البروفيسور جمال بنعمر*

بعد ست سنوات من اندلاع هجمات التحالف الذي تقوده المملكة العربية السعودية على اليمن، لا تزال الحرب مستعرة. يقول المبعوث الأممي الخاص السابق إلى اليمن، جمال بنعمر، إنه بدون تغيير جاد للدفة باتجاه المفاوضات، فإن الوضع قد يستمر لسنوات أخرى.

السادس والعشرون من مارس 2015، اليوم الذي انهالت فيه القنابل الأولى للتحالف الدولي بقيادة السعودية على العاصمة صنعاء، وعلى الحوثيين الذين استولوا عليها في الخريف، لم يكن اليوم الذي بدأت فيه الحرب في اليمن. ولكنه كان التاريخ الفارق الذي بدا معه أن الحل أصبح مستعصياً.

بعد أقل من شهر، صدر قرار بصياغة سعودية عن مجلس الأمن الدولي يطالب الحوثيين بالاستسلام دون قيد أو شرط لحكومة غادرت صنعاء واليمن لتقيم في المنفى بأحد فنادق الرياض. قدمت الشروط غير الواقعية التي تضمنها القرار غطاءا بأثر رجعي للسعوديين -الذين كانوا قد ضغطوا فعلا على الزناد- ولاستمرار حربهم.

من الواضح أن إنذارات الاستسلام فشلت بشكل كامل. ومع ذلك، ومنذ إعلان الرئيس الأمريكي جو بايدن “عودة الدبلوماسية”، تم الاحتفاظ بها في مقدمة الشروط المسبقة التي وضعتها الولايات المتحدة لاستئناف المحادثات، وفي مبادرة السلام التي اقترحتها السعودية هذا الأسبوع. باتباع نهج يقوم على مطالب تكتيكية وعلى شروط مسبقة منطقها “يجب أن ترمش أولاً“، كما هو الشأن مع الإيرانيين في ملف المباحثات النووية، تخاطر الولايات المتحدة بالتوجه نحو مأزق جديد بدل إحداث اختراقات، كما فعلت في السابق في ملفات أخرى في الشرق الأوسط. والواقع أن حالة العبث ظاهرة للعيان بشكل أوضح في اليمن:

عندما يسيطر الحوثيون على مناطق أشسع من البلاد مقارنة بما استولوا عليه في عام 2015، كيف يمكن أن يكون من الواقعي توقع قبولهم بالاستسلام؟
بدلاً من مساومة الجانبين على وقف إطلاق النار أولاً، يجب على الأمريكيين أن يأخذوا زمام المبادرة وأن يقدموا رؤية بديلة قائمة على إعادة تصور الشكل الذي يمكن أن تبدو عليه تسوية لتقاسم السلطة في اليمن. إن هم فعلوا ذلك، فإن كل القضايا التكتيكية سوف تتبدد.

لكن يجب أولاً فهم كيف ولماذا بدأت الحرب.

لقد بدأت بمحاولة فرض هيكل فيدرالي من قبل الحكومة. وافق اليمنيون من جميع الأطراف -بما في ذلك الحوثيون- من خلال حوار وطني شامل على تبني النظام الفيدرالي من حيث المبدأ. ولكن كان هنالك خلاف حول كيفية ترسيم الأقاليم.

في اتجاه معاكس للنصيحة التي قدمتها الأمم المتحدة بإلحاح، ذهبت الحكومة في سعيها إلى فرض حل فيدرالي من ستة أقاليم. حل يحصر الحوثيين في منطقة جبلية فقيرة ليس لها منفذ على البحر ولا تتمتع بكثير من الموارد الطبيعية. كما أنه، على جبهة مقابلة، يقسم الجنوب إلى إقليمين ضدا على رغبات الجنوبيين ومطالب الاشتراكيين. على الرغم من ذلك، مضت الحكومة في مسعاها لترسيم حدود الأقاليم وفرضه كأمر واقع. وخلافًا للنصيحة التي قدمتها الأمم المتحدة كذلك، ابتعدت الحكومة عن توصية توسيع التمثيل داخل تشكيلة مجلس الوزراء كما تم الاتفاق عليه في مؤتمر الحوار الوطني، وتبنت بدل ذلك تعديلا وزاريا يعيد إنتاج التشكيل القديم ويستبعد الحوثيين. فجاء رد هؤلاء عبر اللجوء إلى العنف لتحقيق أهدافهم السياسية من خلال الوسائل العسكرية، في تنكر صريح لتعهداتهم السابقة بتسوية خلافاتهم عبر الحوار السياسي.

بعد ست سنوات من ذلك، كانت النتيجة أسوأ أزمة إنسانية في العالم.

يجب أن تعالج التسوية السياسية هذه القضايا الخلافية. يجب أن تأخذ إعادة ترسيم أقاليم الدولة الفيدرالية في الاعتبار الحقائق الجديدة على الأرض. لا شك أن ذلك سيستغرق وقتًا، لكن ليس من الضروري الاتفاق على الأمر قبل أن يبدأ السلام. يمكن لمجموعة من المبادئ في اتفاقية السلام أن تفوض هيئة مستقلة لترسيم حدود الأقاليم الفيدرالية.

إن اتفاق سلام لا يضع في الحسبان مثل هذه الاعتبارات سيكون مصيره الحتمي الانهيار. والتشبث الصارم بالشروط المسبقة لإطلاق المحادثات هو الشجرة التي ستستمر في إخفاء الغابة. لقد تحولت المساومة على تلك الشروط إلى حلقة مفرغة، مع رفض كل الأطراف تقديم تنازلات على الأرض. في غضون ذلك، يواصل اليمن انزلاقه الخطير نحو المجاعة والعوز.

بالطبع، هنالك من سيقول للأمريكيين إن التخلي عن الشروط المسبقة -ناهيك عن السعي للتفاوض بدونها- سيكون تسليما، بل مكافأة للحوثيين بفرضهم في تركيبة الحكومة. ولكن التاريخ الحديث يقدم لنا نماذج عديدة لمجموعات مسلحة قامت بالشيئ ذاته، من الجيش الجمهوري الإيرلندي إلى حركة طالبان. وقد تفاوضت الولايات المتحدة مع كليهما على اتفاقات لتقاسم السلطة.

إذا استطاعت الولايات المتحدة أن توضح للحوثيين والجنوبيين أن أجندة المفاوضات ستتضمن البحث عن حل عادل يأخذ بعين الاعتبار بواعث قلقهم العميقة والاستراتيجية، فإن ذلك سيمنح فرصة حقيقية للسلام. يجب أن يكون تقاسم السلطة في صلب الحل المرتقب. قد لا يكون الأمر مثالياً، لكن البديل عنه ليس سوى الحرب.

أعلم من تجربتي الشخصية أن كل شيئ يصبح ممكنا عندما يشرع اليمنيون في الحديث إلى بعضهم البعض. أما الاستمرار في ذات المطالب التي لم يتم قبولها في عام 2015 أو في أي وقت خلال السنوات الست اللاحقة، فسيوفر فقط الشروط لاستمرار الحرب بشكل غير مقبول.

*الكاتب هو رئيس المركز الدولي لمبادرات الحوار، والمبعوث الخاص السابق للأمم المتحدة إلى اليمن 2011-2015
* المصدر : رأي اليوم
* المادة تم نقلها حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع