قطر: مقاومة مدفوعة ضد المملكة العربية السعودية
كانت دولة قطر، في أوائل يونيو 2017, على موعدٍ مع قطع المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين ومصر العلاقات الدبلوماسية, وبالتالي اغلاق الحدود البرية والبحرية والجوية معها, حيث أجبر هذا الضغط الإمارة على التكيف مع الوضع الجديد، من خلال مراجعة سياستها الإقليمية والداخلية, والآن فهذه المقاومة سوف تسمح لها في أن تتوصل الأزمة مع جارتها القوية إلى حل.
بقلم: بيمودان كوينتين*1, مراد البوعاني*2
(موقع” orientxxi-اوريان 21″ الفرنسي, ترجمة: أسماء بجاش-سبأ)
جعل تحليل العمل الدبلوماسي القطري، الذي يمتاز بمواثقية عالية، من الممكن دراسة عوامل ظهوره في تناغم الأمم وفهم تطوراته, فمركزها كدولة صغرى وموقعها الاستراتيجي وبيئتها الإقليمية المضطربة يتطلب من صناع القرار فيها اعتماد سياسة خارجية “متعددة الأبعاد والاتجاهات”, حيث عملت قطر خلال السنوات الأخيرة على وضع استراتيجية عامة للتنويع الموارد من خلال تعبئة صندوق الثروة السيادية التابع لها والمتمثل في هيئة قطر للاستثمار (QIA)*3, إذ يستخدم هذا الصندوق العديد من الفروع القطاعية والجغرافية لتوفير شبكة استثمارات تعود بالنفع عليها.
وعلى عكس المملكة العربية السعودية التي تحبذ السندات في أفضل الدول المصنفة في العالم, حيث تميل ايضاً إلى صناديق المعاشات التقاعدية لأمريكا الشمالية”.
يركز الصندوق اساساً على حيازته في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية وآسيا، في قطاعات مثل العقارات والصناعة والتكنولوجيا والصحة والرياضة, إذ تقدر حافظة أصول الصندوق الآن ما يقرب من 300 مليار دولار, أي ما يعادل 270.68 مليار يورو، حيث سجل ارتفاعاً من 130 مليار دولار, أي ما يعادل 117.29 مليار يورو في العام 2013.
في الوقت ذاته، قادت الدوحة هجوما دبلوماسيا لرفع مكانتها إلى الساحة الدولية, حيث تستند هذه الاستراتيجية إلى نشاط الوساطة المكثف, وقد تم تأسيس استخدامه كمبدأ في المادة 7 من دستور القطري في العام 2003*4, إذ تم تنظيمه في مجموعات متنوعة جدا من الإجراءات، في ظل قيادة رئيس الوزراء السابق حمد بن جاسم بن جابر آل ثاني, وبالإضافة إلى التطور التقليدي لشبكة سفاراتها أو دعوات رؤساء الدول لتعزيز العلاقات الثنائية، تم إضافة سلسلة من أعمال الوساطة في خدمة السلام والتضامن.
ومن الأمثلة على ذلك:
– إرسال 300 جندي في عملية حفظ السلام في لبنان في العام 2006.
– الاجتماع مع وفد من زعماء الحركة الحوثية في العام 2007.
– المشاركة بناءً على طلب الجامعة الدول العربية في عملية الوساطة في لبنان و اقليم دارفور في عام 2008.
– تبرعت الإمارة بمبلغ 100 مليون دولار أي ما يعادل 90.22 مليون يورو, لضحايا إعصار كاترينا في الولايات المتحدة.
– أنفقت قطر 150 مليون دولار, أي ما يعادل 135.34 مليون يورو, لإعادة بناء المساكن في جنوب لبنان في نهاية العام 2006, عقب انتهاء الحرب مع إسرائيل, كل هذه المبادرات تخلق صورة الدولة الصغيرة التي تتيح الحوار وتوافق الآراء للتأثير علي التناغم بين الأمم.
– نقطة تحول عام 2011:
تُعرف مشاركة قطر في المشهد الرياضي العالمي بالجانب المترامي الأطراف لهذه الدبلوماسية الرياضية التي ترى فيها الإمارة أنها قادرة على تنظيم العديد من السباقات والبطولات:
جولة ركوب الدراجات، البطولة العالمية في ألعاب القوى، سباقات الفروسية، سباقات السيارات ودورة التنس الأولى للموسم الاحترافي، وما إلى ذلك، شراء نادي كرة القدم الباريسي” باريس سان جيرمان” (PSG) ونادي كرة اليد، والاستثمارات في القناة الرياضية “Bein Sports”.
إذ تجسد الرياضة تحدياً كبيراً ينطوي في وقت هذه الإستراتيجية على التأثير على إمكانية بلورة التمثيلات والرموز الجماعية لجذب الانتباه والإغواء والإبهار.
وفي نهاية العام 2010, حققت قطر نجاحاً باهراً مع الفوز باستضافة كأس العالم لكرة القدم للعام 2022, وبالتالي يبدوا أن العلامة التجارية في قطر هي الأعلى.
ومع ذلك، سجل العام 2011 نقطة تحول رئيسية في تطور الدبلوماسية القطرية, في منطقة شمال أفريقيا والشرق الأوسط التي تعاني من حالة اضطراب والتي يجتازها موجة من الطموح الديمقراطي الذي عرف في ذلك الوقت باسم “الربيع العربي”، حيث سلكت قطر مسلكً جديدً يتناقض مع الدور التقليدي للوسيط من خلال استراتيجية تسمى “التدخلية” لاسيما في مصر وتونس وليبيا, وكما أشارت الجغرافية مايا سنو، فإن قطر شجعت ودعمت نظام الإخوان المسلمين، الذي سمح لها تعزز وتحسين سمعتها الدولية المكتسبة من خلال استثماراتها الهائلة في منطقة الشرق الأوسط وأوروبا، وذلك باتخاذها علناً طرفاً سياسياً, وهذا الموقف سيعطي قطر صورة لدولة المتناقضة والغامضة والقادرة على التدخل.
إن إعلان تنازل الأمير حمد لصالح ابنه تميم عن مقاليد الحكم في يونيو من العام 2013, وسط استعادة النفوذ السعودي في المنطقة، سيجبر قطر على تبني سياسة خارجية أكثر توافقية.
تقارب مع تركيا وإيران:
نجحت أزمة يونيو 2017 في تغيير التوازن الهش بالفعل, وبالتالي، ومن أجل الكف عن الاعتماد على الغرب الذي تأرجح في بداية الأزمة ما بين الصمت والدعم من قبل اللجنة الرباعية ولاسيما رئيس الولايات المتحدة الأمريكية.
وفي المقابل أصبحت قطر أقرب إلى الجهات الفاعلة المحلية مثل تركيا وإيران, حيث يضمن القرب الجغرافي لهذه البلدان الاستجابة المباشرة للأزمات التي قد تؤثر على المنطقة، وبالتالي القدرة على الاستجابة بصورة أسرع.
وفي حين أنه من المرجح أن يكون وزير الخارجية الأمريكي في ذلك الوقت، ريكس تيلرسون، هو الذي أجبر ايقاف الغزو السعودي الإماراتي في بداية الأزمة، فان المماطلة الأمريكية أظهرت لقطر أن إستراتيجية الدرع العسكري الإقليمي الغربي لم يعد يمكن اعتباره معصوماً.
إن عدم ثقة قطر بجيرانها تتقاسمه ايضاً دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى, حيث أن الكويت وعمان حاولت مراراً تهدئه الأزمة, كما رفضت الرضوخ للقيادة السعودية والإماراتية, إذ أن انتقادات المشروع الذي تبناها الشريكان “محمد بن زايد ومحمد بن سلمان” يسعى إلى ابتلاع دولة قطر, حيث لن يختلف هذا الوضع مع عُمان أو الكويت أو حتى البحرين.
والواقع أن الأحزاب التي تدعي رسمياً أنها تابعة لجماعة الإخوان المسلمين في البرلمان الكويتي والبحريني، وعلى الرغم من أن البحرين تعتبر موطناً لأغلبية كبيرة من المسلمين الشيعة, يمكن أن يفسر التسامح الذي تنتهجه الجار السعودي فيما يتعلق بالإخوان المسلمين او فيما يتعلق أيضا بالسنة, وأما فيما يخص الوضع في سلطنة عُمان التي تواجه صعوبات اقتصادية كبيرة، فإنها لا تزال تحظى بتجارة مكثفة مع إيران، القانونية منها أو غير القانونية.
الإصلاحات الضرورية:
يعتبر الشيخ تميم أصغر رئيس دولة في العالم العربي, حيث يبلغ من العمر 33 عاماً, فمنذ نشأته، تطور في بيئة دبلوماسية إقليمية عدائية, مما يجعل البلد مختبراً لجيرانه، سواء من حيث السياسة الخارجية والداخلية, كما أن تنوع التحالفات وبالتالي المخاطر، فضلاً عن الرغبة في إرفاق صورة إيجابية في الغرب بعد سنوات من الانتقادات اللاذعة، خاصة في مجال دعمها للجماعات المتطرفة في سوريا من بينها جبهة النصرة، حيث تم الدفع بالبلد إلى إجراء تغييرات هامة على قوانينها.
فعلى سبيل المثال، عملت الدوحة على تخفيض تشريعاتها فيما يخص نظام الكفالة، وهو نظام الوصاية على العمال الذي لطالما انتقدته المنظمات غير الحكومية والجمعيات التي تدافع عن حقوق العمال المهاجرين، لأنها تجبر العمال على طلب الموافقة من ارباب العمل من أجل تغيير وظائفهم أو حتى السفر خارج الدولة.
فمن الناحية النظرية، لم يعد يُسمح لأصحاب العمل بمصادرة جوازات سفر العمال الأجانب، وهي ممارسة شائعة حتى يومنا هذا.
وبالمثل، أعلن في سبتمبر 2018, أن الحكومة القطرية ستنهي تصريح الخروج لمعظم العمال الأجانب وهي خطوة رحبت بها منظمة العمل الدولية, بالإضافة إلى إنها ستقدم كل عام حوالي 100 تصريح إقامة دائمة للعمال ذو الكفاءة العالية، مما يسمح لهم بالاحتفاظ بنسبة 100٪ من اسهم الشركة، بما في ذلك جميع القطاعات، وهو أمر لم يكن من الممكن تصوره قبل بضع سنوات في دول مجلس التعاون الخليجي.
في حين أن قطر ليست رائدة في مجال تخفيف الأنظمة المعمول بها في دول مجلس التعاون الخليجي, فأن المناطق الاقتصادية المخصصة موجودة بالفعل في الإمارات, كما توجد قواعد أكثر مرونة في البحرين, إلا أن الدولة تسرع من خطاها في مجال الإصلاحات، وفي نهاية المطاف، ستجبر الدول الأخرى على أن تحذو حذوها، إذا لم يروا الشركات الدولية تفضل الدوحة.
تكمن بعض أصول النظام في دعم السكان, وبينما يفخر جار المملكة السعودية بدعمه شبابه الثابت لولي العهد الأمير محمد بن سلمان، فإن الشيخ تميم لديه موافقة حقيقية من السكان الذين يشعرون بأنهم محاصرون.
وفي الختام، فإن ما تطلق عليه السلطات القطرية “حصاراً” والذي ترى فيه اللجنة الرباعية “مقاطعة”، قد أثر بشكل رئيسي على اقتصاد البلد في قطاع السياحة:
– 1.8 مليون سائح دولي في العام 2018, أي أقل بنسبة 19٪ عن العام السابق.
– انخفاض أسعار العقارات بنسبة 10٪ منذ يونيو 2017.
– شركة الخطوط الجوية القطرية والتي اضطرت إلى تغيير كامل ممراتها الجوية.
لكن بالإضافة إلى العديد من الانتقادات المشروعة الموجهة إليها رغم ضغوط التي يمارسها جيرانها، نجح البلد في الحفاظ على الاقتصاد الذي لا يزال يعتمد بشكل كبير على موارد الطاقة.
ومع ذلك، على المدى الطويل، سوف يعتمد استقرار قطر على المصالحة داخل دول مجلس التعاون الخليجي وهو تحالف مفكك والذي يعد بمثابة آلية أساسية لأعضائه, حيث يتجلى ذلك من خلال استمرار المناورات العسكرية على الأراضي السعودية في عامي 2018 – 2019 والتي ضمت جنود قطريون.
تجدر الإشارة كذلك إلى أن السعودية والإمارات والبحرين شاركت هذا العام في بطولة كأس الخليج، التي اقيمت في قطر في الفترة من 24 نوفمبر إلى 6 ديسمبر، على الرغم من أن الدول الثلاث قد قاطعت هذا الحدث الرياضي منذ عامين, وهذا ينذر ببداية “الاسترخاء” في العلاقات بين الدوحة ودول الحصار, ولكن هل سيكون هذا بمثابة مفتاح الأمن والاستقرار الاقتصادي في الدوحة والرياض؟
………………………………………………………………………………………….
*1 كوينتين دي بيمودان:محلل في معهد البحوث للدراسات الأوروبية والأمريكية, عمل في اليمن والبحرين والكويت, وهو صاحب سلسلة من الكتب عن الفنانين الشباب في الفنون الحضرية في بلدان مجلس التعاون الخليجي في فترة ما بعد “الربيع العربي”.
*2 مراد البوعاني: جغرافي متخصص في العلاقات الدولية وحقوق الأجانب, تخرج من جامعة السوربون الرابعة في العاصمة باريس، وركز عمله بشكل رئيسي على قطر والإمارات العربية المتحدة.
*3 جهاز قطر للاستثمار: مختص للاستثمار المحلي والخارجي, أسسته الحكومة القطرية في العام 2005 لإدارة فوائض النفط والغاز الطبيعي.
*4 تعتمد السياسة الخارجية لدولة على مبدأ توطيد السلام والأمن الدولي من خلال تشجيع الحل السلمي للنزاعات الدولية ودعم حق الشعوب في تقرير المصير وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول.
* المقال تم ترجمته حرفياً من المصدر وبالضرورة لا يعبر عن رأي الموقع.