السياسية:

توقف قصف العدو الإسرائيلي على قطاع غزة وتوقف إطلاق الصواريخ من القطاع بوساطة مصرية، فهل هذه هدنة أم وقف إطلاق النار أم ماذا حدث؟

تم الإعلان مساء امس الخميس عن توافق العدو الإسرائيلي والفصائل الفلسطينية على تنفيذ هدنة لوقف إطلاق النار بوساطة مصرية بدءاً من الثانية صباح اليوم اليوم الجمعة 21 مايو/أيار، بعد 11 يوماً من قصف جيش الاحتلال لقطاع غزة جواً وبراً وبحراً واستهداف الأبراج والمباني السكنية وهدمها على رؤوس ساكنيها، مما أثار انتقادات غير مسبوقة لحكومة بنيامين نتنياهو.

وقالت وكالة رويترز، مساء امس الخميس، إن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي أمر بإرسال وفدين أمنيَّين إلى الكيان الإسرائيلي والأراضي الفلسطينية للعمل على تثبيت الهدنة بين إسرائيل وقطاع غزة، وذلك بعد إعلان حكومة نتنياهو وقفاً لإطلاق النار “دون شروط”، وتأكيد المقاومة الفلسطينية استجابتها لمقترح القاهرة.

وكان المجلس الأمني الوزاري المصغر للكيان الإسرائيلي 1 “الكابينت” قد أعلن، مساء امس الخميس، رسمياً، قبول المقترح المصري لوقف إطلاق النار مع الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة.

وجاء في بيان أصدره “الكابينت”: “قبل المجلس، بالإجماع، بتوصية من قادة الأجهزة الأمنية جميعاً، المقترح المصري لوقف إطلاق النار، من قِبل الطرفين ودون أية شروط، حيث سيدخل وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، في ساعة سيتم تحديدها لاحقاً”.

وقف إطلاق نار وليس هدنة

ما تم الإعلان عنه إذاً هو توافق على وقف إطلاق النار فقط، يوقف بموجبه جيش الاحتلال الإسرائيلي قصف قطاع غزة وتوقف فصائل المقاومة الفلسطينية إطلاق الصواريخ من القطاع تجاه إسرائيل.

وفي هذا السياق، قال سامي أبوزهري، القيادي بحركة “حماس”، في حوار خاص مع وكالة الأناضول: “نعتبر أن هذه المعركة أثبتت تفوُّق المقاومة الفلسطينية وانتصارها على الاحتلال الاسرائيلي”، متابعاً: “العدو اضطر في النهاية إلى الرضوخ لوقف العدوان على شعبنا وعلى القدس. نحن ملتزمون، بكل الأحوال بحماية شعبنا الفلسطيني، ونقول للاحتلال: إن عُدتم عدنا”.

بينما جاءت عبارة لافتة في البيان الصادر عن حوكمة نتنياهو بشأن القبول بوقف إطلاق النار، إذ أشار البيان إلى أن “القيادات السياسية على أرض الواقع هي من ستحدد استمرار المعركة من عدمه”. 

ورغم أن ما يصدر من تصريحات إعلامية، عن الجانب الإسرائيلي بالتحديد، طوال الأزمة الحالية لا يمثل سوى قمة جبل الجليد، فإن مسار الأحداث وقبول نتنياهو وقف إطلاق النار، رغم تصريحاته الأربعاء بتمسكه باستمرار ما وصفها بـ”العملية العسكرية” حتى تحقيق هدف “النصر أو الردع”، يشير إلى مدى ضعف الموقف الإسرائيلي في ظل تزايد الضغوط الداخلية والخارجية على نتنياهو.

ماذا يحدث الآن على الأرض؟

بمجرد أن دخل وقف إطلاق النار حيز التنفيذ فجر اليوم الجمعة، كان هناك مشهدان متناقضان تماماً على الأرض. مسيرات وتجمعات احتفالية في غزة ومدن الضفة الغربية المحتلة بانتصار المقاومة، يقابلها مشهد إسرائيلي داخلي يغلب عليه تبادل الاتهامات بين السياسيين وبعضهم البعض والعسكريين والسياسيين من جهة أخرى.

وانعكس المشهدان في التصريحات الصادرة بشأن وقف إطلاق النار، إذ قالت حركة “حماس” إن “الاحتلال (الإسرائيلي) هرب أمام ضربات المقاومة الفلسطينية وفشل في تحقيق ما يريد”، وأضاف متحدث الحركة عبداللطيف القانوع لـ”الأناضول”: “الاحتلال هرب أمام ضربات المقاومة الفلسطينية، وفشل في تحقيق ما يريد، وستظل المقاومة هي الدرع الحامية لشعبنا ومقدساته”.

بينما كشفت التصريحات الإسرائيلية، التي سبقت الإعلان عن موافقة حكومة نتنياهو على وقف إطلاق النار بوساطة مصرية، عن عمق المأزق الذي تواجهه تل أبيب، إذ كان هناك توجه لإعلان إسرائيلي لوقف إطلاق النار من طرف واحد، وهو ما لم يحدث وتم الإعلان عن التوافق على وقف إطلاق النار مع حماس.

الآن تبدأ المفاوضات بشأن الهدنة

ما حدث إذاً هو وقف إطلاق النار كخطوة أولى نحو مواصلة المفاوضات بين حكومة الاحتلال والفلسطينيين بشأن التوصل لاتفاق هدنة بشروط محددة، وهنا نرصد ما رشح من تصريحات في هذا الشأن.

فقال منير الجاغوب رئيس المكتب الإعلامي بمفوضية التعبئة والتنظيم لحركة “فتح” في تغريدة له إن “قرار إسرائيل وقف إطلاق النار، من جانب واحد، ما هو إلا محاولة مكشوفة للتهرب من جرائمها البشعة ضد أبناء شعبنا الفلسطيني في غزة، من أطفال وشيوخ ونساء”.

واعتبر أن ذلك يأتي للتهرب من أسباب اندلاع المواجهات مع الاحتلال، وهو الاعتداء على أهالي حي الشيخ جراح، ومحاولة الاستيلاء على منازلهم واقتحامات المسجد الأقصى. وتابع الجاغوب: “لن يُعفي هذا الهروب الجبان قادةَ الاحتلال من الملاحقة أمام الجنائية الدولية، ولن يَفُت في عضدنا، ولن يستطيع المساس بجبهتنا الداخلية ووحدتنا في مواجهة هذا الإجرام، ولن تعود عقارب الساعة إلى الوراء”.

وكان وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي قد قال في تصريحات للصحفيين بمقر الأمم المتحدة في نيويورك، إنه من المتوقع أن تعلن إسرائيل عن وقف لإطلاق النار، من جانب واحد، بعد منتصف ليلة الخميس-الجمعة.

وأوضح المالكي أن “الإعلان الأحادي الجانب لوقف إطلاق النار يعود إلى أن الهدو الإسرائيلي لا تريد أن تصل إلى صيغة توافقية؛ حتى لا تعطي امتيازات لأي جهة فلسطينية وحتى لا تحمّل نفسها أي مسؤوليات إضافية”.

وفي هذا السياق قالت مصادر بالحكومة الإسرائيلية، الخميس، إن اتفاق وقف إطلاق النار مع الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة “ليس مرتبطاً بالقدس أو حيّ الشيخ جراح” بالقدس المحتلة، وأضافت المصادر وفقاً لما نقلته قناة “كان” الرسمية عنهم دون ذكر أسمائهم، أن “اتفاق وقف إطلاق النار تم بوساطة مصرية، ودون شروط”. وأردفت: “الاتفاق لا يرتبط بالأحداث التي وقعت في مدينة القدس أو حيّ الشيخ جراح”.

وأكد وزير دفاع العدو الإسرائيلي، بيني غانتس، أنه “لا توجد أية شروط فيما يتعلق باتفاق وقف إطلاق النار”، بحسب القناة ذاتها. وعلَّق على الاتفاق قائلاً: “الواقع على الأرض هو ما سيحدد الاستمرار في الهدوء من عدمه (..) حققنا إنجازات غير مسبوقة، ومستعدون لأي سيناريو، والهدوء سيقابَل بهدوء فقط ولا توجد أية شروط”.

الشيخ جراح والقدس وشروط الهدنة القادمة

ترسم هذه التصريحات والأحداث على الأرض إذاً جزءاً من الصورة الأكبر التي تختفي أغلب تفاصيلها خلف الكواليس حتى الآن. وقف إطلاق النار دخل حيز التنفيذ بالفعل، والآن تبدأ المفاوضات بشأن توقيع اتفاقية هدنة بشروط محددة.

الفصائل الفلسطينية تريد – في هذه المرحلة على الأقل – أن توقف حكومة نتنياهو تهجير العائلات الفلسطينية من حي الشيخ جراح، وأن تقدم ضمانات ملزمة بوقف الاعتداءات في القدس المحتلة وليس فقط الحديث عن القضايا الخاصة بقطاع غزة ومئات الشهداء المدنيين وآلاف الجرحى وهدم المباني السكنية وتدمير البنية التحتية.

نتنياهو – الذي أشعل هذه الحرب من الأساس من حي الشيخ جراح والمسجد الأقصى من الأساس – يواجه ما يمكن وصف بأسوأ كوابيسه. فهل يوافق على شروط المقاومة – وجميعها شروط تقع ضمن إطار احترام القانون الدولي ومن الصعب على أي وسيط في المفاوضات أن يلتف حولها؟

أم يلجأ رئيس الوزراء المتهم بالفساد إلى إشعال الحرب مرة أخرى، رغم التحول الواضح في الموقف الدولي تجاه القضية الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي، ومن ثم يجد نفسه في مواجهة محتملة مع الإدارة الأمريكية برئاسة بايدن خارجياً وخصومه السياسيين داخل إسرائيل على المستوى الداخلي؟

فالمواجهة الحالية مختلفة تماماً عن حرب 2014 التي استمرت 50 يوماً ودمر خلالها الاحتلال قطاع غزة وأوقع أكثر من 2200 شهيد، ففصائل المقاومة الفلسطينية اليوم تحظى بدعم شعبي جارف في المنطقة العربية وحول العالم، بينما تواجه إسرائيل موقفاً لم تواجهه من قبل مع تزايد الانتقادات لها حتى داخل أروقة السلطة في واشنطن بصورة لم تكن موجودة من قبل.

عربي بوست