الميتافيرس بين الحقيقة والخيال.. هل اقتربنا فعلاً من نقل مقرات عملنا إلى الواقع الافتراضي؟
السياسية:
تواصل الشركات افتتاح مقرات لها في العالم الافتراضي وترتفع أسعار أراضي البناء بشكل مذهل، فهل اقترب انتقال مكان العمل إلى الميتافيرس فعلياً؟
كان الميتافيرس قد اقتحم عالم العقارات وبيع الأراضي منذ أواخر عام 2021، إذ باعت شركة Decentraland عقارات وأراضي داخل العالم الافتراضي بقيم تجاوزت مئات الآلاف من الدولارات، وبسعر للمتر المربع تخطى أحياناً الـ4 آلاف دولار.
وشركة Decentraland عبارة عن بيئة افتراضية على الإنترنت يمكن لمستخدميها شراء أراضٍ وزيارة مبانٍ والتجول والتعرف على أشخاص رمزيين، وقال متحدث باسم الشركة إن شركة ميتافيرس غروب التابعة لـTokens.com كانت قد اشترت قطعة الأرض الافتراضية مقابل 618 ألفاً من عملة MANA المشفرة.
بأية سرعة يتطور الميتافيرس؟
يبدو أن العالم الافتراضي أو الميتافيرس يتطور بسرعة فائقة بالفعل ويطرق أبواب استثمار جديدة، خصوصاً منذ أن قام مارك زوكربيرغ بتغيير اسم العملاق الأزرق وكبير منصات التواصل الاجتماعي من فيسبوك إلى “ميتا”، حيث أعطى ذلك دفعة هائلة للميتافيرس أو تقنية العالم الافتراضي، الموجودة بالفعل منذ سنوات، لكنها كانت محصورة داخل ألعاب الفيديو.
فالمقصود بالميتافيرس هو العوالم الافتراضية، وبشكل عام هذه التقنية موجودة بالفعل منذ سنوات وتستخدم بالأساس في ألعاب الفيديو، لكن ما يتحدث عنه خبراء التكنولوجيا الآن أمر مختلف، يهدف إلى جعل الميتافيرس كأنها نسخة منقحة من الواقع الافتراضي.
ويعتقد كثير من خبراء التكنولوجيا أن الميتافيرس سيكون الثورة القادمة في مستقبل الإنترنت، بل إن ثمة اعتقاداً بأن مقارنة الميتافيرس بالواقع الافتراضي المستخدم في الألعاب حالياً ربما تشبه مقارنة الهواتف الذكية بالجيل الأول من الهواتف المحمولة الضخمة التي أُنتجت في ثمانينيات القرن الماضي، بحسب تقرير لشبكة BBC البريطانية.
فالميتافيرس أو العالم الافتراضي الجديد يمكن أن يستخدم في أي شيء، كالعمل واللعب والحفلات الموسيقية والذهاب إلى دور السينما، أو مجرد الالتقاء بالأصدقاء. ويتصور غالبية الناس أنك تحتاج إلى “أفاتار” أو صورة رمزية ثلاثية الأبعاد، لكي تتمكن من استخدامه.
من الإعلان عن إطلاق مارك زوكربيرغ
فبدلاً من الجلوس أمام جهاز كمبيوتر، ربما كل ما ستحتاج إليه عند الاتصال بالميتافيرس هو نظارة أو جهاز يوضع على الرأس؛ لكي تتمكن من دخول عالم افتراضي يربط بين مختلف أنواع البيئات الرقمية.
وبشكل عام، لن يكون الإنترنت موجوداً بشكله الحالي خلف الشاشات مستقبلاً على الأرجح، ومن المحتمل أن تكون طريقة تفاعلنا معه مختلفةً تماماً. إذ سنتلاعب بالأغراض مستخدمين الواقع المعزز AR، وسنستكشف عوالم الواقع الافتراضي VR، لندمج بين العالمين الواقعي والرقمي بطرق لا يمكننا تصورها حالياً.
فما الذي سيعنيه ذلك بالنسبة لعالم الأعمال؟ حيث بدأنا التحول بعيداً عن وظائف الدوام الكامل التي اعتدنا التنقُّل إليها كل صباح، وبدأنا في تفادي العمل داخل المكاتب التقليدية. ويرجع الفضل هنا إلى عامين من إغلاقات الجائحة، وشغفنا الجديد بالاجتماعات الافتراضية أو تساهلنا معها. وهل تتمثل الخطوة المنطقية التالية في العمل داخل الميتافيرس؟
هل ستنتقل الأعمال إلى العالم الافتراضي؟
شبكة BBC البريطانية نشرت تقريراً عنوانه “هل سيقع مقر عملك الجديد في الميتافيرس؟”، رصد كيف أن مصطلح الميتافيرس قد أصبح من المصطلحات المبالغ فيها، وبالتالي فإن من الضروري الإشارة إلى أن الميتافيرس لا وجود له حتى الآن. فضلاً عن أن المستثمرين في هذا المفهوم يختلفون حول تعريفه وشكله المحدد.
فهل ستتواصل العوالم الافتراضية المتنافسة بطريقة لا تحدث بين التقنيات المتنافسة في الوقت الراهن؟ وهل سنقضي داخل الميتافيرس وقتاً أطول من ذلك الذي نقضيه في العالم الواقعي؟ وهل سنحتاج إلى مجموعة جديدة كلياً من القواعد لحوكمة تلك المساحات الجديدة؟
لا توجد إجابات عن هذه الأسئلة حتى الآن، لكن هذا الأمر لم يوقف سيل الاهتمام والغلو الذي يحيط بالميتافيرس، حيث ترى الشركات في هذه التقنية وسيلةً جديدة لكسب المال.
فقد افتتحت العديد من الشركات مقرات لها في عوالم الميتافيرس الوليدة، بدايةً بعالم هورايزون وورلدز Horizon Worlds من شركة ميتا، ووصولاً إلى ألعاب مثل Roblox وFortnite، وانتهاءً بالأراضي حديثة الإنشاء في عوالم ساندبوكس Sandbox وديسنترلاند Decentraland.
وتبيع شركة مثل Nike أحذيةً رياضية افتراضيةً الآن، بينما يمتلك مصرف HSBC قطعة أرض في ساندبوكس، فيما توجد علامات مثل Coca-Cola، وLouis Vuitton، وSotheby’s داخل ديسنترلاند.
وجرت صياغة مصطلح الميتافيرس قبل نحو 30 عاماً على يد المؤلف نيل ستيفنسون، حيث وجد بطل روايته، “تحطم الثلج Snow Crash”، حياةً أفضل لنفسه داخل عالم واقع افتراضي.
نظارات الواقع الافتراضي
وجاءت أجرأ الخطوات لتحويل الرواية الخيالية إلى تقنيةٍ واقعية في أكتوبر/تشرين الأول عام 2021، إذ أعلنت شركة فيسبوك تغيير اسمها إلى ميتا، وبدأت استثمار مليارات الدولارات من أجل تحويل نفسها إلى شركةٍ تركز على الميتافيرس أولاً، وقررت توظيف 10 آلاف شخص من الاتحاد الأوروبي لتطوير تلك التقنية، وذلك في رؤيةٍ يقودها مؤسس الشركة ومديرها زوكربيرغ.
لكن هيرمان نارولا، الرئيس التنفيذي لشركة Improbable التي تطور برمجيات لبناء أراضي الميتافيرس، ليس مقتنعاً برؤية زوكربيرغ، إذ قال: “لماذا نريد بناء مكتبٍ في الميتافيرس يشبه مكتبنا في العالم الواقعي؟ تتمثل الفكرة الرئيسية للمساحات الإبداعية داخل العوالم الجديدة في توسيع تجاربنا، وليس تقليد ما نمتلكه بالفعل في عالمنا الواقعي. لكنني لا أعتقد أننا سنجد الكثير من الوظائف في الميتافيرس، بل سنحتاج لمشرفين مثلاً”.
ولا شك في أن جانب الإشراف -أو المراقبة الشرطية- في الميتافيرس يُعَدُّ مثيراً للجدل. ولا يقتصر السبب على الصعوبة الفنية لمراقبة مليارات شخصيات الأفاتار التي تجري دردشات مباشرة في مختلف أرجاء العالم الافتراضي، بل يتمثل أحد أوجه الصعوبة أيضاً في الكم المهول من البيانات الخاصة بتلك الشخصيات.
كيف يمكن تنظيم العالم الافتراضي؟
وجدت دراسة أجرتها جامعة ستانفورد، أن قضاء 20 دقيقة فقط داخل الواقع الافتراضي يُنتج أكثر من مليوني تسجيل لحركات الجسم الفريدة، مما سيمثل سيل بيانات جديدة وثرية للشركات.
ويرى أليكس رايس، الشريك المؤسس في شركة HackerOne للأمان عبر الإنترنت، أننا بحاجة إلى التفكير بتعمق في تصميم الميتافيرس قبل أن تدرس أي شركةٍ إطلاق يد موظفيها داخله.
ويقول رايس: “تخيل المحادثات الحميدة التي تجري في أوقات الراحة داخل المكتب. وتصور أنها تجري داخل بيئة ميتافيرس مراقبة بالكامل. لا شك في أن هذا الأمر ستكون له تداعيات يمكن أن تغير حياة المرء. إذ قد يتعرض الناس للفصل الفوري لمجرد أنهم قالوا شيئاً في محادثةٍ غير رسمية خاصة مع زميلٍ حسب اعتقادهم، لكن تلك المحادثة أصبحت خاضعة للمراقبة الجماعية في الشركات”.
بينما يعتقد توم فيسكي، محرر نشرة Immersive Wire، أن الوقت ما يزال مبكراً على بدء التفكير في العمل داخل الميتافيرس. وأوضح لـ”بي بي سي”: “ما يزال نقاش فكرة الميتافيرس غارقاً في الصعوبات، وما يزال التعريف ضعيفاً وعرضةً للجدل. ويُعَدُّ المصطلح نفسه عرضةً للنقاش وغير واضح المعالم، لهذا من الصعب الجزم بما إذا كنا سنعمل من داخل الميتافيرس في المستقبل”.
وربما لا يستطيع أحدٌ وضع تعريف مطلق للميتافيرس، لكن التقنية لديها بعض توقعات السوق الإيجابية، إذ اقترحت McKinsey وصول القيمة السوقية لهذا المجال إلى 5 تريليونات دولار بحلول 2030. بينما توقعت Gartner أن يقضي ربع سكان العالم ساعة يومياً على الأقل داخل الميتافيرس بحلول 2026.
فيما تبنى ماثيو بول، كبير المحللين في شركة Canalys، الرأي المعاكس. حيث توقع أن غالبية المشروعات التجارية الحالية في الميتافيرس ستختفي بحلول عام 2025.
ويعتقد بول أن الشركات تحتاج للتفكير فيما إذا كان وجودها داخل الميتافيرس ضرورياً، أم أنها تفعل ذلك لمجرد أن تكون من مستخدمي التقنية.
وقال بول: “لا تحتاج جميع الشركات لأجهزة واقع افتراضي من أجل تحية شخصيات الأفاتار الخاصة بزملاء العمل عن بعد، أو من أجل تخيّل النماذج الافتراضية. ولن تحتاج جميع الشركات لأجهزة واقع افتراضي من أجل إجراء الاجتماعات. ولا شك في أن أجهزة الواقع الافتراضي قوية ومقنعة، لكن مكالمات تطبيقات مثل Zoom وTeams تعد بمثابة بدائل شبه خالية من الاحتكاك وأقل تعقيداً”.
أما تيفاني رولف، فتشغل منصب الرئيسة الإبداعية في RGA، وسبق لها العمل مع بعض أفراد فريقها من داخل الميتافيرس، حيث أنشأت الشركة ملعباً افتراضياً لكرة القدم الأمريكية لصالح شركة Verizon داخل لعبة Fortnite أثناء الجائحة، كما تعاونوا مع ميتا لبناء عالم موسيقي داخل هورايزون وورلدز.
وقالت تيفاني: “يقضي الموظفون الوقت على حاسوبهم لتصميم الأشياء في المعتاد، ويتعين عليهم ارتداء أجهزة الرأس من أجل العمل مع البنائين داخل ذلك العالم”.
وتأتي أساليب العمل الجديدة مع اعتبارات جديدة، مثل طول فترة ارتداء الموظفين لأجهزة الرأس، حيث أوضحت: “يرتديها أفراد فريقي لمدة ساعتين تقريباً في كل مرة”.
ولا شك في أن حقيقة عمل الناس في الواقع الافتراضي تشير إلى احتمالية أن يحتوي الميتافيرس على مقرات عمل مستقبلية، لكن الوظائف التي ستوجد هناك ستختلف تماماً عن تلك الموجودة في العالم الواقعي على الأرجح.
وبالنسبة لأي شخص يأمل استبدال وظيفته التقليدية والحصول على جهاز رأس في المستقبل، فمن المحتمل أن يضطر إلى الانتظار لسنوات عديدة قبل أن يتحول الحلم إلى واقع “افتراضي”.
* المصدر: عربي بوست
* المادة تم نقلها حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع