إنهاء الحرب في اليمن – أسوأ أزمة إنسانية في العالم
بقلم: ماركو ستوجانوفيك
(موقع “منظمة السلم العالمي, ترجمة: خالد النظاري– سبأ)
هناك حاجة ماسة للحلول السلمية في اليمن مع استمرار الحرب الأهلية في عامها الخامس. فمنذ مارس 2015 ظل البلد يتدهور إلى ما تصفه الأمم المتحدة بأسوأ أزمة إنسانية في العالم. وتشير الأرقام الصادرة عن مشروع بيانات مواقع وأحداث النزاع المسلح إلى أن عدد القتلى بلغ أكثر من 70 ألف. ووفقاً لليونيسيف، فإن 24 مليون شخص – حوالي 80٪ من السكان – بحاجة إلى مساعدات إنسانية. كما أن الحصار البحري قد أدى إلى زيادة كبيرة في أسعار المواد الغذائية والوقود، مما جعل 20 مليوناً شخص بحاجة إلى مساعدة من أجل تأمين الغذاء – تقول الأمم المتحدة إن نصفهم على شفا المجاعة. وبسبب غياب المرافق الطبية التي تعمل بكامل طاقتها، وكذا عدم إمكانية الحصول على مياه نظيفة أو خدمات الصرف الصحي المناسبة، فقد بات المرض متفشٍ أيضاً. فالكوليرا بشكل خاص تحدق بالسكان: فقد أسفرت أكبر جائحة مسجلة على الإطلاق عن 724,405 حالات مشتبه بها و1,135 حالة وفاة ناجمة عنه منذ يناير 2018، وفقاً لمنظمة الصحة العالمية.
تعود جذور الصراع في اليمن إلى انتقال السلطة بدعم دولي من الرئيس المستبد علي عبد الله صالح بعد أن طالت فترة حكمه إلى نائبه عبدربه منصور هادي، جراء الربيع العربي في عام 2011. وما أن أصبح رئيساً، ناضل هادي لإحلال الاستقرار في بلد يواجه التحديات المتزايدة الناشئة عن عقود من التهميش السياسي وضعف المؤسسات والفساد والحرمان الاقتصادي وانعدام الأمن الغذائي. وقد استفاد من ضعف هادي الحوثيون (المتحالفون مع القوات الموالية للرئيس السابق صالح والمدعومون من العديد من اليمنيين العاديين المغرر بهم)، فاستولوا على العاصمة صنعاء في سبتمبر 2014. وبعد طرده من منصبه، فر هادي أولاً مع حكومته إلى مدينة عدن الساحلية جنوب البلد، قبل أن يفر من البلد برمته إلى الرياض لطلب المساعدة في مارس 2015، في الوقت الذي واصل الحوثيون التوسع في معظم أنحاء البلد.
وتلبيةً لدعوات هادي للمساعدة، أنشأت المملكة العربية السعودية تحالفاً عسكرياً دولياً ضد المتمردين الحوثيين بقصد المساعدة في إعادة الحكومة المخلوعة حديثاً. وعلى الرغم من أن قوات التحالف تمكنت من استعادة جزء كبير من الجنوب، وإعادة الحكومة إلى عدن في أغسطس 2015، تمكن الحوثيون وحلفاؤهم من إبقاء السيطرة على المحافظات الرئيسية في الشمال، بما في ذلك مدينتي صنعاء وتعز.
وأتى رد مجلس الأمن الدولي بإصدار القرار 2216 الذي دعم التدخل ودعا إلى متابعة محادثات السلام على الفور. ومع ذلك، فإن محاولات التوسط لوقف إطلاق النار والتسوية السياسية ظلت تسير بخطىً بطيئة. فقد فشلت الجولة الأولى من محادثات السلام في جنيف في يونيو وديسمبر من العام 2015 وفي مدينة الكويت في الفترة من أبريل إلى أغسطس 2016، فشلت جميعها في وضع خريطة طريق للسلام، مما أدى إلى توقف أي مفاوضات أخرى لأكثر من عامين. ولم تبدأ الميليشيا الحوثية والحكومة اليمنية المعترف بها دوليا بتقديم التنازلات بغية التوصل إلى حل إلا في شهر ديسمبر من العام 2018، وذلك في مدينة ريمو بالسويد. هنالك اتفق الطرفان على تبادل للأسرى، وخطة لتهدئة التوترات في تعز، وإعادة الانتشار في مدينة الحديدة الساحلية، التي تعد الممر الرئيسي لدخول 70 بالمائة من الواردات والمساعدات الإنسانية إلى اليمن.
وبعد تلكؤ أولي، بدأ الحوثيون في الانسحاب من المدينة الساحلية في مايو 2019 – وهي خطوة أولى نحو إنهاء الحرب الأهلية وخطوة رئيسية في درء المجاعة لملايين اليمنيين. ومع ذلك، فإن هذا في حد ذاته لن يحقق السلام لكل اليمن، خاصة وأن الجوانب الأخرى للاتفاق تبدأ في الانهيار. إذ توقفت عملية تبادل الأسرى كما أن الغموض حول كيفية الحفاظ على الأمن في الحديدة وأي بنك مركزي (الذي يسيطر عليه هذا طرف أم ذاك) سيحصل على إيرادات الميناء عقدت الأمور. وعلاوة على ذلك، فإن الحد من العنف في المدينة قد أحبطه تصاعد العنف في أجزاء أخرى من البلد، وكذلك في المملكة العربية السعودية. ثم إن الاتفاقية الموقعة في تعز بين الحوثيين والحكومة قد تجاهلت العديد من القوات الأخرى التي تقاتل في المدينة.
هناك حاجة إلى وجود نهج أكثر شمولية لمعالجة كل من العوامل الداخلية والخارجية التي تمنع السلام. فعلى المستوى الداخلي، لدى كلا الجانبين الكثير من المكاسب من خلال عدم التوصل لحل سياسي. وفقا لتقرير خبراء في مجلس الأمن الدولي، يستخدم الحوثيون النزاع في مصلحتهم لإيجاد مجموعة واسعة من مصادر الدخل- من خلال التهريب وغيرها من الأنشطة غير المشروعة، بل من خلال سيطرتهم على الضرائب والجوانب المالية في صنعاء. بالإضافة إلى ذلك، فإنهم يتفوقون في قدراتهم العسكرية، فقد اكتسبوا في السابق خبرة واسعة خلال الحروب الستة بين عامي 2004 و2010 ضد الحكومة اليمنية السابقة، وبالتالي يتطلعون أيضاً إلى النصر العسكري كحل أمر واقع. وهذا يجعل أحد المطالب الأولية للقرار 2216 – وهو الدعوة إلى نزع سلاح الحوثيين بالكامل – اقتراحاً غير مجدي، حيث يعني ذلك التخلي عن أهم شيء قد يستفيدون منه خلال المحادثات.
إن إصدار القرار المصمم على نجاح حكومة اليمن يعكس الدور المتحيز للأمم المتحدة كوسيط. أولاً، كان النموذج اليمني – الذي يتألف من فترة انتقالية سريعة وحوار وطني وصياغة للدستور – يعتبر نموذجاً للشرق الأوسط ما بعد الربيع العربي وبالتالي فإن فشله اعتبر ضارا بجهود بناء السلام الأوسع نطاقا. ثانياً، لا تزال الدول الأعضاء في الأمم المتحدة تعارض بشدة تقسيم الدولة، وتخشى من أن ينفصل الحوثيون وغيرهم من الجماعات عن الحكومة اليمنية. وفي المقابل، فإن دعم الأمم المتحدة يظل يوفر لهدي قوة دافعة للتخلي عن المفاوضات وتجنب أي اتفاق قد يعني إبعاده عن السلطة أو تقاسم السلطة في حكومة وحدة مع الحوثيين.
إن قرار مجلس الأمن رقم 2216 يجب مراجعته بحيث يعكس الوضع المتغير في البلد والمنطقة منذ أن تم تبنيه عام 2015. يجب أن يكون هناك قرار جديد يدعمه الأعضاء الخمسة الدائمون في مجلس الأمن ويدعو إلى وقف شامل لإطلاق النار وتبني لغة تأخذ في الاعتبار رغبات وأهداف الأطراف الرئيسية في الصراع على قدم المساواة. هناك حاجة لرؤية آمنة لمستقبل كلا الطرفين.
وعلى العموم، فإن فكرة وجود اتفاق سياسي بين الفصيلين الرئيسيين فقط – حكومة هادي والحوثيين – هي فكرة مفرطة في التبسيط تمثل فقط السياسة والانقسامات داخل النخبة اليمنية الشمالية التي تقاتل من أجل السلطة. وإنها تتجاهل العديد من الجهات الفاعلة المحلية غير الحكومية المشاركة في الحرب، لاسيما في تعز ومأرب والبيضاء، والتحالف الفضفاض للجماعات الجنوبية الساعية لاستقلال جنوب اليمن – وعلى وجه التحديد المجلس الانتقالي الجنوبي.
إن استبعاد المجلس الانتقالي الجنوبي يعتبر عائق بارز أمام السلام. في عام 2015، دخل المجلس في تحالف مناسب وغير سهل مع قوات موالية لهادي، لغرض طرد الحوثيين من عدن. لكنه انقلب بعد ذلك على هادي، حيث سيطر على جميع المباني الحكومية المتحالفة مع الرئيس في أعقاب المصادمات في عدن في يناير 2018. وفي الوقت الراهن، يتمتع المجلس الانتقالي الجنوبي بقيادة أمر واقع في جميع محافظات الجنوب. وبالتالي، فإن أي اتفاق سلام لا يراعي مظالم المجلس الانتقالي الجنوبي والجهات الفاعلة المحلية الأخرى لن تكتب له الاستدامة. إن إدخالها في المفاوضات أمرا حاسما للتوصل إلى تسوية بعد الحرب الأهلية وتحقيق سلام طويل الأجل.
كما يجب النظر في دور الجهات الفاعلة الخارجية التي تعيق السلام. يمكن اعتبار الصراع جزءاً من صراع نفوذ إقليمي بين إيران التي يحكمها الشيعة والسعودية التي يحكمها السنة والتي تسعى إلى توسيع نفوذها. واليمن يتمتع بأهمية استراتيجية بسبب موقعه على مضيق يربط البحر الأحمر بخليج عدن، والذي يمر عبره الكثير من شحنات النفط العالمي. رغم أن إيران تنفي تورطها، إلا أنها متهمة على نطاق واسع بدعم الحوثيين مالياً وعسكرياً. وفي الوقت نفسه، تدعم المملكة العربية السعودية علنا هادي وتقود تحالفًا من 10 دول ذات الأغلبية السنية في غارات جوية متواصلة على الأراضي اليمنية ضد الحوثيين. وقد أفاد مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان زيد رعد الحسين أن “التحالف مسؤول عن ضعف عدد الضحايا المدنيين الذين تسبب بسقوطهم جميع القوات الأخرى مجتمعةً.” وهناك منظمات حقوق إنسان مثل هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية ولجنة خبراء تابعة للأمم المتحدة تتهم التحالف بارتكاب جرائم حرب. وقد امتد الصراع أيضاً إلى خارج الحدود، خاصةً التصعيد في الآونة الأخيرة بإطلاق عدد من صواريخ الحوثيين وهجمات الطائرات بدون طيار التي تستهدف المدن السعودية. ولم يعد بالإمكان تبرير اعتبار الحرب بأنها يمنية داخلية. فباعتبار المملكة العربية السعودية لاعب رئيسي في النزاع، يجب أن تشملها المحادثات والاتفاقيات المستقبلية بشأن الحل السياسي السلمي، ما لم فإن استمرار العدوان في البلد أمر مؤكد.
بالإضافة إلى ما سبق، أدت المواقف التي اتخذتها الدول الغربية إلى إبطاء التقدم نحو السلام. فقد ظلت المملكة المتحدة والولايات المتحدة تدعم التحالف بشكل خاص من خلال الدعم اللوجستي والمعلومات الاستخباراتية ومبيعات الأسلحة بمليارات الدولارات. إن المخاوف المتعلقة بعقود الأعمال لا تزال تفوق أي مخاوف بشأن الأزمة الإنسانية، حتى في ظل تقارير تم نشرها على نطاق واسع حول الاستخدام غير المشروع للأسلحة على اليمن. إن مثل هذا النهج لن يعمل إلا على ضمان استمرار الصراع. وبدلاً من ذلك، يجب أن تستخدم هذه الدول قوتها وعلاقاتها للضغط على النظام السعودي والأطراف الأخرى لإنهاء النزاع.
وفي الواقع، كان ذلك في أعقاب مقتل كاتب العمود في صحيفة واشنطن بوست جمال خاشقجي بناءً على أوامر من ولي العهد محمد بن سلمان حيث احتشد الرأي العام الدولي ضد دور المملكة العربية السعودية في الحرب. وكان تصويت مجلس الشيوخ الأمريكي في نوفمبر 2018 لإنهاء دعم أمريكا العسكري للمملكة العربية السعودية قد عمل بشكل غير مباشر على ممارسة الضغط على الحكومة اليمنية المدعومة من السعودية – التي خشيت أن تفقد دعامة المساندة الرئيسية – للتوصل إلى حل وسط مع الحوثيين في السويد. ولسوء الحظ، فإن حق النقض الذي مارسه الرئيس ترامب ضد مشروع القانون قد رفع هذا الضغط. كانت هذه خطوة في الاتجاه الخاطئ. ينبغي على الولايات المتحدة ومعها المملكة المتحدة أن تستخدما نفوذهما لإقناع السعوديين بالضغط على وكلائهم اليمنيين للمشاركة في مفاوضات وقف إطلاق النار التي توسطت فيها الأمم المتحدة، والتي يمكن أن تبني الثقة نحو اتفاق سلام أكثر شمولاً يضم جميع الأطراف. إن استمرار السياسة الغربية المتمثلة في الدعم غير المشروط للتحالف الذي تقوده السعودية لن يؤدي إلا إلى تفاقم التوترات وجعل السلام أكثر بُعداً.