السياسية-:
ترجمة: أسماء بجاش-سبأ
مقابلة أجرتها: نبيلة عامر
كان الانفصاليون في جنوب اليمن قد اعلنوا في وقت سابق فرض الحكم الذاتي على منطقتهم, فهذا الإعلان يعتبر بمثابة تعقيد أخر يضاف إلى قائمة التعقيدات التي يعيشها البلد الذي دمرته الحرب المشتعلة بين الحوثيين والحكومة المعترف بها من قبل المجتمع الدولي.
ولتسليط الضوء على مجريات الأحداث الحاصلة في اليمن يقدم الباحث لوران بونيفوي- من المركز الوطني للبحث العلمي والمركز الفرنسي للآثار والعلوم الاجتماعية ومؤلف كتاب “اليمن: من الجزيرة العربية السعيدة إلى الحرب” الذي تم  نشره في العام 2017- تحليل متعمق لفهم ما يحدث.

جندي تابع للقوات الموالية للمجلس الانتقالي الجنوبي (STC) يعمل على حراسة مدينة عدن  الجنوبية, في 27 أبريل 2020/ تصوير: صلاح العبيدي/ وكالة الصحافة الفرنسية
يشهد اليمن منذ خمس سنوات حربا كارثية بين – الحوثيين الشيعة المدعومين من قبل النظام الإيراني والقوات الحكومية الموالية للرئيس عبد ربه منصور هادي والتي تتلقى الدعم بدورها من قبل دول التحالف العربي المنضوية تحت راية المملكة العربية السعودية.
فمنذ العام 2014، أدت الحرب في اليمن بحياة عشرات الآلاف من المدنيين وكانت السعودية قد اعلنت من جانبها وفق اطلاق النار من جانب واحد, ومنذ ذلك الحين، توقف القصف الجوي الواسع النطاق على مواقع سيطرة الحوثيين.
وفي حين أن الحوثيين الشيعة لا يزالون أقوياء جداً على الأرض, حيث يسيطرون على المناطق الشمالية للبلد، بما في ذلك السلطة المركزية في العاصمة صنعاء، فإن إعلان الحكم الذاتي من قبل الانفصاليين الجنوبيين أدى إلى تفتيت الجبهة المناهضة للحركة الحوثية وإضعاف ما يسمى بحكومة الشرعية التي لا تتلقى سوى القليل من الدعم على ارض الميدان.


–    كيف يمكننا أن نفهم إعلان الحكم الذاتي الذي أقره المجلس الانتقالي الجنوبي في اليمن يوم الأحد 26 أبريل؟ فهل هذا الإعلان يمثل جميع سكان الجنوب؟
لوران بونيفوي: يعتبر المجلس الانتقالي الجنوبي، منظمة تجمع في طياتها كل القوى التي تعمل من أجل انفصال جنوب اليمن عن شماله والذي تم تأسيسه في منتصف العام 2017, كما يعتبر هذا المجلس في حقيقة الأمر بمثابة انبثاق سياسي لدولة الإمارات العربية المتحدة في هذا الجزء من البلد، وبالتالي فهو لا يحظى بدعم جميع مؤيدي الحراك الجنوبي، فضلاً عن جميع  باقي فئات السكان.
ومع ذلك، فقد مكن الدعم الأمارات للمجلس الانتقالي الجنوبي من السيطرة على مناطق مهمة، مما أدخلها في منافسة مباشرة ليس فقط مع الحركة الحوثية ولكن أيضاً مع الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، والتي من المفترض أن تدعمها دولة الإمارات.
ويمكننا أيضا أن نلاحظ أنه تم الاعلان عن حكمٍ ذاتي، وليس الاستقلال، مما يجنب الحاجة إلى أن يتعين على القوى الإقليمية أو الأمم المتحدة أن تقر وتعترف بهذه الدولة الجديدة المحتملة.
ومن جانبها, لم تعترف أبو ظبي رسمياً بهذه الخطوة، مما يشير بلا شك إلى رغبتها في عدم العثور على نفسها في توتر مباشر للغاية مع حليفتها السعودية التي تدعم الوحدة والتي رعت اتفاقاً بين الحكومة والمجلس الانتقالي الجنوبي في نوفمبر من العام الماضي.
–    الرياض ومبعوث الأمم المتحدة مارتن غريفيث, يدعوان الجنوبيين في المجلس الانتقالي إلى العودة إلى تنفيذ الاتفاق الذي تم التوصل إليه في العاصمة السعودية, لذا ما الذي كان يخطط ويسعى اليه بالضبط؟
لوران بونيفوي: يكمن الهدف من ذلك الاتفاق الذي صاحب اعلانه ضجة كبيرة، هو السماح بتقاسم السلطة بين الحكومة الشرعية والجنوبيين في مناطق ما يسمى بالمناطق “المحررة” من الوجود الحوثي في ما يعرف في السابق باليمن الجنوبي, ولكنها عانت في وقت مبكر من جدول زمني مفرط في التفاؤل وعدم كفاية التقويم المناسب, لذا فالإعلان عن الحكم الذاتي لم يكن مواكباً.
–   بماذا يتهم أو يلوم الجنوبيون حلفائهم السابقين في حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي؟
لوران بونيفوي: المظالم بين المجلس الانتقالي الجنوبي والحكومة بقيادة الرئيس هادي عديدة, فبعضها تاريخي مرتبط بالصراع الذي يعود تاريخه إلى العام 1986, عندما حدث خطأ تطهير داخلي في الحزب الاشتراكي.
وبعيداً عن هذه القضية، ينتقد الجنوبيون الرئيس هادي ذو الأصول الجنوبية, لتمسكه بالوحدة اليمنية التي يرون أنها تفيد الشمال أكثر ما تعود بنفع على الجنوب, كما يتهمون الحكومة بأنها غير فعالة وفاسدة على الصعيد العسكري جراء دمجها لجماعة الإخوان المسلمين.
–    لكن هذا التطور السياسي الأخير قد يعمل على تعقيد مجريات الصراع المميت في الاصل والذي اتسم أساساً بوسام الحرب بين الحوثيين الشيعة المدعومين من إيران والحكومة المعترف بها دولياً, لذا ما هو الوضع على هذه الجبهة بالذات؟
لوران بونيفوي: الوضع سيء ومربك للغاية في آن واحد, لأن المجتمع اليمني لا يزال يعاني من وطأة الحرب والقصف والأزمة الإنسانية الخطيرة التي لا تزال تعصف بالبلد منذ أكثر من 5 سنوات حتى الآن.
واليوم, نحن في حيرة من أمرنا لأن خطاباً معيناً يحمله التحالف الذي تقوده السعودية يشير إلى أننا نتحرك نحو أيام أفضل، وأن الحل قد يظهر, في حين أنه في الواقع، لا شيء يتحقق حقاً, حيث أن وقف إطلاق النار من جانب واحد الذي أعلنته الرياض قبل أسبوعين لم يظهر على أرض الواقع.
–   هل وقع أي قصف منذ إقرار وقف إطلاق النار السعودي الأحادي الجانب؟
لوران بونيفوي: كان هناك عدد قليل، ولكن لم يتم توثيقها, ومع ذلك، توقفت مرحلة القصف الواسع النطاق للقوات الجوية السعودية قبل وقف إطلاق النار لأن هذا الأسلوب غير فعال ولكنه مكلف أيضاً من حيث الصورة بالنسبة للحكومة السعودية وهذا ما يفسر رغبة الرياض في إيجاد مخرج مشرف، ولكن لكي يكون كذلك، يجب أن يكون هذا مصحوباً بعدد من التنازلات من قبل الحركة الحوثية، ولكنهم لا يبدون أنهم على استعداد للقيام بذلك في الوقت الحاضر. 
–   لكن التمرد الحوثي يصف الهدنة السعودية بأنها مناورة سياسية وإعلامية من قبل الرياض؟
لوران بونيفوي: قد لا يكون هذا خطأ تماماً, لكن التمرد قد ينكر حقيقة وقف إطلاق النار هذا والنوايا السعودية إلى الحد الذي يجعلها هي نفسها في موقع قوة على الأرض.
فقد تمكن الحوثيون من القيام بعمل أفضل من المقاومة, حيث تمكنوا من تحقيق مكاسب إقليمية على الأرض، لاسيما حول محافظة مأرب، ومن هنا كان اهتمامهم القليل بنهاية الحرب الآن، وبالتالي انتقادهم لوقف إطلاق النار السعودي.
ولكن في المناقشات الجارية، يعتقد الحوثيون، مثل الأطراف الأخرى، أن هذه الحرب يجب أن تتوقف، في مرحلة ما, وقبل أسبوعين، عملوا على سرد مطالبهم السياسية الخاصة والتظاهر بلعب لعبة التهدئة.
–  ما الذي نعرفه بالضبط عن هذه المناقشات، وعلى أي أساس تجري؟
لوران بونيفوي: جدد مجلس الأمن إصراره على ضرورة إيجاد حل للأزمة اليمنية، إذا كانت هناك مشاركة للمبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى اليمن، مارتن غريفيث، بيد أن هذه المناقشات معقدة وصعبة للغاية, فالأمم المتحدة تدرك جيدا حدود هذه العملية، وقد حدت من إخفاقات عديدة على مدى السنوات الخمس الماضية, كما أن هذه المناقشات غير المباشرة تضع بالأساس الحركة الحوثية في مواجهة ما يُسمى بالحكومة الشرعية، وفي الواقع، تستبعد القوى الأخرى التي أصبحت نشطة جداً على أرض الواقع, لذلك أنا أفكر في الحراك الجنوبي، لكن هذه الحركة الانفصالية هي بالتأكيد مناهضة للتمرد الحوثي، وكما نرى بإعلانها الأخير للحكم الذاتي، فإنها تعارض أيضاً حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي التي يعترف بها المجتمع الدولي, وعلاوة على ذلك، وكما قلت، لدينا في الخلفية التوترات الإقليمية التي تقسم هذه الجبهة المناهضة للحوثيين, حيث تدعم الرياض الحكومة التي لا تتمتع بدعم يذكر في المناطق التي يعتقد أنها تحت سيطرتها، في حين دعمت الامارات الحراك الجنوبي وكل هذا يجعل القواعد الأساسية للمناقشات غامضا ومؤثرا.
–  هل لا يزال هناك مرتزقة أجانب منخرطون في الصراع الدائر في اليمن؟
لوران بونيفوي: كانوا حاضرين في بداية الحرب، بما في ذلك الوحدات الكولومبية، والعديد من السودانيين, وقد تم إعادة هذه القوات إلى بلدانهم إلى حد كبير, كما تجدر الإشارة إلى أن الإمارات قامت بتحشيدها بشكل رئيسي، في حين أعلنت أبو ظبي سحب قواتها من حرب اليمن في صيف العام 2018.
–         هل كان موقف الإمارات هذا هو الذي دفع بالمملكة العربية السعودية إلى إدراك مدى إلحاح الأزمة الصحية الحالية من أجل إعلان هدنة؟
لوران بونيفوي: إن الجمود العسكري والسياسي هو الذي يبدو لي أنه دفع أعضاء التحالف إلى الانخراط في استراتيجية الانسحاب بدلا من تعزيز وجودهم, وهناك أيضاً صورة الرياض التي تأثرت بشدة بالحرب في اليمن، ثم البعد الاقتصادي, لأن من الواضح أن لمثل هذه الحرب تكلفة عالية (على الرغم من صعوبة تقييمها بشكلٍ دقيق) وقد حان الوقت منذ انخفاض أسعار النفط وعواقب أزمة الفيروس التاجي.
وفي حين لم يمس هذا الوباء اليمن في الوقت الراهن، ولكن سكانه لا يزلون ضعفاء في مواجهة آفات أخرى مثل الكوليرا والمجاعة والفيضانات التي شهدته البلد في الأسابيع الأخيرة, فهل هناك خطر انخفاض المعونة الدولية؟ والمساعدات التي يعتمد عليها جزء كبير من السكان…

عدن، الناس وسط مياه الأمطار التي غمرت مدينة عدن الساحلية في 21 أبريل 2020.
وفي الآونة الأخيرة، اتخذت الأمطار الغزيرة المرتبطة بالوفيات في المحيط الهندي [المعروفة أيضًا باسم النينو الهندي وهو التردد الجنوبي المعروف بالإنجليزية باسم النينو التذبذب الجنوبي وهو ظاهرة مناخية عالمية، حيث يؤثر تغير معدل الحرارة في أحد المحيطات على الجو بمنطقة أخرى بعيدة, ويحدث التردد الجنوبي نتيجة للاختلاف الموسمي للحرارة بين مدينة داروين بأستراليا وجزر تاهيتي[ منعطفاً كبيرا في العديد من مدن البلد بما في ذلك مدينتي عدن وأيضاً مأرب، اللتان كانتا ملاذًا للاستقرار الذي تحتفظ به ما يسمى بالحكومة الشرعية, حيث استقر النازحون فيهما خلال السنوات الأخيرة, ولذلك فهي سلسلة من الجروح التي تمطر على اليمن منذ خمس سنوات، والبلد لا يزال بعيدا عن أنظار المجتمع الدولي.
وأود أن أضيف، ردا على سؤالكم، أن التطورات الأخيرة على الصعيد الدولي لا تبشر بالخير كثير, فعلى سبيل المثال، قرار الولايات المتحدة بتعليق مساعداتها الإنسانية للمنظمات العاملة في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون, وبالإضافة إلى ذلك، هناك قدر كبير من التمويل الإنساني المعرض لخطر إعادة تخصيصه لمعالجة أزمة جائحة الفيروس التاجي, لذا يكمن الخوف في أن اليمن سوف يرمى مرة أخرى على قارعة الطريق.
* موقع ” إذاعة فرنسا الثقافية – franceculture” الفرنسي-
* المقال تم ترجمته حرفياً من المصدر وبالضرورة لا يعبر عن رأي الموقع.