كيف يمكن لمحور المقاومة مواجهة التضليل الإعلامي؟
السياسية:
لم تعد أمراً مدهشاً قدرة الإعلام على التضليل وتشكيل الوعي، بل كيّ الوعي لدى الشعوب. كان العصر الذهبي للدعاية في منتصف القرن الماضي، افتتحه هتلر ووزير دعايته غوبلز، وتطور على أيدي الأميركيين في الدعاية ضد الشيوعية. على أن الدعاية والتضليل كانا السلاح المتقدم في جميع الحروب التي خاضتها الولايات المتحدة طوال الفترة الماضية.
اليوم، بعد أن تكرر استخدام هذه التقنيات وبلغت مداها وتقلبت في مخاضات متنوعة، أصبح من السهل وضعها تحت المشرحة، وأصبح لدى الشعوب نوع من الوعي لتمييز الغثّ من السمين منها، يتفاوت بحسب اقتراب الشرائح الاجتماعية من الصراع وبعدها عنه. والمُلاحَظ أنه كلما كانت الشرائح في الدائرة الأقرب كانت الدعاية أقل تأثيراً، أمّا الشرائح الأكثر تأثراً بالرسائل المضللة فتلك التي تقع على آخر الدوائر المجتمعية، والتي تدور بشأن النواة المستهدفة. والحديث هنا عن استهداف محور المقاومة.
على أن تلك الدوائر الأبعد بما تحويه من شرائح متنوعة، الملاحظ أن الشخص المتقدم في العمر ولا يعرف القراءة والكتابة، يفسّر الصراع بالأسلوب نفسه الذي يفسّره الأستاذ الجامعي او الطبيب أو سائق التاكسي أو المهندس، ذلك بأن الإعلام المعادي استطاع أن يقدّم خطاباً موحداً بلغة يفهمها ويقتنع بها الجميع على الرغم من الهوة الفكرية والثقافية بينهم من خلال إدخال محتويات يرجوها هؤلاء، لكنها غير واضحة وتحت ستار المعلومات الموضوعية، وهي في الوقت نفسه تضغط على نقاط الضعف في الوعي الاجتماعي، لناحية إثارة الرعب أو القلق أو الكراهية. وبذلك تتمكن من إحداث تغيير جزئي في وجهات النظر بشأن الأحداث، ثمّ تغيير جذري في المفاهيم الحيوية. وهي لن تتوقف عن قذف أي رأي عام أبعد عن الحقيقة، سواء ذلك المؤيد لها أو الآخر الذي تحاول التأثير فيه، ذلك بأنها انعدمت لديها الوسائل بسبب عدم امتلاكها الحق فبدّلته بإنتاج واقع خيالي مصطنع.
تشخيص الواقع الإعلامي
إذاً، في معركة مكافحة التضليل قد تكون الفئة الأقرب إلى نواة محور المقاومة على الصعيد الأيديولوجي هي الأكثر تحصيناً، ومن الصعب جداً أن تخترقها الرسائل الإعلامية المعادية. وهذا من نقاط القوة في محور المقاومة، ذلك بأن قوة الحق الطبيعي المدعوم بالمعتقدات الدينية والأيديولوجيا الثورية، بنت سوراً حول مجتمعات المحور، مع ملاحظة الدوائر التي بدأنا بها الحديث.
في المشهد العام، يمكن القول إن حرباً إعلامية يشنها المحور المعادي على محور المقاومة، ولا نقول إن ثمة حرب إعلامية بين المحورين، ذلك بأن محور المقاومة، وإن كان سجّل خرقاً اعترف به الأعداء، بدأ مع إنزال عدة محطات عن الأقمار الصناعية، ولم ينتهِ بحجب المواقع عن شبكة الإنترنت من جانب وزارة العدل الأميركية، إلا أن جهوده دفاعية بصورة عامة.
والملاحظ أن جهود مكافحة التضليل القائم في إعلام محور المقاومة، تلجأ إلى وسيلة واحدة، وهي التفنيد. وعلى الرغم من أهمية هذه الفعالية، فإنها تأتي في سياق دفاعي يجعل سرديتها السردية الأضعف بحكم أنها في موقف الدفاع. كما أن التفنيد هو تقنية واحدة في حين يمكن استخدام عدد من التقنيات، التي يجدر أن تكون فعالة بحسب نوع الدعاية والجمهور المستهدَف.
الواقع أن الخصوصية الثقافية لمحور المقاومة، بما يحمله من معتقدات وقيم، قد تُظهره عاجزاً أمام الماكينة الإعلامية المعادية، والقائمة على الخداع واللعب على أوتار الغرائز. ففي المعركة بين الغرائز والعقل، بحسب السنن الكونية، ثلة من الأولين وقليل من الآخرين سينتصرون على الغرائز. وفي معركة الخطابات السارية، يخاطب إعلامنا النزعات الدينية والأيديولوجية لدى الشرائح المتعددة، مدمجة بمقولات سياسية يخاطب بها العقل، في حين يعتمد الإعلام المعادي على مخاطبة الغرائز. فالجمهور، مثلاً، بحسب الدراسات النفسية، يصدّق الفضيحة ولو أن 90% منها غير مثبت، أكثر مما يصدّق التبرير المؤكد 100%.
إلى ذلك، تتميّز الدعاية المعادية بالقدرة المادية. فبحسب التسريبات المخفية والتصريحات المعلنة، أصبح النقاش في الميزانيات التي تصرف على الدعاية يُطرَح في العلن، في حين يعاني إعلام محور المقاومة، في الوقت نفسه، ضعف الإمكانات المادية بالمقارنة مع المعسكر الآخر، الأمر الذي يجعل ميكانيزمات إعلام محور المقاومة متباينة كلياً عن ميكانيزمات الإعلام المعادي.
وليس أخيراً، ولعله الموضوع الأكثر تقييداً في ظل التطور الحضاري للاتصالية الجديدة، فإن المحور المعادي، القابض على عمالقة التكنولوجيا، ما زال قادراً على تقييد إعلام محور المقاومة، سواء عبر الأقمار الاصطناعية، أو المواقع الإلكترونية، ومواقع التواصل الاجتماعي. وتزداد الخطورة بازدياد استخدام التكنولوجيا من الأجيال، في ظل السيطرة عليها من جانب الغرب.
ميكانيزمات مكافحة التضليل
ثمة ثلاث فئات يستهدفها الإعلام المعادي في رسائله:
- البيئات الخاصة بالجهات الحاضنة للإعلام المعادي لمحور المقاومة.
- البيئات الواقعة في الدوائر الأبعد عن نواة المحورين.
- بيئات محور المقاومة.
لكل بيئة من هؤلاء، بكل ما تحمله من تنوع للشرائح، ميكانيزمات خاصة وخطاب خاص. يجدر العمل على تفكيكها ووضع خطط لمواجهتها. وضمن عملية التفكيك، يمكن وضعها تحت أربعة عناوين، بحسب الترتيب التالي:
أولاً: المتلقي
بحسب الشائع في علم نفس الجماهير، فإن الجمهور لا يتم الحديث معه بالحجج والبراهين، حتى إن أبرز المنظرين، مثل هتلر وغوبلز وعالم الاجتماع غوستاف لوبون، أكدوا أن الاهتمام يجب أن يكون بعواطف الجماهير وليس المفاهيم العلمية بهدف السيطرة على عقولها. وهو الحال مع التكتيكات التي يمارسها الإعلام المعادي على محور المقاومة، والقائمة على التحريض والشيطنة والإلهاء عن القضايا الرئيسة.
وبعد أن أصبحنا في عصر المعرفة، وأصبحت الجماهير على علم ومعرفة بأساليب الدعاية، وانفتح أفق الناس بصورة واسعة على المعارف والعلوم، وأصبحوا متصلين جماهيرياً بصورة مستمرة ويومية، وليس فقط خلال التجمعات، أصبح ثمة حاجة إلى دراسة جديدة لسيكولوجية الجماهير، التي أصبحت أكثر وعياً. ويمكن وضع النقاط على الحروف في عمليات الوعي كي تصبح القدرة على المواجهة أكثر وضوحاً وسهولة، من خلال تعريف الناس أكثر إلى جوهر التقنيات المؤثرة في وعيهم، فيزداد الاحتمال بفهمهم للغرض منها:
- التربية الإعلامية: تبدأ التربية الإعلامية من المناهج الدراسية في المدارس وفي أجندات الكشاف والنوادي وغيرها من الصروح التعليمية التي تستهدف الأطفال، من خلال برامج يعمل عليها متخصصون لتنمية الحس النقدي في تلقي الرسائل المعادية لدى الأطفال، وكذلك تعريف الإعلام المعادي وكيف يعمل.
- مهارات استقبال المحتوى الإعلامي وتلقيه: دورات محو الأمية الإعلامية من خلال تعريف الشرائح باستراتيجيات التضليل والتأثير في الوعي والتوعية بالحيل الدعائية.
- التنشئة على أساس ضرورة اعتماد مرجعية سياسية ومرجعية إعلامية، إلى جانب التريث والتقييم الهادئ للرسائل وعدم الانسياق خلف الموجات الإعلامية.
- تدريب الأهالي على مبادئ التنشئة السياسية العائلية، لمساعدة الناشئة على مواجهة الشبهات والمغالطات.
- تطوير آليات ملائمة للرد على التضليل والشبهات، وتدريب العاملين في المجال الإعلامي عليها.
ثانياً: الرسائل
- السبق إلى إيصال الخبر إلى الجمهور: ثمة تحيّز يمارسه أي إنسان ويدعى تحيّز الإرساء. فحيث رست أفكارك الأولى سيكون منطلق كل الأفكار اللاحقة، حتى لو استخدمت مرساة ثانية ستوظفها لمصلحة المرساة الأولى. يقول غوبلز إن “الإنسان الذي يقول الكلمة الأولى للعالم هو دائماً على حق. وحين يسمع لأول مرة عن حادثة ما لا يرفضها، كون حداثتها وطرحها للمرة الأولى يوقظان لديه الفضول والاهتمام والجاذبية”. بحكم هذا المبدأ، تحاول وسائل الإعلام حالياً أن تكون الأولى في إيصال الخبر إلى الجمهور مع مقدمات إخبارية وتأطير الأحداث لمصلحتها.
- الجذب التدريجي غير المتعجل إلى فلك المعتقدات الأيديولوجية والسياسية وتقديم نموذج مريح ومقنع وواضح، أفضل من النموذج الذي كان يتبعه الشخص المستقطِب. والجذب التدريجي إلى مجالات التأثير هو أكثر فعالية بالنسبة إلى الناس الذين لا يملكون وجهات نظر ثابتة، ولم يحددوا انتماءهم بعد، ذلك بأن القضايا العامة معقدة، وتغيير الفهم تجاهها مسألة تحتاج إلى مراحل ومقدمات.
- تفنيد الرسائل المعادية: مثلاً، صدر لدى الاعلام المعادي مقطع فيديوغراف يتضمن رسائل مفادها أن من دفع فاتورة الحرب في معركة سيف القدس هم الفلسطينيين، وأن هذه الحرب لم تأتِ سوى بالدمار والخراب ولم تسجل المقاومة أي انتصار. هذه الرسائل يمكن أن يتلقاها الرماديون بانحياز إليها، ويمكن أن تؤثر بطريقة ما في معنويات بعض المتقلبين، وتؤكد وجهة نظر الجمهور المؤيد للأعداء. هذا النوع من الرسائل يجب تفنيده والرد عليه من خلال فيديوغراف مماثل ويملك الأسلوب نفسه، لدحض الرسالة بالوقائع.
- الدعاية الشفافة وذات الصدقية والمعلومة المصدر: أفضل سبل مواجهة التضليل نشر الوقائع الحقيقية، على أن قوة الحق والشفافية هما أكثر قدرة من قوة التضليل على الرغم من كل فعاليتها.
- التشكيك: يمكن ممارسة التشكيك في نوعين من الرسائل التي يستهدف بها العدو بيئته أو البيئة الرمادية:
- رسائل ستبدو متماسكة نعمل على بث رسائل تشكيك من خلال استهداف الحس النقدي للمتلقي من الجمهور المعادي.
- رسائل غير متماسكة وغير متسقة تعمل على بث رسائل تشكيك من خلال الإجابة عن الجانب المخفي بها وإظهار عدم اتساقها.
- صناعة المصطلحات: أصبحت قدرة المصطلحات على الخلق والتدمير معروفة لدى النخب وصنّاع السرديات، حتى إن المصطلحات لديها “قدرة على الإرغام” كما في أدبيات العدو. فالمصطلحات هي من الاستراتيجيات التي يستخدمها إعلام العدو ببراعة لتحقيق مكاسب سياسية وكسب الجمهور، والتي يمكن من خلالها إقناع شعب كامل بضرورة دخول الحروب. وعليه، فإن وضع قاموس من المصطلحات وتحديثه لدى كل حدث هما من أهم أسلحة المواجهة وحتى الهجوم في الحرب الإعلامية.
- الاخبار ذات الاتجاهين: أي الأخبار التي تحمل الرأي والرأي الآخر، يتخللها نقد ذكي، يساهم في تكوين مناعة معينة ضد حجج معادية، أي من خلال العمل على استباق حجج العدو من خلال عرض حججه ونقدها والتشكيك فيها بخفة وموضوعية. يمكن أن يحدث ذلك من خلال البرامج السجالية التي تستضيف محللين من الطرفين.
- لغة خطاب تلاحظ التنوع، فكرياً وثقافياً، لدى الأجيال، من خلال تقسيم الشرائح المجتمعية إلى فئات، الجيل القديم والجيل المخضرم والجيل الجديد. ولكل فئة من هؤلاء خطاب خاص به، وله منطلقات ومنابر متعددة خاصة فيما يتعلق بجيل الشباب الحالي، الذي تعاني أغلبيته قطيعة معرفية بين جيلها والجيل الأقدم، بسبب التسارع في التطور التكنولوجي في العقود الثلاثة الأخيرة، وكل ما سببه هذا التسارع من إرهاصات لناحية التنشئة الاجتماعية خارج البيئة المغلقة، كما كان يحدث سابقاً.
- المضامين الفكاهية: ثمة قدرة خفية للمضامين التي تتناول القضايا بتهكم وسخرية، تمارسها المحطات والإعلاميون، ويمارسها الناشطون في مواقع التواصل الاجتماعي، كما يمارسها الناس في يومياتهم لمواجهة الواقع. عندما تعرض فكرة ما من أجل السخرية يبدأ الجمهور النظر إليها كفكرة غير فعالة وغير جدية. يبرع في هذه المهمة الناشطون في مواقع التواصل والبرامج الفكاهية. مثال على هذا النوع برنامج “النشر قبل النشرة” عبر قناة “المنار”.
ثالثاً: العمليات
- التكرار: تكرار الفكرة، عبر أشكال متغيرة إلى ما لا نهاية، يجعل من الممكن إثبات أن المربع هو دائرة في حالة التكرار الكافي، وهكذا تحدث عملية التضليل. في المقابل، يجب أن تتكرر الرسائل وأن تستمر في مراحل زمنية متعددة، وأن تتكرر عبر كل الوسائط الإعلامية، وبالأشكال الصحافية والإعلامية الممكنة.
- تقنية استطلاعات الرأي: لجهة كونها أسلوباً لتكوين الرأي العام، بحيث يتركب السؤال بطريقة تلفت النظر إلى التضليل في وجهة النظر المعادية. فالخيارات على الإجابة عن السؤال يجب أن يتضمن تفنيداً يحفّز المشارك أو المطلع على الاستطلاع المشارك على التفكير ضد التضليل. كما أن نتائج الاستطلاع ستؤثر في رأي الفئة المتحيرة تجاه قضية ما.
- الإغراق في المعلومات المضادة: خطة منظمة لعملية إغراق الوسائط الإعلامية التقليدية والحديثة بالرسائل والمعطيات، إما لأهداف سياسية، وإما لأهداف التثقيف، وإما لمواجهة عمليات الإغراق التي تقوم بها الدعاية المضللة.
- بث الرسائل عبر مصدر محايد: كيف تتم عملية اكتساب الإنسان وجهات النظر التي لا تتوافق مع وجهة نظره ووضعه ووسطه الاجتماعي؟ يسمع الانسان صدفة معلومة لم يسمعها من قبل، يتعرف إليها، ويرى في طريقة طرحها ما يثير اهتمامه، وتكون هذه المعلومة المثيرة للفضول جواباً عن مسألة ما تهمه. هنا نرى أن القناعة المسبّقة انقطعت، وظهر إلى جانب الحذر والإخلاص للأفكار الثابتة عنصر التساهل، ولو أنه عرف أن هذه المعلومة من مصدر مُعادٍ قبل أن يتعرض لها، لكان رفض سماعها أو قراءتها.
- إعادة كتابة التاريخ: من وجهة نظرنا، أو كتابة التاريخ الذي نعيشه الآن، وإغراق السوق فيه والترويج الواسع لهذه الكتابات، سواء كانت كتابات أو كتباً أو حملات، في مواقع التواصل، أو أعمالاً فنية لإعادة التصويب.
- سياسة القضم: عندما تكون الدعاية المعادية ضخمة، ومن الصعب مواجهتها بالتفنيد المباشر وبحملة مضادة تعطي نتائج مباشرة، فإن سياسة القضم التدريجي لهذه الدعاية ستكون فعالة في المدى الطويل، ولو لم تعطِ نتائج مباشرة. كما أن ثمة رسائل معادية تعمل بالتدريج، وبالتالي تتم مواجهتها أيضاً بتفنيدها بالتدريج.
- هجوم استباقي: لدى الاستحقاقات الكبيرة، يمكن استشراف ما سيتناوله الإعلام المعادي في رسائل التضليل وبدء حملة إعلامية تغتال هذه الرسائل قبل بدء بثها. فالجمهور لديه ميل إلى الإيمان والتمسك بأول فكرة يتلقاها بشأن أي موضوع.
- خلق موجات إعلامية لإظهار التباين: تقنية فعالة في رد رسائل التضليل، التي غالباً ما يكون مداها طويلاً في التأثير، مثل مسألة الحريات العامة في إيران. تبدأ الموجة الإعلامية فور وقوع حدث لدى الطرف المعادي يتعلق بالحريات ويمكن استثماره، فيكون مناسبة لإغراق السوق بالمعلومات والشواهد والإجراءات التي تظهر الحريات العامة في إيران. وهذا سيكون توقيتاً ملائماً لإظهار التباين في مسألة الحريات العامة لدى الطرفين. وستظهر الحريات في إيران بيضاء بصورة بارزة بسبب عرضها على خلفية سوداء.
- الموافقة الاجتماعية: الانطلاق من المسائل التي تهم الجمهور إلى المسائل المراد تثبيتها وترسيخها في وعيه. فيصبح ثمة موافقة وإجماع على الرسائل المطلوبة، ناتجان من الموافقة والإجماع على المسألة البدائية المهمة لديه.
- تجديد الشكل والأسلوب: من خلال الاستفادة من كل الوسائط الاجتماعية الجديدة وعدم توفير أي منها مهما بدا أنها سطحية (من كان يتخيل أن تيك توك سيكون لديه هذا التأثير الهائل في معركة سيف القدس)، فلكل شكل إعلامي، ولكل منصة تواصل اجتماعي، جمهورهما الخاص، كما لهما أسلوبهما الخاص الذي يستحسنه من يتابع أياً منهما.
رابعاً: المنصات
- توظيف الناشطين: المؤثرون والناشطون في مواقع التواصل هم قادة الرأي الجدد، لناحية قدرتهم على التأثير في عدد هائل من الناس الذين اختاروا طوعاً متابعتهم. وعليه، لا بد من استثمار هؤلاء لحشد آراء نقدية ضد التضليل.
- استخدام الرموز المؤثرة: مثل علماء الدين والمشاهير وزعماء العشائر والأشخاص الشعبيين داخل المجتمعات من أجل التأثير في القواعد الشعبية لتبين الخلل في الرسائل المضللة.
- استخدام المنابر المؤثرة: بعد تراجع المنابر التقليدية في هذه الأيام خارج المناسبات الحاشدة، يمكن للرموز المؤثرة ملاحقة من تسرّب منها إلى المنابر التواصلية الجديدة، من خلال تكثيف حضورهم في وسائل التواصل الاجتماعي والتطبيقات الإلكترونية المتعددة. والواقع أن ثمة منصات يجب أن تتوقف عن مخاطبة الجيل المخضرم، وتجهد في تقديم خطاب متماسك ومستقطب لجيل الشباب، في حين تقدّم منصات أخرى يستخدمها الجيل المخضرم والجيل القديم الخطاب الكلاسيكي.
- حشد الاختصاصيين: أي الجذب والتوظيف للكفاءات المتخصصة بالمجالات السياسية والإعلامية والتنفيذية المتنوعة لهذه الحرب الإعلامية.
- كشف منصات التضليل: تبيان خلفية المنصة والجهة التي تشغلها وخفاياها واختلالاتها وأساليب عملها وأغراضها وغاياتها.
وعليه، لمواجهة التضليل يجب إغلاق الثُّغَر التالية:
الواقع أنّ فهم الجمهور هو القاعدة الأساسية لفهم طبيعة الرسائل التي يمكن بثها، أو طبيعة التفنيد الذي يجب الاهتمام به أمام كل رسالة معادية، ذلك بأنّ أكبر عمليات التفنيد، إذا كانت لا تحتمل التأثير وليست من الأساسيات القيمية للجمهور، ليست أكثر من حبر على ورق. وعليه، فإن الرسائل التي يمكن أن تؤثر في جيل الثمانينيات، يمكن ألّا تؤثر في جيل الألفية الجديدة، لناحية الأسلوب أو الخطاب أو الوسائط الإعلامية. وعليه، فإن دراسات الجمهور هي مسألة أساسية لوضع اليد على الرسائل المعادية المستهدفة من جهة، وعلى الرسائل المواجهة من جهة أخرى، وفي خطوة متطورة لتطوير رسائل هجومية ابتداءً.
كما أنّ عدم وجود عمل مؤسسي متكامل ومتضافر لكل الأجهزة الإعلامية لمحور المقاومة للقيام بعمليات الإغراق الإعلامي للرسائل الهجومية، أو الرسائل المواجِهة للتضليل، يجعل جهود كل مؤسسة بذاتها ضعيفة أو غير كافية، في أكثر تقدير. صحيح أن الخصوصية السياسية للمؤسسات أو الجهات الإعلامية المتنوعة، على صعيد الدول أو المرجعيات، قد تكون السبب الأول في عدم توحيد الرسائل أو التحفظ بشأن مسائل معينة، إلا أن ذلك لا يُعفي من أهمية تطوير حملات إعلامية موحدة يتفق عليها الجميع.
إلى ذلك، ثمة أهداف بعيدة المدى، بحيث إن الوقاية خير من قنطار علاج، وذلك من خلال وضع التربية الإعلامية والتفكير النقدي في الأولويات الثقافية والسياسية لدى المحور، من خلال البرامج والمدارس والنوادي والكشاف والمنابر الدينية والمنصات التقليدية والإلكترونية وغيرها.
وحتى لا يكون الحديث مجرّد تنظير على الورق، يمكن الانتقال إلى العمل الجدّي من خلال:
1- تفعيل مراكز أبحاث واستطلاعات الرأي والاعتماد على نتائجها في وضع السياسات واستثمارها لصناعة رأي عام.
2- إنشاء هيئة خاصة لمكافحة التضليل تعمل على رصد الرسائل المعادية وتفكيكها وتحديد السياسات والتقنيات الخاصة بالإغراق بالمعلومات، وخلق موجات إعلامية وإدارتها.
3- عدم إصدار تغريدات رسمية أو بيانات صادرة عن جهات رسمية تتضمن رسائل أو معلومات يمكن أن تكون ملتبسة وغير واضحة، ويمكن تأويلها، وبالتالي استثمارها في حملات التضليل.
4- حملات مكافحة التضليل تحتاج إلى إعلاميين وصحافيين ومحللين محترفين، وليس متطوعين، كما هو الغالب حالياً. والرصد والبحث والتحليل المنهجي هي من أسلحة هذه الحرب التي يحتاج توافرها إلى المال، مثل الدفع إلى المنصات الإلكترونية، أو البرامج البحثية، أو التجهيزات اللوجستية، وخصوصاً أننا نواجه ماكينة إعلامية تصرف ميزانياتها كما لو أنها ترسانات عسكرية.
5- الانتقال من حالة التلقي إلى حالة الهجوم في الحملات الإعلامية؛ أي شن حروب إعلامية استباقية.
6- لتخطي قيود الرقابة على مواقع التواصل، يتم استخدامها للرسائل المبطنة والمراد توظيفها في المدى الطويل، مثل محتويات الفيديو والإنفوغراف والصور، التي تحتوي على رسائل غير موسومة.
* المصدر: الميادين نت
* المادة الصحفية نقلت حرفيا من المصدر