل الدبلوماسية، وتسريبات ويكيليكس.

نهاية 2020 قالت رويترز إن “الإمارات خرجت هذا الأسبوع من تحت جناح النفوذ السعودي في “أوبك”، مشيرة إلى أنه بسبب هذا الإحباط عرض وزير الطاقة السعودي الأمير عبدالعزيز بن سلمان التنحي عن منصب نائب رئيس لجنة المراقبة الوزارية المشتركة في المنظمة”.

وكانت المناسبة أن أبوظبي طالبت بتحسين الالتزام بتخفيضات إمدادات النفط، ما تسبب فعلياً في تأجيل البتّ في استراتيجية أوبك وحلفائها ليومين. 

واعتبرت الوكالة أن الخطوة غير المعتادة من جانب الإمارات تُلقي الضوء على تنامي دور الإمارات داخل أوبك، بينما تسعى لزيادة الإنتاج في السنوات المقبلة لرفع حصتها السوقية.

هناك أسباب قديمة وحديثة للخلاف بين البلدين، غير أن التوترات الجديدة تقوم على محاولة أبوظبي إجراء تعديلات مستمرة على توازن القوى السابق، الذي كانت الرياض تقوده.

لكن القيادة الحالية للإمارات باتت تشعر بأنها صارت أقرب إلى مركز القيادة في العلاقة منها إلى موقع التابع.

فقد تصاعدت قوتها العسكرية والأمنية، وتأثيرها السياسي أيضاً.

وتستعد الآن لتحصد ثمار “علاقة خاصة” مع إسرائيل، بحيث تكون أبوظبي الوكيل الجديد -إن لم يكن الحصري- لتل أبيب في الخليج، وربما في أقاليم ومناطق أخرى.

أصبح السؤال: إلى أين تصل الإمارات في منافستها للجارة والحليفة والشقيقة الكبرى “السعودية”؟

هذا التقرير يستعرض الجذور الاقتصادية للتنافس بين البلدين، منذ النزاع على حدود غنية بالنفط، إلى تضارب المصالح الذي أشعل المنافسة الاقتصادية، وألقى بظلاله على الكثير من الملفات السياسية.

النفطهو العنوان الدائم للخلافات الحدودية

بدأت الإمارات تنافُساً إقليمياً مع السُّعوديَّة قبل عقود طويلة، لكن الوتيرة تتسارع الآن. 

بدأت الحلقة الأولى من الصراع بين آل سعود وآل نهيان في عام 1810.

وقتها سيطر آل سعود على واحة “البريمي”، البيت التقليدي لآل نهيان، ولؤلؤة الرعاة والصيادين في هذا التوقيت، وبسطوا سيطرتهم عليها لقرابة 150 عاماً. 

ومع هذا التاريخ من التنافس الاقتصادي والعداء القبلي كان من الطبيعي أن تفرض النزاعات الحدودية نفسها بعد اكتشاف النفط في شبه الجزيرة العربية عام 1932، وبداية ترسيم الحدود في شرق الجزيرة لاحقاً بعد ثلاثة أعوام.

رفض الشيخ زايد آل نهيان نجل حاكم أبوظبي في ذلك التوقيت مبلغاً ضخماً لترضيته، مقابل التخلي عن مطالباته باستعادة واحة “البريمي”.

مع رحيل بريطانيا، سارع الملك السعودي “فيصل” لبسط سيطرته على الواحة، في محاولة لفرض الأمر الواقع.

اضطر الشيخ زايد إلى توقيع اتفاقية جدة التي يمنح فيها الرياض منطقة “خور العديد” على الحدود، ليخسر نقطة الاتصال البري الوحيدة بين الإمارات وقطر، كما يخسر حقوقه في حقل “شيبة” الضخم، الذي صار 80% منه واقعاً تحت سيطرة السعودية بحكم الترسيم الجديد.

هددت فيها أبوظبي بالانسحاب من مجلس التعاون الخليجي، كما غابت عن احتفال المملكة بتدشين حقل شيبة.

الأمير “سلطان بن عبدالعزيز”، الرجل الثاني في المملكة بعد ولي العهد آنذاك الأمير “عبدالله”، وصف وقتها الإمارات بأنها دولة “نصف إيرانية” تثير “نزاعات صبيانية”.

“نصف إيرانية” لأنها تقوم بنصف معاملاتها التجارية مع طهران، كما أن “نصف سكانها من الإيرانيين أو ذوي الأصول الإيرانية”، وفقاً لما قاله “سلطان” آنذاك. 

مع وفاة الشيخ زايد بدأت القيادة الإماراتية الجديدة تفصح عن رغبتها في إعادة النظر في أجزاء من اتفاقية جدة عام 1974، التي يعتقد “محمد بن زايد” أن والده وقع عليها بالإكراه.

عطّلت السعودية مشروعاً إماراتياً لإنشاء جسر يربط أبوظبي بقطر فوق مياه خور العديد. 

انسحبت الإمارات من الاتحاد النقدي الخليجي لإصدار عملة خليجية موحدة، اعتراضاً من أبوظبي على تمسك الرياض باستضافة البنك المركزي الخليجي.

وقع تصعيد غير مسبوق، حين فتحت البحرية الإماراتية النار على زورق سعودي صغير زعمت أنه اخترق المياه الإماراتية في خور العديد، وأسرت البحارة السعوديين.

الخلاف الحدودي يُحيي ملفَّات الخلاف الأخرى، وربما هو أساس هذه المشاكل حيث سعت السعودية إلى حرمان الإمارات من عائدات نفطية ضخمة، ومنعها من بناء شبكة تواصل بري مع قطر.

لأن السعودية أرادت دائماً تحجيم النفوذ الإماراتي.

والإمارات تسعى لاستعادتهِ الآن عبر أكثر من طريقة.

السطور التالية تشرح تأثير تضارب المصالح على التحالف السياسي بين السعودية والإمارات، وكيف أفضى ذلك إلى مزيد من المنافسة الاقتصادية على نطاق واسع، وعلنيّ.

تصادم اقتصادي وشيكالمنافسة أصبحت أكثر وضوحاً مع اتجاه الجارتين إلى “تنويع الاقتصاد” بعد النفط

منذ صعوده إلى ولاية العهد مع تولي أخيه “خليفة” حكم البلاد عام 2004، لم يفوت محمد بن زايد أي فرصة لإظهار اشمئزازه من النظام السعودي، ومحاولة قلب الطاولة عليه في لقاءاته مع المسؤولين الأمريكيين، الذين يجد بن زايد أريحية غير معهودة في الحديث حول أفكاره معهم، كما ظهر في عشرات البرقيات التي سربتها ويكيلكس.

“صورة” غرافيك لأهم تسريبات بن زايد ضد السعودية

ثم جاء ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وتغيرت توجهات بن زايد تماماً نحو حكام الرياض.

إشارات التقارب بين الرجلين بدأت في قمة كامب ديفيد الخليج 2015 في واشنطن.

وقتها لم تكن فيه العلاقات السعودية الإماراتية في أفضل أحوالها، وهي العلاقة التي يبدو أنها تعززت مع زيادة مشاركة الإمارات في حرب اليمن، واقتراب “بن سلمان” من العرش، مع تعيينه ولياً لولي العهد في (أبريل/نيسان) لنفس العام 2015. 

ويبدو أن العلاقة تطورت أسرع مما يظن الجميع، فلم يكد عام 2015 ينتصف حتى كان “بن زايد” يروج لـ”بن سلمان” لدى الإدارة الأمريكية.

مصالح مشتركة..
وهدف واحد يهدد بالانقسام

جاء ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وتغيرت توجهات بن زايد تماماً نحو حكام الرياض.

تعد الصداقة الوثيقة بين ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان وولي عهد أبوظبي محمد بن زايد هي أهم تحالف في الشرق الأوسط.

والاثنان يسيطران على قرارات مجلس التعاون الخليجي، ويخططان مستقبل العالم العربي على النطاق الأوسع.

يشترك الزعيمان في الخوف من إيران وكراهية تركيا والإخوان المسلمين. 

شكل الزعيمان تحالفات مع دول عربية أخرى لخوض حرب في اليمن وفرض الحظر الذي رُفع مؤخراً على قطر. 

خارج الشرق الأوسط تعاونا للتوسط في اتفاق سلام بين إثيوبيا وإريتريا، والسعي وراء تحالفات عسكرية وأمنية في آسيا وإفريقيا. بل إنهما في بعض الأحيان قد تعهدا بشراكة اقتصادية داخل البلدين وفي الخارج، فضلاً عن العمل بمهارة على دمج علاقاتهما وموجوداتهما في القرن الإفريقي، تُرسيان شيئاً فشيئاً دعائم قوسٍ من النفوذ السياسي عبر المنطقة.

رغم أنهما متحدان في الغالب من خلال مصالح مشتركة، فإن هناك هدفاً واحداً مشتركاً يهدد بالانقسام.

كلاهما حريص على تقليل الاعتماد على صادرات النفط والغاز من خلال تنويع الاقتصاد، وهذا يضعهما في مسار تصادمي.

يبدو أن العلاقات بين البلدين ليست في أحسن أحوالها في مجال سوق النفط.

الإمارات تحاول تجاوز جارتها السعودية، والتمرد على قيادتها لمنظمة (أوبك +).

تريد الإمارات زيادة حصتها من الإنتاج بمعزل عن قرارات المجموعة الداعية إلى الاستمرار في خفض الإنتاج، ملوّحة بالانسحاب من عضوية منظمة (أوبك +)، وفق تقرير لوكالة بلومبيرغ.

بسبب الإحباط السعودي من الموقف الإماراتي، عرض وزير النفط السعودي الأمير عبدالعزيز بن سلمان التنحي عن منصب نائب رئيس لجنة المراقبة الوزارية المشتركة في أوبك نهاية 2020 لصالح أبوظبي، لكن الأخيرة رفضت.

ونقلت رويترز عن أحد المصادر أن الوزير السعودي مستاء للغاية، لكنه لن يخرج عن التوافق، ما يعني أن الخلاف غير المسبوق مرجح لمزيد من التوتر.

المنافسة الأكبر على العمالة الماهرة ومقرات الشركات

من المتوقع أن تزداد حدة المنافسة مع استنزاف الملكيات العربية للثروة المتراكمة من عقود من صادرات النفط والغاز. يعتقد صندوق النقد الدولي أن صندوق الكنز الجماعي سيكون خالياً بحلول عام 2034. وقد أدى وباء كورونا وتأثيره على أسعار النفط إلى تركيز العقول في جميع أنحاء دول مجلس التعاون الخليجي على الحاجة الملحة للتنويع.

التنافس الاقتصادي بين الرياض وأبوظبي من شأنه تهديد تحالفهما، الذي يراه البعض “أهم تحالف في الشرق الأوسط”.

البلدان يسعيان لتحقيق هدف مشترك وهو تقليل اعتماد الاقتصاد على صادرات النفط والغاز، وهو ما يضعهما في مسار تصادمي.

لماذا؟

لأنهما تسعيان للتنويع الاقتصادي بالتوسع في القطاعات نفسها، مثل السياحة والخدمات المالية واللوجيستية والتكنولوجيا.

والبلدان يفتقران إلى مجموعات المقوّمات المطلوبة لخدمة الصناعات البعيدة عن النفط، وهو ما جعلهما يتنافسان للحصول على الخبرات الأجنبية، وعلى سبل وفرص الاستثمار.

وتوقَّع ازدياد حدة المنافسة بين البلدين مع استنزاف ثرواتهما من صادرات النفط والغاز، ويتوقع البنك الدولي وصول الدولتين لتلك المرحلة بحلول عام 2034.

السعودية رفعت العصا والجزرة للشركات التي اختارت دبي

يناطح السعوديون لاستنساخ تجربة الإمارات التنموية حتى لو تطلب الأمر إجراءات قسرية مثل قرار مقاطعة الشركات التي لا تنقل مقراتها الإقليمية إلى المملكة. 

هكذا بدأت وكالة DW الألمانية تقريرها في فبراير/شباط الماضي، متسائلة عن التبعات المتوقعة لذلك على الاقتصاد السعودي والسوق الخليجية المشتركة.

ابتداءً من عام 2024، سيُطلب من الشركات الأجنبية التي تسعى للحصول على عقود من الحكومة ومؤسساتها إقامة مقارها الإقليمية في المملكة. هذه إشارة غير خفية للشركات الموجودة حالياً في الإمارات العربية المتحدة: انتقل إلى السعودية، أو تخسر فرصاً تصل قيمتها إلى تريليونات الدولارات في أكبر أسواق دول مجلس التعاون الخليجي.

في مؤتمر الاستثمار “دافوس الصحراء” الذي عقده محمد بن سلمان في يناير/كانون الثاني، قالت 24 شركة متعددة الجنسيات، بما في ذلك Deloitte وBechtel وPepsiCo، إنها ستنقل مقراتها الإقليمية إلى المملكة.

لكن المحللين يشيرون إلى أن بعض هذه الشركات لديها بالفعل مكاتب في المملكة العربية السعودية، ويمكن ببساطة إعادة تسميتها باسم “المقر الرئيسي” مع الحفاظ على وجودها المهيمن في الإمارات العربية المتحدة.

قد يتجنب البعض الجدل حول المصطلحات من خلال إدارة عملياتهم الإقليمية من أوروبا. 

ومن المحتمل جداً أن تتمكن بعض الشركات، لاسيما تلك الموجودة في القطاعات التي تعتبرها الرياض بالغة الأهمية لطموحات التنويع، من التفاوض بشأن الإعفاءات.

لا تريد السعودية منافسة دبي والإمارات الأخرى على اجتذاب مقرات الشركات والبنوك وحسب، بل تريد أيضاً وقبلها قطر والبحرين استنساخ تجربتها في السياحة والترفيه والخدمات المالية والعقارية وجذب الاستثمارات والكفاءات الأجنبية. 

غير أن فرص الرياض والمدن السعودية والخليجية الأخرى ضعيفة في سباق منافسة مدن الإمارات، التي تمتلك البنية التحتية والمالية والقانونية الأكثر تطوراً في الخليج.

ميزات تنافسية للإمارات في مواجهة السعودية

لكن الإمارات لديها ما تنافس به هذه القرارات. 

الميزة التنافسية الأولى هي اجتذاب العمال المهرة، ذوي الياقات البيضاء منذ عقود. 

لطالما كانت البلاد المركز الإقليمي المفضل للشركات متعددة الجنسيات. على مدار العامين الماضيين فقط كانت هناك منافسة شديدة على المواهب بين دبي والسعودية، التي تشكّل سوقاً أكبر لتعويض أسلوب الحياة الأكثر ليبرالية في الإمارات العربية المتحدة.

ومن المفيد أن تتمتع الإمارات بصورة دولية راسخة بأنها ليبرالية نسبياً في الممارسة العملية، في حين أن المملكة العربية السعودية بدأت متأخرة.

وتُعد الأجواء الاجتماعية في دبي الأكثر انفتاحاً في منطقة الخليج بالنسبة لظروف العيش والسكن والإقامة مقابل غياب هذه الأجواء في مجتمعات محافظة كالمجتمع السعودي.

كما تتمتع الإمارات، وخاصة إمارة دبي، ببساطة الإجراءات البيروقراطية والإعفاءات الضريبية طويلة الأجل.

ومن مقومات تفوق الإمارات أنها تحولت خلال العقدين الماضيين إلى منصة إقليمية وعالمية للسفر والمعارض والمؤتمرات وإعادة التصدير.

كما أن تطبيع العلاقات مع إسرائيل يشكل فرصة لإعطاء دفعة قوية لاقتصادها، لاسيما أن اقتصاد البلدين من بين الأكثر تنوعاً في المنطقة. 

النفط والاستثمار في البلدين

في عام 2018، شكّل النفط وعائلته من المشتقات والمنتجات أكثر من 80% من الصادرات الإجمالية في المملكة العربية السعودية

وأكثر من 50% من الصادرات الإجمالية في الإمارات.

أي أن الإمارات أكثر نجاحاً في تنويع مصادر وموارد الاقتصاد.

بين عامَي 2015 و2019 استقطبت الإمارات تدفقات استثمارات أجنبية مباشرة كحصّة من الناتج المحلّي الإجمالي أعلى من المتوسّط العالمي البالغ 2.5%.

ولم تستقبل السعودية سوى 1.1% من الناتج المحلّي الإجمالي.

وطريقة الإمارات في “الرد غير المباشر”

ظهر ما يسمى التحالف الإماراتي السعودي على أنه تحالف استراتيجي بين الدولتين، ليس في اليمن وحدها، بل هو تحالف يشمل كل قضايا المنطقة أيضاً، ولكنه ما لبث أن اصطدم بالواقع المرير، وهو أن الحلفاء ليسوا حلفاء تقريباً، وأنّ لكلٍّ منهم أجندة ومصالح خاصة.

هذه الخلافات بين السعودية والإمارات بقيت تحت الغطاء بتعتيم إعلامي متعمد، ورغبة إماراتية سعودية بعدم إظهارها إلى العلن، إلا أن الإمارات، وبعد توجُّه السعودية نحو تحقيق “المصالحة” مع قطر، اتجهت نحو معاقبة المملكة، وقررت أن تُظهر هذا الخلاف إلى العلن. 

اختارت أبوظبي الهجوم على الرياض عبر أذرعة إعلامية تمولها، أبرزها صحيفة “العرب” اللندنية.

شنت الصحيفة هجمات لاذعة غير مسبوقة على السعودية. 

بدأت حملتها هذه بمقال بعنوان “لا المقاطعة استمرّت ولا قطر انتصرت”، تساءلت فيه: هل تمتلك السعودية أي استراتيجية حقيقية لقراءة مستقبلها في منطقة يتصاعد فيها وبشكل مستمر الاستحواذ التركي والإيراني بعد تراجع الدور العراقي؟

وصفت السعودية بأنها “دولة فاشلة” ولا تملك استراتيجية سياسية. وتساءلت الصحيفة في مقال مدير تحريرها: “متى نجحت السعودية من قبل، من الخليج إلى العراق واليمن وتركيا وإيران، إن لم تكن ثمة قوة خارجية مساعدة تعتمد عليها؟”. 

لم تلبث الصحيفة أياماً حتى عادت لتهاجم ولي العهد السعودي والشعب السعودي كافة، بعنوان صاخب جاء فيه “إنشاء مدن ذكية لا يعني أن المجتمعات ذكية”، وأرفقت التقرير بصورة الرياض، في هجمة واضحة على مشروع “ذا لاين” الذي روّج له ولي العهد السعودي منذ أيام.

الاقتصاد الإماراتي يتفوق

في تقرير ممارسة أنشطة الأعمال لعام 2020، قفزت السعودية 30 مركزاً لتصل المرتبة 62 بين 190 اقتصاداً في العالم.

بينما احتلت الإمارات المرتبة الـ16 عالمياً، والأولى عربياً، وفق البنك الدولي.

وبلغت تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر للسعودية في عام 2020 نحو 4.7 مليار دولار، بينما بلغت تدفقات إمارة دبي لوحدها لنفس المؤشر 6.7 مليار دولار.

منافسات اقتصادية على خلفية الحرب في اليمن

تُخفي الحرب على اليمن صراعاً وتنافساً اقتصادياً محموماً بين البلدين، المنافسة الاقتصادية.

الإمارات تخشى من المشاريع السعودية في المنطقة، ومنها مشروع مدينة النور في عدن. مشروع كان يتضمن بناء مدينة وجسر يربط بين اليمن وجيبوتي، أي بين قارتي آسيا وإفريقيا، مما يشكل ممراً تجارياً عالمياً هاماً، قد يؤثر على الدور الريادي الذي تلعبه الإمارات عبر ميناء دبي، وهو ما يشكل مصدر قلق للإمارات.

تم تجميد المشروع لاحقاً لصالح مشروع نيوم، شمال المملكة، بدلاً من الاتجاه جنوباً نحو إفريقيا، فضَّل محمد بن سلمان الإطلالة الشمالية، على مصر وإسرائيل، ومن ورائهما أوروبا.

صراع البلدين الاقتصادي حول اليمن لم يقف عند حد السواحل والممرات البحرية، فالنفط هو مركز الإغراءات والصراعات.

بدأت السعودية تسعى للسيطرة على مدينة حضرموت وعلى حقل “واعد” النفطي الممتد من الجوف وحتى صحراء الربع الخالي، ويقع في معظمه ضمن الأراضي اليمنية، وهو عبارة عن بحيرة نفطية هي الأكبر في الجزيرة العربية، 5.2 مليون برميل، تقع ما بين محافظات مأرب والجوف وحضرموت وشبوة وأبين، وتضم ثالث أكبر حقل نفطي في العالم.

إذا سيطرت السعودية على المنطقة يمكنها زيادة إنتاجها النفطي، والسيطرة على الممر الاستراتيجي لعبور النفط إلى بحر العرب، وهو إقليم حضرموت. 

وهو الحلم نفسه الذي يراود الإمارات، بدليل تمركز قواتها في الجنوب.

الإمارات وبالرغم من مشاركتها بـ 30 طائرة مقاتلة في بداية الحرب، أي ثاني أكبر قوة جوية مشاركة، فإنها لم تكن تريد للرياض أن تنجح في اليمن، ودعمت تقديراتها بتصريح المستشار السياسي لولي عهد “أبو ظبي عبدالخالق عبدالله لوكالة رويترز، بأن عملية عاصفة الحزم لا تعدو سوى مغامرة سعودية”.

تغريدة سعودية: حان وقت عقاب الإمارات

تريد السعودية حضرموت ومأرب والجوف، بما يضمن لها السيطرة على الحقول النفطية وتنفيذ مشاريع مثل الممرات النفطية في حضرموت إلى بحر العرب، ما يؤهل السعودية للاستغناء عن مضيق هرمز.

ولكن فيما ترسم الدولتان حدود نفوذهما في اليمن بالدم والنار، يبرز السباق والمنافسة من خلال مسألتين أساسيتين: 

أولاً الغارات “المجهولة” التي استهدفت مراراً قوات مسلحة مؤيدة لهادي ومناوئة للجيش وللحوثيين.

وثانياً المنافسة على شراء الولاءات العشائرية في اليمن.

هناك “تشنجات” بين البلدين في اليمن وسوريا

سؤال: ما تقييمكم للعلاقات بين الإمارات والرياض اليوم؟

أولريخسن: الروابط بين الإمارات والرياض قوية حالياً على مستوى محمد بن زايد ومحمد بن سلمان. 

مجلس التنسيق السعودي-الإماراتي هو شاهدٌ على اعتبار العلاقات الثنائية بين أبوظبي والرياض محوراً جديداً للسياسة الخليجية، مع ما يثيره ذلك من تساؤلات بشأن موقع الإمارات الست الأخرى، وكذلك الدول الأربع الأخرى الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي.

على الرغم من ذلك، ثمة تشنجات بين الدولتَين حول اليمن على خلفية الدعم الإماراتي للمجلس الانتقالي الجنوبي الذي لا تزال قيادته تتخذ من أبوظبي مقراً لها، ولاسيما منذ أعلن المجلس الحكم الذاتي في نيسان/أبريل 2020. 

لقد اختلفت أهداف الإمارات والسعودية، وفي نظرة الطرفَين إلى التهديدات في اليمن منذ بداية تدخل التحالف في عام 2015 تقريباً، لكنهما تمكّنا من إدارة هذه الخلافات عبر تقسيم اليمن إلى مناطق نفوذ.

تراجعت العملية السياسية على حساب الحرب التي شهدتها البلاد. 

ومع انسحاب الإمارات من التدخل المباشر في اليمن في عام 2019 -في خطوةٍ لم تُنسَّق بالضرورة على نحوٍ كامل مع الرياض- وفيما تبدو العملية السياسية احتمالاً أكثر ترجيحاً، بات من الأصعب تجاهل هاتين المقاربتين المتنافستين.

أما في ما يتعلق بسوريا، فهي تطرح تحدياً على العلاقات السياسية الإماراتية مع الولايات المتحدة أكبر منه على العلاقات مع السعودية.

من حوار مع كريستيان كوتس أولريخسن باحث متخصص في شؤون الشرق الأوسط في معهد بايكر للسياسة العامة في جامعة رايس في تكساس

كريستيان كوتس أولريخسن – باحث متخصص في شؤون الشرق الأوسط 

مركز كارنيغي للشرق الأوسط
تموز/يوليو 2020

“الواقعية الجديدة”الإمارات تلاعبت بنصف أنظمة المنطقة العربية.. فهل من بينها الرياض؟

الخلافات الإماراتية-السعودية تجاوزت كل هذه الملفات بأشواط.

ويبدو أن الإمارات تسعى إلى تجاوز حلفها الكبير مع الرياض بتأسيس نواة لحلف آخر متناسقاً مع المتغيرات الإقليمية.

حلف يكون “الاحتياطي الاستراتيجي” في حال فشلت مساعيها في رأب صدع العلاقات مع السعوديين.

حلف كشفته أعمال القمة الثلاثية التي جمعت أبوظبي بالأردن والبحرين والتي أثارت العديد من علامات الاستفهام؛ نظراً للتعتيم الإعلامي الشديد على مخرجاته وغياب أهم دولتين في المنطقة، مصر والسعودية.

القمة التي ناقشت التطورات الإقليمية والدولية والقضية الفلسطينية تؤكد مساعي تكوين حلف جديد لا يضم الرياض.

الخليج العربي بأسره مقبل على تغييرات جيواستراتيجية قد تعيد رسم خارطة التحالفات الإقليمية بعيدة عن شعار “التعاون”.

كل المؤشرات توحي بإمكانية انفراط العقد الخليجي وسقوط شعار “معاً أبداً في العزم والحزم”.

تميل كل عاصمة خليجية الآن نحو معسكر يحفظ لها مصالحها ويدرأ عنها المخاطر التي تُهددها.

وفي هذا السياق تميل الإمارات إلى إسرائيل للتخلص من المظلة السعودية ولمواجهة تمدد النفوذ الإيراني التركي.

أمّا المملكة فهي رهينة جرد حساباتها في اليمن وعودتها للمقاربة الكلاسيكية القائمة على دبلوماسية الحج.

تكتمل اليوم دورة كاملة في العلاقات السعودية-الإماراتية.

دورة بدأت بتمرد جيل جديد من الحكام في الإمارات على الهيمنة السعودية التاريخية.

وانتهت إلى لحظة من نشوة القوة لدى الحاكم الفعلي للإمارات، الذي يفخر اليوم بأنه نجح في توظيف شبكة من الأموال والمؤامرات المظلمة من أجل التلاعب بنصف أنظمة المنطقة العربية على الأقل، ويبدو أن الرياض حتى الآن لم تكن استثناءً من ذلك.

الواضح، في هذه المنافسة على قيادة المنطقة، أن الإمارات، التي ساهمت في صعود بن سلمان، تعمل الآن على تحجيمه.

تعمل على دفعه للإقرار بتوازن جديد، يضع أبوظبي في موقع متساوٍ، إن لم يكن في الموقع القيادي.

* المادة الصحفية نقلت حرفيا من موقع عربي بوست ولاتعبر عن رآي الموقع