بقلم: داميان غوتريو

 

(صحيفة “ميديا بارت- “mediapart, ترجمة:أسماء بجاش-سبأ)

منذ 1400 عام، لا تزال الفجوة بين أهل السنة والشيعة قائمة على تقسيم العالم الإسلامي الغارق في خضم العديد من التوترات والصراعات, ولفهم الانقسام الحاصل بينهما، يجب أن نعود إلى الوراء قليلاً لمعرفة أصول ومنبع الخلاف في الدين الإسلامي.

في العام 632 ميلادي، أي بعد 22 سنة من نزول الوحي و 10 سنوات من الهجرة، مات نبي الإسلام “محمد”, حيث برزت اولى بوادر الخلاف بين اتباع النبي “محمد” حول مسألة من الذي سيخلفه, فهذه النقطة هي أصل التوتر والخلاف الذي يعصف بالعالم الاسلامي حتى يومنا هذا, إذ يجب اختيار خليفة جديد للمسلمين, والذي سيكون المسؤول عن توجيه المسلمين، سواء في الامور الدينية أو السياسية.

عرف الخلفاء الاربعة الأوائل لنبي محمد باسم الخلفاء الراشدون, كان أولهم الخليفة “أبو بكر”, حيث كان من أوائل الناس الذين امنوا برسالة النبي محمد وتم اختياره بالإجماع, فقد عرف الخليفة أبو بكر بتدين والحكمة خلال فترة حكمه والتي استمرت لمدة عامين فقط وتوفي في العام 635, ووقع اختيار المسلمون بعده على “عمر بن الخطاب”, وبكل سليمة وسلاسة اختار المسلمون  الخليفة الثاني للإسلام, الذي عرف هو ايضاً بالتدين والحكمة والصرامة خلال فترة حكمه والتي استمرت قرابة العشر سنوات, شهد خلالها المسلمون  توسع الاسلام واستعادة ارض المقدس.

جاء اليوم الذي ولد فيه الانقسام داخل المجتمع الاسلامي مع وفاة الخليفة “عمر”, حيث احتدم  النقاش حول من الذي سوف يخلفه عثمان بن عفان أو علي بن ابي طالب.

أولئك الذين يدافعون عن عثمان يطلق عليهم “السنة” لأنهم يعتمدون على سنة النبي “محمد” والتقاليد النبوية، مما يعني أنه لا يوجد تمييز بين الأصل وأن هذه هي الميزة السائدة, وأولئك الذين يدعمون “علي” يسمون “الشيعة”, إذ يسلطون الضوء على العلاقات الأسرية بين بطلهم والنبي “محمد”, فهو ابن عمه وصهره،  ولكن هذا لم يكن كافياً لاختياره, وفي الأخير وقع الاختيار على عثمان, وبالرغم من كون “علي” قد قبل القرار دون أي مشاكل أو ضغائن, إلا أن التوترات لا تزال حية.

تم اغتيال الخليفة الثالث للإسلام “عثمان” في العام 656 على يد أحد مؤيدي “علي”, حيث يبدو أن القاتل تصرف بمفرده, إذ لم يكن علي متورط في مقتل عثمان، وهذا ما سمح له بتولي الخلافة.

ومع ذلك، يواجه “علي” مطالب مهمة ورئيسية, إذ وجب عليه القتال حتى يثبت سلطته, كما كان عهد الخليفة “علي” مضطرباً, مزق فيه المسلمون انفسهم من خلال معارك دامية: معركة “الجمل” في العام 656 و معركة “صفين” في العام 657.

توالت الأحداث وقُتل الخليفة “علي” في نهاية المطاف أثناء الصلاة على يد الخوارج – سمي الخوارج بهذا الاسم بعد أن خرجوا على  الخليفة “علي” بعد قبوله التحكيم في معركة “صفّين” بينه وبين معاوية بن أبي سفيان- يعتبر الخليفة “علي” شهيد عند أهل الشيعة, كما يعتبرونه صاحب الأسرار الإلهية, وبعد مقتله اندلعت حرب الخلافة, حيث تعارض أبناء “علي” الحسن والحسين مع  معاوية والي الشام  الذي أسس الدولة “الأموية”.

 

عمل  الأخير على إقامة دولتهم, والتي تعتبر أول سلالة كبيرة في الإسلام، حيث نقلوا عاصمتهم إلى دمشق وبدوا في نشر الإسلام السني.

 

خلف الأمويون العباسيون، وهم سلالة سنية عظيمة أخرى, حيث شهد الدين الاسلامي انتشاراً واسعاً خلال القرن العاشر والذي امتد من البرتغال الى أفغانستان, والذي يعتبر نقطة تحول رئيسية: فمن ناحية،  فقد الخليفة سلطته السياسية لصالح أرباح الأمراء العظماء الذين ينتمون إلى عشيرة شيعية كبيرة عُرفت باسم ” البويهيون”وهم سلالة من الديلم جنوب بحر قزوين, والتي   حكمت في غرب إيران والعراق, وفي العام 909، أسس عبيد الله, سلالة جديدة عُرفت باسم السلالة الشيعية للفاطميين في قارة إفريقيا (تونس في الوقت الحاضر).

 

في مواجهة هذا التهديد الجديد وعجز العباسيين عن الدفاع عن إمبراطوريتهم، حيث أعلن أحفاد الخلافة الأموية الذين حكموا محافظة الأندلس – شبه الجزيرة الأيبيرية- بدورهم خلافة جديدة في العام 929, إذ ساد في ذلك الوقت  ثلاثة دول في وقت واحد خيمت عليهم التنافس لتوسيع سيطرتهم وهيمنتهم على كل منها.

 

من الواضح أن هذا الوضع عمل على إضعاف العالم الإسلامي وسهل عملية الاستعادة- غزو شبه الجزيرة الايبيرية “الاندلس” من قبل الملوك المسيحيين وسقوط مدينة قرطبة في العام 1236 من جهة ونجاح الحملة الصليبية الأولى في غزو القدس في العام 1099 وإنشاء دول الشرق اللاتينية حتى العام 1291 من جهة أخرى.

 

بالإضافة إلى ذلك، يجب أن يواجه المسلمون غزواً آخر من الشرق “غزو المغول” الذين اجتاحوا عاصمة الدولة العباسية “بغداد” في العام 1258.

 

وبعد أربعة قرون من التقدم والازدهار, بدء الإسلام في تراجع, حيث يرجع ضعف العالم الإسلامي إلى انقسامات كثيرة, فعندما كان المسلمين متحدين, غزوا العالم بفتوحاتهم ولكن هذه المرة انتهى “العالم الإسلامي” حيث أفسح المجال أمام “البلدان الإسلامية”, وهذه لمحة تاريخية توضح الوضع الحالي الذي يعيشه المسلمون في العالم الإسلامي.

 

غالباً ما يُعتبر الشرق الأدنى والأوسط بؤرة  للصراع, إذ ينظر إلى الانقسام القائم بين السنة والشيعة بأنه أحد أهم هذه الأسباب, إذ أن هذه الفجوة الدينية كانت إحدى شبكات قراءة التوترات والصراعات الحالية في المنطقة، حتى لو لم يكن ذلك كافياً لتفسيرها, وعلى سبيل المثال, تظهر حاله التوترات والاشتباكات التي خيمت على لبنان في السنوات الأخيرة في مدينة طرابلس بين المسلمين السنة والعلويين الشيعة.

 

لا يختلف الحال في سوريا كذلك، حيث نجد نفس التكوين: الرئيس السوري بشار الأسد والجماعات العلوية المدعومة من قبل القوة الشيعية العظيمة, ناهيك عن تقديمها الدعم لحزب الله في لبنان أو الحركة الحوثية في اليمن والجماعات السنية المتمردة.

 

وفي المقابل, تريد المملكة العربية السعودية أن ترسي نفسها كقوة سنية رئيسية, حيث عملت على تقديم الدعم لمعارضي الجماعات الشيعية وبالتالي المتمردين السوريين أو الحكومة اليمنية.

 

وفي الواقع أن الحاصل ما هو إلا حرب باردة حقيقية تتنافس فيها إيران والمملكة العربية السعودية، اللتان تعتبران من أكبر مصدري الذهب الاسود  في العالم بشكل غير مباشر من خلال دعم المجموعات المتنافسة.

 

ترغب كل من هاتين القوتين في زيادة نفوذها الديني, والدبلوماسي, والعسكري والاقتصادي والتأثير بشكل أو بآخر على البلدان المجاورة.

 

ترتب على ذلك حالة درامية مأساوية، إذ تتحدث الأمم المتحدة عن ما يحدث في اليمن باعتباره أسوأ أزمة إنسانية في العالم.

 

إن هذه التنافسات القائمة بين المملكة العربية السعودية وإيران على خلفية الاختلافات الدينية، التي تتلاعب بها القوى العظمى- الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا- إلى حد ما، تقع في قلب التوترات في جميع أنحاء المنطقة، من اليمن إلى سوريا وعبر لبنان و العراق.

 

وبالرغم من كون  مسلمي العالم يمثلون حوالي 85 ٪, إلا أن الشيعة بدوا في اكتساب النفوذ خلال السنوات الأخيرة.

 

كل المؤشرات توحي بأن الوضع لن يهدأ وأن هذا الكسر التاريخي بين المسلمين سوف يزداد في السنوات القادمة.

تقسيم السنة و الشيعة في منطقة الشرق الاوسط والشرق الادنى

دول الشرق الاوسط والأدنى السكان عدد نسبة الشيعة
المملكة العربية السعودية 26.940.000 10%
الجمهورية الاسلامية الايرانية 74.819.000 95%
اليمن 24.023.000 35%
سوريا 20.895.000 15%
العراق 31.108.000 65%
لبنان 6.226.000 30%
الكويت 2.636.000 20%

 

2019- الارقام الواردة بحسب مركز بيو للدراسات والأبحاث في مجال الشعوب والنشر.