حرب المصطلحات سلاح فعال ضد اليهود
السياسية || محمد علي القانص*
يُعرّف المصطلح بأنه الكلمة التي تُستخدم للدلالة على مفهوم محدد، كما يعرفه البعض بأنه عبارة تعكس بناءً فكرياً مستمداً من واقع معين، في هذا السياق، تُعرف حرب المصطلحات بأنها الصراعات والمناوشات اللغوية التي تنشأ بين أطراف مختلفة، بهدف تعزيز وجهات نظرهم أو التأثير على آراء الآخرين.
وتكتسب المصطلحات أهمية بارزة وتأثيراً كبيراً في الخطابات السياسية والإعلامية والثورية والفكرية الموجهة إلى جمهور محدد، إذ تعتمد الشخصيات المؤثرة مثل السياسيين والمفكرين ورجال الدين والمحللين على اختيار مصطلحات بعناية فائقة تهدف إلى حمل مضامين تتفاعل مع التاريخ السياسي والاجتماعي والموروث الديني والثقافي للجمهور المستهدف، مما يجعل هذه الخطابات مقبولة ومألوفة ومتوافقة مع تاريخ وحاضر هذا الجمهور، ومن هنا قد تسهم هذه المصطلحات في تشكيل آراء ومواقف سلبية أو إيجابية.
كما أنها تعزز من ترسيخ مفاهيم وسلوكيات معينة، مما يؤدي إلى تكوين قناعات قد تؤثر على اتجاهات الرأي العام.
تجدر الإشارة إلى أن الدول الاستعمارية سعت منذ وقت مبكر إلى فرض هيمنتها الفكرية على شعوب العالم من خلال ترسيخ مصطلحات تهدف إلى تلميع صورتها وشرعنة احتلالها، وقد استخدمت هذه المصطلحات لتبرير سياساتها التي تتعلق بتقرير مصير الشعوب، مما مهد الطريق للاحتلال تحت شعارات قد تحظى بتأييد بعض أفراد الشعوب التي أُطلق عليها اصطلاحاً "العالم النامي" أو "الدول المتخلفة".
بالإضافة إلى ذلك، كان هناك سعي لخلق مبررات لنهب ثروات هذه الشعوب المستضعفة، مثل محاربة الإرهاب وتقديم الحماية مقابل استنزاف موارد الدول، إلى جانب مجموعة من الأعذار الواهية الأخرى.
وعند التركيز على الجانب الإعلامي، سنجد الكثير من وسائل الإعلام العربية، وخصوصاً الخليجية، غارقة في بحر المصطلحات التي تخدم العدو التاريخي للإسلام والعروبة (الكيان الصهيوني المؤقت) بشكلٍ مقصود أو غير مقصود، فقد غيَّبت تلك الوسائل المصطلحات الداعية إلى والمشجعة على مواجهة العدو الإسرائيلي، مثل مصطلح الجهاد في سبيل الله، ونأت بنفسها عن ترسيخ ثقافة الاستشهاد والقتال وفق التوجيهات القرآنية.
كما استبدلت مصطلح "قوات الكيان الصهيوني المؤقت" بـ"الجيش الإسرائيلي"، وهو المصطلح الذي يحمل في طياته الكثير من المعاني من ضمنها الاعتراف بمشروعية "إسرائيل" كدولة ذات جيش وشعب وأرض، بدلاً من اعتبارها قوة محتلة تُمارس أفعالاً إجرامية.
كما يتطرق إلى تصنيف المدن والموانئ والبلدات والمناطق الفلسطينية المحتلة بأنها إسرائيلية، إنه من الضروري أن تحظى المصطلحات القرآنية والجهادية باهتمام خاص من قبل وسائل الإعلام العربية والإسلامية، وأن تكون ضمن أولوياتها الأساسية.
بالمقابل، يجب اعتماد مصطلحات مناهضة للاستعمار، مثل وصف "إسرائيل" في المواد الإعلامية بالكيان المؤقت الذي سيتلاشى حتماً، وغيرها من التعابير التي تسهم بشكل كبير في تحجيم معنويات الأعداء ونفوس أفرادهم الانهزامية.
ومن يتأمل طريقة تناول وسائل الإعلام العبرية للأحداث الأخيرة على وجه الخصوص، يدرك كيف يوظف الصهيوني الكثير من المصطلحات، بحيث يجعلها سلاحاً معنوياً وسياسياً لتوجيه الضربات المؤلمة للأمة العربية والإسلامية، حيث يطلق مصطلح الإرهاب على الشعوب والمقاتلين المناهضين لمشاريعه الاستعمارية والتدميرية في الشرق الأوسط بهدف ضربها واحتلالها بذريعة القضاء على الجماعات الإرهابية والمتطرفة، كما يفعل اليوم في غزة ولبنان وغيرها من المناطق التي ارتكبت فيها قواته أبشع الجرائم بحق المدنيين والعزل في مخالفة واضحة للمبادئ الإنسانية والقوانين الدولية.
الخلاصة هي أن على جميع وسائل الإعلام العربية والإسلامية مراجعة المصطلحات المستخدمة في أخبارها وبرامجها وموادها الوثائقية، بما يتناسب مع مصالح الأمة وليس بما يخدم أعداءها الذين أهلكوا الحرث والنسل، ويستند ذلك إلى المبدأ القرآني «واغلظ عليهم»؛ مما يتطلب تقديم معالجة إعلامية أكثر حزماً وصرامة لكشف زيف هؤلاء الأعداء وإظهار الحقائق للعالم الذي لا يتلقى إلا ما تقدمه الآلة الإعلامية الصهيونية ويتجاهل قضايا الأمة الإسلامية التي يركز بعض إعلامها على بث العنصرية والتفرقة بين أبنائها، ويتناسى العدو الحقيقي الذي يستهدفها بكافة الوسائل والأساليب الخبيثة.
* المقال يعبر عن رأي الكاتب