السياسية:

 

 

تدخل الحرب السودانية أسبوعها الثالث مع عدم وجود بوادر تلوح في الأفق للوصول إلى خطوط عريضة تضمن التوصل لحل يقطع دابر تداعيات استمرار الحرب او تجددها مستقبلا. يتضح ذلك من خلال المبادرات التي تقدمها دول الجوار او الدول الأخرى المهتمة بالشأن السوداني، فجميع المبادرات المقدمة لا تتعدى وقف اطلاق النار المؤقت لاغراض انسانية. وحتى اللحظة لم يعلن عن مبادرة تهدف لجمع فرقاء الحرب على طاولة الحوار للتباحث حول نقاط محددة توقف الحرب وتضع خارطة طريق تنهي الازمة السياسية التي ادت إلى تفجر الحرب.

 

استمرار الصراع المسلح في السودان سيلقي بتأثيرات سلبية على دول الجوار، وهو ما يعني ان هذه الدول في أمس الحاجة لتقديم مبادرة تفضي لنزع فتيل التوتر، قبل ان تشتد اوار المعارك وتتوسع وتصل إلى مرحلة يصعب معها ايجاد فرصة للتقارب بين الفرقاء.

 

طبيعة العنف القائم في السودان سيدخل البلاد في تعقيدات اقتصادية واجتماعية ستؤسس لحرب أهلية واسعة تمتد لفترة زمنية طويلة، ستلقي بتبعاتها على دول الجوار، لأن استمرار الحرب سيؤدي إلى انهيار اقتصاد البلاد الذي يعاني من ازمات مركبة، وهو ما يعني تدفق موجات اللاجئين نحو دول الجوار، ليس ذلك وحسب وانما سيحول حدود تلك البلدان إلى ثكنات للمسلحين المتجهين نحو الداخل السوداني أو الهاربين منه.

 

ستؤدي استمرار المعارك بين طرفي الصراع السوداني إلى ظهور مليشيات مسلحة بمشاريع صغيرة قد تكون عرقية أو اثنية أو غيرها، وظهور هذه المليشيات إلى واجهة المشهد سيمهد لتقطيع اوصال البلاد، وتحويلها إلى ساحة نشطة للأجندات الخارجية، ما سيؤدي إلى تقاطع مصالح الخارج في السودان، وذلك سيجعل قوى اقليمية ودولية تدعم توجهات المليشيات لتنفذ من خلالها الأجندات التي يريدها الخارج، ما يعني تصعيد العنف، الذي سيكون من تداعياته ظهور عمليات تطهير على أساس عرقي او طائفي أو مناطقي وغيرها، وهو ما سيدفع مئات الآلاف للنزوح نحو دول الجوار التي تعاني اوضاع اقتصادية صعبة، ما سيفاقم من المشاكل الاقتصادية لتلك الدول، كما لن تكون محمية من ظهور مشاكل أمنية، نتيجة لتحول حدودها إلى مناطق عبور للجماعات المسلحة. 

 

يرى محللون إن دول مثل تشاد وأفريقيا الوسطى وجنوب السودان ستواجه خطر مباشر، جراء استمرار الصراع المسلح في السودان. وطبقا لتقرير أممي حديث فإن تشاد وجنوب السودان اللتان تصنفان من بين أفقر دول العالم، قد يستقبلان ما يصل إلى 270 ألف لاجئ اذا استمر الصراع السوداني لأسابيع مقبلة. وهذا الخطر يحتم على قيادتي الدولتين العمل على مبادرات عملية تبدأ بوقف اطلاق النار ثم جمع الفرقاء على طاولة الحوار لمناقشة نقاط محددة تفضي إلى خطوات تنفيذية تنهي النزاع القائم.

 

هذا الخطر باتت بات مقلقا لدول الجوار الجغرافي للسودان، وفي هذا السياق؛ قال دينغ داو دينغ، القائم بأعمال وزير خارجية جنوب السودان، ان الآثار غير المباشرة للصراع في شمال السودان باتت مرئية بالفعل، مشيرا إلى أن آلاف الأشخاص وصلوا إلى الدول المجاورة، بما في ذلك جنوب السودان.

 

تقول سارة مجدوب، محللة النزاعات في السودان، إن العديد من الجماعات المتنافسة في اقليم دارفور غرب السودان قد يكون لها أيضاً صلات عبر الحدود في تشاد وجمهورية إفريقيا الوسطى. وهو ما يعني ان استمرار الصراع في السودان سيؤدي إلى مشاكل أمنية في الدولتين، على الاقل في المناطق الحدودية، خاصة وانه من المعروف ان قوات الدعم السريع تنحدر اغلب قياداتها وكثير من أفرادها إلى اقليم دار فور، ومع تداخل الصلات العشائرية للقبائل التي تنتمي إليها قيادات الدعم السريع بين السودان وتشاد، فإن اشتداد الحرب سيدفع للاستعانة بمجاميع قبلية من تشاد لها امتدادات في اقليم دار فور بالسودان، ما سيحول مناطق الحدود بين تشاد والسودان إلى مناطق عبور لتلك الجماعات. وفي حال تعرضت قوات الدعم السريع لانتكاسات عسكرية فإن ذلك سيؤدي إلى فرار قيادات بمجاميعها المسلحة صوب تشاد، وهو ما سيؤدي إلى تحول الحدود التشادية مع السودان إلى ثكنات عسكرية لقوات الدعم السريع، ما سيؤدي إلى مشكلات أمنية لدولة تشاد، ابرزها عدم قدرة الجيش التشادي على منع تلك المجاميع من استخدام اراضيها كمنطلق لشن هجمات في الداخل السوداني.

 

تفيد تقارير صحفية ان الحدود السودانية مع تشاد وجنوب السودان وأفريقيا الوسطى تشهد حاليا تدفقاً للاجئين الفارين من العنف في السودان، وتقدر تلك التقارير عبور ما لا يقل عن 30 ألف لاجئ سوداني إلى تشاد وجنوب السودان فقط. وتفيد تقارير أخرى ان اكثر من 12 ألف لاجئ سوداني عبروا حدود افريقيا الوسطى التي تشهد ارتفاع أسعار المواد الغذائية الأساسية، منذ اندلاع القتال في السودان.

فيما لا يزال الالاف من اللاجئين عالقين على الحدود السودانية مع الدول الثلاث.

 

تستوطن العديد من القبائل ذات الأصول الافريقية اقليم دار فور غرب السودان، وباستمرار العنف القائم بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع ستجد تلك القبائل فرصتها في الالتحام بفروعها في تشاد مثلا، وهو ما قد يمهد لمطالب انفصالية على أساس عرقي ستؤثر على الأمن القومي للسودان وتشاد على حد سواء، وظهور مثل هذه المطالب مرتبطة حاليا بمدى استمرارية النزاع السوداني، وفي حال استمر النزاع فإن الحدود الطويلة الممتدة بين السودان وتشاد ستكون عاملا يهيء الوضع لظهور تلك المطالب.

 

كما ان الارتباطات العشائرية بين القبائل التي تستوطن مناطق الحدود بين شمال وجنوب السودان ستؤدي إلى تأثيرات سلبية على أمن الدولتين، وقد تدفع نحو تشكيل مليشيات مسلحة بضوء اخضر من الخارج، خاصة وان المنطقة الحدودية تعد منطقة غنية بالنفط والمعادن، فظهور اي مليشيات مسلحة في المنطقة الحدودية يعد مهددا للامن القومي لجنوب وشمال السودان على حد سواء، لأن ذلك سيكون نذير بسيطرة تلك المليشيات على المنطقة الاقتصادية المهمة التي تتشاركها الخرطوم وجوبا.

 

اما جمهورية افريقيا الوسطى  المجاورة للسودان من الغرب، والتي تشاركها بحدود يصل طولها إلى 174 كم، فستكون التداعيات عليها كبيرة وفوق طاقتها، فالبلاد انفجرت فيها حرب أهلية في العام 2013م، اثرت كثيرا على اقتصاد البلاد، ومع عدم قدرة البلاد على السيطرة على حدودها ادى ذلك إلى نشاط التهريب بين البلدين، والذي سيتوسع مع استمرار الحرب في السودان، فضلا عن وجود تداخل شعبي في المناطق الشرقية لأفريقيا الوسطى، مثل منطقة جبل فاطمة ومنطقة مأمون وغيرها، وأدى هذا التداخل إلى وجود مجموعات اثنية توزع وجودها بين السودان وأفريقيا الوسطى مثل مجموعات الكارا والصرا، وهذا التداخل الاثني ساهم في حماية تهريب البضائع بين شرق افريقيا الوسطى وغرب السودان، وساهم في جلب مورد مالي مهم لتلك الجماعات. وتفيد تقارير صحفية بوجود حوالي 64 نقطة تفتيش لمسلحين من كل الانتماءات في المنطقة الحدودية، وطبقا للتقارير بلغت أرباح مجموعات سيليكا حوالي 300 ألف يورو سنويا. وبالتالي فإن توسع العنف في السودان وبمرور الوقت سيؤدي إلى تلاشي وجود الدولة في المنطقة الحدودية وستؤول وظيفتها للمليشيات المسلحة، والتي ستدفعها ارتباطاتها الاثنية إلى ظهور مطالب انفصالية ستكون خطرا على الأمن القومي للسودان وافريقيا الوسطى.

 

ومما سبق يمكن القول ان تأثير استمرار العنف في السودان سيمتد إلى دول الجوار (تشاد، إفريقيا الوسطى، مصر، ليبيا، إثيوبيا، إريتريا، جنوب السودان، كينيا، أوغندا، الكونغو الديمقراطية وجمهورية الكونغو)، وسيكون أكثر ضررا على تشاد وأفريقيا الوسطى وجنوب السودان، نظرا لمشاكلها الاقتصادية العميقة، وعدم الاستقرار الذي تشهده، إلى جانب العامل الاجتماعي المتمثل في التداخلات الاثنية والعرقية، وحجم الفوائد المالية التي تجنيها الجماعات المسلحة من عمليات التهريب عبر الحدود.

* المصدر: موقع عرب جورنال
* الماده الصحفية نقلت حرفيا من المصدر ولاتعبر عن رآي الموقع