بقلم: جوناثان واتس

(صحيفة: ذا غارديان البريطانية- ترجمة: انيسة معيض- سبأ)

 

تسعى إحدى الشركات التي تتمتع بأكبر قدر من الانبعاث الكربوني او بصمة الكربون إلى الحصول على النقد تماما كما ان الضال ضد تغير المناخ يحتاج الى تقليص حجم انبعاث الكربون.

 

بلغت قيمة شركة أرامكو السعودية حوالي 1.5 تريليون دولار:

 

إن شركة أرامكو التي تصف بأنها “أكبر ملوث للمناخ” تتأهب للإعلان عن أكبر طرح للأسهم بالعالم سيفضي في نهاية المطاف إلى ” الدمج (الزواج) بين الكربون ورأس المال”.  وأن أي مؤسسة تمتلك عشرات الملايين من الدولارات ولا تنتابها هواجس بشأن قضايا البيئة المدعوة للاكتتاب في أسهم أرامكو. على أن المشاركة في الاكتتاب ليست حصرية كما يبدو، فالأفراد الذين لا يملكون نقودا كثيرة وتستبد بهم مخاوف عديدة قد يجدون أنفسهم دون قصد منهم ضيوفا عبر صناديق التقاعد التي تتابع تلقائيا حركة أسواق الأسهم.

 

ويحذر العلماء من أنه لا بد من الفصل التام قريبا بين الوقود الأحفوري ورأس المال، ذلك أنه يتعين خفض انبعاثات الكربون إلى النصف خلال العقد المقبل حتى يتسنى إبقاء الاحترار العالمي عند مستوى آمن نسبيا لا يتجاوز 1.5%. لكن على الرغم من ذلك فإن أرامكو تتوقع أكبر عملية ضخ للأموال في التاريخ.

 

ما من شركة في العالم بالعصر الحديث تفرز انبعاثات الكربون، أو ما يسمى البصمة الكربونية، أكثر من أرامكو السعودية. وأظهر أحدث تحقيق أجرته صحيفة الغارديان البريطانية عن مصادر التلوث أن شركة أرامكو – وهي منتج للنفط والغاز- أفرزت نحو 59 مليار طن من ثاني أكسيد الكربون منذ عام 1995، أي أكثر بمقدار الثلث من أي شركة عاملة في المجال نفسه. ومن المتوقع أن تزداد تلك الإنبعاثات من الآن وحتى عام 2030 لتصل إلى مستوى يجعل أرامكو تحوز  وحدها بنحو 5% تقريبا من الكمية المتبقية من ثاني أكسيد الكربون المنبعث في الجو والمقدرة بــ 1.5%.

 

وتستطرد الصحيفة البريطانية أن أرامكو ظلت حتى الآن شركة مملوكة للدولة وترزح تحت نفوذ العائلة السعودية المالكة، مشيرة إلى أنها قد أعاقت أو أجلت أو خففت من الجهود الدولية الرامية إلى تقليص انبعاثات الكربون في الغلاف الجوي. لذا فأن طرح أسهم الشركة السعودية لن يغير ذلك الواقع بشكل دراماتيكي.

 

على أن الأسئلة الكبرى التي تُطرح تكمن فيمن سيشتري الأسهم؟ وكيف سيتسنى استغلال الأموال الناجمة من بيع الأسهم؟ وما إذا كان طرح أسهم الشركة للاكتتاب العام سيجعل أرامكو تتمتع بشفافية أكثر ويحول دون أن تشكل عقبة كبيرة في جهود تحسين أحوال المناخ. غير أن المؤشرات حتى الآن تبدو غير مطمئنة.

 

أما المشترون المحتملون لأسهم أرامكو فتأتي صناديق الثروات السيادية والمؤسسات المدعومة من الدولة في روسيا والصين وأبو ظبي بالمقدمة، وقد يأتي آخرون بعد ذلك، إلا أن المؤسسات الخاصة الكبرى يبدو أنها تترقب معرفة المخاطر الاقتصادية وتلك المتعلقة بالسمعة. ولعل الاستثناء الملحوظ هو صندوق الاستثمار السنغافوري (تيماسيك) الذي أكد أنه لن يستثمر في الاكتتاب العام لشركة أرامكو لأسباب من بينها هواجس تتعلق بالمناخ.

 

ومن الهواجس الأخرى ما يتعلق بالإشراف والشفافية، فالعائلة السعودية المالكة لا هي منفتحة ولا ديمقراطية. وما كاد عام ينقضي على تورطه في جريمة قتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده بإسطنبول في الثاني من أكتوبر 2018، حتى حظيت خطت بيع أسهم من شركة أرامكو التي اعلن عنها ولي العهد محمد بن سلمان باهتمام عالمي.

 

وقال بن سلمان حينها إنه يريد ببيع الأسهم جمع أموال لصندوق الدولة السيادي لاستثمارها في سلسلة متنوعة من الأعمال حول العالم، وهو ما من شأنه أن يقلل من اعتماد السعودية على النفط.

 

ويعتقد المناهضون للتغير المناخي أن من الشطط ضخ الأموال في شركة تُعد أحد عمالقة صناعة البتروكيماويات بالعالم، في وقت يتعين فيه تحجيم شركات الوقود الأحفوري. وقد وقعت الجماعات المدافعة عن البيئة خلال الشهور العشرة الماضية خطابا مشتركا موجها إلى الرؤساء التنفيذيين للبنوك العالمية – من بينهم مديرا بنك أتش أس بي سي وغولدمان ساكس- تحثهم فيه على عدم المشاركة في الاكتتاب العام لشركة أرامكو.

 

وقال آدم مكجيبون ، أحد كبار الناشطين في جلوبال ويتنس: “سيكون هذا الاكتتاب بمثابة دفعة لشركة تحطم كوكب الأرض مرتبطة بنظام له سجل مشكوك فيه في مجال حقوق الإنسان”..

 

وقال يوسي كادان، مدير الحملة المالية العالمية لـ 350 منظمة: “يجب أن يكون المستثمرون الذين أعربوا عن مخاوفهم بشأن تغير المناخ وانتهاكات حقوق الإنسان صادقين في كلمتهم وألا يستثمرون في بيع أرامكو السعودية لحطام المناخ”.

 

في خطاب موجه إلى صحيفة الغارديان الشهر الماضي، قال أحمد الخويطر، كبير مسؤولي التكنولوجيا في أرامكو، دعمت الشركة خفض انبعاث الكربون بشكل عام في صناعة النفط والغاز والاستهلاك المفرط في الاسواق. وقال إن شركته قد حققت بالفعل تقدما. “لقد حققنا أدنى كثافة للكربون في أي منتج نفط رئيسي.”

 

النفط السعودي عالي الجودة وقريب من السطح، مما يعني أنه يحتاج إلى طاقة أقل لاستخراجه ومعالجته من الوقود المستخرج من رمال القطران الكندية، أو حقول اورينكو في فنزويلا أو احتياطي البرازيل في أعماق البحار. ومع ذلك، تقدر هيئة مراقبة المناخ أن نصف الإنفاق السعودي المحتمل على مشاريع جديدة لن يتلاءم مع سيناريو المناخ 1.7C.

 

في نشرة إصدار سندات سابقة، قالت أرامكو السعودية إن الشركة تتبع مبادرات مختلفة لإدارة الانبعاث الكربوني. وبشكل ملموس، أعلنت أيضا دعمها للجهود السعودية لتحقيق أهداف اتفاقية باريس. إذا كان الأمر كذلك بالنسبة لرفع الأسهم، فسيكون للمستثمرين ومنظمي السوق المالية الحق في التساؤل كيف يتفق هذا مع خطة من شأنها خفض ركام الكربون العالمي.

 

قال ريتشارد هيدي، من معهد المساءلة المناخية في الولايات المتحدة، إن نسبة رأس المال المرتفعة ينبغي استثمارها في توسيع برامج توليد الكهرباء بالطاقة الشمسية في المملكة العربية السعودية، وبرامج كفاءة استخدام الطاقة، وفصل الكربون، على نطاق يتجاوز الاستخدام المحلي الحر وهكذا سيكون هناك المزيد من النفط للتصدير. وأضاف “سيكون من الحكمة بالنسبة للمستثمرين أن يبذلوا قصار الجهد للعناية بالمناخ ، وأن تُطمئن المملكة العربية السعودية المستثمرين إلى ان الخطوات لحماية المناخ العالمي تتخذ”.

 

لكن أسواق الأسهم وشركات إدارة الأصول تواصل دعم شركات الوقود الأحفوري، من خلال الإدراج في المؤشرات القياسية والنظم الحسابية الاستثمارية التي تتعقب تلقائياً الشركات الكبرى.

 

قام مؤشر فوتسي مؤخرا بتقييم سوق التداول باعتباره سوق ناشئة ثانوية، مما يضعه بالفعل نصب اعين المستثمرين العالميين. إذا أدرجت أرامكو لاحقًا في سوق تبادل الاسهم الدولي البارز، فإن حجمها سيضمن أن تصبح لاعبًا رئيسيًا في أي مؤشر. سيظهر بعد ذلك في كل حقيبة من صناديق المعاشات التقاعدية الرئيسية “مقاسة” في مؤشر FTSE All Share Index ، مما قد يعني أن الملايين من حاملي وثائق المعاشات التقاعدية سينتهي بهم المطاف بدعم .

 

“عندئذ ستنتقل الخطورة من لدى السعوديين إلى بقية العالم، أي لندن، ثم إلى كل عضو في صندوق التقاعد أو المدخر في صندوق غير فعال. وقال مارك كامبانالي، من شركة كاربون تراكر، إن تلك الأموال التي لا تتضمن علامات “الكربون” هي وحدها التي من المحتمل أن تتجنبها.

 

إذا كانت الأسواق المالية جادة بشأن تغير المناخ، فهم بحاجة لإعادة تنظيمها لفصل المناخ عن الكربون، وليس دفعهما أكثر معاً.

 

 

* المقال تم ترجمته حرفياً من المصدر وبالضرورة لا يعبر عن رأي الموقع.