السياسية – رصد:

وضعت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن استراتيجية جديدة، تركز على الدبلوماسية، في إطار محاولاتها وقف الحرب اليمنية. إلا أن هذه الاستراتيجية تواجه عوائق كثيرة، إذ إن إعلان بايدن إنهاء “كل الدعم الأميركي للعمليات الهجومية في الحرب في اليمن، بما في ذلك مبيعات الأسلحة”، أتبعه بالتأكيد على “التزامنا مساعدة السعودية في الدفاع عن أراضيها ضد هجمات جديدة”، ما قد يعني أن أي هجوم حوثي على الأراضي السعودية قد يأتي يعيد وقف التسليح إلى نقطة الصفر.

كما أن واشنطن لن توقف حربها في اليمن، إذ إنها ستواصل جهودها لمحاربة تنظيمي “القاعدة” و”داعش” في هذا البلد. النقطة الوحيدة الواضحة في الاستراتيجية الأميركية الجديدة هي رفع جماعة “أنصار الله” (الحوثيين) عن لائحة الإرهاب، وهو أمر كانت ضغطت منظمات العمل الإنساني للتوصل له، إذ إنه لا خيار لديها سوى التعامل مع الحوثيين، الذين يشكلون حكومة أمر واقع في مناطق واسعة من اليمن، بما في ذلك العاصمة صنعاء.

قيّد البنتاغون الدعم الاستخباري والاستشاري للتحالف

وبعد ساعات من كشف بايدن عن استراتيجيته، ذكرت وكالة الأنباء السعودية (واس)، أمس السبت، أن بلينكن أجرى اتصالاً هاتفياً بنظيره السعودي الأمير فيصل بن فرحان آل سعود، وذلك في أول مكالمة بينهما. وأوضحت أن الوزير السعودي هنأ بلينكن على تولي المنصب الأسبوع الماضي، وعبّر عن “تطلع المملكة للعمل مع الولايات المتحدة الأميركية لمواجهة التحديات المشتركة وصون الأمن والاستقرار في المنطقة”. وقال متحدّث باسم وزارة الخارجية الأميركية، أمس الجمعة، “أبلغنا الكونغرس رسمياً” بنيّة وزير الخارجية أنتوني بلينكن شطب الحوثيين من لائحة الإرهاب. وأضاف أن “هذا القرار لا علاقة له بنظرتنا للحوثيّين وسلوكهم المستهجن، بما في ذلك الهجمات على المدنيّين وخطف مواطنين أميركيّين”. وتابع: “أكدنا التزامنا مساعدة السعودية في الدفاع عن أراضيها ضد هجمات جديدة”، مشدداً على أن “تحرّكنا هذا ناجم فقط عن العواقب الإنسانيّة لهذا التصنيف الذي قامت به الإدارة السابقة في الدقائق الأخيرة”. وأشار إلى أن “الأمم المتحدة والمنظّمات الإنسانيّة أوضحت منذ ذلك الحين أنّه (إدراج الحوثيين على لائحة المنظمات الإرهابية) سيؤدي إلى تسريع أسوأ أزمة إنسانية في العالم”.

ويأتي هذا الإلغاء، بعد ساعات من إعلان بايدن إنهاء الدعم الأميركي للعمليات الهجومية للتحالف، الذي تقوده السعودية، في اليمن. وكان بايدن أعلن، الخميس الماضي، سحب الدعم العسكري للعمليات التي تقودها السعودية. وأكد أن إدارته “تعزز جهودها الدبلوماسية لإنهاء الحرب في اليمن، التي تسببت بكارثة إنسانية واستراتيجية”. وشدد على أن “هذه الحرب يجب أن تنتهي”. وأعلن إنهاء “كل الدعم الأميركي للعمليات الهجومية في الحرب في اليمن، بما في ذلك مبيعات الأسلحة”، لكنه أضاف “تواجه السعودية هجمات صاروخية وهجمات أخرى من قوات تدعمها إيران. سنساعد السعودية في الدفاع عن أراضيها وشعبها”.

وأعلنت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) أن الولايات المتحدة قيّدت أيضاً دعمها الاستخباري والاستشاري التكتيكي المحدود للعمليات التي يشنها التحالف، بقيادة السعودية، في اليمن. وقال المتحدث باسم البنتاغون جون كيربي “بناء على تعليمات الرئيس، قطعت وزارة الدفاع كل الدعم غير القتالي، بما في ذلك الاستخبارات وبعض الاستشارات والدعم التكتيكي”. وأوضح أن السعودية لا تزال شريكاً لأميركا، لكن تعليمات بايدن تتعلق بالعمليات في اليمن. وشدد على أن قرار وقف الدعم الأميركي للعمليات في اليمن “لن يؤثر على جهود محاربة تنظيمي القاعدة وداعش في اليمن”. وفي إطار المصالح المشتركة بين أميركا والسعودية، كشف تقرير للأمم المتحدة، مساء الخميس الماضي، عن اعتقال زعيم فرع تنظيم “القاعدة في شبه جزيرة العرب” خالد باطرفي في أكتوبر/تشرين الأول الماضي في اليمن. وذكرت صحيفة “واشنطن بوست”، أمس السبت، أن تغيير الولايات المتحدة المسار العام للحرب التي تقودها السعودية في اليمن هو الجزء السهل. وأوضحت أنه في يوم واحد، غيرت الولايات المتحدة طريقة تعاطيها مع الحرب الكارثية في اليمن، إذ أنهى بايدن الدعم الأميركي للعمليات الهجومية للتحالف، وتعهد بتكثيف الجهود الدبلوماسية لوقف القتال، وعين مبعوثاً خاصاً جديداً إلى اليمن، هو تيم لوندركينغ.

وأوضحت الصحيفة أن الجزء الصعب من استراتيجية بايدن بدأ، مشيرة إلى أنه منذ العام 2015، عندما دخل التحالف، بقيادة السعودية، الحرب، أصبح اليمن مسرحاً لنزاع معقد ومستعصٍ أسفر عن مقتل عشرات الآلاف وأدخل الملايين في المجاعة. واليوم، أصبحت البلاد ساحة لمشاحنات متعددة متداخلة حول السلطة والنفوذ والأيديولوجية، يغذيها اللاعبون الإقليميون الذين يسعون إلى تعزيز مصالحهم الاستراتيجية والأمنية. كما أن اليمن يزداد تصدعاً على أسس سياسية وقبلية ودينية وإقليمية. كما أنه لا يزال ملاذاً لفرع تابع لـ”القاعدة”. وكتب كبير محللي اليمن في مجموعة الأزمات الدولية بيتر ساليسبري، في تغريدة، إن “إنهاء الدعم الأميركي لن يعني تلقائياً إنهاء الحرب. على الإطلاق. هناك توازن جيد يجب أن يتم التوصل إليه هنا، عبر إيجاد طريقة لإنهاء الحرب، بطريقة تستفيد منها الفصائل السياسية، والمسلحة، والجماعات المحلية والمجتمع المدني. هذا أمر ليس سهلاً على الإطلاق”.

ساليسبري: إنهاء الدعم لن يعني تلقائياً توقف الحرب

وأشار إلى أن الصراع على الأرض تحول إلى حرب بين الحوثيين والسعودية والإمارات. كما أنه صراع إقليمي، يسعى فيه السعوديون والإمارات إلى منع إيران، المنحازة إلى الحوثيين، من توسيع نفوذها. يضاف إلى هذا الحرب التي تشنها أميركا ضد “القاعدة” و”داعش”. وهنا، تساعد الإمارات والوكلاء المحليون البنتاغون، لكنهم متورطون أيضاً في صراعات محلية أخرى. ولجعل الأمر أكثر إرباكاً، يقاتل الحوثيون أيضاً “القاعدة” و”داعش”. كما أن هناك انقسامات عميقة داخل التحالف، إذ أدت الخلافات بين الانفصاليين الجنوبيين، المدعومين من الإمارات، والقوات التابعة إلى الحكومة اليمنية، المدعومة من السعودية، إلى اشتباكات عنيفة بين الطرفين. وقال المحقق السابق في الأمم المتحدة غريغوري جونسون، في تغريدة الخميس الماضي، “لم يعد اليمن يعمل كدولة موحدة، وليس من الواضح على الإطلاق أنه يمكن إعادة توحيده مرة أخرى”. وأضاف جونسون، مؤلف كتاب “الملاذ الأخير: اليمن والقاعدة وحرب أميركا في شبه الجزيرة العربية”: “لا توجد جماعة مسلحة في اليمن لديها ما يكفي من الرجال أو السلاح لفرض رغبتها على بقية البلاد، لكن كل جماعة مسلحة لديها تقريباَ ما يكفي من الإثنين للعمل كمفسد (للحل) إذا كانت تعتقد أن رغباتها لا تتحقق”.

ويشير تصريح بايدن إلى وجود مقاربة مختلفة لمبيعات الأسلحة إلى السعودية، حيث سيقوم المسؤولون بتقييم الصفقات، وما إذا كان سيتم استخدامها في الحرب في اليمن. لكن السؤال الأهم هو ما إذا كانت الأطراف المتحاربة في اليمن ستقبل التحول الحاد في السياسة الأميركية وترى واشنطن وسيطا دبلوماسيا محايدا وجديرا بالثقة، خصوصاً أن الحوثيين يعتبرون أنها المحرض الرئيسي للحرب. ونقلت الصحيفة عن محللين قولهم إن القضية الكبرى ستكون حجم الدعم الأميركي الذي سيتم قطعه عن السعودية. ومن المتوقع أن يكون لهذا الإعلان تأثير عملي ضئيل على العمليات العسكرية الأميركية المتعلقة بحرب التحالف في اليمن، والتي تم إلغاء الجزء الأكبر منها بالفعل في 2018، جراء احتجاج قيادات في الحزبين الجمهوري والديمقراطي على الخسائر في صفوف المدنيين ومقتل الصحافي جمال خاشقجي.

القضية الكبرى ستكون حجم الدعم الأميركي الذي سيتم قطعه عن السعودية

وفي حين أعلن البنتاغون أن التحول سيشمل “تقييد تبادل المعلومات الاستخباراتية مع السعودية والتحالف”، فإن مسؤولين عسكريين أشاروا للصحيفة إلى أن المشاركة كانت مقتصرة بالفعل على تزويد المسؤولين السعوديين بمعلومات عن التهديدات المباشرة ضدهم. وقال السفير الأميركي السابق في اليمن، جيرالد فيرستين، لصحيفة “واشنطن بوست”، إن إدارة بايدن ستواصل على الأرجح مساعدة السعودية في أنظمتها الدفاعية على طول الحدود اليمنية ضد هجمات الحوثيين بالصواريخ والطائرات بدون طيار. وأضاف أن “تأثير القرار هو في الواقع من حيث الموقف الأميركي والإشارة أكثر مما هو عليه من حيث إعاقة القدرات السعودية في اليمن”.

وذكرت “نيويورك تايمز”، من جهتها، أن وقف إدارة بايدن تسليح السعودية لن ينهي الحرب. وأشارت إلى أنه لم يتضح الكثير من قرار بايدن بشأن ما هي الذخائر التي سيتم وقف بيعها للسعودية. لكن بعض الخبراء رأوا في مقاربة بايدن الجديدة أمراً مشجعاً، خصوصاً تعيين لوندركينغ مبعوثاً خاصاً للتوصل إلى سلام في اليمن. وقال ساليسبري، لـ”نيويورك تايمز”، إن التركيز على الدبلوماسية، التي افتقدناها إلى حد كبير بين كبار قادة إدارة ترامب، أمر مرحب به. كما أن خفض التسليح للسعودية قد يجعل الولايات المتحدة أكثر قدرة على الضغط من أجل التوصل لتسوية. واعتبر أن “الولايات المتحدة، من خلال إبعاد نفسها عن الصراع، قد تكون أكثر قدرة على وضع نفسها كقوة دبلوماسية تسعى بشكل موثوق لإنهاء الصراع. لكن الصعوبة ستكون في التوصل الى حل وسط تعتقد غالبية الفصائل المسلحة والسياسية في اليمن أنه مقبول”. وتابع “قد يكون من الممكن إنهاء الحرب الكبرى، لكن من الأصعب بكثير إنهاء الحروب الصغيرة التي تشكل الصراع في الواقع”.

وذكر موقع “فوكس” الأميركي أن واشنطن لم تنه مشاركتها تماماً في الحرب اليمنية، موضحاً أن الاستراتيجية الأميركية الجديدة تُظهر أن واشنطن ستواصل مساعدة الرياض في مواجهة الحوثيين والتهديدات الأخرى، إذ إن بايدن أشار إلى أن السعودية “تواجه هجمات صاروخية، وضربات بطائرات بدون طيار، وتهديدات أخرى من قوات مدعومة من إيران في عدة بلدان”. كما أن إعلان واشنطن مواصلة الحرب ضد “القاعدة” و”داعش” في اليمن يعني أنها لن توقف نشاطها، بل سيتركز على هذين التنظيمين.

وأشار الموقع إلى أن الاستراتيجية الأميركية الجديدة تتضمن ثلاثة عناصر: إنهاء “العمليات الهجومية” في اليمن، واستمرار الدعم للدفاع عن السعودية، ودفع من أجل التوصل إلى حل دبلوماسي للنزاع. وأشار إلى أنه فيما يخص جزء “العمليات الهجومية”، فإن واشنطن لن تساعد التحالف الذي تقوده الرياض في محاربة الحوثيين في اليمن بعد الآن. لكن هذا الأمر لا يعني أن الولايات المتحدة ستتوقف عن القتال في اليمن. ووفقاً للإدارة، ستواصل ضرب مقاتلي “القاعدة” و”داعش” في البلاد لضمان عدم تمكنهم من استخدامها كقاعدة لشن هجمات ضد أميركا. وأضاف الموقع أن “ما هو غير واضح ما يعنيه عملياً دعم السعودية في الدفاع عن نفسها. لنفترض أن الحوثيين سيواصلون مهاجمة السعودية. وبموجب القانون الدولي، يحق للرياض أن ترد بطريقة متناسبة. كيف سيكون الدعم الأميركي في هذه الحالة؟ بالنسبة لبعض الخبراء، فإن الغموض من جانب فريق بايدن يعني أن باب هذا الدعم لا يزال مفتوحاً”. وقالت الخبيرة أنيل شيلين للموقع “كنت أود أن يقولوا بشكل لا لبس فيه إن الولايات المتحدة لن تشارك بعد الآن في العدوان السعودي في اليمن”. واعتبرت أن “أحد الأسباب التي سمحت بها إدارة بايدن للإبقاء على هذا الغموض هو إبقاء السعودية سعيدة في الوقت الذي تسعى فيه الولايات المتحدة للانضمام مجدداً إلى الاتفاق النووي الإيراني، الذي تعارضه الرياض”. وتخشى شيلين من أن “تحاول السعودية إغراء الولايات المتحدة بالعودة إلى الدعم العسكري مع مزاعم بأن أفعالها ذات طبيعة دفاعية”. وتابعت “كانت الحرب برمتها دفاعية في نظر السعوديين”. وبالنسبة إلى النقطة الثالثة الخاصة بالحل السلمي، أوضح الموقع أن الحوثيين الذين يسيطرون على صنعاء ليس لديهم حافز كبير للتفاوض من أجل السلام لأن القتال لفترة أطول قد يزيد من نفوذهم في المحادثات المستقبلية.

* المصدر: العربي الجديد

* المادة الصحفية: تم نقلها حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع