لماذا لا يثق كثيرون في تولي النساء مناصب قيادية؟
السياسية:
على الرغم من الخطوات الكبيرة التي قطعتها النساء في الوصول إلى مناصب قيادية مؤثرة، لا يزال عدد مذهل من الناس في جميع أنحاء العالم لا يثقون في أن القيادة النسائية يمكن أن تكون فعالة، وهذه النظرة المجحفة متجذرة بعمق بحيث قد يصعب تغييرها.
في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2020، حققت مايا ساندو إنجازاً كبيراً عندما أصبحت أول رئيسة لمولدوفا. وبعد سنوات من تعرضها لإساءات من رجال ونساء على حد سواء بسبب كونها امرأة تدخل معترك السياسة، كان ذلك انتصاراً مهماً لساندو وللنساء في جميع أنحاء العالم.
وفي نفس الشهر، فاز جو بايدن في انتخابات الرئاسية، وفي 20 يناير/كانون الثاني تولت نائبته، كامالا هاريس، مهامها في أعلى منصب وصلته النساء في تاريخ الولايات المتحدة.
وعلى الرغم من أن النساء يحققن قفزات عالية في وصولهن إلى السلطة، فإن ثقافة عدم الثقة في القيادات النسائية ما زالت قائمة.
وتشير الأبحاث الحديثة إلى أن هذا ينطبق حتى على الدول ذات التجربة الطويلة مع الزعامات النسائية، من ألمانيا إلى الهند، حيث ما زالت نسبة كبيرة من الشعب تعارض فكرة وجود النساء في مواقع المسؤولية.
وكان على الزعيمات السياسيات خوض حروب ضد التعليقات التي تسيء لهن بسبب كونهن نساء، حتى عندما يصلن إلى أعلى مراتب النجاح، ويحصلن على اعتراف عالمي، مثل رئيسة الوزراء النيوزيلندية جاسيندا أرديرن التي حظيت بإشادة عالمية لدورها القيادي الفعال خلال جائحة كورونا.
والسؤال هنا: بينما تفوز النساء بأصوات الناخبين، لماذا لا يفزن أيضاً بتصويت الجدارة بالثقة؟
لا توجد إجابة محددة واحدة، لكن هناك دلالات في المجتمع يمكن أن تساعدنا على إيجاد الأسباب.
“تغيير نظرة المجتمع”
يعمل مؤشر “ريكيافيك” على تقييم المواقف تجاه القيادة النسائية في دول مجموعة السبع، وهي كندا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا واليابان والمملكة المتحدة والولايات المتحدة، إضافة إلى الهند وكينيا ونيجيريا.
وقد كشف أحدث استطلاع رأي شارك به أكثر من 20 ألف شخص بعض النتائج المفاجئة والمحبطة.
ففي اليابان كشفت النتائج أن 38 في المئة من الناس أعربوا عن ارتياحهم لفكرة وجود رئيسة للحكومة أو رئيسة تنفيذية لشركة كبرى.
وفي كل من نيجيريا وكينيا، كانت النسبة 62 في المئة لرئاسة الحكومة. وكان متوسط النسب في مجموعة الدول السبع بالنسبة للوجود النسائي في الحكومة والقيادة السياسية أعلى، وقد ظل ثابتاً تقريباً على مدى السنوات الثلاث الماضية عند 78 في المئة.
وفي ألمانيا، قال 41 في المئة فقط من الأشخاص إنهم يشعرون براحة شديدة لوجود امرأة على رأس الحكومة، على الرغم من المدة الطويلة التي مضت على وجود أنغيلا ميركل في منصب المستشارة.
وتقول ميشيل هاريسون، التي تقود القسم العام في شركة “كنتار” لأبحاث السوق وتدير استطلاعات مؤشر ريكيافيك: “إنها مجرد أسطورة أن تتمكن قائدة واحدة من تغيير المجتمع”. كما أنه ليس واقعياً أن نتوقع من قائد واحد (امرأة أو رجل) إحداث تغيير شامل حول أدوار الجنسين”.
ومن النتائج المذهلة الأخرى أن الذكور الشباب على وجه الخصوص، وفي أنحاء العالم، من غير المرجح أن يؤيدوا وجود نساء في مواقع قيادية، وهذا أمر مثير للدهشة نظراً إلى أن الأجيال الشابة غالباً تعتبر أكثر تقدمية من الأكبر سناً.
لكن بشكل عام، فإن النظرة السائدة إلى الشخصيات القيادية لا تزال تحصرها في سلوكيات ذكورية نمطية، ما يؤدي إلى تحيز بلا وعي على أساس الجنس. وهذا ممكن أن يظهر حتى من قبل أشخاص يعتبرون أنفسهم تقدميين، بما في ذلك الأجيال الشابة.
وتقدم أبحاث يوشيكوني أونو، أستاذ العلوم السياسية في جامعة واسيدا في طوكيو، تفسيراً آخر على هذا الفرق الغريب في مواقف الأجيال من قضية وجود النساء في مواقع القيادة. ففي الولايات المتحدة، يميل الناس إلى المبالغة في تقدير التمثيل النسائي في الكونغرس. لكن الشباب غير دقيقين عادة، وتتزايد الفجوة في المعرفة الصحيحة بين كبار السن وجيل الشباب.
وبحسب أونو، قد يكون الأمر هو أن “الناخبين من الذكور الشباب على وجه الخصوص يعتقدون أن النساء ممثلات بالفعل في المجال السياسي، لأنهم يرون المزيد من الإناث في المدارس والجامعات. وفي هذه الأيام، عدد الطالبات في الجامعات يفوق عدد الطلاب بكثير”.
وبشكل عام، إذا كنت تعتقد أن التوازن بين الجنسين متحقق بالفعل، فمن غير المرجح أن تشعر بأهمية انتخاب قيادات نسائية. لذلك، فإن المعلومات أو الاعتقادات الخاطئة قد تصب في اتجاه التحيز ضد القيادة النسائية.
لكن بشكل عام، قد يكون الوضع أسوأ مما توحي به هذه النتائج. فقد طرح الباحثون في مؤشر “ريكيافيك” على المشاركين السؤال التالي: بالنسبة لكل قطاع من القطاعات أو الصناعات التالية، هل تعتقد أن الرجال أو النساء أكثر ملاءمة للمناصب القيادية؟
لكن وجد علماء في السياسة أنه عند طرح أسئلة صريحة ومباشرة حول التحيز ضد القيادات النسائية، فإن العديد من المشاركين في الاستطلاع ينكرون تحيزهم. ويرجع هذا إلى حد كبير إلى حرصهم على ألا يتم وسمهم بتحيز مرفوض اجتماعياً.
وبشكل رئيسي، من الصعب الاعتراف باعتقاد يعتبر غير مقبول اجتماعياً. وهذا التحيز المستهجن بنظر المجتمع يعيق الباحثين ومنظمي استطلاعات الرأي في مجالات عدة، فشعور الناس بعدم الارتياح لإبداء رأيهم بصدق تام يؤدي إلى نتائج غير دقيقة.
وفي الولايات المتحدة، كشفت الحملة الرئاسية الأولى لهيلاري كلينتون في عام 2008 بعض النتائج المثيرة للاهتمام في مجال العلوم السياسية بخصوص العداء الصريح مقابل العداء الخفي تجاه المرشحات للرئاسة.
وفي أحد استطلاعات الرأي، اعترف أكثر من ربع المشاركين بأنهم يشعرون بالغضب أو الاستياء من فكرة استلام امرأة رئاسة الولايات المتحدة، وذلك عندما طرح عليهم السؤال مدسوساً بين مجموعة من الأسئلة الأخرى. وكانت هذه النسبة أعلى بكثير مما اقترحته استطلاعات الرأي التقليدية في ذلك الوقت.
وبالمثل، أظهرت نتائج بحث أجري عام 2019 أن احتمال إعراب النساء عن تحفظهن بخصوص القيادات النسائية أصبح أكثر من الضعف، كما اختفت الاختلافات بين الجمهوريين والديمقراطيين تقريبا عندما طرحت الأسئلة بشكل مقنّع.
تحيز عميق الجذور
هناك اعتقاد سائد بين الرجال والنساء على حد سواء بأن النساء أرق وأضعف من أن يتولين القيادة. ولهذا دلالات مهمة، لأنه وفقاً لتقرير من مركز ويلسون حول استلام المرأة القيادة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، فإن “المفاهيم الشعبية بشأن قدرة المرأة على القيادة هي مؤشر رئيسي لدرجة السلطة التي ستتمتع بها أثناء توليها المنصب”.
وهناك أيضاً بعض الأشخاص الذين لا يعتبرون أنفسهم متحيزين لجنس دون آخر، لكنهم يعتقدون أن القيادات النسائية من المرجح أن تكون أضعف لأن العالم متحيز جنسياً. ومن الأمثلة على ذلك شون نغوين، المقيم في لوس أنجليس الذي يدير موقعاً للمقارنة بين مزودي خدمة الإنترنت وعمره 33 عاماً، فهو يعتقد أن “القادة الرجال يمتلكون سلطة أكبر. هذا خطأ وأود أن أرى تغييره، لكن يتعين علينا العمل ضمن النظام الذي نعيش فيه”.
ويعترف نغوين أيضاً بأن هذا التفضيل يشمل السياسة والأعمال، ويقول: “لكي أكون صادقاً تماماً، أفضل أن يقود رجل شركتي بدلاً من امرأة”.
ومن غير المفاجئ وجود هذا النوع من المعتقدات، فوفقاً لآليس إيغلي، عالمة النفس في جامعة نورث وسترن في إيفانستون في ولاية إلينوي الأمريكية، فإن “الصورة النمطية عن النساء هي أنهن لا يتمتعن بالكفاءة، ولسن حازمات أو صاحبات سلطة، وأن أصواتهن ليست بالعلو المطلوب، وأنهن صغيرات الحجم نوعا ما”.
ولأن هذه السمات مرتبطة تقليدياً بالذكورة وبصفات القادة، أصبح مفهوم القيادة أيضاً مرتبطاً بمفاهيم الذكورة.
وغالبا ما تجد النساء في مناصب قيادية أنفسهن في مأزق مزدوج، فهن يعملن ضمن مجتمعات تتبنى هذه المعايير، لكنهن يخالفنها في نفس الوقت.
ويوضح هذا أونو، المختص بالعلوم السياسية، قائلاً: “تواجه المرشحات (لمناصب رفيعة) تحديات أصعب في تحديد الاستراتيجية الجيدة التي تضمن لهن الفوز في الانتخابات أو الحصول على مزيد من الدعم من الناس، لأن مخالفة الصور النمطية قد تكون لها نتائج سيئة بالنسبة للنساء. وفي الوقت نفسه، فإن الامتثال للقوالب النمطية هو بمثابة عقاب بالنسبة لهن أيضاً.
لذا، يبدو من الصعب على السياسيات أن يعثرن على المنطلق المناسب عندما يضعن خططاً لاستراتيجياتهن”.
وينطبق هذا المأزق المزدوج أيضاً على مجموعات أخرى قد تتعرض للانتقادات سواء التزمت بقيود التحيزات المجحفة أو عملت ضدها. وفي المجتمعات متعددة الأعراق، غالباً ما تدفع النساء ذوات البشرة الملونة فاتورة مضاعفة. فعلى سبيل المثال، يتم تنميط النساء السود على أنهن وقحات للغاية، والآسيويات على أنهن مذعنات للغاية بحيث لا يمكنهن القيادة.
تأثيرات انتشار وباء كورونا
لسوء الحظ، لم يؤد انتشار الوباء إلى حدوث تحول في التحيز المجحف ضد وجود النساء في مناصب قيادية.
ففي فترة الركود الاقتصادي المرتبط بالوباء كان نصيب النساء من النتائج السلبية أكبر وأشد وضوحاً من حيث فقدان الوظائف وتقليص ساعات العمل. كما أن التمثيل النسائي غير كاف في اللجان العلمية التي تضع السياسات المتعلقة بالاستجابة لانتشار جائحة كورونا.
ومع هذا، نالت زعيمات سياسيات الاستحسان لقيادتهن الفعالة خلال الوباء، ومن بينهن رئيسة الوزراء النيوزيلندية أرديرن، والرئيسة التايوانية تساي إينغ وين.
وفي الولايات المتحدة، كان عدد الوفيات في الولايات التي تحكمها نساء أقل في البداية، مقارنة بالولايات التي يوجد بها حكام من الرجال.
لكن من الصعب تعميم الحكم على الأنماط في وقت لا تشكل القيادات النسائية فيه إلا نسبة صغيرة (حالياً من بين 50 ولاية أمريكية هناك 9 فقط تحكمها نساء). وبشكل عام، يبدو أن الأداء القوي للنساء في السلطة لم يسفر عن تحسين النظرة العامة بخصوص القيادة النسائية.
كما ينسحب هذا النمط من التفكير على مجالات أخرى. ففي حين ارتبط وجود قيادة نسائية في القطاع المالي والمصرفي باستقرار أكبر وعائدات مالية أعلى، لا يزال هذا القطاع غير متوازن من حيث العدد أو تكافؤ الفرص بين الجنسين.
وبالإشارة إلى دراسة استقصائية أجرتها “كنتار” على مدى ثلاث سنوات حول المواقف تجاه وجود المرأة في موقع القيادة، تقول هاريسون: “اتساق البيانات دليل واضح على أنه رغم انتشار الوباء ووجود حركة “أنا أيضا” لم نشهد تحولات كبيرة على الإطلاق”.
لكن بمرور الوقت طرأت تغيرات على بعض المعتقدات إلى حد ما، ووفقاً لتحليلات أجرتها إيغلي وزملاؤها لنتائج سبعة عقود من استطلاعات الرأي حول القوالب النمطية الجنسانية، من عام 1946 إلى عام 2018، يبدو أن الأمريكيين أصبحوا يعتبرون النساء أكثر كفاءة مما كانوا يرونهن من قبل. لكن المعتقدات بخصوص قدرة النساء على تحقيق الأهداف والوصول إلى الإتقان لم تتزحزح.
ومع انضمام مزيد من النساء إلى القوى العاملة، ظهرت مناصب استأثرت بها النساء في مجالات كانت تقليدياً حكراً على الرجال، مثل وزارة التعليم داخل الحكومة أو قسم العلاقات الإنسانية داخل قسم الإدارة في الشركات. لكن من أجل الوصول إلى مناصب القمة لا تزال هناك حاجة إلى مزيد من التغيرات في الثقافة السائدة.
صورة المرأة القائدة
تقول إيغلي: “أحد الحلول لتحقيق المساواة بين الجنسين هو تغيير، ليس صورة المرأة أو الرجل، وإنما صورة الأدوار القيادية”.
وتشير إلى حرص أرديرن على مصلحة النيوزيلنديين إبان انتشار الوباء، والهدوء في ممارسة السلطة الذي يميز أداء ميركل. وهاتان الزعيمتان لا تتصرفان كالرجال الأشداء الذين يصرخون بأصوات عالية ويركزون على الاقتصاد ويظهرون مقاومة لفكرة التعاون، وهي صفات تمثل إحدى وجهات النظر النمطية في المفهوم المرتبط بالسلطة.
وتعتقد أكشي شاولا، الباحثة المستقلة في دلهي التي أنشأت النشرة الإخبارية “النساء تقود”، أن وسائل الإعلام والشخصيات أو الجهات التي تساهم في توجيه الثقافة الشعبية تلعب دوراً رئيسياً في النظرة إلى تولي النساء مناصب قيادية. ولكن لكي تكون للتغطية الإعلامية والنقاشات حول القيادة النسائية تأثيرات مستدامة “نحن بحاجة إلى القيام بذلك باستمرار، وبشكل روتيني منتظم، وبطريقة حاسمة”، كما تقول.
لقد أدى انتشار الوباء في العالم إلى وضع قضية التمييز على أساس الجنس في المراكز القيادية تحت المجهر؛ وحظي انتخاب كامالا هاريس باهتمام كبير من قبل وسائل الإعلام في الهند، البلد الذي ولدت فيه والدة هاريس.
وتدعو شاولا إلى الاستفادة من هذا الزخم والبناء عليه لتجنب تراخي العمل على تحقيق المساواة بين الجنسين، وعدم التصور بأن حدثاً استثنائياً واحداً يكفي لإحداث تغير فعلي.
وتقول: “وجود امرأة واحدة في المنصب لفترة طويلة ليس كافياً. وهذا يعزز الصورة النمطية بأن وجود المرأة في مناصب قيادية هو الاستثناء وليس القاعدة”.
وبالطبع، سيكون من الصعب تغيير طريقة التفكير والمشاعر تجاه القيادة النسائية، لكنه أمر أساسي لا بد منه. وعلى المستوى الفردي، قد تساهم تجارب حياتية معينة في اتخاذ موقف لمواجهة التحيز على أساس الجنس. ويرى أونو أنه في اليابان، قد يكون الرجال الأكبر سناً قد شهدوا تمييزاً متكرراً ضد زميلات عمل أو شريكات حياة، وهو ما يجعلهم أكثر حساسية تجاه الحاجة إلى وجود القيادات النسائية. أما في الولايات المتحدة، فالرجال الذين لديهم ابنة، هي أول أطفالهم، من المرجح أن يدعموا النساء المرشحات لمناصب سياسية.
ويقول: “هذا ما حدث معي أيضاً، لقد أصبحت أكثر اهتماماً بقضايا المساواة بين الجنسين بعد أن ولدت ابنتي. إنها في السادسة من عمرها، وأنا منذ الآن قلق بشأن مستقبلها”.
أما بالنسبة للفتيات الصغيرات، فتعتبر فترة الطفولة الوقت الحرج ليعرفن خلاله نوعيات الأشخاص الذين يمكن لهم تولي المسؤولية.
وتقول إيغلي: “يتعين على الآباء التفكير في النموذج الذي يقدمونه شخصياً، لأنه سيكون أحد أهم النماذج بالنسبة للطفل على الإطلاق”. فإذا التزم الآباء والأمهات بالتقسيمات التقليدية في القيام بالأعمال في المنزل، وتم توجيه الفتيات إلى أدوار الرعاية والتربية، بينما وجه الأولاد نحو مناصب صنع القرار، فلن يكون مفاجئاً أن تظل المعتقدات بخصوص تولي المرأة مناصب قيادية في حالة جمود من دون أي تطور.
وكالات